فصل: القراءات والوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان هذا أمرًا باهرًا، دل عليه بقوله مؤكدًا بأنواع التأكيد وشاكرًا حاثًا لنفسه على مزيد الشكر وهازًا لها إليه: {إن هذا} أي الذي أوتيناه {لهو الفضل المبين} أي البين في نفسه لكل من ينظره، الموضح لعلو قدر صاحبه ووحدانية مفيضة مؤتية.
ولما كان هذا مجرد خبر، أتبعه ما يصدقه فقال: {وحشر} أي جمع جمعًا حتمًا بقهر وسطوة وإكراه بأيسر سعي {لسليمان جنوده}.
ولما دل ذلك على عظمه، زاد في الدلالة عليه بقوله: {من الجن} بدأ بهم لعسر جمعهم {والإنس} ثنى بهم لشرفهم ومشاركتهم لهم في ذلك من حيث تباعد أغراضهم وتناءي قصودهم.
ولما ذكر ما يعقل وبدأ به لشرفه، أتبعه ما لا يعقل فقال: {والطير} ولما كان الحشر معناه الجمع بكره، فكان لا يخلو عن انتشار، وكان التقدير: وسار بهم في بعض الغزوات، سبب عنه قوله تعظيمًا للجيش وصاحبه: {فهم يوزعون} أي يكفون بجيش أولهم على آخرهم بأدنى أمر وأسهله ليتلاحقوا، فيكون ذلك أجدر بالهيبة، وأعون على النصرة، وأقرب إلى السلامة؛ عن قتادة أنه كان على كل صنف من جنوده وزعة ترد أولاها على أخراها لئلا يتقدموا في المسير، قال: والوازع: الحابس وهو النقيب.
وأصل الوزع الكف والمنع.
ولما كان التقدير: فساروا، لأن الوزع لا يكون إلا عن سير، غياه بقوله: {حتى إذا أتوا} أي أشرفوا.
ولما كان على بساطه فوق متن الريح بين السماء والأرض.
عبر بأداة الاستعلاء فقال: {على واد النمل} وهو واد بالطائف- كما نقله البغوي عن كعب، وهو الذي تميل إليه النفس فإنه معروف إلى الآن عندهم بهذا الاسم، ويسمى أيضًا نخب وزن كتف، وقد رأيته لما قصدت تلك الديار لرؤية مشاهدها، والتطواف في معابدها ومعاهدها.
والتبرك بآثار الهادي، في الانتهاء والمبادىء، ووقفت بمسجد فيه قرب سدرة تسمى الصادرة مشهور عندهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى به، وهذه السدرة مذكورة في غزوة الطائف من السيرة الهشامية واقتصر في تسمية الوادي على نخب، وأنشدت فيه يوم وقوفي ببابه، وتضرعي في أعتابه:
مررت بوادي النمل يا صاح بكرة ** فصحت وأجريت الدموع على خدي

وتممت منه موقف الهاشمي الذي ** ملأ الأرض توحيدًا يزيد على العد

وكم موقف أفرشته حر جبهتي ** وأبديت في أرجائه ذلة العبد

في قصيدة طويلة.
ولما كانوا في أمر يهول منظره، ويوهي القوى مخالطته ومخبره، فكان التقدير: فتبدت طلائعهم، وتراءت راياتهم ولوامعهم، وأحمالهم ووضائعهم، نظم به قوله: {قالت نملة} أي من النمل الذي بذلك الوادي: {يا أيها النمل} ولما حكى عنهم سبحانه ما هو من شأن العقلاء، عبر بضمائرهم فقال: {ادخلوا} أي قبل وصول ما أرى من الجيش ما {مساكنكم} ثم عللت أمرها معينة لصاحبه إذ كانت أماراته لا تخفى فقالت جوابًا للأمر أو مبدلًا منه: {لا يحطمنكم} أي يكسرنكم ويهشمنكم أي لا تبرزوا فيحطمنكم.
فهو نهي لهم عن البروز في صور نهيه وهو أبلغ من التصريح بنهيهم لأن من نهى كبيرًا عن شيء كان لغيره أشد نهيًا {سليمان وجنوده} أي فإنهم لكثرتهم إذا صاروا في الوادي استعلوا عليه فطبقوه فلم يدعوا منه موضع شبر خاليًا {وهم} أي سليمان عليه السلام وجنوده {لا يشعرون} أي بحطمهم لكم لاشتغالهم بما هم فيه من أحوال السير، وتعاطي مصالحة، مع صغر أجسامكم، وخفائكم على السائر في حال اضطرابكم ومقامكم، وقولها هذا يدل على علمها بأنهم لو شعروا بهم ما آذوهم لأنهم أتباع نبي فهم رحماء.
ولما كان هذا أمرًا معجبًا لما فيه من جزالة الألفاظ وجلالة المعاني، تسبب عنه قوله: {فتبسم} ولما دل ذلك على الضحك، وكان ذلك قد يكون للغضب، أكده وحقق معناه بقوله: {ضاحكًا من قولها} أي لما أوتيته من الفصاحة والبيان، وسرورًا بما وصفته به من العدل في أنه وجنوده لا يؤذون أحدًا وهم يعلمون {وقال} متذكرًا ما أولاه ربه سبحانه بحسن تربيته من فهم كلامها إلى ما أنعم عليه من غير ذلك: {رب} أي أيها المحسن إليّ {أوزعني أن} أي اجعلني مطيقًا لأن {أشكر نعمتك} أي وازعًا له كافًا مرتبطًا حتى لا يغلبني.
ولا يتفلت مني، ولا يشذ عني وقتًا ما.
ولما أفهم ذلك تعلق النعمة به.
حققه بقوله: {التي أنعمت عليّ} وربما أفهم قوله: {وعلى والديّ} أن أمه كانت أيضًا تعرف منطق الطير.
وتحقيق معنى هذه العبارة أن مادة وزع- بأيّ ترتيب كان- يدور على المعوز لخرقة بالية يلف بها الصبي، ويلزمها التمييز، فإن الملفوف بها يتميز عن غيره، ومنه الأوزاع وهم الجماعات المتفرقة، ويلزمها أيضًا الإطاقة فإن أكثر الناس يجدها، ومنه العزون- لعصب من الناس، فإنهم يطيقون ما يريدون ويطيقهم من يريدهم، ومنه الوزع وهو كف ما يراد كفه، والولوع بما يزاد، ومنه الإيعاز- للتقدم بالأمر والنهي، والزوع للجذب، ويلزمها أيضًا الحاجة فإنه لا يرضى بها دون الجديد إلا محتاج، فمعنى الآية: اجعلني وازعًا- أي مطيقًا- أن أشكرها كما يطيق الوازع كف ما يريد كفه، ويمكن أن يكون مدار المادة الحاجة لأن الأوزاع- وهم الجماعات- يحتاجون إلى الاجتماع جملة، والكاف محتاج إلى امتثال ما يكفه لأمره، والجاذب محتاج إلى الزوع أي الجذب، والمولع بالشيء فقير إليه، والموعز محتاج إلى قبول وصيته، فالمعنى: اجعلني وازعًا أي فقيرًا إلى الشكر، أي ملازمًا له مولعًا به، لأن كل فقير إلى شيء مجتهد في تحصيله، ويلزم على هذا التخريج احتقار العمل، فيكون سببًا للأمن من الإعجاب، وفي الآية تنبيه على بر الوالدين في سؤال القيام عنهم بما لم يبلغاه من الشكر- والله الموفق.
والشكر في اللغة فعل ينبىء عن تعظيم المنعم لكونه منعمًا كالثناء على المنعم بما يدل على أن الشاكر قد عرف نعمته واعترف له بها وحسن موقعها عنده، وخضع قلبه له لذلك، وحاصله أنه اسم لمعرفة النعمة لأنها السبيل إلى معرفة المنعم فإنه إذا عرفها تسبب في التعرف إليه، فسلك طريق التعرف وجد في الطلب، ومن جدَّ وجد، ويروى عن داود عليه الصلاة والسلام أنه قال: يا رب كيف أشكرك والشكر نعمة آخرى منك أحتاج عليها إلى شكر آخر؟ فأوحى الله تعالى إليه: يا داود! إذا علمت أن ما بك من نعمة فمني فقد شكرتني.
والشكر ثلاثة أشياء: الأول معرفة النعمة بمعنى إحضارها في الخاطر بحيث يتميز عندك أنها نعمة، فرب جاهل يحسن إليه وينعم عليه وهو لا يدري، فلا جرم أنه لا يصح منه الشكر.
والثاني: قبول النعمة بتلقيها من المنعم بإظهار الفقر والفاقة، فإن ذلك شاهد بقبولها حقيقة، والثالث: الثناء بها بأن تصف المنعم بالجود والكرم ونحوه مما يدل على حسن تلقيك لها واعترافك بنزول مقامك في الرتبة عن مقامه، فإن اليد العليا خير من اليد السفلى، وهو على ثلاث درجات: الأولى الشكر على المحاب أي الأشياء المحبوبة، وهذا شكر تشارك فيه المثبتون المسلمون واليهود والنصارى والمجوس، فإن الكل يعتقدون أن الإحسان الواصل من الرحمن واجب معرفته على الإنسان، ومن سعة بر البارىء سبحانه وتعالى أن عده شكرًا مع كونه واجبًا على الشاكر.
ووعد عليه الزيادة، وأوجب فيه المثوبة إحسانًا ولطفًا.
الثانية: الشكر في المكاره، وهو إما من رجل لا يميز بين الحالات، بل يستوي عنده المكروه والمحبوب، فإذا نزل به المكروه شكر الله عليه بمعنى أنه أظهر الرضا بنزوله به، وهذا مقام الرضا، وإما من رجل يميز بين الأحوال فهو لا يحب المكروه ولا يرضى بنزوله، فإن نزل به مكروه فشكره عليه إنما هو كظم الغيظ وستر الشكوى وإن كان باطنه شاكيًا، والكظم إنما هو لرعاية الأدب بالسلوك في مسلك العلم، فإنه يأمر العبد بالشكر في السراء والضراء والثالثة: أن لا يشهد العبد إلا المنعم باشتغاله بالاستغراق في مشاهدته عن مشاهدة النعمة، وهذا الشهودعلى ثلاثة أقسام: أحدها أن يستغرق فيها عبودة، فيكون مشاهدًا له مشاهدة العبد للسيد بأدب العبيد إذا حضروا بين يدي سيدهم، فإنهم ينسون ما هم فيه من الجاه والقرب الذي ما حصل لغيرهم، باستغراقهم في الأدب، وملاحظتهم لسيدهم خوفًا من أن يسير إليهم في أمر فيجدهم غافلين، وهذا أمر معروف عند من صحب الملوك.
فصاحب هذا الحال إذا أنعم عليه سيده في هذه الحالة، مع قيامه في حقيقة العبودة، استعظم الإحسان، لأن العبودة توجب عليه أن يستضغر نفسه.
ثانيها أن يشهد سيده شهود محبة غالبة، فهو يسبب هذا الاستغراق فيه، يستحلي منه الشدة، وقد قال بعض عشاق حسن الصورة لا صورة الحسن فأحسن:
من لم يذق ظلم الحبيب كظلمه ** حلوًا فقد جهل المحبة وادعى

ثالثها: أن يشهد شهود تفريد يرفع الثنويه ويفني الرسم ويذهب الغيرية، فإذا وردت عليه النعمة أو الشدة كان مستغرقًا في الفناء فلم يحس بشيء منهما.
ولما علم من هذا كله أن الشاكر هو المستغرق في الثناء على المنعم بما يجب عليه من العمل من فناء أو غيره بحسب ما يقدر عليه، وكان ذلك عمل مما يجوز أن يكون زين لذلك العبد كونه حسنًا وهو ليس كذلك، قال صلى الله عليه وسلم مشيرًا إلى هذا المعنى: {وأن أعمل صالحًا} أي في نفس الأمر.
ولما كان العمل الصالح قد لا يرضي المنعم لنقص في العمل كما قيل في معنى ذلك:
إذا كان المحب قليل حظ ** فما حسناته إلا ذنوب

قال: {ترضاه}.
ولما كان العمل الصالح المرضي قد لا يعلى إلى درجة المرضي عنهم، لكون العامل منظورًا إليه بعين السخط، لكونه ممن سبق عليه الكتاب بالشقاء، لأن الملك المنعم تام الملك عظيم الملك فهو بحيث لا يسأل عما يفعل، قال معرضًا عن عمله معترفًا بعجزه، معلمًا بأن المنعم غني عن العمل وعن غيره، لا تضره معصية ولا ينفعه طاعة: {وأدخلني برحمتك} أي لا بعملي {في عبادك الصالحين} أي لما أردتهم له من تمام النعمة بالقرب والنظر إليهم بعين العفو والرحمة والرضا. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{وادي النمل} ممالة: عباس وقتيبة. وقرأ يعقوب وعلي والسرنديبي عن قنبل بالياء في الوقف. {لا يحطمنكم} بالنون الخفيفة: عباس ورويس. {أوزعني} بفتح الياء: ابن كثير وكذلك في الأحقاف {ما لي لا} بفتح ياء المتكلم: ابن كثير وعلي وعاصم {ليأتيني} بنون الوقاية بعد الثقيلة: ابن كثير. {فمكث} بفتح الكاف: عاصم وسهل ويعقوب غير رويس. الآخرون بضمها {من سبأ} بفتح الهمزة لامتناع الصرف: البزي وأبو عمرو وعن قنبل بهمزة ساكنة. وفي رواية أخرى عنه وعن ابن فليح وزمعة بغير همز. الباقون بهمزة منونة مكسورة، وكذلك في سورة سبأ. {ألا يسجدوا} مخففًا: يزيد وعلي ورويس. الآخرون بالتشديد. وقال ابن مجاهد: إذا وقفوا على {إلا} وقفوا على ألا ياء والابتداء {اسجدوا} {تخفون} و{تعلنون} بتاء الخطاب فيهما: علي وحفص والباقون على الغيبة {فألقه} بسكون الهاء: حمزة وعاصم غير المفضل وأبو عمرو غير عباس، وقرأ باختلاس حركة الهاء: يزيد وقالون ويعقوب غير زيد وأبو عمرو من طريق الهاشمي عن اليزيدي الباقون بالإشباع {إني القي} بفتح ياء المتكلم: ابو جعفر ونافع {أتمدونني} بالياء في الحالين: ابن كثير وسهل وافق به ابو جعفر ونافع وأبو عمرو في الوصل {اتمدوني} بتشديد النون وبالياء في الحالين: حمزة ويعقوب. الآخرون بإظهار النونين وحذف الياء {أتاني الله} بفتح الياء: ابو جعفر ونافع وأبو عمرو وابن فليح وحفص. فمن فتح الياء فالوقف بالياء لا غير، من حذف الياء فإنه يقف بغير الياء إلا سهلًا ويعقوب فإنهما يقفان بالياء. وقرأ علي {آتاني الله} بالإمالة {أنا آتيك} بالإمالة وكذلك ما بعده: حمزة في رواية خلف وابن سعدان والعجلي وأبي عمرو وخلف لنفسه {فلما رايه} بكسر الراء: نصير {ليبلوني} بفتح الياء: أبو جعفر ونافع. {ساقيها} وبابه بالهمز: ابن مجاهد وأبو عون عن قنبل والأحسن تركها.
قال في الكشاف: من همز فوجهه أنه سمع سؤقًا فأجرى عليه الواحد.

.الوقوف:

{علمًا} ج للعدول عن بيان إيتاء الفضل ابتداء إلى ذكر قول المنعم عليهما شكرًا ووفاء {المؤمنين} o {شيء} ط {المبين} o {يوزعون} o {النمل} لا لأن ما بعده جواب {إذا} {مساكنكم} ج لانقطاع النظم لنهي الغائب مع اتحاد القائل {وجنوده} لا لأن الواو للحال {لا يشعرون} o {الصالحين} o {الهدهد} ز على معنى بل أكان من الغائبين على معنى التهديد والأصح أن {أم} متصل بمعنى الاستفهام في {مالي} أي أنا لا اراه أو هو غائب {الغائبين} o {مبين} o {يقيم} o {عظيم} o {لا يهتدون} o لا ومن خفف {ألا} وقف مطلقًا {تلعنون} o {العظيم} o سجدة {الكاذبين} o {يرجعون} o {كريم} o {الرحيم} o لا لتعلق أن {مسلمين} o {أمري} ج لانقطاع النظم مع اتحاد القائل {تشهدون} o {تأمرين} o {أذلة} ج لأن قوله: {وكذلك} يحتمل أن يكون من تتمة قولها أو هو تصديق من الله لما قالت {يفعلون} o {المرسلون} o {بمال} ز لانتهاء الاستفهام مع فاء التعقيب وبيان الاستغناء على التعجيل {آتاكم} ج لاختلاف الجملتين على أن {بل} ترجح جانب الوقف {تفرحون} o {صاغرون} o {مسلمين} o {مقامك} ج للابتداء بإن مع اتحاد القائل {أمين} o {طرفك} ط للعدول {أم أكفر} o {لنفسه} ج {كريم} o {لا يهتدون} o {عرشك} ط {هو} ج لاحتمال أن يكون ما بعده من كلامها أو من كلام سليمان {مسلمين} o {من دون الله} ط {كافرين} o {الصرح} ج {ساقيها} ط {قوارير} o {العالمين} o. اهـ.