فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الثالث: يعني قائمًا وجالسًا وعلى حالاتك كلها، قاله قتادة.
الرابع: يعني حين تخلو، قاله الحسن، ويكون القيام عبارة عن الخلوة لوصوله إليها بالقيام عن ضدها.
قوله تعالى: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} فيه ستة تأويلات:
أحدها: من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبيًا، قاله ابن عباس.
الثاني: يرى تقلبك في صلاتك وركوعك وسجودك، حكاه ابن جرير.
الثالث: أنك ترى تقلبك في صلاتك من خلفك كما ترى بعينك من قدامك، قاله مجاهد.
الرابع: معناه وتصرفك في الناس، قاله الحسن لتقلبه في أحواله وفي أفعاله.
الخامس: تقلب ذكرك وصفتك على ألسنة الأنبياء من قبلك.
السادس: أن معنى قوله: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} إذا صليت منفردًا {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} إذا صليت في الجماعة، قاله قتادة.
ويحتمل سابعًا: الذي يراك حين تقوم لجهاد المشركين، {وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ} فيما تريد به المسلمين وتشرعه من أحكام الدين.
قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونُ} يعني إذا غضبوا سبوا، وفيهم أربعة أقاويل:
أحدها: أنهم الشياطين، قاله مجاهد.
الثاني: المشركون، قاله ابن زيد.
الثالث: السفهاء، قاله الضحاك.
الرابع: الرواة، قاله ابن عباس.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: في كل فن من الكلام يأخذون، قاله ابن عباس.
الثاني: في كل لغو يخوضون، قاله قطرب، ومنه قول الشاعر:
إني لمعتذر إليك من الذي ** أسديت إذ أنا في الضلال أهيم

الثالث: هو أن يمدح قومًا بباطل، ويذم قومًا بباطل، قاله قتادة.
وفي الهائم وجهان:
أحدهما: أنه المخالف في القصد، قاله أبو عبيدة.
الثاني: أنه المجاوز للحد.
{وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ} يعني ما يذكرونه في شعرهم من الكذب بمدح أو ذم أو تشبيه أو تشبيب.
{إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} تقديره فإنهم لا يتبعهم الغاوون ولا يقولون ما لا يفعلون.
روي أن عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وحسان بن ثابت أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} فبكواْ عنده وقالوا: هلكنا يا رسول الله: فأنزل الله {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} فقرأها عليهم حتى بلغ إلى قوله: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} فقال: أنتم.
{وَذَكرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا} فيه وجهان:
أحدهما: في شعرهم.
الثاني: في كلامهم.
{وَانتَصَرُواْ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} أي ردّوا على المشركين ما كانوا يهجون به المؤمنين فقاتلوهم عليه نصرة للمؤمنين وانتقامًا من المشركين.
{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} وهذا وعيد يراد به من هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشعراء لكل كافر من شاعر وغير شاعر سيعلمون يوم القيامة أي مصير يصيرون وأي مرجع يرجعون، لأن مصيرهم إلى النار وهو أقبح مصير، ومرجعهم إلى العذاب وهو شر مرجع.
والفرق بين المنقلب والمرجع أن المنقلب الانتقال إلى ضد ما هو فيه والمرجع العود من حال هو فيها إلى حال كان عليها، فصارإلى مرجع منقلبًا وليس كل منقلب مرجعًا. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217)}.
قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر وشيبة {فتوكل} بالفاء وكذلك في مصاحف أهل المدينة والشام، والجمهور بالواو وكذلك في سائر المصاحف، وأمره الله تعالى بالتوكل عليه في كل أمره، ثم جاء بالصفات التي تؤنس المتوكل وهي العزة والرحمة المذكورتان في أواخر قصص الأمم المذكورة في هذه السورة. وضمنها نصر كل نبي على الكفرة والتهمم بأمره والنظر إليه، وقوله: {الذي يراك حين تقوم}، {يراك} عبارة عن الإدراك، وظاهر الآية أراد قيام الصلاة، ويحتمل أن يريد سائر التصرفات وهو تأويل مجاهد وقتادة، وقوله: {في الساجدين} قيل يريد أهل الصلاة أي صلاتك مع المصلين، قاله ابن عباس وعكرمة. وغيرهما، وقال أيضًا مجاهد يريد تقلبك أي تقليبك عينك وأبصارك الساجدين حين تراهم من وراء ظهرك.
قال القاضي أبو محمد: وهذا معنى أجنبي هنا، وقال ابن عباس أيضًا وقتادة أراد تقلبك في المؤمنين فعبر عنهم ب {الساجدين}، وقال ابن جبير أراد الأنبياء أي تقلبك كما تقلب غيرك من الأنبياء، وقوله تعالى: {هل أنبئكم} معناه قل لهم يا محمد هل أخبركم {على من تنزل الشياطين} وهذا استفهام توقيف وتقرير، والأفاك الكذاب، والأثيم الآثم. ويريد الكهنة لأنهم كانوا يتلقون من الشياطين الكلمة الواحدة التي سمعت من السماء، فيخلطون معها مائة كذبة، فإذا صدقت تلك الكلمة كانت سبب ضلالة لمن سمعها، وقوله: {يلقون} يعني الشياطين، ويقتضي ذلك أن الشيطان المسترق أيضًا كان يكذب إلى ما سمع هذا في الأكثر، ويحتمل الضمير في {يلقون} أي يكون للكهنة فإفكهم وحالهم التي تقتضي نفي كلامهم عن كلام كتاب الله عقب ذلك بذكر {الشعراء} وحالهم لينبه على بعد كلامهم من كلام القرآن، إذ قال في القرآن بعض الكفرة إنه شعر، وهذه الكناية هي عن شعراء الجاهلية، حكى النقاش عن السدي أنها في ابن الزبعرى وأبي سفيان بن الحارث وهبيرة بن أبي وهب ومسافع الجمحي وأبي عزة وأمية بن أبي الصلت.
قال القاضي أبو محمد: والأولان ممن تاب رضي الله عنهما، ويدخل في الآية كل شاعر مخلط يهجو ويمدح شهوة ويقذف المحصنات ويقول الزور، وقرأ نافع {يتْبعهم} بسكون التاء وهي قراءة أبي عبد الرحمن والحسن بخلاف عنه، وقرأ الباقون بشد التاء وكسر الباء، واختلف الناس في قوله: {الغاوون}، فقال ابن عباس هم الرواة وقال ابن عباس أيضًا هم المستحسنون لأشعارهم المصاحبون لهم، وقال عكرمة هم الرعاع الذي يتبعون الشاعر ويتغنمون إنشاده وهذا أرجح الأقوال، وقال مجاهد وقتادة {الغاوون} الشياطين، وقوله: {في كل واد يهيمون} عبارة تخليطهم وخوضهم في كل فن من غث الكلام وباطله وتحسينهم القبيح وتقبيحهم الحسن قاله ابن عباس وغيره، وقوله، {وأنهم يقولون ما لا يفعلون}، ذكر لتعاطيهم وتعمقهم في مجاز الكلام حتى يئول إلى الكذب، وفي هذا اللفظ عذر لبعضهم أحيانًا فإنه يروى أن النعمان بن عدي لما ولاه عمر بن الخطاب ميسان وقال لزوجته الشعر المشهور عزله عمر فاحتج عليه بقوله تعالى: {وأنهم يقولون ما لا يفعلون} فدرأ عنه عمر الحد في الخمر، وروى جابر ابن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «من مشى سبع خطوات في شعر كتب من الغاوين» ذكره أسد بن موسى وذكره النقاش.
{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا}.
هذا الاستثناء هو في شعراء الإسلام كحسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وكل من اتصف بهذه الصفة، ويروى عن عطاء بن يسار وغيره أن هؤلاء شق عليهم ما ذكر قبل في الشعراء وذكروا ذلك للنبي عليه السلام فنزلت آية الاستثناء بالمدينة، وقوله: {وذكروا الله كثيرًا} يحتمل أن يريد في أشعارهم وهو تأويل ابن زيد، ويحتمل أن يريد أن ذلك خلق لهم وعبادة وعادة قاله ابن عباس، وهذا كما قال لبيد حين طلب منه شعره إن الله أبدلني بالشعر القرآن خيرًا منه وكل شاعر في الإسلام يهجو ويمدح من غير حق ولا يرتدع عن قول دنيء فهم داخلون في هذه الآية وكل تقي منهم يكثر من الزهد ويمسك عن كل ما يعاب فهو داخل في الاستثناء، وقوله: {وانتصروا} إشارة إلى ما قاله من الشعر علي وغيره في قريش قال قتادة وفي بعض القراءة، {وانتصروا بمثل ما ظلموا} وباقي الآية وعيد للظلمة كفار مكة وتهديد لهم، وعمل {ينقلبون} في {أي} لتأخيره. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{وتَوَكَّلْ على العزيز الرَّحيم} أي: ثِقْ به وفوِّض أمرك إِليه، فهو عزيز في نِقْمته، رحيم لم يعجِّل بالعقوبة.
وقرا نافع، وابن عامر: {فَتَوَكَّل} بالفاء، وكذلك هو في مصاحف أهل المدينة والشام.
{الذي يراكَ حين تَقُوم} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: حين تقوم إِلى الصلاة، قاله ابن عباس، ومقاتل.
والثاني: حين تقوم من مقامك، قاله أبو الجوزاء.
والثالث: حين تخلو، قاله الحسن.
قوله تعالى: {وتَقَلُّبَكَ} أي: ونرى تقلُّبك {في الساجدين} وفيه ثلاثة أقوال.
أحدها: وتقلُّبك في أصلاب الأنبياء حتى أخرجك، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثاني: وتقلُّبك في الركوع والسجود والقيام مع المصلِّين في الجماعة؛ والمعنى: يراك وحدك ويراك في الجماعة، وهذا قول الأكثرين منهم قتادة.
والثالث: وتصرُّفك في ذهابك ومجيئك في أصحابك المؤمنين، قاله الحسن.
قوله تعالى: {هل أُنَبّئُكم على من تَنَزَّلُ الشَّياطين} هذا ردٌّ علهيم حين قالوا: إِنما يأتيه بالقرآن الشياطين.
فأما الأفَّاك فهو الكذّاب، والأثيم: الفاجر؛ قال قتادة: وهم الكهنة.
قوله تعالى: {يُلْقُون السَّمْع} أي: يُلْقُون ما سمعوه من السماء إِلى الكهنة.
وفي قوله: {وأكثرُهم كاذبون} قولان.
أحدهما: أنهم الشياطين.
والثاني: الكهنة.
قوله تعالى: {والشُّعراء يتَّبعهم الغاوون} وقرأ نافع: {يَتْبعهم} بسكون التاء؛ والوجهان حسنان، يقال: تَبِعْتُ واتَّبعت، مثل حقرتُ واحتقرتُ.
وروى العوفي عن ابن عباس، قال: كان رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تهاجيا، فكان مع كل واحد منهما غُواة من قومه، فقال الله: {والشعراء يتَّبعهم الغاوون}.
وفي رواية آخرى عن ابن عباس، قال: هم شعراء المشركين.
قال مقاتل: منهم عبد الله بن الزِّبَعْرى، وأبو سفيان بن حرب، وهبيرة ابن أبي وهب المخزومي في آخرين، قالوا: نحن نقول مثل قول محمد، وقالوا الشعر، فاجتمع إِليهم غُواة من قومهم يستمعون أشعارهم ويَرْوُون عنهم.
وفي الغاوين ثلاثة أقوال.
أحدها: الشياطين، قاله مجاهد، وقتادة.
والثاني: السُّفهاء، قاله الضحاك.
والثالث: المشركون، قاله ابن زيد.
قوله تعالى: {ألم تَرَ أنَّهم في كُلِّ وادٍ يَهيمون} هذا مَثَل بمن يَهيم في الأودية؛ والمعنى أنهم يأخذون في كل فنّ من لغو وكذب وغير ذلك؛ فيمدحون بباطل، ويذُمُّون بباطل، ويقولون: فعلنا، ولم يفعلوا.
قوله تعالى: {إِلاَّ الذين آمنوا} قال ابن عباس: لمّا نزل ذمُّ الشعراء، جاء كعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، فقالوا: يا رسول الله، أنزل اللّهُ هذا وهو يعلم أنّا شعراء، فنزلت هذه الآية.
قال المفسرون: وهذا الاستثناء لشعراء المسلمين الذين مدحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذمّوا من هجاه، {وذكروا الله كثيرًا} أي: لم يَشْغَلهم الشِّعر عن ذِكْر الله ولم يجعلوا الشِّعر همَّهم.
قال ابن زيد: وذكروا الله في شِعرهم.
وقيل: المراد بالذِّكْر: الشَِّعر في طاعة الله عز وجل.
قوله تعالى: {وانْتَصَروا} أي: من المشركين {مِنْ بَعْدِ ما ظُلِموا} لأن المشركين بدؤوا بالهجاء.
ثم أوعد شعراء المشركين، فقال: {وسَيَعْلَمُ الذين ظَلَمُوا} أي: أَشركوا وهَجَوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين {أيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون} قال الزجاج: {أيَّ} منصوبة بقوله: {ينقلبون} لا بقوله: {سيعلم}، لأن أيًّا وسائر أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها.
ومعنى الكلام: إِنهم يَنْقلبون إِلى نار يخلَّدون فيها.
وقرأ ابن مسعود، ومجاهد عن ابن عباس، وأبو المتوكل، وأبو رجاء: {أيَّ مُتَقَلَّبٍ يَتَقَلَّبُون} بتاءين مفتوحتين وبقافين على كل واحدة منهما نقطتان وتشديد اللام فيهما.
وقرأ أُبيُّ كعب، وابن عباس، وأبو العالية، وأبو مجلز، وأبو عمران الجوني، وعاصم الجحدري: {أيَّ مُنْفَلَتٍ يَنْفَلِتُون} بالفاء فيهما وبنونين ساكنين وبتاءين.
وكان شريح يقول: سيعلم الظّالمون حظّ من نقصوا، إِنّ الظّالم يَنْتَظِر العِقاب، وإِنّ المظلوم ينتظر النصر. اهـ.