فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والوزع: المنع، ومنه قول عثمان رضي الله عنه: ما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن.
{حتّى إذا أتوا على واد النّمل} أي ساروا حتى إذا بلغوا وادي النمل وهو واد بالشام كثير النمل.
وعدي ب {على} لأن إتيانهم كان من فوق فأتى بحرف الاستعلاء {قالت نملةٌ} عرجاء تسمى طاخية أو منذرة.
وعن قتادة أنه دخل الكوفة فالتف عليه الناس فقال: سلوا عما شئتم فسأله أبو حنيفة رضي الله عنه وهو شاب عن نملة سليمان أكانت ذكرًا أم أنثى؟ فأفحم فقال أبو حنيفة رضي الله عنه: كانت أنثى.
فقيل له: بماذا عرفت؟ فقال: بقوله: {قالت نملة} ولو كانت ذكرًا لقال قال نملة، وذلك أن النملة مثل الحمامة في وقوعها على الذكر والأنثى فيميز بينهما بعلامة، نحو قولهم حمامة ذكر وحمامة أنثى وهو وهي {يا أيّها النّمل ادخلوا مساكنكم} ولم يقل ادخلن لأنه لما جعلها قائلة والنمل مقولًا لهم كما يكون في أولي العقل أجرى خطابهن مجرى خطابهم {لا يحطمنّكم} لا يكسرنكم، والحطم الكسر وهو نهي مستأنف وهو في الظاهر نهي لسليمان عن الحطم وفي الحقيقة نهي لهن عن البروز والوقوف على طريقة لا أرينك هاهنا أي لا تحضر هذا الموضع.
وقيل: هو جواب الأمر وهو ضعيف يدفعه نون التوكيد لأنه من ضرورات الشعر {سليمان وجنوده} قيل: أراد لا يحطمنكم جنود سليمان فجاء بما هو أبلغ {وهم لا يشعرون} لا يعلمون بمكانكم أي لو شعروا لم يفعلوا، قالت ذلك على وجه العذر واصفة سليمان وجنوده بالعدل فسمع سليمان قولها من ثلاثة أميال.
{فتبسّم ضاحكًا مّن قولها} متعجبًا من حذرها واهتدائها لمصالحها ونصيحتها للنمل، أو فرحًا لظهور عدله.
و{ضاحكًا} حال مؤكدة لأن تبسم بمعنى ضحك وأكثر ضحك الأنبياء التبسم كذا قاله الزجاج {وقال ربّ أوزعني} ألهمني وحقيقته كفني عن الأشياء إلا عن شكر نعمتك {أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ} من النبوة والملك والعلم {وعلى والديّ} لأن الإنعام على الوالدين إنعام على الولد {وأن أعمل صالحًا ترضاه} في بقية عمري {وأدخلني برحمتك} وأدخلني الجنة برحمتك لا بصالح عملي إذ لا يدخل الجنة أحد إلا برحتمه كما جاء في الحديث {في عبادك الصّالحين} أي في زمرة أنبيائك المرسلين أو مع عبادك الصالحين.
روي أن النملة أحست بصوت الجنود ولا تعلم أنهم في الهواء فأمر سليمان الريح فوقفت لئلا يذعرن حتى دخلن مساكنهن ثم دعا بالدعوة.
{وتفقّد الطّير فقال مالي} مكي وعلي وعاصم، وغيرهم بسكون الياء.
والتفقد صلب ما غاب عنك {لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين} {أم} بمعنى بل والمعنى أنه تعرف الطير فلم يجد فيها الهدهد فقال: مالي لا أراه على معنى أنه لا يراه وهو حاضر لساتر ستره أو غير ذلك، ثم لاح له أنه غائب فأضرب عن ذلك وأخذ يقول: بل هو غائب.
وذكر أن سليمان عليه السلام لما حج خرج إلى اليمن فوافى صنعاء وقت الزوال فنزل ليصلي فلم يجد الماء وكان الهدهد قنّاقنه وكان يرى الماء من تحت الأرض كما يرى الماء في الزجاجة فتستخرج الشياطين الماء فتفقده لذلك.
وذكر أنه وقعت نفحة من الشمس على رأس سليمان فنظر فإذا موضع الهدهد خال، فدعا عريف الطير وهو النسر فسأله عنه فلم يجد عنده علمه ثم قال لسيد الطير وهو العقاب: عليّ به، فارتفع فنظر فإذا هو مقبل فقصده فناشده الله فتركه، فلما قرب من سليمان أرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض وقال: يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله فارتعد سليمان وعفا عنه {لأعذّبنّه عذابًا شديدًا} بنتف ريشه وإلقائه في الشمس، أو بالتفريق بينه وبين إلفه، أو بإلزامه خدمة أقرآنه، أو بالحبس مع أضداده.
وعن بعضهم أضيق السجون معاشرة الأضداد.
أو بإبداعه القفص أو بطرحه بين يدي النمل ليأكله.
وحل له تعذيب الهدهد لما رأى فيه من المصلحة كما حل ذبح البهائم والطيور للأكل وغيره من المنافع، وإذا سخر له الطير لم يتم التسخير إلا بالتأديب والسياسة {أو لأذبحنّه أو ليأتينّي} بالنون الثقيلة ليشاكل قوله: {لأعذبنه} وحذف نون العماد للتخفيف.
{ليأتيني} بنونين: مكي الأول للتأكيد والثاني للعماد {بسلطانٍ مّبينٍ} بحجة له فيها عذر ظاهر على غيبته.
والإشكال أنه حلف على أحد ثلاثة أشياء: اثنان منها فعله ولا مقال فيه، والثالث فعل الهدهد وهو مشكل لأنه من أين درى أنه يأتي بسلطان حتى قال: والله ليأتيني بسلطان؟ وجوابه أن معنى كلامه ليكونن أحد الأمور يعني إن كان الإتيان بالسلطان لم يكن تعذيب ولا ذبح، وإن لم يكن كان أحدهما وليس في هذا دعاء دراية.
{فمكث} الهدهد بعد تفقد سليمان إياه، وبضم الكاف غيره عاصم وسهل ويعقوب، وهما لغتان.
{غير بعيدٍ} أي مكثًا غير طويل أو غير زمان بعيد كقوله عن قريب ووصف مكثه بقصر المدة للدلالة على إسراعه خوفًا من سليمان.
فلما رجع سأله عما لقي في غيبته {فقال أحطت} علمًا شيئًا من جميع جهاته {بما لم تحط به} ألهم الله الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام مع ما أوتي من فضل النبوة والعلوم الجمة ابتلاء له في علمه، وفيه دليل بطلان قول الرافضة أن الإمام لا يخفى عليه شيء ولا يكون في زمانه أحد أعلم منه {وجئتك من سبإٍ} غير منصرف.
أبو عمرو جعله اسمًا للقبيلة أو المدينة وغيره بالتنوين جعله اسمًا للحي أو الأب الأكبر {بنبإٍ يقينٍ} النبأ الخبر الذي له شأن، وقوله من {سبأ بنبإٍ} من محاسن الكلام ويسمى البديع وقد حسن وبدع لفظًا ومعنى هاهنا ألا ترى أنه لو وضع مكان {بنبإ} بخبر لكان المعنى صحيحًا وهو كما جاء أصح لما في النبإ من الزيادة التي يطابقها وصف الحال.
{إنّي وجدتّ امرأةً} هي بلقيس بنت شراحيل وكان أبوها ملك أرض اليمن ولم يكن له ولد غيرها فغلبت على الملك وكانت هي وقومها مجوسًا يعبدون الشمس.
والضمير في {تملكهم} راجع إلى سبأ على تأويل القوم أو أهل المدينة {وأوتيت} حال، وقد مقدرة {من كلّ شيءٍ} من أسباب الدنيا ما يليق بحالها {ولها عرشٌ} سرير عظيم {عظيمٌ} كبير.
قيل: كان ثمانين ذراعًا في ثمانين ذراعًا وطوله في الهواء ثمانون ذراعًا، وكان من ذهب وفضة وكان مرصعًا بأنواع الجواهر وقوائمه من يا قوت أحمر وأخضر ودر وزمرد، وعليه سبعة أبواب على كل بيت باب مغلق.
واستصغر حالها إلى حال سليمان فاستعظم عرضها لذلك، وقد أخفى الله تعالى على سليمان ذلك لمصلحة رآها كما أخفى مكان يوسف على يعقوب عليهما السلام.
{وجدتّها وقومها يسجدون للشّمس من دون الله وزيّن لهم الشّيطان أعمالهم فصدّهم عن السّبيل} أي سبيل التوحيد {فهم لا يهتدون} إلى الحق ولا يبعد من الهدهد التهدي إلى معرفة الله تعالى ووجوب السجود له وحرمة السجود للشمس إلهامًا من الذلة كما ألهمه وغيره من الطيور وسائر الحيوان المعارف اللطيفة التي لا يكاد العقلاء الرجاح العقول يهتدون لها.
{ألاّ يسجدوا} بالتشديد أي فصدهم عن السبيل لئلا يسجدوا فحذف الجار مع أن وأدغمت النون في اللام، ويجوز أن تكون لا مزيدة ويكون المعنى فهم لا يهتدون إلى أن يسجدوا.
وبالتخفيف: يزيد وعلي، وتقديره: ألا يا هؤلاء اسجدوا ف {ألا} للتنبيه ويا حرف نداء ومناداه محذوف، فمن شدد لم يقف إلا على العرش العظيم، ومن خفف وقف على {فهم لا يهتدون} ثم ابتدأ {ألا يسجدوا} أو وقف على {ألايا} ثم ابتدأ {اسجدوا} وسجدة التلاوة واجبة في القراءتين جميعًا بخلاف ما يقوله الزجاج إنه لا يجب السجود مع التشديد، لأن مواضع السجدة إما أمر بها أو مدح للآتي بها أو ذم لتاركها، وإحدى القراءتين أمر والآخرى ذم للتارك {لله الذي يخرج الخبء} سمى المخبوء بالمصدر {في السّماوات والأرض} قتادة خبء السماء المطر وخبء الأرض النبات {ويعلم ما تخفون وما تعلنون} وبالتاء فيهما: علي وحفص {الله لا إله إلاّ هو ربّ العرش العظيم} وصف الهدهد عرش الله بالعظيم تعظيم به بالنسبة إلى سائر ما خلق من السماوات والأرض، ووصفه عرش بلقيس تعظيم له بالإضافة إلى عروش أبناء جنسها من الملوك إلى ههنا كلام الهدهد. اهـ.

.قال البيضاوي:

{بسم الله الرحمن الرحيم}.
{طس}.
{تِلْكَ ءايات القرءان وكتاب مُّبِينٍ} الإِشارة إلى آي السورة، والكتاب المبين إما اللوح المحفوظ وإبانته أنه خط فيه ما هو كائن فهو يبينه للناظرين فيه، وتأخيره باعتباره تعلق علمنا به وتقديمه في الحجر باعتبار الوجود، أو القرآن وإبانته لما أودع فيه من الحكم والأحكام، أو لصحته بإعجازه وعطفه على القرآن كعطف إحدى الصفتين على الأخرى وتنكيره للتعظيم. وقرىء {وكتاب} بالرفع على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.
{هُدًى وبشرى لِلْمُؤْمِنِينَ} حالان من ال {ءايات} والعامل فيهما معنى الإِشارة، أو بدلان منها أو خبران آخران أو خبران لمحذوف.
{الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكوة} الذين يعملون الصالحات من الصلاة والزكاة. {وَهُم بالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ} من تتمة الصلة والواو للحال أو للعطف، وتغيير النظم للدلالة على قوة يقينهم وثباته وأنهم الأوحدون فيه، أو جملة اعتراضية كأنه قيل: وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات هم الموقنون بالآخرة، فإن تحمل المشاق إنما يكون لخوف العاقبة والوثوق على المحاسبة وتكرير الضمير للاختصاص.
{إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة زَيَّنَّا لَهُمْ أعمالهم} زين لهم أعمالهم القبيحة بأن جعلها مشتهاة للطبع محبوبة للنفس، أو الأعمال الحسنة التي وجب عليهم أن يعملوها بترتيب المثوبات عليها. {فَهُمْ يَعْمَهُونَ} عنها لا يدركون ما يتبعها من ضر أو نفع.
{أولئك الذين لَهُمْ سُوء العذاب} كالقتل والأسر يوم بدر. {وَهُمْ فِي الآخرة هُمُ الأخسرون} أشد الناس خسرانًا لفوات المثوبة واستحقاق العقوبة.
{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى القرءان} لتؤتاه. {مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} أي حكيم وأي عليم، والجمع بينهما مع أن العلم داخل في الحكمة لعموم العلم ودلالة الحكمة على اتقان الفعل والإِشعار بأن علوم القرآن منها ما هو حكمة كالعقائد والشرائع ومنها ما ليس كذلك كالقصص والأخبار عن المغيبات، ثم شرع في بيان بعض تلك العلوم بقوله: {إِذْ قَالَ موسى لأَهْلِهِ إِنّي آنَسْتُ نَارًا} أي اذكر قصته {إِذْ قَالَ} ويجوز أن يتعلق ب {عَلِيمٌ}. {سَئَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ} أي عن حال الطريق لأنه قد ضله، وجمع الضمير إن صح أنه لم يكن معه غير امرأته لما كنى عنها بالأهل، والسين للدلالة على بعد المسافة والوعد بالإِتيان وإن أبطأ. {أَوْ ءَاتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ} شعلة نار مقبوسة، وإضافة الشهاب إليه لأنه قد يكون قبسًا وغير قبس، ونونه الكوفيون ويعقوب على أن ال {قَبَسٍ} بدل منه أو وصف له لأنه بمعنى المقبوس، والعدتان على سبيل الظن ولذلك عبر عنهما بصيغة الترجي في طه، والترديد للدلالة على أنه إن لم يظفر بهما لم يعدم، أحدهما بناء على ظاهر الأمر أو ثقة بعبادة الله تعالى أنه لا يكاد يجمع حرمانين على عبده.
{لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} رجاء أن تستدفئوا بها والصلاء النار العظيمة.
{فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ} أي {بُورِكَ} فإن النداء فيه معنى القول، أو ب {أَن بُورِكَ} على أنها مصدرية أو مخففة من الثقيلة، والتخفيف وإن اقتضى التعويض بلا أو قد أو السين أو سوف لكنه دعاء وهو يخالف غيره في أحكام كثيرة. {مَن فِي النار وَمَنْ حَوْلَهَا} {مِنْ} في مكان {النار} وهو البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى: {نُودِيَ مِن شَاطِىء الواد الأيمن فِي البقعة المباركة} ومن حول مكانها والظاهر أنه عام في كل من تلك الأرض، وفي ذلك الواد وحواليها من أرض الشام الموسومة بالبركات لكونها مبعث الأنبياء وكفاتهم أحياء وأمواتًا وخصوصًا تلك البقعة التي كلم الله فيها موسى. وقيل المراد موسى والملائكة الحاضرون، وتصدير الخطاب بذلك بشارة بأنه قد قضى له أمر عظيم تنتشر بركته في أقطار الشأم. {وسبحان الله رَبّ العالمين} من تمام ما نودي به لئلا يتوهم من سماع كلامه تشبيهًا وللتعجيب من عظمة ذلك الأمر، أو تعجب من موسى لما دهاه من عظمته.