فصل: تفسير الآيات (34- 37):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (34- 37):

قوله تعالى: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما علمت أن من سخر له الطير على هذا الوجه لا يعجزه شيء يريده، ولا أحد يكيده، مالت إلى المسالمة، فاستأنف سبحانه وتعالى الإخبار عنها بقوله: {قالت} جوابًا لما أحست في جوابهم من ميلهم إلى الحرب أن الصواب من غير ارتياب أن نحتال في عدم قصد هذا الملك المطاع؛ ثم عللت هذا الذي أفهمه سياق كلامها بقولها {إن الملوك} أي مطلقًا، فكيف بهذا النافذ الأمر، العظيم القدر {إذا دخلوا قرية} أي عنوة بالقهر والغلبة {أفسدوها} أي بالنهب والتخريب {وجعلوا أعزة أهلها أذلة} أي بما يرونهم من البأس، ويحلون بهم من السطوة.
ثم أكدت هذا المعنى بقولها: {وكذلك} أي ومثل هذا الفعل العظيم الشأن، الوعر المسلك البعيد الشأو {يفعلون} دائمًا، هو خلق لهم مستمر جميعهم على هذا، فكيف بمن تطيعه الطيور، ذوات الوكور، فيما يريده من الأمور.
ولما بينت ما في المصادمة من الخطر، أتبعته ما عزمت عليه من المسالمة، فقالت: {وإني مرسلة} وأشار سبحانه إلى عظيم ما ترسل به بالجمع في قولها: {إليهم} أي إليه وإلى جنوده {بهدية} أي تقع منهم موقعًا.
قال البغوي: وهي العطية على طريق الملاطفة.
{فناظرة} عقب ذلك وبسببه {بم} أي بأي شيء {يرجع المرسلون} بتلك الهدية عنه من المقال أو الحال، فنعمل بعد ذلك على حسب ما نراه من أمره، فنكون قد سلمنا من خطر الإقدام على ما لم نعرف عاقبته، ولم يضرنا ما فعلنا شيئًا.
ولما كان التقدير: فأرسلت بالهدية، وهي فيما يقال خمسمائة غلام مرد، زينتهم بزي الجواري، وأمرتهم بتأنيث الكلام، وخمسمائة جارية في زي الغلمان، وأمر لهم بتغليظ الكلام.
وجزعه معوجة الثقب، ودرة غير مثقوبة- وغير ذلك، وسألته أن يميز بين الغلمان والجواري، وأن يثقب الدرة، وأن يدخل في الجزعة خيطًا، فأمرهم بغسل الوجوه والأيدي، فكانت الجارية تأخذ الماء بإحدى يديها ثم تنقله إلى الأخرى ثم تضرب الوجه وتصب الماء على باطن ساعدها صبًا، وكان الغلام كما يأخذ الماء يضرب به وجهه ويصب الماء على ظهر الساعد ويحدره على يديه حدرًا، وأمر الأرضة فثقبت الدرة، والدودة فأدخلت السلك في الثقب المعوج، رتب عليه قوله مشيرًا بالفاء إلى سرعة الإرسال: {فلما جاء} أي الرسول الذي بعثته وأرسلته، والمراد به الجنس؛ قال أبو حيان: وهو يقع على الجمع والمفرد والمذكر والمؤنث.
{سليمان} فدفع إليه ذلك {قال} أي سليمان عليه السلام للرسول ولمن في خدمته استصغارًا لما معه: {أتمدونن} أي أنت ومن معك ومن أرسلك {بمال} وإنما قصدي لكم لأجل الدين، تحقيرًا لأمر الدنيا وإعلامًا بأنه لا التفات له نحوها بوجه، ولا يرضيه شيء دون طاعة الله.
ثم سبب عنه ما أوجب له استصغار ما معه فقال: {فما آتاني الله} أي الملك الأعظم الذي له جميع الكمال من المال والجلال بالنبوة والملك والقرب منه سبحانه، وهو الذي يغني مطيعه عن كل ما سواه، فمهما سأله أعطاه، وذلك أنه صف الشياطين والإنس والسباع والوحش والطير والهوام صفوفًا فراسخ عدة، وبسط المكان كله بلين الذهب إلى غير ذلك مما يليق به {خير مما آتاكم} أي من الملك الذي لا نبوة فيه، ولا تأييد من الله.
ولما كان التقدير: ولكنكم لا تعلمون أن هديتكم مما يزهد فيه لتقيدكم بظاهر من الحياة الدنيا، نسق عليه قوله: {بل أنتم} أي بجهلكم لذلك تستعظمون ما أنتم فيه، فأنتم {بهديتكم تفرحون} بتجويزكم أن الدنيا تردني عنكم لأنها غاية قصدي، ويجوز أن يراد أنكم تفرحون بما يهدي إليكم فتتركون من كنتم تريدون غزوه لأجل ما آتاكم منه من الدنيا، فحالي خلاف حالكم، فإنه لا يرضيني إلا الدين.
ثم أفرد الرسول إرادة لكبيرهم بقوله: {ارجع} وجمع في قوله: {إليهم} إكرامًا لنفسه، وصيانه لاسمها عن التصريح بضميرها، وتعميمًا لكل من يهتم بأمرها ويطيعها {فلنأتينهم بجنود لا قبل} أي طاقة {لهم بها} أي بمقابلتها لمقاومتها وقلبها عن قصدها، أي لا يقدرون أن يقابلوها {ولنخرجنهم منها} أي من بلادهم {أذلة}.
ولما كان الذل قد يكون لمجرد الانقياد، لا على سبيل الهوان، حقق المراد بقوله: {وهم صاغرون} أي لا يملكون شيئًا من المنعة إن لم يقروا بالإسلام. اهـ.

.الإسرائيليات والموضوعات في تفسير الآية:

قال الدكتور محمد أبو شهبة:
الإسرائيليات في هدية ملكة سبأ لسيدنا سليمان:
ومن الإسرائيليات: ما ذكره كثير من المفسرين كابن جرير، والثعلبي، والبغوي، وصاحب الدر، في الهدية التي أرسلتها بلقيس إلى سيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام وإليك ما ذكره البغوي في تفسيره، وذلك عند تفسير قوله تعالى: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: الآية 35].
قال البغوي:
فأهدت إليه وصفاء ووصائف، قال ابن عباس: ألبستهم لباسا واحدا كي لا يعرف الذكر من الأنثى، وقال مجاهد: ألبس الغلمان لباس الجواري، وألبس الجواري لبسة الغلمان، واختلفوا في عددهم، فقال ابن عباس: مائة وصيف، ومائة وصيفة، وقال مجاهد ومقاتل: مائتا غلام، ومائتا جارية، وقال قتادة وسعيد بن جبير وغيرهما: أرسلت إليه بلبنة من ذهب في حرير، وديباج، وقال وهب وغيره: عمدت بلقيس إلى خمسمائة غلام، وخمسمائة جارية، فألبست الغلمان لباس الجواري، وجعلت في سواعدهم أساور من ذهب، وفي أعناقهم أطواقا من ذهب، وفي آذانهم أقراطا، وشنوفا مرصعات بأنواع الجواهر، وألبست الجواري لباس الغلمان: الأقبية والمناطق، وحملت الجواري على خمسمائة رمكة، والغلمان على خمسمائة برذون على كل فرس لجام من ذهب مرصع بالجواهر، وغواشيها من الديباج الملون، وبعثت إليه خمسمائة لبنة من ذهب وخمسمائة لبنة من فضة، وتاجا مكللا بالدر، والياقوت، وأرسلت إليه المسك والعنبر والعود وعمدت إلى حقة، فجعلت فيها درة ثمينة غير مثقوبة، وخرزة مثقوبة معوَجَّة الثقب، وأرسلت مع الهدية رجالا من عقلاء قومها، وكتبت معهم كتابا إلى سليمان بالهدية، وقالت: إن كنت نبيا فميز لي بين الوصائف والوصفاء، وأخبرني بما في الحقة قبل أن تفتحها، واثقب الدر ثقبا مستويا، وأدخل خيطا في الخرزة المثقوبة من غير علاج إنس ولا جن، ورووا أيضا: أن سليمان عيه السلام أمر الجن أن يضربوا لبنات الذهب ولبنات الفضة، ثم أمرهم أن يفرشوا الطريق من موضعه الذي هو فيه إلى تسعة فراسخ ميدانا واحدا بلبنات الذهب والفضة!!! وأن يعدوا في الميدان أعجب دواب البر والبحر، فأعدوها، ثم قعد على سريره، وأمر الشياطين أن يصطفوا صفوفا فراسخ، وأمر الإنس فاصطفوا فراسخ، وأمر الوحوش، والسباع والهوام، والطير، فاصطفوا فراسخ عن يمينه، وعن يساره، فلما دنا القوم من الميدان، ونظروا إلى ملك سليمان، ورأوا الدواب التي لم ترَ أعينهم مثلها تروث على لبن الذهب والفضة، تقاصرت أنفسهم، ورموا بما معهم من الهدايا، ثم كان أن استعان سليمان بجبريل، والشياطين، والأرضة في الإجابة عما سألته عنه.
ومعظم ذلك مما لا نشك أنه من الإسرائيليات المكذوبة، وأي ملك في الدنيا يتسع لفرش تسع فراسخ بلبنات الذهب والفضة؟!! وفي رواية وهب ما يدل على الأصل الذي جاءت منه هذه المرويات، وأن من روى ذلك من السلف فإنما أخذه عن مسلمة أهل الكتاب وما كان أجدر كتب التفسير أن تتنزه عن مثل هذا اللغو، والخرافات التي تدسست إلى الرواية الإسلامية فأساءت إليها. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً}.
اعلم أنها لما عرضت الواقعة على أكابر قومها وقالوا ما تقدم أظهرت رأيها، وهو أن الملوك إذا دخلوا قرية بالقهر أفسدوها، أي خربوها وأذلوا أعزتها، فذكرت لهم عاقبة الحرب.
وأما قوله: {وكذلك يَفْعَلُونَ} فقد اختلفوا أهو من كلامها أو من كلام الله تعالى كالتصويب لها والأقرب أنه من كلامها، وأنها ذكرته تأكيدًا لما وصفته من حال الملوك.
فأما الكلام في صفة الهدية فالناس أكثروا فيها لكن لا ذكر لها في الكتاب وقولها: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المرسلون} فيه دلالة على أنها لم تثق بالقبول وجوزت الرد، وأرادت بذلك أن ينكشف لها غرض سليمان، ولما وصلت الهدايا إلى سليمان عليه السلام ذكر أمرين: الأول: قوله: {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} فأظهر بهذا الكلام قلة الاكتراث بذلك المال.
أما قوله: {بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن الهدية اسم للمهدي، كما أن العطية اسم للمعطي، فتضاف إلى المهدي وإلى المهدى إليه، والمضاف إليه ههنا هو المهدى إليه، والمعنى أن الله تعالى آتاني الدين الذي هو السعادة القصوى، وآتاني من الدنيا ما لا مزيد عليه، فكيف يستمال مثلي بمثل هذه الهدية، بل أنتم تفرحون بما يهدى إليكم، لكن حالي خلاف حالكم وثانيها: بل أنتم بهديتكم هذه التي أهديتموها تفرحون من حيث إنكم قدرتم على إهداء مثلها وثالثها: كأنه قال: بل أنتم من حقكم أن تأخذوا هديتكم وتفرحوا بها الثاني: قوله: {ارجع إِلَيْهِمْ} فقيل ارجع خطاب للرسول، وقيل للهدهد محملًا كتابًا آخر.
أما قوله تعالى: {لاَّ قِبَلَ} أي لا طاقة، وحقيقة القبل المقاومة والمقابلة، أي لا يقدرون أن يقابلوهم.
وقرأ ابن مسعود: {لا قبل لهم بهم}، والضمير في {منها} لسبأ، والذل أن يذهب عنهم ما كان عندهم من العز والملك، والصغار أن يقعوا في أسر واستعباد، ولا يقتصر بهم على أن يرجعوا سوقة بعد أن كانوا ملوكًا. اهـ.