فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198)}.
كان من جملة مطاعن المشركين في القرآن أنه ليس من عند الله، ويقولون: تقوله محمد من عند نفسه، وقالوا {أساطير الأولين اكتتبها} [الفرقان: 5] فدمغهم الله بأن تحدّاهم بالإتيان بمثله فعجزوا.
وقد أظهر الله بهتانهم في هذه الآية بأنهم إنما قالوا ذلك حيث جاءهم بالقرآن رسول عربي، وأنه لو جاءهم بهذا القرآن رسول أعجمي لا يعرف العربية بأن أوحى الله بهذه الألفاظ إلى رسول لا يفهمها ولا يحسن تأليفها فقرأه عليهم، وفي قراءته وهو لا يحسن اللغة أيضًا خارق عادة؛ لو كان ذلك لما آمنوا بأنه رسول مع أن ذلك خارق للعادة فزيادة قوله: {عليهم} زيادة بيان في خرق العادة.
يعني أن المشركين لا يريدون مما يلقونه من المطاعن البحث عن الحق ولكنهم أصروا على التكذيب وطفقوا يتحملون أعذارًا لتكذيبهم جحودًا للحق وتسترًا من اللائمين.
وجملة: {ولو نزلناه على بعض الأعجمين} معطوفة على جملة: {نزل به الروح الأمين على قلبك} إلى قوله: {بلسان عربي مبين} [الشعراء: 193 195] لأن قوله: {على قلبك} أفاد أنه أوتيه من عند الله وأنه ليس من قول النبي لا كما يقول المشركون: تَقَوَّله، كما أشرنا إليه آنفًا.
فلما فرغ من الاستدلال بتعجيزهم فضح نياتهم بأنهم لا يؤمنون به في كل حال، قال تعالى: {إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كلُّ آية} [يونس: 96، 97].
و{الأعجمين} جمع أعجم.
والأعجم: الشديد العُجمة، أي لا يحسن كلمة بالعربية، وهو هنا مرادف أعجمي بياء النسب فيصح في جمعه على أعجمين اعتبارُ أنه لا حذف فيه باعتبار جمع أعجم كما قال حميد بن ثور يصف حمامة:
ولم أر مثلي شاقه لفظ مثلها ** ولا عربيًا شاقه لفظُ أعجما

ويصح اعتبار حذف ياء النسب للتخفيف.
وأصله: الأعجميين كما في الشعر المنسوب إلى أبي طالب:
وحيثُ ينيخ الأشْعَرُون رِحالهم ** بملقَى السيول بين سَاففٍ ونائل

أي الأشعريون، وعلى هذين الاعتبارين يحمل قول النابغة:
فعودا له غسان يرجون أَوْبَهُ ** وترك ورهط الأعْجمين وكابُل

{كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200)}.
تقدم نظير أول هذه الآية في سورة الحجر (12)، إلاّ أن آية الحجر قيل فيها: {كذلك نسلكه} وفي هذه الآية قيل: {سلكناه}، والمعنى في الآيتين واحد، والمقصود منهما واحد، فوجه اختيار المضارع في آية الحِجر أنه دال على التجدد لئلا يتوهم أن المقصود إبلاغٌ مضى وهو الذي أبلغ لشيع الأولين لتقدم ذكرهم فيتوَهَّم أنهم المراد بالمجرمين مع أن المراد كفار قريش.
وأما هذه الآية فلم يتقدم فيها ذكر لغير كفار قريش فناسبها حكاية وقوع هذا الإبلاغ منذ زمن مضَى.
وهم مستمرون على عدم الإيمان.
وجملة: {كذلك سلكناه} إلخ مستأنفة بيانيَّة، أي إن سألت عن استمرار تكذيبهم بالقرآن في حين أنه نزل بلسان عربي مبين فلا تعجَب فكذلك السلوككِ سلكناه في قلوب المشركين؛ فهو تشبيه للسلوك المأخوذ من {سلكناه} بنفسه لغرابته.
وهذا نظير ما تقدم في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا} في سورة البقرة (143)، أي هو سلوك لا يشبهه سلوك وهو أنه دخل قلوبهم بإبانته وعَرفوا دلائل صدقه من أخبار علماء بني إسرائيل ومع ذلك لم يؤمنوا به.
ومعنى: {سلكناه} أدخلناه، قال الأعشى:
كما سَلَكَ السَّكِّيَّ في الباب فَيْتَقُ

وعبّر عن المشركين ب {المجرمين} لأن كفرهم بعد نزول القرآن إجرام.
وجملة: {لا يؤمنون به} في موضع الحال من {المجرمين}.
والغاية في {حتى يروا العذاب} تهديد بعذاب سيحلّ بهم، وحث على المبادرة بالإيمان قبل أن يحل بهم العذاب.
والعذاب صادق بعذاب الآخرة لمن هلكوا قبل حلول عذاب الدنيا، وصادق بعذاب السيف يومَ بدر، ومعلوم أنه {لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل} [الأنعام: 158].
وقوله: {فيأتيهم بغتة} صالح للعذابين: عذاب الآخرة يأتي عقب الموت والموت يحصل بغتة، وعذاببِ الدنيا بالسيف يحصل بغتة حين الضرب بالسيف.
والفاء في قوله: {فيأتيهم} عاطفة لفعل {يأتيهم} على فعل {يروا} كما دل عليه نصب {يأتيهَم} وذلك ما يستلزمه معنى العطف من إفادة التعقيب فيثير إشكالًا بأن إتيان العذاب لا يكون بعد رؤيتهم إياه بل هما حاصلان مقترنين فتعيّن تأويل معنى الآية.
وقد حاول صاحب الكشاف والكاتبون عليه تأويلها بما لا تطمئن له النفس.
والوجه عندي في تأويلها أن تكون جملة: {فيأتيهم بغتة} بدل اشتمال من جملة {يروا العذاب الأليم} وأدخلت الفاء فيها لبيان صورة الاشتمال، أي أن رؤية العذاب مشتملة على حصوله بغتة، أي يرونه دفعة دون سبق أشراطٍ له.
أما الفاء في قوله: {فيقولوا} فهي لإفادة التعقيب في الوجود وهو صادق بأسرع تعذيب فتكون خطرة في نفوسهم قبل أن يهلكوا في الدنيا، أو يقولون ذلك ويرددونه يوم القيامة حين يرون العذاب وحين يُلقون فيه.
و{هل} مستعملة في استفهام مراد به التمني مجازًا.
وجيء بعدها بالجملة الاسمية الدالة على الثبات، أي تمنوا إنظارًا طويلًا يتمكنون فيه من الإيمان والعمل الصالح.
{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ أَفَرَأَيْتَ إِن متعناهم سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ مَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا}.
نشأ عن قوله: {فيَأتيهم بغتةً وهم لا يشعرون} [الشعراء: 202] تقدير جواب عن تكرر سؤالهم: {متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} [يونس: 48]، حيث جعلوا تأخر حصول العذاب دليلًا على انتفاء وقوعه، فأُعقب ذلك بقوله: {أفبعذابنا يستعجلون}.
فالفاء في قوله: {أفبعذابنا يستعجلون} تفيد تعقيب الاستفهام عقب تكرر قولهم {متى هذا الوعد} [يونس: 48] ونحوِه.
والاستفهام مستعمل في التعجيب من غرورهم.
والمعنى: أيستعجلون بعذابنا فما تأخيره إلا تمتيع لهم.
وكانوا يستهزئون فيقولون: {متى هذا الوعد}، ويستعجلون بالعذاب {وقالوا ربنا عجّل لنا قطنا قبل يوم الحساب} [ص: 16].
قال مقاتل: قال المشركون للنبيء صلى الله عليه وسلم يا محمد إلى متى تعِدُنا بالعذاب ولا تأتي به، فنزلت {أفبعذابنا يستعجلون}.
وتقديم بعذابنا للرعاية على الفاصلة وللاهتمام به في مقام الإنذار، أي ليس شأن مثله أن يستعجل لفظاعته.
ولما كان استعجالهم بالعذاب مقتضيًا أنهم في مُهلة منه ومتعة بالسلامة وأن ذلك يغرهم بأنهم في منجاة من الوعيد الذي جاءهم على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم جابههم بجملة: {أفرأيت إن متعناهم سنين}.
والاستفهام في {أفرأيت إن متعناهم} للتقرير.
و{ما} في قوله: {ما أغنى عنهم} استفهامية وهو استفهام مستعمل في الإنكار، أي لم يغن عنهم شيئًا.
والرؤية في {أفرأيت} قلبية، أي أفعلمت.
والخطاب لغير معين يعمّ كل مخاطب حتى المجرمين.
وجملة: {إن متّعناهم سنين} معترضة وجواب الشرط محذوف دل عليه ما سدّ مسدّ مفعولي رأيت.
و{ثم جاءهم} معطوف على جملة الشرط المعترضة، و{ثم} فيه للترتيب والمهلة، أي جاءهم بعد سنين.
وفيه رمز إلى أن العذاب جائيهم وحالّ بهم لا محالة.
و{ما كانوا يوعدون} موصول وصلته.
والعائد محذوف تقديره: يوعدونه.
وجملة: {ما أغنى عنهم} سادة مسدّ مفعولي رأيتَ لأنه معلَّق عن العمل بسبب الاستفهام بعده.
و{ما كانوا يمتعون} موصول وصلتُه.
والعائد محذوف تقديره: يمتعونه.
والمعنى: أعلمتَ أن تمتيعهم بالسلامة وتأخير العذاب إن فرض امتدادُه سنين عديدة غير مغن عنهم شيئًا إن جاءهم العذاب بعد ذلك.
وهذا كقوله تعالى: {ولئن أخَّرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولُنّ ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفًا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن} [هود: 8]، وذلك أن الأمور بالخواتيم.
في تفسير القرطبي: روى ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز كان إذا أصبح أمسك بلحيته ثم قرأ: {أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يُمَتّعون} ثم يبكي ويقول:
نهارك يا مغرور سهو وغفلة ** وليلك نوم والردى لك لازم

فلا أنت في الأيقاظ يقظان حازم ** ولا أنت في النّوّام ناج فسالم

تُسرّ بما يفنى وتفرح بالمنى ** كما سُرّ باللذات في النوم حالم

وتسعى إلى ما سوف تكره غبّه ** كذلك في الدنيا تعيش البهائم

ولم أقف على صاحب هذه الأبيات قال ابن عطية: ولأبي جعفر المنصور قصة في هذه الآية.
ولعل ما روُي عن عمر بن عبد العزيز رُوي مثيله عن المنصور. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192)}.
أكد جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن هذا القرآن العظيم تنزيل رب العالمين، وأنه نزل به الروح الأمين الذي هو جبريل على قلب نبينا صلى الله عليهما وسلم، ليكون من المنذرين به، وأنه نزل عليه بلسان عربي مبين، وما ذكره جل وعلا هنا أوضحه في غير هذا الموضع، أما كون هذا القرآن تنزيل رب العالمين فقد أوضحه جل وعلا في آيات من كتابه كقوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ العالمين} [الواقعة: 77- 80] وقوله تعالى: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ العالمين} [الحاقة: 41- 43] وقوله تعالى: {طه مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يخشى تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَق الأرض والسماوات العلى} [طه: 14] وقوله تعالى: {تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز الحكيم} [الزمر: 1] وقوله: {حمتَنزِيلٌ مِّنَ الرحمن الرحيم كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [فصلت: 13] الآية. وقوله تعالى: {يس والقرآن الحكيم إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ تَنزِيلَ العزيز الرحيم لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} [يس: 16] والآيات بمثل ذلك كثيرة، وقوله: {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين} بينه أيضًا في غير هذا الموضع كقوله: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ بِإِذْنِ الله} [البقرة: 97] الآية، وقوله: {لِتَكُونَ مِنَ المنذرين} أي نزل به عليك لأجل أن تكون من المنذرين به، جاء مبينًا في آيات أخر كقوله تعالى: {المص كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِه} [الأعراف: 12] الآية، أي: أنزل إليك لتنذر به، وقوله تعالى: {تَنزِيلَ العزيز الرحيم لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ} [يس: 56] الآية وقوله: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} ذكره أيضًا في غير هذا الموضع كقوله تعالى: {لِّسَانُ الذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وهذا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} [النحل: 103] وقوله تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيّاَ} [فصلت: 3] الآية.
وقد بينا معنى اللسان العربي بشواهده في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى {وهذا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِين} وقد أوضحنا معنى إنزال جبريل القرآن على قلبه صلى الله عليه وسلم بالآيات القرآنية في سورة البقرة في الكلام على قوله تعالى: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ بِإِذْنِ الله} [البقرة: 103] الآية.
{وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199)}.
قد قدمنا هذه الآية الكريمة، مع ما يوضحها من الآيات في النحل في الكلام على قوله تعالى: {لِّسَانُ الذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وهذا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} [النحل: 103] الآية.
واعلم أن كل صوت غير عربي تسميه العرب أعجم، ولو من غير عاقل ومنه قول حميد بن ثور يذكر صوت حمامة:
فلم أر مثلي شاقه صوت مثلها ** ولا عربيًا شاقه صوت أعجما

{كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201)}.
قوله: {سلكناه} أي أدخلناه كما قدمنا إيضاحه بالآيات القرآنية والشواهد العربية في سورة هود، في الكلام على قوله تعالى: {قُلْنَا احمل فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين} [هود: 40] الآية، والضمير في سلكناه قيل: للقرآن، وهو الأظهر، وقيل: للتكذيب والكفر المذكور في قوله: {فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 199]، وهؤلاء الكفار الذين ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم: هم الذين حقت عليهم كلمة العذاب، وسبق في علم الله: أنهم أشقياء كما يدل لذلك قوله تعالى: {وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم} [يونس: 96- 97] وقد أوضحنا شدة تعنت هؤلاء، وأنهم لا يؤمنون بالآيات في سورة الفرقان وفي سورة بني إسرائيل وغيرهما. وقوله: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ} نعت لمصدر محذوف أي كذلك السلك أي الإدخال. سلكناه: أي أدخلناه في قلوب المجرمين، وإيضاحه على أنه القرآن أن الله أنزله على رجل عربي فصيح بلسان عربي مبين، فسمعوه وفهموه لأنه بلغتهم، ودخلت معانيه في قلوبهم، ولكنهم لم يؤمنوا به، لأن كلمة العذاب حقت عليهم، وعلى أن الضمير في سلكناه للكفر والتكذيب فقوله عنهم {مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 199] يدل على إدخال الكفر والتكذيب في قلوبهم، أي كذلك السلك سلكناه. إلخ.
{فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203)}.
لفظة هل هنا يراد بها التمني، والآية تدل على أنهم تمنوا التأخير والإنظار أي الإمهال، وقد دلت آيات أخر على طلبهم ذلك صريحًا، وأنهم لم يجابوا إلى ما طلبوا، كقوله تعالى: {وَأَنذِرِ الناس يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب فَيَقُولُ الذين ظلموا رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرسل أَوَلَمْ تكونوا أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ} [إبراهيم: 44] وأوضح أنهم لا ينظرون في آيات من كتابه كقوله تعالى: {بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} [الأنبياء: 40] وقوله تعالى: {وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ} [الحجر: 8] إلى غير ذلك من الآيات.
{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204)}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الرعد في الكلام على قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالسيئة قَبْلَ الحسنة} [الرعد: 6] الآية، وذكرنا طرفًا منه في سورة يونس في الكلام على قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المجرمون أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} [يونس: 50- 51]. اهـ.