فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال النسفي:

{وَإِنَّهُ} أي القرآن {لَتَنزِيلُ رَبّ العالمين} منزل منه {نَزَلَ بِهِ} مخفف والفاعل {الروح الأمين} أي جبريل لأنه أمين على الوحي الذي فيه الحياة.
حجازي وأبو عمرو وزيد وحفص، وغيرهم بالتشديد.
ونصب {الروح} والفاعل هو الله تعالى أي جعل الله الروح نازلًا به، والباء على القراءتين للتعدية {على قَلْبِكَ} أي حفظك وفهمك إياه وأثبته في قلبك إثبات ما لا ينسى كقوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى} [الأعلى: 5] {لِتَكُونَ مِنَ المنذرين بِلِسَانٍ عَرَبِىّ} بلغة قريش وجرهم {مُّبِينٌ} فصيح ومصحح عما صحفته العامة.
والباء إما أن يتعلق ب {المنذرين} أي لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان وهم هود وصالح وشعيب وإسماعيل عليهم السلام، أو ب {نزل} أي نزله بلسان عربي لتنذر به لأنه لو نزله بلسان أعجمي لتجافوا عنه أصلًا ولقالوا: ما نصنع بما لا نفهمه فيتعذر الإنذار به.
وفي هذا الوجه أن تنزيله بالعربية التي هي لسانك ولسان قومك تنزيل له على قلبك لأنك تفهمه وتفهّمه قومك، ولو كان أعجميًا لكان نازلًا على سمعك دون قلبك لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها ولا تعيها، وقد يكون الرجل عارفًا بعدة لغات فإذا كلم بلغته التي نشأ عليها لم يكن قلبه ناظرًا إلا إلى معاني الكلام، وإن كلم بغيرها كان نظره أولًا في ألفاظها ثم في معانيها، وإن كان ماهرًا بمعرفتها فهذا تقرير أنه نزل على قلبه لنزوله بلسان عربي مبين.
{وَإِنَّهُ} وإن القرآن {لَفِى زُبُرِ الأولين} يعني ذكره مثبت في سائر الكتب السماوية.
وقيل: إن معانيه فيها، وفيه دليل على أن القرآن قرآن إذا ترجم بغير العربية فيكون دليلًا على جواز قراءة القرآن بالفارسية في الصلاة.
{أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ ءايَةً} {ولم تكن لهم آيةٌ} شامي، جعلت آية اسم كان وخبره {أَن يَعْلَمَهُ} أي القرآن لوجود ذكره في التوراة.
وقيل: في {تكن} ضمير القصة و{آية} خبر مقدم والمبتدأ {أن يعلمه} والجملة خبر كان.
وقيل: كان تامة والفاعل {آية} و{أن يعلمه} بدل منها أو خبر مبتدأ محذوف أي أولم تحصل لهم آية، وغيره {يكن} بالتذكير و{آية} بالنصب على أنها خبره و{أن يعلمه} هو الاسم وتقديره: أولم يكن لهم علم علماء بني إسرائيل {عُلماءُ بَنِى إسراءيل} كعبد الله بن سلام وغيره قال الله تعالى: {وَإِذَا يتلى عَلَيْهِمْ قَالُواْ ءامَنَّا بِهِ إِنَّهُ الحق مِن رَّبّنَا إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} [القصص: 53] وخط في المصحف علماؤا بواو قبل الألف {وَلَوْ نزلناه على بَعْضِ الأعجمين} جمع أعجم وهو الذي لا يفصح وكذلك الأعجمي إلا أن فيه لزيادة يا ء النسبة زيادة تأكيد، ولما كان من يتكلم بلسان غير لسانهم لا يفقهون كلامه قالوا له أعجم وأعجمي شبهوه بمن لا يفصح ولا يبين، والعجمي الذي من جنس العجم أفصح أولم يفصح.
وقرأ الحسن {الأعجميين} وقيل: الأعجمين تخفيف الأعجميين كما قالوا الأشعرون أي الأشعريون بحذف يا ء النسبة ولولا هذا التقدير لم يجز أن يجمع جمع السلامة لأن مؤنثه عجماء.
{فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} والمعنى أنا أنزلنا القرآن على رجل عربي مبين ففهموه وعرفوا فصاحته وأنه معجز، وانضم إلى ذلك اتفاق علماء أهل الكتاب قبله على أن البشارة بإنزاله وصفته في كتبهم وقد تضمنت معانيه وقصصه وصح بذلك أنها من عند الله وليست بأساطير كما زعموا، فلم يؤمنوا به وسموه شعرًا تارة وسحرًا أخرى وقالوا هذا من افتراء محمد عليه الصلاة والسلام، ولو نزلناه على بعض الأعاجم الذي لا يحسن العربية فضلًا أن يقدر على نظم مثله فقرأه عليهم هكذا معجزًا لكفروا به كما كفروا ولتمحلوا لجحودهم عذرًا ولسموه سحرًا.
ثم قال: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ} أي أدخلنا التكذيب أو الكفر وهو مدلول قوله: {ما كانوا به مؤمنين} {فِى قُلُوبِ المجرمين} الكافرين الذين علمنا منهم اختيار الكفر والإصرار عليه يعني مثل هذا السلك سلكناه في قلوبهم وقررناه فيها فكيفما فعل بهم وعلى أي وجه دبر أمرهم فلا سبيل إلى أن يتغيروا عما هم عليه من الكفر به والتكذيب له كما قال: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كتابا في قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الذين كَفَرُواْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} [الأنعام: 7] وهو حجتنا على المعتزلة في خلق أفعال العباد خيرها وشرها.
وموقع قوله: {لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} بالقرآن من قوله: {سلكناه في قلوب المجرمين} موقع الموضح والملخص لأنه مسوق لثبات كونه مكذبًا مجحودًا في قلوبهم، فاتبع ما يقرر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به وجحوده حتى يعاينوا الوعيد، ويجوز أن يكون حالًا أي سلكناه فيها غير مؤمن به {حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم} المراد معاينة العذاب عند الموت ويكون ذلك إيمان يأس فلا ينفعهم.
{فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً} فجأة {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بإتيانه {فَيَقُولُواْ} وفيأتيهم معطوفان على {يروا} {هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ} يسألون النظرة والإمهال طرفة عين فلا يجابون إليها {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} توبيخ لهم وإنكار عليهم قولهم: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] ونحو ذلك.
{أَفَرَأَيْتَ إِن متعناهم سِنِينَ} قيل: هي سنو مدة الدنيا {ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ} من العذاب {مَا أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ} به في تلك السنين.
والمعنى أن استعجالهم بالعذاب إنما كان لاعتقادهم أنه غير كائن ولا لاحق بهم وأنهم ممتعون بأعمار طوال في سلامة وأمن فقال الله تعالى: {أفبعذابنا يستعجلون} أشرًا وبطرًا واستهزاء واتكالًا على الأمل الطويل، ثم قال: هب أن الأمر كما يعتقدون من تمتيعهم وتعميرهم فإذا لحقهم الوعيد بعد ذلك ما ينفعهم حينئذ ما مضى من طول أعمارهم وطيب معايشهم؟.
قال يحيى ابن معاذ: أشد الناس غفلة من اغتر بحياته والتذ بمراداته وسكن إلى مألوفاته والله تعالى يقول: {أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون}، وعن ميمون بن مهران أنه لقي الحسن في الطواف وكان يتمنى لقاءه فقال: عظني فلم يزده على تلاوة هذه الآية.
فقال ميمون: قد وعظت فأبلغت.
وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقرؤها عند جلوسه للحكم {وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ} رسل ينذرونهم.
ولم تدخل الواو على الجملة بعد إلا كما في: {وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كتاب مَّعْلُومٌ} [الحجر: 4] لأن الأصل عدم الواو إذ الجملة صفة ل {قرية} وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة بالموصوف.
{ذِكْرِى} منصوبة بمعنى تذكرة لأن أنذر وأذكر متقاربان فكأنه قيل: مذكرون تذكرة.
أو حال من الضمير في {مُنذِرُونَ} أي بنذرونهم ذوي تذكرة أو مفعول له أي ينذرون لأجل التذكرة والموعظة، أو مرفوعة على أنها خبر مبتدأ محذوف بمعنى هذه ذكرى والجملة اعتراضية، أو صفة بمعنى منذرون ذوو ذكرى، أو تكون ذكرى متعلقة ب {أهلكنا} مفعولًا له، والمعنى وما أهلكنا من أهل قرية ظالمين إلا بعدما ألزمناهم الحجة بإرسال المنذرين إليهم ليكون إهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم فلا يعصوا مثل عصيانهم {وَمَا كُنَّا ظالمين} فنهلك قومًا غير ظالمين.
ولما قال المشركون: إن الشياطين تلقى القرآن على محمد أنزل {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ} أي القرآن {الشياطين وَمَا يَنبَغِى لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} وما يتسهل لهم ولا يقدرون عليه.
{إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ} لممنوعون بالشهب {فَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها ءاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ المعذبين} مورد النهي لغيره على التعريض والتحريك له زيادة الإخلاص {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاقربين} خصهم لنفي التهمة إذ الإنسان يساهل قرابته، أو ليعلموا أنه لا يغني عنهم من الله شيئًا وأن النجاة في اتباعه دون قربة.
ولما نزلت صعد الصفا ونادى الأقرب فالأقرب وقال: «يا بني عبد المطلب يا بني هاشم يا بني عبد مناف يا عباس عم النبي يا صفية عمة رسول الله إني لا أملك لكم من الله شيئًا».
{واخفض جَنَاحَكَ} وألن جانبك وتواضع، وأصله أن الطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع كسر جناحه وخفضه، وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه فجعل خفض جناحه عند الانحطاط مثلًا في التواضع ولين الجانب {لِمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} من عشيرتك وغيرهم {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنّى بَرِىء مّمَّا تَعْمَلُونَ} يعني أنذر قومك فإن اتبعوك وأطاعوك فاخفض جناحك لهم، وإن عصوك ولم يتبعوك فتبرأ منهم ومن أعمالهم من الشرك بالله وغيره {وَتَوكَّلْ عَلَى العزيز الرحيم} على الذي قهر أعداءك بعزته وينصرك عليهم برحمته يكفك شر من يعصيك منهم ومن غيرهم، والتوكل: تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على نفعه وضره، وقالوا: المتوكل من إذا دهمه أمر لم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية لله.
وقال الجنيد رضي الله عنه التوكل أن تقبل بالكلية على ربك وتعرض بالكلية عما دونه فإن حاجتك إليه في الدارين.
{فتوكل} مدني وشامي عطف على {فقل} أو {فلا تدع}.
{الذى يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} متهجدًا {وَتَقَلُّبَكَ} أي ويرى تقلبك {فِى الساجدين} في المصلين.
أتبع كونك رحيمًا على رسوله ما هو من أسباب الرحمة وهو ذكر ما كان يفعله في جوف الليل من قيامه للتهجد وتقلبه في تصفح أحوال المتهجدين من أصحابه ليطلع عليهم من حيث لا يشعرون، وليعلم أنهم كيف يعبدون الله ويعملون لآخرتهم.
وقيل: معناه يراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة.
وتقلبه في الساجدين تصرفه فيما بينهم بقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذا أمهم.
وعن مقاتل أنه سأل أبا حنيفة: هل تجد الصلاة بالجماعة في القرآن؟ فقال: لا يحضرني فتلا له هذه الآية.
{إِنَّهُ هُوَ السميع} لما تقوله: {العليم} بما تنويه وتعلمه، هوّن عليه معاناة مشاق العبادات حيث أخبر برؤيته له إذ لا مشقة على من يعلم أنه يعمل بمرأى مولاه وهو كقولك:
بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلي نزل جوابًا لقول المشركين إن الشياطين تلقى السمع على محمد صلى الله عليه وَسَلَّمَ: {هَلْ أُنَبّئُكُمْ} أي هل أخبركم أيها المشركون {على مَن تَنَزَّلُ الشياطين} ثم نبأ فقال: {تَنَزَّلُ على كُلّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} مرتكب للآثام وهم الكهنة والمتنبئة كسطيح وطليحة ومسيلمة، ومحمد صلى الله عليه وسلم يشتم الأفاكين ويذمهم فكيف تنزل الشياطين عليه {يُلْقُونَ السمع} هم الشياطين كانوا قبل أن يحجبوا بالرجم يستمعون إلى الملأ الأعلى فيحفظون بعض ما يتكلمون به مما اطلعوا عليه من الغيوب ثم يوحون به إلى أوليائهم.
و{يلقون} حال، أي تنزل ملقين السمع، أو صفة ل {كل أفاك} لأنه في معنى الجمع فيكون في محل الجزاء، أو استئناف فلا يكون له محل كأنه قيل: لم تنزل على الأفاكين؟ فقيل: يفعلون كيت وكيت {وَأَكْثَرُهُمْ كاذبون} فيما يوحون به إليهم لأنهم يسمعونهم ما لم يسمعوا.
وقيل: يلقون إلى أوليائهم السمع أي المسموع من الملائكة.
وقيل: الأفاكون يلقون السمع إلى الشياطين كاذبون يفترون على الشياطين ما لم يوحوا إليهم، والأفاك الذي يكثر الإفك، ولا يدل ذلك على أنهم لا ينطقون إلا بالإفك فأراد أن هؤلاء الأفاكين قل من يصدق منهم فيما يحكي عن الجني وأكثرهم مفتر عليه، وعن الحسن: وكلهم.