فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ أبن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {نَزَّلَ} مشددة الزاي {الرُّوحَ الأمينَ} بالنصب.
والمراد بالرُّوح الأمين جبريل، وهو أمين على وحي الله تعالى إِلى أنبيائه، {على قَلْبِكَ} قال الزجاج: معناه: نزل عليك فوعاه قلبك، فثبت، فلا تنساه أبدًا.
قوله تعالى: {لِتَكونَ من المُنْذِرِينَ} أي: ممن أَنذر بآيات الله المكذَِّبين، {بلسان عربيّ مُبِين} قال ابن عباس: بلسان قريش ليفْهموا ما فيه.
قوله تعالى: {وإِنه لفي زُبُرِ الأوَّلِين} وقرأ الاعمش: {زُبْرِ} بتسكين الباء.
وفي هاء الكناية قولان.
أحدهما: أنها ترجع إِلى القرآن؛ والمعنى: وإِنَّ ذِكْر القرآن وخبره، هذا قول الأكثرين.
والثاني: أنها تعود إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله مقاتل.
والزُّبُر: الكُتُب.
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكُنْ لهم آيَةً أن يَعْلَمه عُلماء بني إِسرائيل} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: {أولم يكن لهم} بالياء {آيةً} بالنصب.
وقرأ ابن عامر.
وابن أبي عبلة: {تكن} بالتاء {آيةٌ} بالرفع.
وقرأ أبو عمران الجوني، وقتادة {تكن} بالتاء {آيةً} بالنصب قال الزجاج: إِذا قلت: {يكن} بالياء، فالاختيار نصب {آيةً} ويكون {أنْ} اسم كان، ويكون {آية} خبر كان، المعنى: أَوَلَم يكن لهم عِلْم علماء بني إِسرائيل أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حقٌّ، وأن نبوَّته حق؟! {آية} أي: علامة موضحة، لأن العلماء الذين آمنوا من بني إِسرائيل وجدوا ذِكْر النبي صلى الله عليه وسلم مكتوبًا عندهم في التوراة والإِنجيل.
ومن قرأ: {أَوَلَم تكن} بالتاء {آيةٌ} جعل {آية} هي الاسم، و{أن يعلمه} خبر {تكن}.
ويجوز أيضًا {أوَلم تكن} بالتاء {آيةً} بالنصب، كقوله: {ثم لم تكن فِتْنَتُهم} [الأنعام: 23] وقرأ الشعبي، والضحاك، وعاصم الجحدري: {أن تَعْلَمَهُ} بالتاء.
قال ابن عباس: بعث أهل مكة إِلى اليهود وهم بالمدينة يسألونهم عن محمد صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إِنّ هذا لَزمانُه، وإِنّا لنجد في التوراة صفته، فكان ذلك آية لهم على صِدقه.
قوله تعالى: {على بعض الأعجمِين} قال الزجاج: هو جمع أعجم، والأنثى عجماء، والأعجم: الذي لا يُفْصِح، وكذلك الأعجمي؛ فأما العجمي: فالذي من جنس العجم، أفصح أو لم يُفْصِح.
قوله تعالى: {ما كانوا به مؤمِنِين} أي: لو قرأه عليهم أعجميّ لقالوا: لأنفقه هذا، فلم يؤمنوا.
قوله تعالى: {كذلك سلكناه} قد شرحناه في [الحجر: 12].
والمجرمون هاهنا المشركون.
قوله تعالى: {لا يؤمِنون به} قال الفراء: المعنى: كي لا يؤمنوا.
فأما العذاب الأليم، فهو عند الموت.
{فيقولوا} عند نزول العذاب {هل نحن مُنْظَرُون} أي: مُؤَخَّرون لنؤمِن ونصدِّق.
قال مقاتل: فلمّا أوعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعذاب، قالوا: فمتى هو؟ تكذيبًا به، فقال الله تعالى: {أَفَبعذابنا يَسْتعجلون}.
قوله تعالى: {أفرأيتَ إِنْ متَّعناهم سِنِينَ} قال عكرمة: عُمُرَ الدنيا.
قوله تعالى: {ثم جاءهم ما كانوا يُوعَدون} أي: من العذاب. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العالمين} عاد إلى ما تقدّم بيانه في أوّل السورة من إعراض المشركين عن القرآن.
{نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ} {نَزَلَ} مخفَّفًا قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو.
الباقون: {نَزَّلَ} مشدّدًا {بِهِ الرُّوحَ الأَمِينَ} نصبًا وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد لقوله: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ} وهو مصدر نزل.
والحجة لمن قرأ بالتخفيف أن يقول ليس هذا بمقدّر؛ لأن المعنى وإن القرآن لتنزيل رب العالمين نزل به جبريل إليك؛ كما قال تعالى: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ} [البقرة: 97] أي يتلوه عليك فيعيه قلبك.
وقيل: ليثبت قلبك.
{لِتَكُونَ مِنَ المنذرين بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} أي لئلا يقولوا لسنا نفهم ما تقول.
{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأولين} أي وإن ذكر نزوله لفي كتب الأوّلين يعني الأنبياء.
وقيل: أي إن ذكر محمد عليه السلام في كتب الأوّلين.
كما قال تعالى: {يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التوراة والإنجيل} [الأعراف: 157] والزُّبُر الكتب الواحد زَبُور كرسول ورسل؛ وقد تقدّم.
قوله تعالى: {أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بني إِسْرَائِيلَ}.
قال مجاهد: يعني عبد الله بن سَلاَم وسلمان وغيرهما ممن أسلم.
قال ابن عباس: بعث أهل مكة إلى اليهود وهم بالمدينة يسألونهم عن محمد عليه السلام، فقالوا: إن هذا لزمانه، وإنا لنجد في التوراة نعته وصفته.
فيرجع لفظ العلماء إلى كل من كان له علم بكتبهم أسلم أو لم يسلم على هذا القول.
وإنما صارت شهادة أهل الكتاب حجة على المشركين؛ لأنهم كانوا يرجعون في أشياء من أمور الدين إلى أهل الكتاب؛ لأنهم مظنون بهم علمٌ.
وقرأ ابن عامر؛ {أَوَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ آيَةٌ}.
الباقون {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً} بالنصب على الخبر واسم يكن {أَنْ يَعْلَمَهُ} والتقدير أولم يكن لهم علم علماء بني إسرائيل الذين أسلموا آية واضحة.
وعلى القراءة الأولى اسم كان {آيةٌ} والخبر {أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ}.
وقرأ عاصم الجحدري {أَنْ تَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ}.
{وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ على بَعْضِ الأعجمين} أي على رجل ليس بعربيّ اللسان {فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم} بغير لغة العرب لما آمنوا ولقالوا لا نفقه.
نظيره {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعْجَمِيًّا} [فصلت: 44] الآية.
وقيل: معناه ولو نزلناه على رجل ليس من العرب لما آمنوا به أنفة وكبرا.
يقال: رجل أعجم وأعجميّ إذا كان غير فصيح وإن كان عربيًا، ورجل عجميّ وإن كان فصيحًا ينسب إلى أصله؛ إلا أن الفرّاء أجاز أن يقال رجل عجميّ بمعنى أعجميّ.
وقرأ الحسن {عَلَىَ بَعْضِ الأَعْجَمِيِّينَ} مشدّدة بياءين جعله نسبة.
ومن قرأ: {الأَعْجَمِينَ} فقيل: إنه جمع أعجم.
وفيه بعد؛ لأن ما كان من الصفات الذي مؤنثه فعلاء لا يجمع بالواو والنون، ولا بالألف والتاء؛ لا يقال أحمرون ولا حمراوات.
وقيل: إن أصله الأعجمين كقراءة الجحدري ثم حذفت ياء النسب، وجعل جمعه بالياء والنون دليلًا عليها.
قاله أبو الفتح عثمان بن جِنِّي.
وهو مذهب سيبويه.
قوله تعالى: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ} يعني القرآن أي الكفر به {فِي قُلُوبِ المجرمين لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}.
وقيل: سلكنا التكذيب في قلوبهم؛ فذلك الذي منعهم من الإيمان؛ قاله يحيى بن سلاّم.
وقال عكرمة: القسوة.
والمعنى متقارب وقد مضى في الحجر.
وأجاز الفرّاء الجزم في {لاَ يُؤمِنُونَ}؛ لأن فيه معنى الشرط والمجازاة.
وزعم أن من شأن العرب إذا وضعت لا موضع كي لا في مثل هذا ربما جزمت ما بعدها وربما رفعت؛ فتقول: ربطت الفرس لا ينفلت بالرفع والجزم؛ لأن معناه إن لم أربطه ينفلت، والرفع بمعنى كيلا ينفلت.
وأنشد لبعض بني عُقيل:
وحتى رأينا أحسَن الفعلِ بيننا ** مُسَاكَنَةً لا يقرِفُ الشرَّ قارِفُ

بالرفع لما حذف كي.
ومن الجزم قول الآخر:
لَطَالَمَا حَلاتُمَاها لا تَرِدْ ** فخلِّياها والسِّجالَ تَبْتَرِدْ

قال النحاس: وهذا كله في {يُوْمِنُونَ} خطأ عند البصريين، ولا يجوز الجزم بلا جازم، ولا يكون شيء يعمل عملًا فإذا حذف عمل عملًا أقوى من عمله وهو موجود؛ فهذا احتجاج بيِّن.
{حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم} {فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً} أي العذاب.
وقرأ الحسن {فَتَأْتِيَهُمْ} بالتاء؛ والمعنى: فتأتيهم الساعة بغتة فأضمرت لدلالة العذاب الواقع فيها، ولكثرة ما في القرآن من ذكرها.
وقال رجل للحسن وقد قرأ: {فَتَأْتِيَهُم}: يا أبا سعيد إنما يأتيهم العذاب بغتة.
فانتهره وقال: إنما هي الساعة تأتيهم بغتة أي فجأة.
{وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بإتيانها.
{فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ} أي مؤخَّرون وممَهلون.
يطلبون الرجعة هنالك فلا يجابون إليها.
قال القشيري: وقوله: {فَيَأْتِيَهُمْ} ليس عطفًا على قوله: {حَتَّى يَرَوُا} بل هو جواب قوله: {لاَ يُوْمِنُونَ} فلما كان جوابًا للنفي انتصب؛ وكذلك قوله: {فَيَقُولُوا}.
قوله تعالى: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ}.
قال مقاتل: قال المشركون للنبيّ صلى الله عليه وسلم يا محمد إلى متى تعدنا بالعذاب ولا تأتي بها فنزلت: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ}.
{أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} يعني في الدنيا والمراد أهل مكة في قول الضحاك وغيره.
{ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ} من العذاب والهلاك {مَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ}.
{مَا} الأولى استفهام معناه التقرير، وهو في موضع نصب ب {أَغْنَى} و{ما} الثانية في موضع رفع، ويجوز أن تكون الثانية نفيًا لا موضع لها.
وقيل: {ما} الأولى حرف نفي، و{ما} الثانية في موضع رفع ب {أغنى} والهاء العائدة محذوفة.
والتقدير: ما أغنى عنهم الزمان الذي كانوا يمتعونه.
وعن الزهري: إن عمر بن عبد العزيز كان إذا أصبح أمسك بلحيته ثم قرأ: {أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ مَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ} ثم يبكي ويقول:
نهارُك يا مغرورُ سهوٌ وغفلةٌ ** وليلُك نومٌ والرَّدَى لك لازمُ

فلا أنتَ في الأَيقاظ يقظانُ حازمٌ ** ولا أنتَ في النُّوَّام ناجٍ فسالمُ

تُسَرُّ بما يَفْنَى وتفرحُ بالمنى ** كما سُرّ باللذات في النوم حالمُ

وتَسعى إلى ما سوف تكره غِبَّهُ ** كذلك في الدنيا تَعيشُ البهائمُ

. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192)}.
الضمير في: {وإنه} عائد على القرآن، أي إنه ليس بكهانة ولا سحر، بل هو من عند الله، وكأنه عاد أيضًا إلى ما افتتح به السورة من إعراض المشركين عما يأتيهم من الذكر، ليتناسب المفتتح والمختتم.
وقرأ الحرميان، وأبو عمرو، وحفص: {نزل} مخففًا، و{الروح الأمين}: مرفوعان؛ وباقي السبعة: بالتشديد ونصبهما.
والروح هنا: جبريل عليه السلام، وقد تقدم في سورة مريم لم أطلق عليه الروح، وبه قال ابن عطية: في موضع الحال كقوله: {وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به}. انتهى.
والظاهر تعلق {على قلبك} و{لتكون} بنزل، وخص القلب والمعنى عليك، لأنه محل الوعي والتثبيت، وليعلم أن المنزل على قلبه عليه السلام محفوظ، لا يجوز عليه التبديل ولا التغيير، وليكون علة في التنزيل أو النزول اقتصر عليها، لأن ذلك أزجر للسامع، وإن كان القرآن نزل للإنذار والتبشير.
والظاهر تعلق {بلسان} بنزل، فكان يسمع من جبريل حروفًا عربية.
قال ابن عطية، وهو القول الصحيح: وتكون صلصلة الجرس صفة لشدة الصوت وتداخل حروفه وعجلة مورده وإغلاظه.