فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد يظن المرء أن مُنقلَبه مُنقلَب خير، وأنه سينتهي إلى ما يُفرح وهو واهم مخدوع في عمله ينتظر الخير، والله تعالى يُعِد له منقلبًا آخر، كالذي أعطاه الله الجنتين من أعناب وخففهما بنخل، وجعل بينهما زرعًا، فلما غرَّته نعمة الدنيا ظنَّ أن له مثلها، أو خيرًا منها في الآخرة، فقال: {وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنْقَلَبًا} [الكهف: 36].
والانقلاب والمرجع إلى الله عز وجل إنما يفرح به مَنْ آمن بالله وعمل صالحًا؛ لأنه يعلم أنه سيصير إلى جزاء من الحق سبحانه وتعالى مؤكد؛ لذلك الحق تبارك وتعالى يُعلِّمنا حين نركب الدواب التي تحملنا {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأنفس} [النحل: 7].
علَّمنا أن نذكره سبحانه: {والذي خَلَقَ الأزواج كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُواْ على ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا استويتم عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّآ إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} [الزخرف: 12- 14].
إذن: فالدوابّ وما يحلّ محلّها الآن من وسائل المواصلات من أعظم نِعَم الله علينا، ولولا أن الله سخَّرها لنا ما كان لنا قدرة عليها، ولا طاقة بتسخيرها؛ لذلك نقول {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13].
أي: لا نستطيع ترويضه، فالصبي الصغير نراه يقود الجمل الضخم، ويُنيخه ويُحمّله الأثقال وهو طائع منقاد، لكنه يفزع إنْ رأى ثعبانًا صغيرًا، لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى سخَّر لنا الجمل وذَلَّله، ولم يُسخِّر لنا الثعبان.
وصدق الله العظيم إذ يقول سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [يس: 71- 72].
ولكن ما علاقة قولنا: {سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] بقولنا: {وَإِنَّآ إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} [الزخرف: 14].
قالوا: لأننا سننقلب إلى الله في الآخرة، وسنُسأل عن هذا النعيم، فإنْ شكرنا ربنا على هذه النعمة فقد أدَّيْنا حقها، ومَنْ شكر الله على نعمة في الدنيا لا يسأل عنها في الآخرة؛ لأنه أدَّى حقَّها.
وقال سبحانه: {وَسَيَعْلَمْ} [الشعراء: 227] بالسين الدالة على الاستقبال، لكنها لا تعني طول الزمن كما يظن البعض؛ لأن الله تعالى أخفى الموت ميعادًا، وأخفاه سببًا ومكانًا، وهذا الإبهام للموت هو عَيْن البيان، لأنك في هذه الحالة ستنتظره وتتوقعه في كل وقت، ولو علم الإنسانُ موعد موته لقال: أفعل ما أريد ثم أتوب قبل أن أموت.
إذن: الوقت الذي تقتضيه السين هنا لا يطول، فقد يفاجئك الموت، وليس بعد الموت عمل أو توبة، واقرأ قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يلبثوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: 46].
وقلنا: إن في الآية {وَسَيَعْلَمْ الذين ظلموا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] تهديدًا ووعيدًا، الحق تبارك وتعالى حين يُضخّم الوعيد إنما يريد الرحمة بخَلْقه، وهو مُحِبٌّ لهم، فيهددهم الآن ليَسلموا غدًا، ويُنبِّههم ليعودوا إليه، فينالوا جزاءه ورحمته.
وكأنه تبارك وتعالى يريد من وراء هذا التهديد أن يُوزِّع رحمته لا جبروته، كما تقسو على ولدك ليذاكر وتهدده ليجتهد. إذن: فالوعد بالخير خير، والوعيد بالشر أيضًا خير، فكل ما يأتيك من ربك، فاعلم أنه خير لك، حتى وإنْ كان تهديدًا ووعيدًا.
وهكذا قدمتْ لنا سورة الشعراء نموذجًا من تسلية الحق تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم والتخفيف عنه ما يلاقي من حزن وألم على حال قومه وعدم إيمانهم، وعرضَتْ عليه صلى الله عليه وسلم موكب الرسل، وكيف أن الله أيَّدهم ونصرهم وهزم أعداءهم ودحرهم.
ثم سلاَّه ربه بأنْ رَدَّ على الكفار في افتراءاتهم، وأبطل حججهم، وأبان زَيْف قضاياهم، ثم تختم هذه التسلية ببيان أن للظالمين عاقبة سيئة تنتظرهم وأبهم هذه العاقبة {أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] ليضخمها.
والشيء إذا حُدِّد إنما يأتي على لَوْن واحد، وإنْ أُبهِم كان أبلغ؛ لأن النفس تذهب في تصوُّره كل مذْهب، كما لو تأخّر مسافر عن موعد عودته فنجلس ننتظره في قلق تسرّح بنا الظنون في سبب تأخره، وفي احتمالات ما يمكن أنْ يحدث، وتتوارد على خواطرنا الأوهام، وكل وهم يَرِد في نفسك بألم ولذعة، في حين أن الواقع شيء واحد. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله عز وجل: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبّ العالمين} يعني: القرآن ويقال: إنه إشارة إلى ما ذُكر في أول السورة تلك آيات الكتاب المبين، وأنه يعني: الكتاب لتنزيل رب العالمين {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين} قرأ حمزة والكسائي وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر {نَزَّلَ} بالتشديد وقرأ الباقون بالتخفيف، فمن قرأ بالتشديد، فمعناه نَزَّلَ الله تعالى بالقرآن الروح الأمين، يعني: جبريل عليه السلام نصب الروح لوقوع الفعل عليه، يعني: أنزل الله تعالى جبريل بالقرآن، ومن قرأ بالتخفيف، فمعناه نزل جبريل عليه السلام بالقرآن، فجعل الروح رفعًا، لأنه فاعل ثم قال: {على قَلْبِكَ} أي نزله عليك ليثبت به قلبك ويقال أي يحفظ به قلبك.
ويقال: {على قَلْبِكَ} أي نزل على قدر فهمك وحفظك.
ويقال: أي نزله عليك فوعاه قلبك، وثبت فيه، فلا تنساه أبدًا كما قال: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى} [الأعلى: 6] ويقال: على قلبك يعني: على موافقة قلبك ومرادك {لِتَكُونَ مِنَ المنذرين} يعني: من المخوفين بالقرآن للكفار من النار.
ثم قال عز وجل: {لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ} يعني: مبين لهم بلغتهم.
ويقال: بلغة قريش وهوازن، وكان لسانهما أفصح.
قال مقاتل: وذلك أنهم كانوا يقولون: إنه يُعلمه أبو فكيهة، وكان أعجميًا روميًا، فأخبر أن القرآن بلغة قريش {وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ الاولين} يعني: أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وصفته في كتب الأولين، كما قال: {الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبى الأمى الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ في التوراة والإنجيل يَأْمُرُهُم بالمعروف وينهاهم عَنِ المنكر وَيُحِلُّ لَهُمُ الطيبات وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبائث وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ والاغلال التي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فالذين ءَامَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ واتبعوا النور الذي أُنزِلَ مَعَهُ أولئك هُمُ المفلحون} [الأعراف: 157] والزبر الكتب، واحدها زبور، مثل رسل ورسول، ويقال: إنه يعني: القرآن لفي زبر الأولين، يعني: بعضه كان في كتب الأولين، ويقال: نعت القرآن، وخبره كان في كتب الأولين، ثم قال عز وجل: {أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ ءايَةً} بالتاء وضم الهاء، وقرأ الباقون بالياء بلفظ التذكير {ءايَةً} بالنصب، فمن قرأ بلفظ التذكير والنصب، جعل {أَن يَعْلَمَهُ} اسم كان، وجعل {ءايَةً} خبر كان، والمعنى أو لم يكن لهم علم علماء بني إسرائيل على جهة المعنى.
ومن قرأ بلفظ التأنيث والضم، جعل {ءايَةً} هي الاسم، {وَأَنْ يَعْلَمْهُ} خبر تكن، ومعنى القراءتين واحد، وذلك أن كفار مكة بعثوا رسولًا إلى يهود المدينة، وسألوهم عن بعثته فقالوا: هذا زمان خروجه ونعته كذا، فنزل: {أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ ءايَةً} يعني: لكفار مكة علامة {أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِى إسراءيل} يعني: إن هذا علامة لهم ليؤمنوا به.
ثم قال: {وَلَوْ نزلناه على بَعْضِ الاعجمين} يعني: القرآن لو نزلناه بالعبرانية على رجل ليس بعربي اللسان من العبرانيين {فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم} يعني: على كفار مكة {مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} يعني: بالقرآن، فهذا منة من الله تعالى، حيث خاطبهم بلغتهم ليعرفوه وليفهموه.
وقال القتبي: في قوله على بعض الأعجمين.
يقال: رجل أعجمي إذا كان في لسانه عجمة، وإن كان من العرب، ورجل عجمي بغير ألف إذا كان من العجم وإن كان فصيح اللسان.
ثم قال عز وجل: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ} يعني: جعلنا التكذيب بالقرآن {فِى قُلُوبِ المجرمين} يعني: المشركين مجازاة لهم أن طبع على قلوبهم، وسلك فيها التكذيب.
ويقال: جعل حلاوة الكفر في قلوبهم {لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} يعني: بالقرآن ويقال: بمحمد صلى الله عليه وَسَلَّمَ: {حتى يَرَوُاْ العذاب الاليم} في الدنيا والآخرة {فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً} يعني: يأتيهم العذاب فجأة {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} به فيتمنون الرجعة والنظرة {فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ} فلما وعدهم العذاب قالوا: فأين العذاب؟ تكذيبًا به يقول الله تعالى: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} يعني: أبمثل عذابنا يستهزئون ثم قال: {أَفَرَأَيْتَ إِن متعناهم سِنِينَ} يعني: سنين الدنيا كلها.
ويقال: سنين كثيرة {ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ} من العذاب.
قوله عز وجل: {مَا أغنى عَنْهُمْ} يعني: ما ينفعهم {مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ} في الدنيا.
ثم خوفهم فقال: {وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ} يعني: من أهل قرية فيما خلا {إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ} يعني: رسلًا ينذرونهم {ذِكْرِى} يعني: العذاب تذكرة وتفكرًا، قال بعضهم: إن {ذِكْرِى} في موضع النصب.
وقال بعضهم: في موضع رفع، أما من قال: في موضع النصب، فيقول لها منذرون يذكرونهم ذكرى، يعني: يعظونهم عظة.
ومن قال: إنه في موضع رفع فيقول لها منذرونهم ذكرى {وَمَا كُنَّا ظالمين} يعني: بإهلاكنا إياهم ثم قال عز وجل: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين}.
روي عن الحسن أنه قرأ: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ} شبههُ بقوله: كافرون ومسلمون.
قال أبو عبيدة: وهذا وهم، لأن واحدها شيطان، والنون فيه أصلية أما مسلمون وكافرون، فالنون فيهما زائدة في الجمع، لأن واحدهما مسلم وكافر.
وقال بعضهم: هذا غلط على الحسن، لأنه كان فصيحًا لا يخفى عليه، وإنما الغلط من الراوي، ومعنى الآية أن المشركين كانوا يقولون: إن الشيطان هو الذي يقرأ عليه.
قال الله تعالى ردًا لقولهم: {ظالمين وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين} {وَمَا يَنبَغِى لَهُمْ} يعني: وما جاز لهم {وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} ذلك وقد حيل بينهم وبين السمع.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال لا يستطيعون أن يحملوا القرآن، ولو فعلوا ذلك لاحترقوا.
ثم قال عز وجل: {إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ} يعني: إنهم عن الاستماع لمحجوبون وممنوعون ثم قال: {فَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها ءاخَرَ} وذلك حين دُعي إلى دين آبائه، فأخبر الله تعالى أنه لو اتخذ إلها آخر عذبه الله تعالى، وإن كان كريمًا عليه كقوله: {وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} [الزمر: 65] فكيف بغيره.
وروي في الخبر: أن الله تعالى أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل، يقال له أرميا، بأن يخبر قومه بأن يرجعوا عن المعصية، فإنهم إن لم يرجعوا أهلكتهم، فقال أرميا: يا رب إنهم أولاد أنبيائك، وأولاد إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام، أفتهلكهم بذنوبهم؟ فقال الله: إنما أكرمت أنبيائي، لأنهم أطاعوني، ولو أنهم عصوني لعذبتهم، وإن كان إبراهيم خليلي ويقال: {فَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها ءاخَرَ} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم المراد به غيره، لأنه علم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتخذ إلهًا آخر ثم قال: {فَتَكُونَ مِنَ المعذبين} إن عبدت غيري، فتكون من الهالكين.
قوله عز وجل: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاقربين} يعني: خوف أقرباءك بالنار لكي يؤمنوا، أو يثبتوا على الإيمان من كان منهم مؤمنًا.
وروى هشام عن الحسن قال لما نزلت هذه الآية {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاقربين} جمع النبي صلى الله عليه وسلم أهل بيته فقال لهم: «يَا بَنِي هَاشِمٍ يَا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ، وَأَنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الله شَيْئًا، لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ، وَإِنَّما أَوْلِيائِي مِنْكُمُ المُتَّقُونَ، فَلا أَعْرِفَنَّ مَا جَاءَ النَّاسَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِالآخِرَةِ، وَجِئْتُمْ بِالدُّنْيا تَحْمِلُونَها عَلَى رِقَابِكُمْ» وذكر السدي هكذا ثم قال: «أَلا فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ».
وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال لما نزل {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاقربين} أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا، فصعد عليه، ثم نادى بأعلى صوته: «يا صباحاه» فاجتمع الناس فقال صلى الله عليه وسلم: «يَا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِسَفْحِ هذا الجَبَلِ تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَصَدَّقْتُمُونِي؟» قالوا: نعم قال: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَي عَذَابٍ شَدِيدٍ» فقال أبو لهب: تبًا لك سائر اليوم ألهذا دعوتنا؟ فنزل {تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1].
ثم قال عز وجل: {واخفض جَنَاحَكَ لِمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} يعني: لين جانبك لمن اتبعك من المؤمنين يعني: من المصدقين {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ} قال مقاتل: فيها تقديم يعني: الأقربين أي: فإن خالفوك {فَقُلْ إِنّى بَرِىء مّمَّا تَعْمَلُونَ} من الشرك ثم قال: {وَتَوكَّلْ عَلَى العزيز الرحيم} قرأ نافع وابن عامر بالفاء فتوكل، لأنه متصل بالكلام الأول، ودخلت الفاء للجزاء وقرأ الباقون: {وَتَوَكَّلْ} بالواو على وجه العطف، {وَتَوكَّلْ عَلَى العزيز الرحيم} يعني: أي ثق بالله، وفوض جميع أمورك إلى العزيز الرحيم {الذى يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} في الصلاة وحدك {وَتَقَلُّبَكَ في الساجدين} أي: وحين تصلي في الجماعة.