فصل: قال صاحب روح البيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



هذا وسيأتي إن شاء الله تعالى كلام يتعلق بهذا البحث أيضًا عند الكلام في قوله تعالى: {وَمَا علمناه الشعر وَمَا يَنبَغِى له} [يس: 69] له ومن اللطائف أن سليمان بن عبد الملك سمع قول الفرزدق:
فبتن بجانبي مصرعات ** وبت أفض أغلاق الختام

فقال له قد وجب عليك الحد فقال يا أمير المؤمنين: قد درأ الله تعالى عني الحد بقوله سبحانه: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 226] {وَسَيَعْلَمْ الذين ظَلَمُواْ أي مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} تهديد شديد ووعيد أكيد لما في {سيعلم} من تهويل متعلقه وفي {يَرَى الذين ظَلَمُواْ} من الإطلاق والتعميم، وقد كان السلف الصالح يتواعظون بها، وختم بها أبو بكر رضي الله تعالى عنه وصيته حين عهد لعمر رضي الله تعالى عنه وذلك أنه أمر عثمان رضي الله تعالى عنه أن يكتب في مرض موته حينئذ {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم} هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة عند آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة في الحال التي يؤمن فيها الكافر ويتقي فيها الفاجر ويصدق فيها الكاذب إني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فإن يعدل فذاك ظني به ورجائي فيه وأن يجر ويبدل فلا عغلم فلا علم لي بالغيب والخير أردت ولكل امرىء ما اكتسب {وَسَيَعْلَمْ الذين ظَلَمُواْ أَيَ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}، وتفسير الظلم بالكفر وإن كان شائعًا في عدة مواضع من القرآن الكريم إلا أن الأنسب على ما قيل هنا الإطلاق لمكان قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} وقال الطيبي: سياق الآية بعد ذكر المشركين الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لقى منهم من الشدائد كما مر من أول السورة يؤيد تفير الظلم بالكفر.
وروى محيي السنة الذين ظلموا أشركوا وهجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقرأ ابن عباس وابن أرقم عن الحسن {أَيُّ} بالفاء والتاء والتاء الفوقية من الانفلات بعنى النجاة، والمعنى إن الظالمين يطمعون أن ينفلتوا من عذاب الله تعالى وسيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الانفلات {مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ} هنا معلقة وأي استفهام مضاف إلى {مُنقَلَبٍ} والناصب له {يَنقَلِبُونَ}، والجملة سادة مسد المفعولين كذا في البحر.
وقال أبو البقاء: أي منقلب مصدر نعت لمصدر محذوف والعامل {يَنقَلِبُونَ} أي ينقلبون انقلابًا أي منقلب ولا يعمل فيه يعلم لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله: وتعقب بأنه تخليط لأن أيًا إذا وصف بها لم تكن استفهامًا.
وقد صرحوا بأن الموصوف بها قسيم الاستفهامية، وتحقيق انقسام أي يطلب من كتب النحو والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال صاحب روح البيان:

{وَتَوكَّلْ} في جميع حالاتك {عَلَى الْعَزِيزِ} الذي لا يذل من والاه ولا يعز من عاداه فهو يقدر على قهر أعدائه.
{الرَّحِيمُ} الذي يرحم من توكل عليه وفوض أمره إليه بالظفر والنصرة فهو ينصر أولياءه ولا تتوكل على الغير فإن الله تعالى هو الكافي لشر الأعداء لا الغير والتوكل على الله تعالى في جميع الأمور والإعراض عما سواه ليس إلا من خواص الكمل جعلنا الله وإياكم من الملحقين بهم ثم أتبع به قوله: {الَّذِى يُرِيكُمُ} إلخ لأنه كالسبب لتلك الرحمة أي توكل على من يراك.
{حِينَ تَقُومُ} أي إلى التهجد في جوف الليل فإن المعروف من القيام في العرف الشرعي إحياء الليل بالصلاة فيه.
وفي الحديث: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل».
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه السلام «كان لا يدع قيام الليل وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدًا».
ومنها «إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة» رواه مسلم.
يقول الفقير: هذا أي ما صلى عليه السلام في النهار بدل ما فات منه في الليل من ورد التهجد يدل على أن التهجد ليس كسائر النوافل بل له فضيلة على غيره ولذا يوصي بإتيان بدله إذا فات مع أن النوافل لا تقضي.
{وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ} التقلب أي ويرى ترددك في تصفح أحوال المتهجدين لتطلع على حقيقة أمرهم كما روى أنه لما نسخ فرض قيام الليل عليه وعلى أصحابه بناء على أنه كان واجبًا عليه وعلى أمته وهو الأصح.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان واجبًا على الأنبياء قبله طاف عليه السلام تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون أي هل تركوا قيام الليل لكونه نسخ وجوبه بالصلوات الخمس ليلة المعراج حرصًا على كثرة طاعاتهم فوجدها كبيوت الزنابير لما سمع لها من دندنتهم بذكر الله وتلاوة القرآن {إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ} لما تقوله ولدعوات عباده ومناجاة الأسرار {الْعَلِيمُ} بما تنويه وبوجود مصالحهم وارادات الضمائر.
وقال بعضهم: {وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ} أي تصرفك فيما بين المصلين بالقيام والركوع والسجود والقعود إذا اممتهم فقوله في الساجدين معناه مع المصلين في الجماعة فكأن أصل المعنى يراك حين تقوم وحدك للصلاة ويراك إذا صليت مع المصلين جماعة.
وفي التأويلات النجمية: {الَّذِى يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} أي يرى قصدك ونيتك وعزيمتك عند قيامك للأمور كلها وقد اقتطعه بهذه الآية عن شهود الخلق فإن من علم أنه بمشهد الحق راعى دقائق حالاته وخفايا أحواله مع الحق وبقوله: {وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ} هون عليه معاناة مشاق العبادات لاخباره برؤيته له ولا مشقة لمن يعلم أنه بمرأى من مولاه ومحبوبه وأن حمل الجبال الرواسي يهون لمن حملها على شعرة من جفن عينه على مشاهدة ربه.
ويقال كنت بمرأى منا حين تقلبك في عالم الأرواح في الساجدين بأن خلقنا روح كل ساجد من روحك أنه هو السميع في الأزل مقالتك أنا سيد ولد آدم ولا فخر لأن أرواحهم خلقت من روحك العليم باستحقاقك لهذه الكرامة. انتهى.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ} من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبيًا، أي فمعنى في الساجدين في أصلاب الأنبياء والمرسلين من آدم إلى نوح وإلى إبراهيم وإلى من بعده إلى أن ولدته أمه وهذا لا ينافي وقوع من ليس نبيًا في آبائه فالمراد وقوع الأنبياء في نسبه.
واستدل الرافضة على أن آباء النبي عليه السلام كانوا مؤمنين أي لأن الساجد لا يكون إلا مؤمنًا فقد عبر عن الإيمان بالسجود وهو استدلال ظاهري وقوله عليه السلام: «لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات» لا يدل على الإيمان بل على صحة أنكحة الجاهلية كما قال عليه السلام في حديث آخر: «حتى أخرجني من بين أبوي لم يلتقيا على سفاح قط» وقد سبق نبذ من الكلام مما يتعلق بالمرام في أواخر سورة إبراهيم وحق المسلم أن يمسك لسانه عما يخل بشرف نسب نبينا عليه السلام ويصونه عما يتبادر منه النقصان خصوصًا إلى وهم العامة.
فإن قلت: كيف نعتقد في حق آباء النبي عليه السلام؟.
قلت: هذه المسألة ليست من الاعتقاديات فلا حظ للقلب منها وأما حظ اللسان فقد ذكرنا وذكر الحافظ السيوطي رحمه الله أن الذي للخلص أن أجداده عليه السلام من آدم إلى مرة بن كعب مصرح بإيمانهم أي في الأحاديث وأقوال السلف وبقي بين مرة وعبد المطلب أربعة أجداد ولم أظفر فيهم بنقل وعبد المطلب الأشبه أنه لم تبلغه الدعوة لأنه مات وسنه عليه السلام ثمان سنين والأشهر أنه كان على ملة إبراهيم عليه السلام أي لم يعبد الأصنام كما سبق في سورة براءة.
{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ} خطاب لكفار مكة وكانوا يقولون: إن الشياطين تتنزل على محمد فرد الله عليهم ببيان استحالة تنزلهم عليه بعد بيان امتناع تنزلهم بالقرآن.
والمعنى هل أخبركم أيها المشركون.
{عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} أي: تتنزل بحذف إحدى التاءين وكلمة من تضمنت الاستفهام ودخل عليها حرف الجر وحق الاستفهام أن يصدر في الكلام فيقال: أعلى زيد مررت ولا يقال: على أزيد مررت ولكن تضمنه ليس بمعنى أنه اسم فيه معنى الحرف بل معناه أن الأصل أمن فحذف حرف الاستفهام واستعمل على بعد حذفه كما يقال في هل أصله أهل ومعناه أقد فإذا أدخلت حرف الجر على من فقدر الهمزة قبل حرف الجر في ضميرك كأنك تقول أعلى من تنزل.
{تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ} كثير الإفك والكذب.
قال الراغب: الإفك كل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه.
{أَثِيمٍ} كثير الإثم وهو اسم للأفعال المبطئة عن الثواب، أي تتنزل على المتصفين بالإفك والإثم الكثير من الكهنة والمتنبئة كمسيلمة وطليحة لأنهم من جنسهم وبينهم مناسبة بالكذب والافتراء والإضلال وحيث كانت ساحة رسول الله منزهة عن هذه الأوصاف استحال تنزلهم عليه.
{يُلْقُونَ السَّمْعَ} الجملة في محل الجر على أنها صفة كل أفاك أثيم لكونه في معنى الجمع، أي يلقي الأفاكون الأذن إلى الشياطين فيتلقون منهم أوهامًا وأمارات لنقصان علمهم فيضمون إليها بحسب تخيلاتهم الباطلة خرافات لا يطابق أكثرها الواقع.
{وَأَكْثَرُهُمْ} أي: الأفاكين {كَاذِبُونَ} فيما قالوه من الأقاويل وليس محمد كذلك فإنه صادق في جميع ما أخبر من المغيبات والأكثر بمعنى الكل.
كلفظ البعض في قوله: {وَلاحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} (آل عمران: 50) أي كله وذلك كما استعملت القلة في معنى العدم في كثير من المواضع.
وقال بعضهم: إن الأكثرية باعتبار الأقوال لا باعتبار الذوات حتى يلزم من نسبة الكذب إلى أكثرهم كون أقلهم صادقين وليس معنى الأفاك من لا ينطق إلا بالإفك حتى يمتنع منه الصدق بل من يكثر الإفك فلا ينافيه أن يصدق نادرًا في بعض الأحيان.
وقال في كشف الأسرار: استثنى منهم بذكر الأكثر سطحيًا وشقًا وسواد بن قارب الذين كانوا يلهجون بذكر رسول الله وتصديقه ويشهدون له بالنبوة ويدعون الناس إليه. انتهى.
قال في حياة الحيوان: وأما شق وسطيح الكاهنان فكان شق إنسان له يد واحدة ورجل واحدة وعين واحدة وكان سطيح ليس له عظم ولا بنان إنما كان يطوى كالحصير لم يدرك أيام بعثة رسول الله عليه السلام وكان في زمن الملك كسرى وهو ساسان.
{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} يعني: ليس القرآن بشعر ولا محمد بشاعر لأن الشعراء يتبعهم الضالون والسفهاء وأتباع محمد ليسوا كذلك بل هم الراشدون المراجيح الرزان وكان شعراء الكفار يهجون رسول الله وأصحابه ويعيبون الإسلام فيتبعهم سفهاء العرب حيث كانوا يحفظون هجاءهم وينشدون في المجالس ويضحكون.
ومن لواحق هذا المعنى ما قال ابن الخطيب في روضته: ذهب جماعة من الشعراء إلى خليفة وتبعهم طفيلي فلما دخلوا على الخليفة قرأوا قصائدهم واحدًا بعد واحد وأخذوا العطاء فبقي الطفيلي متحيرًا فقيل له: اقرأ شعرك قال: لست أنا بشاعر وإنما أنا رجل ضال كما قال الله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} فضحك الخليفة كثيرًا فأمر له بأنعام.
وقال بعضهم: معنى الآية أن الشعراء تسلك مسلكهم وتكون من جملتهم الضالون عن سنن الحق لا غيرهم من أهل الرشد.
وفي التأويلات النجمية: يشير إلى أن الشعراء بحسب مقاماتهم ومطرح نظرهم ومنشأ قصدهم ونياتهم إذا سلكوا على أقدام التفكر مفاوز التذكر في طلب المعاني ونظمها وترتيب عروضها وقوافيها وتدبير تجنيسها وأساليبها تتبعهم الشياطين بالإغواء والإضلال ويوقعونهم في الأباطيل والأكاذيب.
قال في المفردات: شعرت أصبت الشعر ومنه استعير شعرت كذا أي علمته في الدقة كإصابة الشعر.
قيل: وسمي الشاعر شاعرًا لفطنته ودقة معرفته فالشعر في الأصل اسم للعلم الدقيق في قولهم: ليت شعري وصار في التعارف اسمًا للموزون المقفى من الكلام والشاعر المختص بصناعته وقوله تعالى: {بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} (الأنبياء: 5) حمله كثير من المفسرين على أنهم رموه بكونه آتيًا بشعر منظوم مقفى حتى تأولوا ما جاء في القرآن من كل لفظ يشبه الموزون من نحو وجفان كالجواب وقدور راسيات.