فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.البلاغة:

جناس التصريف:
في قوله: {وجئتك من سبأ بنبإ يقين} جناس التصريف وهو اختلاف صيغة الكلمتين بابدال حرف من حرف إما من مخرجه أو من قريب من مخرجه وهو من محاسن الكلام المتعلقة باللفظ شريطة أن يأتي جاريا مع الطبع بعيدا عن التكلف محتفظا بصحة المعنى، ولقد جاء هنا زائدا على الصحة فحسن ورقّ، ألا ترى أنه لو قال بخبر بدلا من بنبإ لصح المعنى واستقام، ولكنه جاء منغوما عذب الجرس لاتفاق سبأ ونبأ وقد تقدم مثله في قوله بسورة الانعام {وهم ينهون عنه وينأون عنه}.

.الفوائد:

1- قصة سليمان والهدهد:
وجريا على عادتنا نورد إحدى الروايات المذكورة عن قصة سليمان والهدهد لما فيها من جذور قصصية وتمهيدا للنابغين الملهمين من كتاب القصص:
روي أن سليمان حين فرغ من بناء بيت المقدس تجهز للحج بحشره فوافى الحرم وأقام به ما شاء وكان يقرب كلّ يوم طول مقامه خمسة آلاف ناقة وخمسة آلاف بقرة وعشرين ألف شاة، ثم عزم على السير إلى اليمن فخرج من مكة صباحا يؤم سهيلا فوافى صنعاء وقت الزوال فرأى أرضا حسناء تزهو خضرتها فنزل ليتغدى ويصلي فلم يجدوا الماء وكان الهدهد قناقنه أي دليله الهادي وكان يرى الماء تحت الأرض كما يرى الماء في الزجاجة فتفقده لذلك، وحين نزل سليمان حلق الهدهد فرأى هدهدا آخر واقعا فانحط اليه فوصف له ملك سليمان وما سخر له من كل شيء وذكر له صاحبه ملك بلقيس وأن تحت يدها اثني عشر ألف قائد وتحت كل قائد مائة ألف وذهب معه لينظر فما رجع إلا بعد العصر وذكر أنه وقعت نفحة من الشمس على رأس سليمان فنظر فإذا موضع الهدهد خال فدعا عريف الطير وهو النسر فسأله عنه فلم يجد عنده علمه ثم قال لسيد الطير وهو العقاب عليّ به فارتفع العقاب في الهواء حتى نظر إلى الدنيا كالقصعة ثم التفت يمينا وشمالا فرأى الهدهد مقبلا فانقضّ العقاب يريده وعلم الهدهد أن العقاب يقصده بسوء فقال بحق الذي قواك وأقدرك إلا ما رحمتني فتركه وقال ويلك ثكلتك أمك، إن نبيّ اللّه قد حلف ليعذبنك قال:
وما استثنى نبي اللّه؟ قال بلى قال: أو ليأتيني بسلطان مبين فقال:
نجوت إذن، فلما قرب من سليمان أرخى ذنبه وجناحيه يجرها على الأرض متواضعا لسليمان فلما دنا منه أخذ برأسه فمدّه اليه فقال:
يا نبي اللّه اذكر وقوفك بين يدي اللّه فارتعد سليمان وعفا عنه ثم سأله ما الذي أبطأك عني فقال الهدهد: أحطت بما لم تحط به. إلخ.
نكتة بيانية:
قال الزمخشري: فإن قلت قد حلف على أحد ثلاثة أشياء فحلفه على فعليه لا مقال فيه ولكن كيف صح حلفه على فعل الهدهد ومن أين درى أنه يأتي بسلطان حتى يقول واللّه ليأتيني بسلطان؟ قلت: لما نظم الثلاثة بأو في الحكم الذي هو الحلف آل كلامه إلى قولك ليكونن أحد الأمور، يعني إن كان الإتيان بسلطان لم يكن تعذيب ولا ذبح وإن لم يكن كان أحدهما وليس في هذا ادعاء دراية.
2- من هي بلقيس؟:
أما بلقيس فهي ابنة شراحيل بن أبي سرح بن الحارث بن قيس ابن صيغي بن سبأ وقال ابن الكلبي: كان أبوها من عظماء الملوك وستأتي قصتها وذكر الحريري في درة الغواص:
ان صواب لفظ بلقيس أن تكسر باؤه لأن كل أعجمي يعرب فقياسه أن يلحق بأمثلة كلام العرب وعلى ذلك بلقيس، وفي أخبار سيف الدولة ان الخالديين مدحاه فبعث إليهما وصيفا ووصيفة مع كل واحد منهما بدرة وتخت من ثياب مصر والشام فكتبا اليه:
لم يغد شكرك في الخلائق مطلقا ** إلا ومالك في النوال حبيس

خولتنا شمسا وبدرا أشرقت ** بهما لدينا الظلمة الحنديس

رشنأ أتانا وهو حسنا يوسف ** وغزالة هي بهجة بلقيس

هذا ولم تقنع بذاك وهذه ** حتى بعثت المال وهو نفيس

أتت الوصيفة وهي تحمل بدرة ** وأتى على ظهر الوصيف الكيس

وكسوتنا مما أجادت حوكه ** مصر وزادت حسنه تنيس

فغدا لنا من جودك المأكول والـ ** ـمشروب والمنكوح والملبوس

فلما قرأها سيف الدولة قال: أحسنا إلا في لفظ المنكوح إذ لبست مما يخاطب بها الملوك. هذا وقد كانت قصة بلقيس وصرحها الممرد مصدر إلهام للشعراء، فقد أورد البحتري ذلك كله في قصيدة له يمدح بها المتوكل ويذكر بناء البركة المشهورة ومنها:
يا من رأى البركة الحسناء رؤيتها ** والآنسات إذا لاحت مغانيها

بحسبها أنها في فضل رتبتها ** تعدّ واحدة والبحر ثانيها

كأن جن سليمان الذين ** ولوا إبداعها فأدقوا في معانيها

فلو تمر بها بلقيس عن عرض ** قالت هي الصرح تمثيلا وتشبيها

3- سجدات القرآن:
وعلى ذكر قوله: {ألّا يسجدوا للّه} أن أبا حنيفة والشافعي اتفقا على أن سجدات القرآن أربع عشرة وإنما اختلفا في سجدة ص فهي عند أبي حنيفة سجدة تلاوة وعند الشافعي سجدة شكر وفي سجدتي سورة الحج.
4- قصة سيل العرم وتفرق العرب أيادي سبا:
ونورد هنا بعض الأساطير المروية للطرافة والفائدة:
وسبأ هو أبو قبائل اليمن المتفرقة من سد مأرب الذين مزقهم اللّه كلّ ممزّق وسمي سبأ لأنه أول من سبى السبي وقيل سبأ اسم أمهم ومأرب اسم بلدهم، وكانت سبأ من أحسن بلاد اللّه وأخصبها وأكثرها شجرا وماء وقد ذكر اللّه أنها كانت جنتين عن يمين وشمال وكانت مسيرة شهر في شهر للمجدّ الراكب يسير في جنان من أولها. إلى آخرها لا تواجهه الشمس ولا يفارقه الظل مع تدفق الماء وصفاء الهواء واتساع الفضاء، فمكثوا ما شاء اللّه لا يعاندهم ملك إلا قصموه، وكانت في بدء الزمان تركبها السيول فجمع ملك حمير أهل مملكته فشاورهم في دفع السيل فأجمعوا على حفر مسارب له حتى تؤديه إلى البحر فحشد أهل مملكته حتى صرف الماء واتخذ سدا في موضع جريان الماء من الجبال ورصفه بالحجارة والحديد وجعل فيه مجاري للماء في استدارة الذراع فإذا جاء السيل تصرف في المجاري إلى جناتهم ومزروعاتهم بتقدير يعمهم نفعه، وذكر الأعشى في شعره أن حميرا بنته فقال:
رخام بنته لهم حمير إذا ** جاء ماؤهم لم يرم

وأروى الزروع وأعنابهم على ** سعة ماؤهم قد قسم

فعاشوا بذلك في غبطة ** فحاق بهم جارف منهدم

ولما انتهى الملك إلى عمرو بن عامر مزيقياء وسمي بذلك لأنه كان يمزق كل ليلة حلة كبرا من أن تعاد عليه أو يلبسها غيره وقيل سمي بذلك لأنه مزق الأزد في البلاد، وكان أخوه عمران كاهنا فأتته كاهنة تدعى ظريفة فأخبرته بدنو فساد السد وفيض السيل وأنذرته، فجمع أهل مأرب وعمل لهم طعاما فأخبرهم بشأن السيل فأجمعوا على الجلاء فقال لهم عمران أخوه إني أصف لكم بلدانا فاختاروا أيتها شئتم فمن كان منكم ذا هم بعيد وجمل غير شرود فليلحق بالشعب من كرود فلحق به همدان ثم قال ومن كان منكم ذا سياسة، وصبر على أزمات الدهر فليلحق ببطن مر فلحقت به خزاعة ثم قال: ومن كان منكم يريد الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل فليلحق بيثرب ذات النخل فنزلها الأوس والخزرج ثم قال ومن كان منكم يريد الخمر والخمير والأمر والتأمير فليلحق ببصرى وسدير وهي من أرض الشام فنزلها غسان ثم قال ومن كان منكم يريد الثياب الرقاق والخيل العتاق والذهب والأوراق فليلحق بالعراق فلحق بها مالك بن فهم بن الأزد وتخلف مالك بن اليمان في قومه حتى أخرجهم السيل فنزلوا نجران وانتسبوا إلى مذحج ودخلت جماعة منهم إلى معد فأخرجتهم معد بعد حروب فنزلوا بجبال الشراة على تخوم الشام فلما تفرقت البلاد هذا التفرق ضربت العرب بهم المثل فقالوا ذهبوا أيدي سبا وأيادي سبا.

.[سورة النمل الآيات: 27- 33]:

{قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ (28) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (30) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ (33)}.

.اللغة:

{أَفْتُونِي} أشيروا عليّ والفتوى الجواب في الحادثة اشتقت على طريق الاستعارة من الفتا في السنّ والمراد بالفتوى هاهنا الاشارة عليها بما عندهم كما ذكرنا فيما حدث لها من الرأي والتدبير. وفي الأساس: وفلان من أهل الفتوى والفتيا وتعالوا ففاتونا، وتفاتوا إليه: تحاكموا، قال الطرماح:
هلمّ إلى قضاة الغوث فاسأل ** برهطك والبيان لدى القضاة

أنخ بفناء أشدق من عديّ ** ومن جرم وهم أهل التفاتي

وقال عمر بن أبي ربيعة:
فبتّ أفاتيها فلا هي ترعوي ** بجود ولا تبدي إباء فتبخلا

أي أسائلها.
هذا ويجوز ضم الفاء وفتحها كما جاء في أدب الكاتب لابن قتيبة قال: قالوا: فتوى وفتيا وبقوى وبقيا وثنوى وثنيا ورعوى ورعيا.
{أُولُوا قُوَّةٍ} اسم جمع بمعنى أصحاب، والواحد ذو بمعنى صاحب وقيل جمع ذو على غير لفظه وقد تقدم أنها من الملحقات بجمع المذكر السالم والمؤنث أولات وواحدتها ذات تقول: جاء أولو العلم وأولات الفضل.