فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والحق تبارك وتعالى يريد منَّا أنْ نُوسِّع دائرة الصلاح ودائرة المعروف في المجتمع، أَلاَ ترى إلى قوله سبحانه: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245].
فسمَّى الخير الذي تقدمه قَرْضًا، مع أنه سبحانه واهب كل النِّعم، وذلك لِيُحنِّن قلوب العباد بعضهم على بعض؛ لأنه تعالى خالقهم، وهو سبحانه المتكفِّل برزقهم.
ثم يقول: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالحين} [النمل: 19] وذكر الرحمة والفضل؛ لأنهما وسيلة النجاة، وبهما ندخل الجنة، وبدونهما لن ينجو أحد، واقرأ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ولا أنا إلا أنْ يتغمّدني الله برحمته».
ويقول سبحانه في هذا المعنى: {قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ} [يونس: 58] فالمؤمن الحق لا يفرح بعمله، إنما يفرح: إنْ نال فَضْلَ الله ورحمته، كأنه يقول لربه: لن أتكل يا رب على عملي، بل فضلك ورحمتك هما المتكل، لأنني لو قارنتُ العبادة التي كلفتني بها بما أسدْيتَ إليَّ من نِعَم وآلاء لَقصُرَتْ عبادتي عن أداء حقِّك عليَّ، فإنْ أكرمتني بالجنة فبفضلك.
والبعض يقولون: كيف يعاملنا ربنا بالفضل والزيادة، ويُحرِّم علينا التعامل بالربا؟ أليست الحسنة عنده بعشرة أمثالها أو يزيد؟ نقول: نعم، لكن الزيادة هنا منه سبحانه وتعالى وليستْ من مُسَاو، إنها زيادة ربٍّ لعبيد.
وقوله: {فِي عِبَادِكَ الصالحين} [النمل: 19] دليل على تواضع سيدنا سليمان عليه السلام فمع مكانته ومنزلته يطلب أنْ يُدخِله الله في الصالحين، وأن يجعله في زمرتهم، فلم يجعل لنفسه مَيْزةً ولا صدارة ولا أدَّعى خيرية على غيره من عباد الله، مع ما أعطاه الله من الملْك الذي لا ينبغي لأحد من بعده.
وأعطاه النبوة وحمَّله المنهج، فلم يُورثه شيء من هذا غرورًا ولا تعاليًا، وها هو يطلب من ربه أن يكون ضمن عباده الصالحين، كما نقول زقني مع الجماعة دول، حين تكون السيارة مثلًا كاملة العدد، وليس لي مقعد أجلس عليه.
مَنْ يقول هذا الكلام؟ إنه سليمان بن داود عليهما السلام الذي آتاه الله مُلْكًا، لا ينبغي لأحد من بعده، ومن ذلك كان يُؤثِر عبيده وجنوده على نفسه، وكان يأكل الردة من الدقيق، ويترك النقي منه لرعيته.
إذن: لم ينتفع من هذا الملْك بشيء، ولم يصنع لنفسه شيئًا من مظاهر هذا الملك، إنما صنعه له ربه لأنه كان في عَوْن عباد الله، فكان الله في عَوْنه، وأنت حين تُعين أخاك تُعينه بقدرتك وإمكاناتك المحدودة، أما معونة الله تعالى فتأتي على قَدْر قوته تعالى، وقدرته وإمكاناته التي لا حدودَ لها، إذن: فأنت الرابح في هذه الصفقة. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا}.
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: كان داود أعطي ثلاثًا: سخرت له الجبال يسبحن معه، وأُلِينَ له الحديد، وعلم منطق الطير. وأعطي سليمان: منطق الطير، وسخرت له الجن، وكان ذلك مما ورث عنه. ولم تسخر له الجبال، ولم يلن له الحديد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب: إن الله لم ينعم على عبد نعمة فحمد الله عليها إلا كان حمده أفضل من نعمته.
إن كنت لا تعرف. ذلك في كتاب الله المنزل قال الله عز وجل: {ولقد آتينا داود وسليمان علمًا وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين} وأي نعمة أفضل مما أوتي داود وسليمان!.
{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)}.
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وورث سليمان داود} قال: ورثه نبوته، وملكه، وعلمه.
وأما قوله تعالى: {وقال يا أيها الناس}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي قال: الناس عندنا: أهل العلم.
وأما قوله تعالى: {علمنا منطق الطير}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال: كنت عند عمر بن الخطاب فدخل علينا كعب الحبر فقال: يا أمير المؤمنين ألا أخبرك بأغرب شيء قرأت في كتب الأنبياء: إن هامة جاءت إلى سليمان فقالت: السلام عليك يا نبي الله، فقال: وعليك السلام يا هام، أخبريني كيف لا تأكلين الزرع؟ فقالت: يا نبي الله لأن آدم عصى ربه في سببه لذلك لا آكله، قال: فكيف لا تشربين الماء؟ قالت: يا نبي الله لأن الله أغرق بالماء قوم نوح من أجل ذلك تركت شربه، قال: فكيف تركت العمران وأسكنت الخراب؟ قالت: لأن الخراب ميراث الله، وأنا أسكن في ميراث الله وقد ذكر الله ذلك في كتابه فقال: {وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها} [القصص: 58] إلى قوله: {وكنا نحن الوارثين} [القصص: 58].
وأخرج ابن أبي شيبه وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم عن أبي الصديق الناجي قال: خرج سليمان بن داود يستسقي بالناس، فمر بنملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن رزقك، فاما أن تسقينا، وإما أن تهلكنا فقال سليمان للناس: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال: كان داود يقضي بين البهائم يومًا وبين الناس يومًا، فجاءت بقرة فوضعت قرنها في حلقة الباب ثم تنغمت كما تنغم الوالدة على ولدها، وقالت: كنت شابة كانوا ينتجوني ويستعملوني، ثم إني كبرت فأرادوا أن يذبحوني، فقال داود: أحسنوا إليها ولا تذبحوها ثم قرأ: {علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء}.
وأخرج الحاكم في المستدرك عن جعفر بن محمد قال: أعطي سليمان ملك مشارق الأرض ومغاربها، فملك سليمان سبعمائة سنة وستة أشهر. ملك أهل الدنيا كلهم من الجن، والإِنس، والدواب، والطير، والسباع، وأعطي كل شيء ومنطق كل شيء، وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة. حتى إذا أراد الله أن يقبضه إليه أوحى إليه: أن استودع علم الله وحكمته أخاه. وولد داود كانوا أربعمائة وثمانين رجلًا أنبياء بلا رسالة. قال الذهبي: هذا باطل.
وأخرج الحاكم عن محمد بن كعب قال: بلغنا أن سليمان كان عسكره مائة فرسخ: خمسة وعشرون منها للإِنس، وخمسة وعشرون للجن، وخمسة وعشرون للوحش، وخمسة وعشرون للطير، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب.
فيها ثلثمائة صريحة، وسبعمائة سرية، وأمر الريح العاصف فرفعته، فأمر الريح فسارت به. فأوحى الله إليه: إني زدتك في ملكك أن لا يتكلم أحد بشيء إلا جاءت الريح فأخبرتك.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر عن وهب بن منبه قال: مر سليمان بن داود وهو في ملكه قد حملته الريح على رجل حراث من بني إسرائيل، فلما رآه قال- سبحان الله- لقد أوتي آل داود ملكًا. فحملتها الريح، فوضعتها في أذنه، فقال: ائتوني بالرجل، فأتي به فقال: ماذا قلت؟ فأخبره فقال سليمان: إني خشيت عليك الفتنة. لثواب سبحان الله عند الله يوم القيامة أعظم مما أوتي آل داود فقال الحراث: أذهب الله همك كما أذهبت همي قال: وكان سليمان رجلًا أبيض، جسيمًا، أشقر، غزاء، لا يسمع بملك إلا أتاه فقاتله فدوخه، يأمر الشياطين فيجعلون له دارًا من قوارير، فيحمل ما يريد من آلة الحرب فيها، ثم يأمر العاصف فتحمله من الأرض، ثم يأمر الرخاء فتقدمه حيث شاء.
وأخرج ابن المنذر عن يحيى بن كثير قال: قال سليمان بن داود لبني إسرائيل: ألا أريكم بعض ملكي اليوم قالوا: بلى يا نبي الله قال: يا ريح ارفعينا. فرفعتهم الريح فجعلتهم بين السماء والأرض، ثم قال: يا طير أظلينا. فأظلتهم الطير بأجنحتها لا يرون الشمس. قال: يا بني إسرائيل أي ملك ترون؟ قالوا: نرى ملكًا عظيمًا قال: قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ خير من ملكي هذا، ومن الدنيا وما فيها. يا بني إسرائيل من خشي الله في السر والعلانية، وقصد في الغنى والفقر، وعدل في الغضب والرضا، وذكر الله على كل حال، فقد أعطي مثل ما أعطيت.
{وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، كان يوضع لسليمان عليه السلام ثلثمائة ألف كرسي، فيجلس مؤمنو الإِنس مما يليه، ومؤمنو الجن من ورائهم، ثم يأمر الطير فتظله، ثم يأمر الريح فتحمله، فيمرون على السنبلة فلا يحركونها.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فهم يوزعون} قال: يدفعون.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {فهم يوزعون} قال: جعل على كل صنف منهم وزعة ترد أولاها على أخراها لئلا يتقدموا في المسير كما تصنع الملوك.
وأخرج الطبراني والطستي في مسائله عن ابن عباس؛ أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {فهم يوزعون} قال: يحبس أولهم على آخرهم حتى تنام الطير. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أو ما سمعت قول الشاعر:
وزعت رعيلها باقب نهد ** إذا ما القوم شدوا بعد خمس

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد وأبي رزين في قوله: {فهم يوزعون} قال: يحبس أولهم على آخرهم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {فهم يوزعون} قال: يرد أولهم على آخرهم.
{حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {حتى إذا أتوا على وادِ النمل} قال: ذكر لنا أنه واد بأرض الشام.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال: النملة التي فقه سليمان كلامها كانت من الطير ذات جناحين، ولولا ذلك لم يعرف سليمان ما تقول.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال: النمل من الطير.
وأخرج البخاري في تاريخه، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن نوف قال: كان النمل في زمن سليمان بن داود أمثال الذباب. وفي لفظ مثل الذباب.
وأخرج عبد بن حميد عن الحكم قال: كان النمل في زمان سليمان أمثال الذباب.
وأخرج ابن المنذر عن وهب بن منبه قال: أمر الله الريح قال لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء في الأرض بينهم إلا حملته فوضعته في أذن سليمان فبذلك سمع كلام النملة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين أنه سئل عن التبسم في الصلاة، فقرأ هذه الآية: {فتبسم ضاحكًا من قولها} وقال: لا أعلم التبسم إلا ضحكًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {أوزعني} قال: ألهمني.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين} قال: مع الأنبياء والمؤمنين. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

قوله: {وَقَالاَ}.
قال الزمخشري: فإن قلتَ: أليسَ هذا موضعَ الفاءِ دونَ الواو كقولك: أَعْطَيْتُه فَشَكر ومَنَعْتُه فَصَبرَ؟ قلت: بلى. ولكنَّ عَطْفَه بالواوِ إشعارٌ بأنَّ ما قالاه بعضُ ما أَحْدَثَ فيهما إيتاءُ العِلْمِ وشيءٌ من مَواجبِهِ، فأضمرَ ذلك ثُمَّ عَطَفَ عليه التحميدَ، كأنه قال: ولقد آتيناهُما عِلْمًا فَعَمِلا به، وعَلَّماه وعَرَفاه حَقَّ مَعْرِفَتِه وقالا: الحمد. انتهى. وإنما نَكَّر {عِلْمًا} تَعْظيمًا له أي: علمًا سَنِيًَّا، أو دلالةً على التبعيضِ لأنه قليلٌ جدًا بالنسبةِ إلى عِلْمِه تعالى.
{وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)}.
قوله: {مِنَ الجن} وما بعَده بيانٌ لجنودِه، فيتعلَّق بمحذوفٍ. ويجوزُ أَنْ يكونَ هذا الجارُّ حالًا، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ أيضًا.