فصل: قال ملا حويش:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ملا حويش:

تفسير سورة النمل:
48- 27
نزلت بمكة بعد الشعراء، وهي ثلاث وتسعون آية، وألف وثلاثمائة وسبع عشرة كلمة، وأربعة آلاف وسبعمائة وتسعة وستون حرفا، لا يوجد سورة مبدوءة بمثل هذين الحرفين الطاء والسين.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
قال تعالى: {طس} اللّه أعلم بمراده فيه، راجع تفسير طسم قبلها وما ترشدك إليه لندرك تفسيره {تِلْكَ} الآيات العظام المنزلة عليك يا سيد الأنام هي {آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ} 1 أي وآيات اللوح المحفوظ لدينا، الذي لا خفاء في حكمه وأحكامه وأخباره وأمثاله، فهو {هُدىً} من الضلال في الدنيا {وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ} 2 العاملين فيه بالآخرة وهم المبينون بقوله عز قوله: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ} اللتين ستفرض عليهم حتما، وقيل المراد بالصلاة الركعتان المفروضتان عليه صلّى اللّه عليه وسلم، وقلده فيهما من آمن به، وبالزكاة ما كان متعارفا عندهم من الصدقات، لأن هاتين العبادتين لم تخل أمة منهما ولو اختلفا في الكم والكيف، لأن اللّه تعالى تعبد فيهما كافة الأمم، لأنهما قوام الدين والدنيا، لما في الأولى من المنافع التي تعود على صاحبها بكل خير وفي الثانية من المنافع المادية التي تعود على المحتاجين بقضاء حوائجهم، وعلى المتصدقين برضاء اللّه {وَهُمْ} القائمون بهاتين العبادتين {بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} 3 يصدقون تصديقا خالصا، فمن جمع مع الإيمان هذه الخصال فلا خوف عليهم في العاقبة {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} لا تنفعهم أعمالهم الحسنة عند اللّه مهما كانت لأنهم من الذين {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ} الخبيثة في الدنيا، فرأوها حسنة، وذلك أن اللّه تعالى يخلق لمثل هؤلاء العلم في قلوبهم مما فيه المنافع واللذات الدنيوية، ولم يخلق فيها خوف المضار والآفات، لذلك يرون أعمالهم القبيحة حسنة {فَهُمْ يَعْمَهُونَ} 4 يترددون في حيرتهم كما يفعل الضال عن الطريق السوي، لأن العمه هو عمى القلب لا ينفع البصر {أُوْلئِكَ} الذين هذه صفتهم {لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ} في الدنيا قتلا وأسرا وجلاء وإهانة وذلا {وَهُمْ} مع خسارتهم الدنيا {فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ} أيضا على ما فرطوا من دنياهم وأفرطوا في أمر آخرتهم، فتراهم كثيري الخسارة والحسرة والندم، لأن الإنسان يعمل في الدنيا ليربح في الآخرة، فكيف إذا خسر فيهما فيكون من الذين خسروا أنفسهم وأهليهم ولم ينتفعوا بأعمالهم فيساقون إلى جهنم، وهذا غاية الخسران لاسيما إذا رأوا نجاة المؤمنين الذين كانوا يسخرون منهم في الدنيا {وَإِنَّكَ} يا سيد الرسل {لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ} بواسطة أميننا جبريل الذي يأتيك به {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ} وأي حكيم لأن التنوين والتنكير يدلان على التعظيم والتفخيم، والحكمة هي العلم بالأمور العالية والعلم قد يكون علما وقد يكون نظرا فهو أعم من الفقه {عَلِيمٍ} بما كان لدينا قبل كونه وما يكون فينا قبل أن يكون، واذكر لقومك يا سيد {إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ} زوجته ومن كان معها من ابنه وخادمه {إِنِّي آنَسْتُ نارًا} أبصرت ما استانس به لحاجتكم، لأن الوقت كان ليلا وباردا ولم يعرفوا الطريق أيضا، فامكثوا مكانكم لأذهب لمكانها، و{سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ} عن الطريق {أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ} تستدفئون به إن لم أجد من يهدينا الطريق ونبقى هنا حتى يتبين لنا ذلك، والشهاب الشعلة من النار، والقبس النار المقبوسة منها، أو العود الذي في أحد ظرفيه نار، وهو ما تعورف به عندنا الآن، وقرىء بشهاب قيس على الإضافة وهي قراءة جائزة إذ ليس فيها نقص ولا زيادة ولا تبديل في المعنى بخلاف ما بيناه في الآية 166 من البقرة المارة {لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} 7 تستدفئون، لأن الوقت شتاء، فأجابوه لما طلب، فتركهم وذهب، وكان في إضلالهم الطريق هداهم راجع الآية 10 من سورة طه المارة.

.مطلب بدء نبوة موسى وكيفية تكليمه:

قال تعالى: {فَلَمَّا جاءَها} وأبصر تلك النار {نُودِيَ} من جهتها {أَنْ بُورِكَ} أن هنا تفسيرية للنداء، والمعنى أي بورك لما في النداء من معنى القول دون حروفه، وضمير بورك يعود على موسى عليه السّلام، وقيل إنها مخففة من الثقيلة وجاز كونها كذلك من غير حاجة الفصل بينهما وبين الفعل بقد والسين وسوف أو أحرف النفي، لانها وليت فعل دعاء وهو مستثنى من تلك الفواصل، خلافا لأبي علي الفارسي القائل إن أن المخففة لما كانت لا يليها إلا الأسماء استقبحوا أن يليها الفعل ليس بشيء يعتدّ به، لان هذا ليس على إطلاقه، فقد استثنى من عموم فعل الدعاء {مَنْ فِي النَّارِ} من جاء لأجلها إلى المحل الذي هي فيه {وَمَنْ حَوْلَها} موسى وغيره من الملائكة فيشمل كل من هو في تلك البقعة والبقعة نفسها، لانها مبعث الأنبياء ومهبط الوحي، وهي المعينة بقوله تعالى: {فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ} الآية 19 الآتية من سورة القصص، وتفيد هذه الآية المفسرة إبداء التحية العظيمة من اللّه عز وجل لموسى عليه السّلام، وفيها إشارة إلى حصول البركة في أراضي الشام التي هي حول تلك البقعة المقدسة المشار إليها في قوله تعالى حكاية عن حال إبراهيم عليه السّلام: {وَنَجَّيْناهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها} الآية 71 من سورة الأنبياء في ج 2 وبشارة عظيمة من اللّه إلى موسى أيضا بحدوث أمر ديني فيها، وهي استنباؤه، ورسالته، وتكليمه، وإظهار المعجزات على يده، وتجديد دين أبيه إبراهيم عليه السّلام.
ثم اعلم هداك اللّه أن لا مجال للقول هنا بأن السمع من الشجرة أو من جهة النار يدل على حدوث المسموع وهو كلام اللّه تعالى، لأن اللّه منزّه عن الجهة والمكان، وكذلك كلامه، لأن سماع موسى كلامه من إحدى الجهتين المذكورتين يرجع إلى موسى لا إلى اللّه، وان اللّه تعالى خلق لموسى علما ضروريا علم به أن الذي يسمعه هو كلام اللّه القديم الأزلي من غير صفة ولا صوت ولا جهة، فقد سمعه وحده من الجهات الست، وصارت جميع جوارحه كسمعه، ولو فرض أن هناك أحدا معه لما سمع شيئا البتة، وهكذا كان محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم حينما ينزل عليه الوحي، يعلمه وحده دون الحاضرين معه، راجع الآية 195 من سورة الشعراء المارة، وسماع كلام اللّه في الآخرة يكون على هذه الصفة، لأن الكامل الواصل يكون له في الدنيا حكم الآخرة، وقيل في هذا المعنى:
إذا ذكرت ليلى فكلي مسامع ** وإن ظهرت ليلى فكلي أعين

أي أنه يرى ويسمع بكل جوارحه وهي مبالغة عن شدّة تلذذه بما يسمعه ويراه منها لتوغله في محبتها، ولأن حبّها تداخل فيه وجرى في عروقه مجرى الدم منه.
ثم اعلم أيضا أنه لا يجوز السؤال عن الكيفية في ذات اللّه تعالى وصفاته، إذ لا يقال كيف ذاته من غير جسم ولا جوهر ولا عرض، ولا كيف علمه من غير كسب وضرورة، ولا كيف قدرته من غير صلابة، ولا كيف إرادته من غير شهوة وأمنية، ولا كيف تكليمه من غير حدة ولا صوت، لأن هذا كله من نعوت البشر، ولأن اللّه تعالى سدّ هذا الباب عليهم بقوله جل قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء} الآية 11 من سورة الشورى في ج 2، أما كيفية سماع موسى كلامه فقد وضحته لك أعلاه، فاغتنم هذا، فإنك لا تجده على هذا التفصيل والتمثيل في كتب كثيرة، واحمد اللّه على إنعامه {وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} 8 وهذه الجملة من تتمة مانودي به موسى، أي نزه ربك عما لا يليق به، فقد نزه تعالى شأنه ذاته المقدسة بذاته عن صفات خلقه وعما تتخيله الأوهام من التشبيه والتمثيل، وفيها تعجب إلى موسى بأنه سيلقى من جلائل الأمور وعظائم الشئون ما يتعجب منه المتعجبون.
وما قاله السدي بأن هذه الجملة من كلام سيدنا موسى، بعيد عن المقام ويأباه مدلول الكلام، لأن موسى لم يتكلم بعد، كيف وقد اعتراه ما اعتراه من الدهشة وهيبة الربوبية التي ألمعنا إليها في الآية 10 من سورة طه المارة، ولما رأى اللّه تعالى موسى كما كان مرئيا في الأزل لديه وقد أخذته الرهبة، أراد أن يعرفه بذاته المقدسة ويزيل عنه ما أهابه ليمهد له ما أراد أن يلقيه عليه ويظهره على يده من الأمور الغريبة، ناداه {يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 9 الذي يكلمك هو أنا، ولفظة الجلال بيان للفظة أنا والعزيز الغالب لما يفعله من العجائب والبدائع بمقتضى الحكمة، وهي صفتان له جلّت صفاته وفيها إشارة إلى كمال قدرته وقوة عظمته ورمز إلى أنه سيبين له ما يستبعده الوهم المستفاد من قوله: {وَأَلْقِ عَصاكَ} فألقاها حالا دون تردد، امتثالا لأمره من غير أن يعلم المراد من إلقائها {فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ} تنحرك بشدة {كَأَنَّها جَانٌّ} حية صغيرة لشدة اضطرابها، وتقدم في الآية 10 من سورة الأعراف والآية 15 من سورة طه والآية 32 من سورة الشعراء فقد بينا فيها التوفيق بين ما جاء فيها هنا وهناك، فراجعها.
فلما رأى حركة عصاه وما انقلبت إليه هاله شأنها فتأخر عنها، وهو معنى قوله تعالى: {وَلَّى} ظهره محلها {مُدْبِرًا} عنها وهرب خوفا مما رأى وازداد اضطرابه {وَلَمْ يُعَقِّبْ} يرجع ويلتفت عقبه إليها ثم ناداه عز وجل ثانيا {يا مُوسى لا تَخَفْ} مما رأيت، ارجع لأني أريد أن أجعلك رسولا لي {إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} 10 لأني آمنتهم مما يخافون.
واعلم أن اللّه تعالى يفعل هذه المقدمات مع خلص خلقه من عباده الذين يختارهم لنبوته، ويصطفيهم لرسالته، بداية أمرهم إرهاصا لأقدارهم على تلقي وحيه، ليتوطنوا عليه، ويعلموا كيفية نزوله، وهذا الخوف غير الخوف الذي هو شرط الإيمان، فإن ذلك لا يفارقهم، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: أنا أخشاكم للّه- راجع الآية 27 من سورة فاطر المارة-
ثم استثنى من عموم كلامه قوله: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ} منهم بفعل ترك الأفضل وما هو خلاف الأولى أو زل عن غير قصد أو استعجل في أمره كآدم ونوح وداود وسليمان وإبراهيم ويونس عليهم السلام، وقد سبقت الإشارة إلى ما صدر من كل منهم وتأويله وتفسيره ودواعيه في محله، وقد سمى اللّه ما حدث منهم ظلما بالنسبة إليهم، راجع الآية 2 من الأعراف المارة والآية 23 من ص والآيتين 63 و85 من سورة هود في ج 2، قال تعالى: {ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ} تاب وندم على ما صدر منه، وقد سماه سوء أيضا نظرا لمقامهم وإلا في الحقيقة لا يسمى ظلما ولا سوء بالنسبة لغيرهم، لأنه على حد حسنات الأبرار وسيئات المقربين {فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} 11 به أعفو عما صدر منه ثم ناداه ثالثا بقوله: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} اجعلها تحت إبطك {تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} برص، فأدخلها امتثالا لأمره، من غير أن يعرف الغاية منها، ثم أخرجها فإذا هي تبرق كالشمس، وبعد أن توطن لكلام اللّه قال اذهب {فِي تِسْعِ آياتٍ} مع هاتين الآيتين كما بيناها في الآية 132 من الأعراف المارة، وهذه كلها قبل خروجه من مصر وعبوره البحر، أما بعدهما فقد أظهر اللّه له آيات كثيرة، أولها انفلاق البحر، ثم تفجير الماء من الصّخرة، والمن والسلوى، والغمام والطمس، وخسف الأرض بقارون، وإحياء صاحب البقرة، وإحياء هارون، وغيرها، ولبحث آياته عليه السّلام صلة في الآية 100 من الإسراء الآتية، وقد أرسلناك بهذه الآيات {إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمًا فاسِقِينَ} 12 متجاوزين الحد في الكفر والعدوان، خارجين عن الآداب والمروءة، فذهب وأخذ أهله وتوجه إلى فرعون، وقد قص اللّه لنا ما وقع بينهما في الآية 113 من سورة الأعراف فراجعها، قال تعالى على طريق الإجمال: {فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً} على يدي موسى واضحة يشاهدونها بأم أعينهم وتتيقن بها قلوبهم {قالُوا هذا} الذي جاء به موسى {سِحْرٌ مُبِينٌ} 13 مكابرة وعنادا {وَجَحَدُوا بِها} أنكروا تلك الآيات وكفروا بها {وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ} بأنها من اللّه ليست بسحر ولا كهانة، وأيقنوا أن موسى ليس بساحر ولا كاهن، وأنه رسول اللّه حقا، وهذا هو الجحود المركب، لأن كل ما تيقنته وأنكرته فهو كذلك، لصدوره عن تعنت وتجبّر وعناد ومكابرة، أما من هداه اللّه كالسحرة ومؤمن آل فرعون وزوجته آسية، فإنهم صدقوا وآمنوا حينما تجلت لهم الحقيقة، وأصرّ فرعون وقومه على الكفر {ظُلْمًا} وأي ظلم حيث سموها سحرا وحطوها عن مرتبتها {وَعُلُوًّا} ترفعا واستكبارا عن الإيمان بموسى وربه {فَانْظُرْ} يا سيد الرسل واعجب {كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} 14 إذ أهلكناهم في دنياهم غرقا على الصورة المبينة في الآية 53 من سورة الشعراء، المارة، وستنظر عاقبتهم في الآخرة فهي أشد وأفظع وأقبح، وهكذا تكون عاقبة من لم يؤمن من قومك.