فصل: قال سيد قطب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ ابن عباس والحسن: {أيّ منفلت ينفلتون} بالفاء مكان القاف، والتاء مكان الباء من الانفلات بالنون والفاء الفوقية، وقرأ الباقون بالقاف، والباء من الانقلاب بالنون والقاف والموحدة، والمعنى على قراءة ابن عباس والحسن: أن الظالمين يطمعون في الانفلات من عذاب الله، والانفكاك منه، ولا يقدرون على ذلك.
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبّ العالمين} قال: هذا القرآن {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين} قال: جبريل.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس: {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين} قال: جبريل.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {الروح الأمين} قال: «الروح الأمين: جبريل، رأيت له ستمائة جناح من لؤلؤ قد نشرها فيها مثل ريش الطواويس» وأخرج ابن النجار في تاريخه عن ابن عباس في قوله: {بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مُّبِينٍ} قال: بلسان قريش ولو كان غير عربيّ ما فهموه.
وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب عن بريدة في قوله: {بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مُّبِينٍ} قال: بلسان جرهم.
وأخرج مثله أيضًا عنه ابن المنذر، وابن أبي حاتم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان عبد الله بن سلام من علماء بني إسرائيل، وكان من خيارهم فآمن بكتاب محمد، فقال لهم الله: {أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ ءَايَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إسراءيل}.
وأخرج البخاري، مسلم، وغيرهما عن أبي هريرة قال: لما نزلت هذه الآية: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشًا وعمّ وخص فقال: «يا معشر قريش، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضرًّا ولا نفعًا، يا معشر بني كعب بن لؤيّ أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرًّا ولا نفعًا، يا معشر بني كعب بن لؤيّ أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرًّا ولا نفعًا، يا معشر بني قصيّ أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرًّا ولا نفعًا، يا معشر بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا، يا معشر بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضرًّا ولا نفعًا، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لك ضرًّا ولا نفعًا إلاّ أن لكم رحمًا وسأبلها ببلالها» وفي الباب أحاديث من طريق جماعة من الصحابة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {الذي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} قال: للصلاة.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عنه {الذي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي الساجدين} يقول: قيامك، وركوعك، وسجودك.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه أيضًا: {وَتَقَلُّبَكَ فِي الساجدين} قال: يراك وأنت مع الساجدين تقوم وتقعد معهم.
وأخرج ابن مردويه عنه أيضًا في قوله: {وَتَقَلُّبَكَ فِي الساجدين} قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يرى من خلفه كما يرى من بين يديه.
ومنه الحديث في الصحيحين، وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل ترون قبلتي ها هنا؟ فوالله ما يخفى عليّ خشوعكم، ولا ركوعكم، وإني لأراكم من وراء ظهري» وأخرج ابن أبي عمر العدني في مسنده والبزار وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس في قوله: {وَتَقَلُّبَكَ فِي الساجدين} قال: من نبيّ إلى نبيّ حتى أخرجت نبيًا.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم عنه في الآية نحوه.
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن عائشة قالت: سأل أناس النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الكهان قال: «إنهم ليسوا بشيء» قالوا: يا رسول الله إنهم يحدّثون أحيانًا بالشيء يكون حقًا؟ قال: «تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة» وفي لفظ للبخاري: «فيزيدون معها مائة كذبة» وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: تهاجى رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين، وكان مع كلّ واحد منهما غواة من قومه وهم السفهاء، فأنزل الله: {والشعراء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون} الآيات.
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عروة قال: لما نزلت {والشعراء} إلى قوله: {مَا لاَ يَفْعَلُونَ} قال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله قد علم الله أني منهم، فأنزل الله: {إِلاَّ الذين ءَامَنُواْ} إلى قوله: {يَنقَلِبُونَ}، وروي نحو هذا من طرق.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس {يَتَّبِعُهُمُ الغاوون} قال: هم الكفار يتبعون ضلال الجنّ والإنس {فِي كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ} قال: في كلّ لغو يخوضون {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ} أكثر قولهم يكذبون، ثم استثنى منهم فقال: {إِلاَّ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَذَكَرُواْ الله كَثِيرًا وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} قال: ردّوا على الكفار كانوا يهجون المؤمنين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضًا نحوه.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضًا: {والشعراء} قال: المشركون منهم الذين كانوا يهجون النبيّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ: {يَتَّبِعُهُمُ الغاوون} قال: غواة الجنّ في كلّ واد يهيمون في كلّ فنّ من الكلام يأخذون.
ثم استثنى فقال: {إِلاَّ الذين ءامَنُواْ} الآية، يعني: حسان بن ثابت وعبد الله ابن رواحة وكعب بن مالك كانوا يذبون عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه بهجاء المشركين.
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عنه: {الغاوون} قال: هم الرواة.
وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عنه أيضًا: {إِلاَّ الذين ءَامَنُواْ} الآية قال: أبو بكر وعمر وعليّ وعبد الله بن رواحة.
وأخرج أحمد، والبخاري في تاريخه، وأبو يعلى وابن مردويه عن كعب بن مالك؛ أنه قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أنزل في الشعراء ما أنزل فكيف ترى فيه؟ فقال: «إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأنّ ما ترمونهم به نضح النبل» وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي سعيد قال: بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عرض شاعر ينشد، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحًا خير له من أن يمتلىء شعرًا» وأخرج الديلمي عن ابن مسعود مرفوعًا: «الشعراء الذين يموتون في الإسلام يأمرهم الله أن يقولوا شعرًا يتغنى به الحور العين لأزواجهنّ في الجنة، والذين ماتوا في الشرك يدعون بالويل والثبور في النار» وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من الشعر لحكمة» قال: وأتاه قريظة بن كعب وعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت فقالوا: إنا نقول الشعر، وقد نزلت هذه الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرؤوا» فقرؤوا: {والشعراء} إلى قوله: {إِلاَّ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} فقال: «أنتم هم» {وَذَكَرُواْ الله كَثِيرًا} فقال: «أنتم هم» {وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} فقال: «أنتم هم» وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: «اهج المشركين، فإن جبريل معك» وأخرج ابن سعد عن البراء بن عازب قال: قيل: يا رسول الله، إن أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يهجوك، فقام ابن رواحة فقال: يا رسول الله، ائذن لي فيه، فقال: «أنت الذي تقول ثبت الله؟» فقال: نعم يا رسول، قلت:
ثبت الله ما أعطاك من حسن ** تثبيت موسى ونصرًا مثل ما نصرا

قال: «وأنت، ففعل الله بك مثل ذلك» ثم وثب كعب فقال: يا رسول الله ائذن لي فيه؟ فقال: «أنت الذي تقول همت؟» قال: نعم يا رسول الله، قلت:
همت سخينة أن تغالب ربها ** فلتغلبنّ مغالب الغلاب

فقال: «أما إن الله لم ينس ذلك لك» ثم قام حسان، فقال: يا رسول الله ائذن لي فيه، وأخرج لسانًا له أسود، فقال: يا رسول الله لو شئت لفريت به المراد، ائذن لي فيه، فقال: «اذهب إلى أبي بكر فليحدّثك حديث القوم وأيامهم وأحسابهم واهجهم وجبريل معك» وأخرج أحمد وابن سعد عن أبي هريرة قال: مرّ عمر بحسان وهو ينشد في المسجد فلحظ إليه فنظر إليه، فقال: قد كنت أنشد فيه، وفيه من هو خير منك، فسكت، ثم التفت حسان إلى أبي هريرة فقال: أنشدك بالله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أجب عني، اللهم أيده بروح القدس؟» قال: نعم.
وأخرج ابن سعد من حديث جابر مرفوعًا نحوه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من الشعر حكمًا» وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من الشعر حكمًا، ومن البيان سحرًا».
وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحًا يريه، خير من أن يمتلىء شعرًا» وفي الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحًا خير له من أن يمتلىء شعرًا» قال في الصحاح: وروى القيح جوفه يريه، وريا: إذا أكله، قال القرطبي: روى إسماعيل بن عَيَّاش عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حسن الشعر كحسن الكلام، وقبيح الشعر كقبيح الكلام» قال القرطبي: رواه إسماعيل عن عبد الله بن عون الشامي وحديثه عن أهل الشام صحيح، فيما قال يحيى بن معين، وغيره.
قال: وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشعر بمنزلة الكلام حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام» وأخرج مسلم من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت؟ قلت: نعم قال: هيه، فأنشدته بيتًا، فقال: هيه، ثم أنشدته بيتًا، فقال: هيه حتى أنشدته مائة بيت».
وأخرج ابن أبي حاتم عن فضالة بن عبيد في قوله: {وَسَيَعْلَمْ الذين ظَلَمُواْ أي مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} قال: هؤلاء الذين يخربون البيت. اهـ.

.قال سيد قطب:

{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192)}.
انتهى القصص. وكله يعرض قصة الرسل والرسالات. وقصة التكذيب والإعراض. وقصة التحدي والعقاب.
وقد بدأ هذا القصص بعد مقدمة السورة. والحديث فيها خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم ومشركي قريش: {لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون}. ثم سيق القصص، وكله نماذج للقوم يأتيهم أنباء ما كانوا يستهزئون.
فلما انتهى القصص عاد السياق إلى موضوع السورة الذي تضمنته المقدمة؛ فجاء هذا التعقيب الأخير، يتحدث عن القرآن، فيؤكد أنه تنزيل رب العالمين ومنه هذا القصص الذي مضت به القرون، فإذا القرآن ينزل به من رب العالمين، ويشير إلى أن علماء بني إسرائيل يعرفون خبر هذا الرسول وما معه من القرآن، لأنه مذكور في كتب الأولين. إنما المشركون يعاندون الدلائل الظاهرة؛ ويزعمون أنه سحر أو شعر، ولو أن أعجميًا لا يتكلم العربية نزل عليه هذا القرآن فتلاه عليهم بلغتهم ما كانوا به مؤمنين. لأن العناد هو الذي يقعد بهم عن الإيمان لا ضعف الدليل! وما تنزلت الشياطين بهذا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم كما تتنزل بالأخبار على الكهان. وما هو كذلك بشعر، فإن له منهجًا ثابتًا والشعراء يهيمون في كل واد وفق الانفعالات والأهواء. إنما هو القرآن المنزل من عند الله تذكيرًا للمشركين، قبل أن يأخذهم الله بالعذاب، وقبل أن يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}.
{وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين}.
والروح الأمين جبريل عليه السلام نزل بهذا القرآن من عند الله على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أمين على ما نزل به، حفيظ عليه، نزل به على قلبه فتلقاه تلقيًا مباشرًا، ووعاه وعيًا مباشرًا. نزل به على قلبه ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين. هو لسان قومه الذي يدعوهم به، ويتلو عليهم القرآن. وهم يعرفون مدى ما يملك البشر أن يقولوا؛ ويدركون أن هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر، وإن كان بلغتهم؛ وأنه بنظمه، وبمعانيه، وبمنهجه، وبتناسقه. يشي بأنه آت من مصدر غير بشري بيقين.