فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله عز وجل: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا دَاوُودُ وسليمان عِلْمًا} يعني: علم القضاء، والعلم بكلام الطير والدوابّ {وَقَالاَ} يعني: داود وسليمان {الحمد لِلَّهِ الذي فَضَّلَنَا على كَثِيرٍ مّنْ عِبَادِهِ المؤمنين} بالكتاب والنبوة وكلام البهائم والطير والملك، ويقال: فضلنا على كثير من الأنبياء، حيث لم يعط أحدًا من الأنبياء عليهم السلام ما أعطانا.
وقال مقاتل: كان سليمان أعظم ملكًا، وأقضى من داود، وكان داود أشدَّ تعبدًا من سليمان عليهما السلام.
ثم قال عز وجل: {وَوَرِثَ سليمان دَاوُودُ} يعني: ورث ملكه.
وقال الحسن: ورث المال والملك لا النبوة والعلم، لأن النبوة والعلم من فضل الله، ولا يكون بالميراث ويقال: ورث العلم والحكم لأن الأنبياء عليهم السلام لا يورثون دراهم ولا دنانير.
{وَقَالَ} سليمان لبني إسرائيل: {وَقَالَ يا أيها الناس عُلّمْنَا مَنطِقَ الطير} يعني: أفهمنا وألهمنا منطق الطير، وذلك أن سليمان كان جالسًا في أصحابه إذ مرّ بهم طير يصوت، فقال لجلسائه: أتدرون ماذا يقول؟ قالوا: لا.
قال: إنه يقول: ليت الخلق لم يخلقوا، فإذا خلقوا علموا لماذا خلقوا قال: وصاح عنده ديك فقال: هل تدرون ماذا يقول؟ قالوا: لا.
قال: إنه يقول اذكروا الله يا غافلين.
ثم قال تعالى: {وَأُوتِينَا مِن كُلّ شيء} يعني: أعطينا علم كل شيء.
ويقال: النبوة والملك وتسخير الجن والشياطين والرياح.
{إِنَّ هَذَا} الذي أعطينا {لَهُوَ الفضل المبين} يعني: المبين ويقال: المبين تبين للناس فضلهم.
ثم قال عز وجل: {وَحُشِرَ لسليمان جُنُودُهُ} يعني: جموعه، والحشر هو أن يجمع ليساق، ثم قال: {مِنَ الجن والإنس والطير فَهُمْ يُوزَعُونَ} يعني: يساقون.
ويقال: {يُوزَعُونَ} يعني: يكفون، ويحبس أولاهم على آخرهم، وأصل الوزع الكف، يقال: وزعت الرجل إذا كففته.
وعن الحسن أنه قال: لابد للناس من وزعة، أي: من سلطان يكفهم.
وقال مقاتل: إنه استعمل جنيًا عليهم يرد أولهم على آخرهم.
ويقال: هكذا إعادة القوافل والعساكر.
ويقال: {وَحُشِرَ}، أي: جمع لسليمان جنوده مسيرة له من الجن والإنس والطير {فَهُمْ يُوزَعُونَ} يجلس أولهم على آخرهم، حتى يجتمعوا.
قوله عز وجل: {حتى إِذَا أَتَوْا على وَادِى النمل} وذلك أن سليمان كان له بساط فرسخ في فرسخ، ويقال: أربع فراسخ في أربع فراسخ، وكان يضع عليه كرسيه وجميع عساكره، ثم يأمر الريح فترفعه، وتذهب به مسيرة شهر في ساعة واحدة، فركب ذات يوم في جموعه، فمر بواد النمل في أرض الشام.
{قَالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا أَيُّهَا النمل ادخلوا مساكنكم} يعني: بيوتكم، ويقال: حجركم {لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ} أي لا يهلكنكم، ويقال: لا يكسرنكم {سليمان وَجُنُودُهُ} وإنما خاطبهم بقوله: {أَدْخِلُواْ} بخطاب العقلاء لأنه حكى عنهم ما يحكى عن العقلاء، ثم قال: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} يعني: قوم سليمان لا يشعرون بكم ولو كانوا يشعرون بكم لا يحطمونكم لأنهم علموا أن سليمان عليه السلام ملك عادل لا بغي فيه ولا جور، ولئن علم بها لم توطأ ويقال: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} يعني: جنوده خاصة لأنه علم أن سليمان يعلم بمكانه ويتعاهده.
ويقال: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} يعني: النمل لا يشعرون بجنود سليمان حتى أخبرتهم النملة المنذرة، فرفع الريح صوتها إلى سليمان.
{فَتَبَسَّمَ ضاحكا مّن قَوْلِهَا} كما يكون ضحك الأنبياء عليهم السلام وإنما ضحك من ثنائها على سليمان بعدله في ملكه، يعني: أنه لو شعر بكم لم يحطمكم.
ويقال: {فَتَبَسَّمَ ضاحكا} أي متعجبًا.
ويقال: فرحًا بما أنعم الله تعالى عليه، صار ضاحكًا، نصبًا على الحال.
{وَقَالَ رَبّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَىَّ} يعني: ألهمني، ويقال: أوزعني من الكف أيضًا، كأنه قال: احفظ جوارحي لكيلا تشتغل بشيءٍ سوى شكر نعمتك عليَّ.
{وعلى وَالِدَىَّ} يعني: النبوة والملك.
{وَأَنْ أَعْمَلَ صالحا ترضاه} يعني: تقبله مني.
وذكر أنه مر بزارع، فقال؟ الزارع: إنه ما أعطي مثل هذا الملك لأحد؟ فقال له سليمان: ألا أنبئك بما هو أفضل من هذا؟ القصد في الغنى والفقر، وتقوى الله تعالى في السر والعلانية، والقضاء بالعدل في الرضا والغضب.
ثم قال تعالى: {وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ في عِبَادِكَ الصالحين} يعني: أدخلني بنعمتك مع عبادك الصالحين، يعني: المرسلين في جنتك.
فوقف سليمان عليه السلام بموضعه ليدخل النمل مساكنهم، ثم مضى.
قرأ يعقوب الحضرمي وأبو عمرو في إحدى الروايتين {لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ} بسكون النون وقراءة العامة بنصب النون وتشديدها، وهذه النون تدخل للتأكيد فيجوز التخفيف والتثقيل، ولفظه لفظ النهي، ومعناه جواب الأمر، يعني: إن لم تدخلوا مساكنكم حطمكم.
ثم قال عز وجل: {وَتَفَقَّدَ الطير} يعني: طلب الطير، وذلك أنه أراد أن ينزل منزلًا، فطلب الهدهد {فَقَالَ مَالِيَ لِىَ لاَ أَرَى الهدهد} وكان رئيس الهداهد، وكان سليمان قد جعل على كل صنف منهم رئيسًا، ثم جعل الكركي رئيسًا على جميع الطيور.
قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة {مَا لِى} بسكون الياء.
وقرأ الباقون بنصب الياء، وهما لغتان: يجوز كلاهما، ثم قال: {أَمْ كَانَ مِنَ الغائبين} يعني: أم صار غائبًا لم يحضر بعد.
ويقال: الميم للصلة، ومعناه أكان من الغائبين يعني: أصار من الغائبين.
وذكر أن الهدهد كان مهندسًا يعرف المسافة التي بينهم وبين الماء.
ويقال: كان يعرف الماء من تحت الأرض، ويراه كما يرى من القارورة.
وروى عكرمة أنه قال: قلت لابن عباس: كيف يرى الماء من تحت الأرض.
وأن صبياننا يأخذونه بالفخ فلا يرى الخيط والشبكة من تحت التراب.
فقال ابن عباس: ما ألقى هذه الكلمة على لسانك إلا الشيطان، أما علمت أنه إذا نزل القضاء ذهب البصر.
فدعا سليمان أمير الطير، فسأله عن الهدهد، فقال: أصلح الله الملك ما أدري أين هو؟ وما أرسلته مكانًا، فغضب سليمان عند ذلك وقال: {لأعَذّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} يعني: لأنتفن ريشه فلا يطير مع الطيور حولًا ولأشمسنه في الحر حتى يأكله الذر {أَوْ لاَذْبَحَنَّهُ} يعني: لأقتلنه حتى لا يكون له نسل {أَوْ لَيَأْتِيَنّى بسلطان} يعني: بحجة بينة واضحة أعذره بها {مُّبِينٌ} بيّن، فإن قيل كيف يجوز أن يعاقب من لا يجري عليه القلم؟ قيل له: تجوز العقوبة على وجه التأديب إذا كان منه ذنب، كما يجوز للأب أن يؤدب ولده الصغير، وأما الذبح، فيجوز، وإن لم يكن منه ذنب.
قرأ ابن كثير {ليأتينني} بنونين.
وقرأ الباقون بنون واحدة، فمن قرأ بنونين فهو للتأكيد، لأن النون الأولى مشددة، وتسمى تلك نون القسم، وهي في الحقيقة نونين، والنون الثانية للإضافة.
ومن قرأ بنون واحدة، فقد استقل الجمع بين النونات، واقتصر على نونين، فأدغم إحداهما في الأخرى.
قوله عز وجل: {مُّبِينٍ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} قرأ عاصم بنصب الكاف.
وقرأ الباقون بالضم وهما لغتان: ومعناهما واحد.
يعني: لم يلبث إلا قليلًا.
ويقال: لم يظل الوقت حتى جاء الهدهد {فَقَالَ أَحَطتُ} وفي الآية مضمر، ومعناه فمكث غير بعيد أن جاءه الهدهد.
فقال له سليمان: أين كنت؟ فخرّ له ساجدًا وقال: أحطت {بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} يعني: علمت ما لم تعلم، وجئتك بخبر لم تكن تعلمه، ولم يخبرك عنه أحد ثم أخبره فقال: {وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} فإن قيل: كيف يجوز أن يقال إن سليمان لم يعلم به، وكانت أرض سبأ قريبة منه، وهناك ملك لم يعلم به سليمان؟ قيل له: علم به سليمان، ولكنه لم يعلم أنهم يسجدون للشمس.
ويقال: إنه علم بها، ولكنه لم يعلم أن ملكها قد بلغ هذا المبلغ، وعلم أنهم أهل الضلالة، والإحاطة هي العلم بالأشياء بما فيها وجهتها كما قال: {وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ}، يعني: من أرض سبأ، وهي مدينة باليمن بنبأ يقيني يعني: بخبر صدق لا شك فيه.
ويقال: بخبر عجيب.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {سَبَإٍ} بالنصب بغير تنوين.
وقرأ الباقون بالكسر والتنوين، فمن قرأ بالنصب جعله اسم مدينة، وهي مؤنثة لا تنصرف، ومن قرأ بالكسر والتنوين جعله اسم الرجل.
ويقال: جعله اسم مكان.
فقال له سليمان: وما ذلك الخبر؟ فقال: {إِنّى وَجَدتُّ امرأة تَمْلِكُهُمْ} يعني: تملك أرض سبأ {وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شيء} يعني: أعطيت علم ما في بلادها.
ويقال: من كل صنف من الأموال والجنود، وأنواع الخير مما يعطى الملوك {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} يعني: سريرًا كبيرًا أعظم من سريرك.
ويقال: كان طول سريرها ثمانون ذراعًا في ثمانين مرصعًا بالذهب والدر والياقوت، وقوائمه من اللؤلؤ والياقوت، واسمها بلقيس.
قال مقاتل: كانت أمها من الجن.
ويقال: ولها عرش عظيم، أي شديد.
قوله عز وجل: {وَجَدتُّهَا} يعني: رأيتها {وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ} يعني: يعبدون الشمس {مِن دُونِ الله وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم} الخبيثة {فَصَدَّهُمْ عَنِ السبيل فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ} يعني: طريق الهدى، ومعناه صدهم الشيطان عن الإسلام، فهم لا يهتدون.
يعني: لا يعرفون الدين قوله عز وجل: {أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ} قرأ الكسائي {ألاَ} بالتخفيف، وقرأ الباقون بالتشديد، فمن قرأ بالتخفيف، فمعناه أن الهدهد قال عند ذلك: أنْ لاَ تسجدوا لله؟ وقال مقاتل: هذا قول سليمان قال لقومه: {أَلاَّ يَسْجُدُواْ} ويقال هذا كلام الله {أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ} وهذا من الاختصار، فكأنه قال: ألا يا هؤلاء اسجدوا لله.
ومن قرأ بالتشديد فمعناه فصدهم عن السبيل أن لا يسجدوا لله.
يعني: لأن لا يسجدوا.
ويقال: معناه وزين لهم الشيطان أعمالهم، لأن لا يسجدوا وإذا قرئ بالتخفيف، فهو موضع السجدة، وإذا قرئ بالتشديد، فليس بموضع سجدة في الوجهين جميعًا.
وهذا القول أحوط {الذى يُخْرِجُ الخبء} يعني: المخبئات {فِي السموات والأرض} مثل الثلج والمطر، وفي الأرض مثل النبات والأشجار والكنوز والموتى.
ويقال: الذي يظهر سر أهل السموات والأرض، ويعلنها فذلك قوله تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} ثم قال عز وجل: {الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ رَبُّ العرش العظيم} أي الذين يعلم ذلك.
قرأ عاصم والكسائي في رواية حفص {مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} بالتاء على معنى المخاطبة لهم.
وقرأ الباقون بالياء على معنى الخبر لهم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{طس}.
قال ابن عباس: هو اسم من أسماء الله عزَّ وجل، أقسم الله سبحانه به أن هذه السورة {تِلْكَ آيَاتُ القرآن وَكِتَابٍ مُّبِينٍ} يعني وآيات كتاب مبين، وقيل: الطاء من اللطيف، والسين من السميع، وقال أهل الإشارة: هي إشارة إلى طهارة سرّ حبيبه.
{هُدًى وبشرى لِلْمُؤْمِنِينَ} فيهما وجهان من العربية، الرفع على خبر الابتداء أي هي هدىً، وإنْ شئت على حرف جزاء الصفه في قوله: {لِلْمُؤْمِنِينَ} والنّصب على القطع والحال.
{الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَهُم بالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} القبيحة حتى رأوها حسنة، وتزيينه خذلانه إيّاهم.
{فَهُمْ يَعْمَهُونَ أولئك الذين لَهُمْ سواء} شدّة {العذاب} في الدّنيا القتل والأسر بيده.
{وَهُمْ فِي الآخرة هُمُ الأخسرون} بحرمان النجاة والمنع من دخول الجنّات.