فصل: السؤال الثاني: ما المراد من الهداية في قوله: {كَمَا هَدَاكُمْ}؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.السؤال الثاني: ما المراد من الهداية في قوله: {كَمَا هَدَاكُمْ}؟

الجواب: منهم من قال: إنها خاصة، والمراد منه كما هداكم بأن ردكم في مناسك حجكم إلى سنة إبراهيم عليه السلام، ومنهم من قال لا بل هي عامة متناولة لكل أنواع الهداية في معرفة الله تعالى، ومعرفة ملائكته وكتبه ورسله وشرائعه.

.السؤال الثالث: الضمير في قوله: {مِن قَبْلِهِ} إلى ماذا يعود؟

الجواب: يحتمل أن يكون راجعًا إلى {الهدى} والتقدير: وإن كنتم من قبل أن هداكم من الضالين، وقال بعضهم: إنه راجع إلى القرآن، والتقدير: واذكروه كما هداكم بكتابه الذي بين لكم معالم دينه، وإن كنتم من قبل إنزاله ذلك عليكم من الضالين. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)}.
أخرج سفيان وسعيد بن منصور والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقًا في الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في الموسم، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فنزلت {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم} في مواسم الحج.
وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير عن ابن عباس قال: كانوا يتقون البيوع والتجارة في الموسم والحج، ويقولون أيام ذكر الله، فنزلت {ليس عليكم جناح} الآية.
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي من طريق عبيد بن عمير عن ابن عباس: في أوّل الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز ومواسم الحج، فخافوا البيع وهم حرم، فانزل الله: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم في مواسم الحج} فحدث عبيد بن عمير أنه كان يقرأها في المصحف.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي أمامة التميمي قال قلت لابن عمر: إنا ناس نكتري فهل لنا من حج؟ قال: أليس تطوفون بالبيت، وبين الصفا والمروة، وتأتون المعرف، وترمون الجمار، وتحلقون رؤوسكم؟ قلت: بلى. فقال ابن عمر: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني عنه، فلم يجبه حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم} فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه الآية وقال: أنتم حجاج.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي الزبير. أنه قرأ: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم في مواسم الحج}.
وأخرج وكيع وأبو عبيد في فضائله وابن أبي شيبة والبخاري وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس. أنه كان يقرأ: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم في مواسم الحج}.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن عطاء قال: نزلت {لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلًا من ربكم في مواسم الحج} وفي قراءة ابن مسعود {في مواسم الحج فابتغوا حينئذ}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ليس عليكم جناح} يقول: لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الاحرام وبعده.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن مجاهد قال: كان ناس لا يتجرون أيام الحج، فنزلت فيهم {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم}.
وأخرج أبو داود عن مجاهد، أن ابن عباس قرأ هذه الآية: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم} قال: كانوا لا يتجرون بمنى، فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات.
وأخرج سفيان بن عيينة وابن جرير عن مجاهد في قوله: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم} قال: التجارة في الدنيا والأجر في الآخرة.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال: كان ناس من أهل الجاهلية يسمون ليلة النفر ليلة الصدر، وكانوا لا يعرجون على كسير ولا ضالة ولا لحاجة ولا يبتغون فيها تجارة، فأحل الله ذلك كله للمؤمنين أن يعرجوا على حاجاتهم ويبتغوا من فضل الله.
أما قوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات}.
أخرج وكيع وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: إنما تسمى عرفات لأن جبريل كان يقول لإِبراهيم عليهما السلام: هذا موضع كذا، وهذا موضع كذا. فيقول: قد عرفت قد عرفت، فلذلك سميت عرفات.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال: إنما سميت عرفات لأنه قيل لإبراهيم حين أري المناسك عرفت.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن علي. مثله.
وأخرج الحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن المسور بن مخرمة قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد-وكان إذا خطب قال أما بعد- فإن هذا اليوم الحج الأكبر، ألا وأن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من هاهنا قبل أن تغيب الشمس إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها، وإنا ندفع بعد أن تغيب الشمس، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام بعد أن تطلع الشمس إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها، وإنا ندفع قبل أن تطلع الشمس مخالفًا هدينا لهدي أهل الشرك».
وأخرج البيهقي عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أفاض من عرفات قبل الصبح فقد تم حجه، ومن فاته فقد فاته الحج». وأخرج البخاري عن ابن عباس قال: يطوف الرجل بالبيت ما كان حلالًا حتى يهل بالحج، فإذا ركب إلى عرفة فمن تيسر له هديه من الإِبل أو البقر أو الغنم ما تيسر له من ذلك أي ذلك شاء، وإن لم يتيسر له فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وذلك قبل يوم عرفة، فإذا كان آخر يوم من الأيام الثلاثة يوم عرفة فلا جناح عليه، ثم لينطلق حتى يقف بعرفات من صلاة العصر إلى أن يكون الظلام، ثم ليدفعوا من عرفات إذا أفاضوا منها حتى يبلغوا جمعًا للذي يبيتون به، ثم ليذكروا الله كثيرًا وأكثروا التكبير والتهاليل قبل أن تصبحوا، ثم أفيضوا فإن الناس كان يفيضون وقال الله: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم} [البقرة: 199] حتى ترموا الجمرة.
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى جبال عرفة إلى ملتقى وصيق ووادي عرفة.
وأخرج أبو داود وابن ماجة عن جابر بن عبد الله «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل عرفة موقف، وكل منى منحر، وكل المزدلفة موقف، وكل فجاج مكة طريق ومنحر».
وأخرج مسلم عن جابر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نحرت هاهنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم، ووقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، ووقفت هاهنا وجمع كلها موقف».
وأخرج أحمد عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «كل عرفات موقف وارفعوا عن عرفة وكل جمع موقف، وارفعوا عن محسر وكل فجاج مكة منحر، وكل أيام التشريق ذبح».
وأخرج أبو داود والترمذي واللفظ له وصححه وابن ماجة عن علي قال: «وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال: هذه عرفة وهو الموقف وعرفة كلها موقف، ثم أفاض حين غربت الشمس وأردف أسامة بن زيد، وجعل يشير بيده على هينته والناس يضربون يمينًا وشمالًا، يلتفت إليهم يقول: يا أيها الناس عليكم السكينة. ثم أتى جمعًا فصلى بهم الصلاتين جميعًا، فلما أصبح أتى قزح وقف عليه وقال: هذا قزح وهو الموقف وجمع كلها موقف، ثم أفاض حتى انتهى إلى وادي محسر ففزع ناقته فخبب حتى جازوا الوادي فوقف وأردف الفضل، أم أتى الجمرة فرماها ثم أتى المنحر فقال: هذا المنحر ومنى كلها منحر».
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن يزيد بن شيبان قال: أتانا ابن مربع الأنصاري ونحن وقوف بالموقف فقال: إني رسول رسول الله إليكم. يقول: «كونوا على مشاعركم فإنكم على ارث من ارث إبراهيم».
وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة وعليه السكينة ورديفه أسامة، فقال: يا أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بايجاف الخيل والإِبل. قال: فما رأيتها رافعة يديها عادية حتى أتى جمعًا، ثم أردف الفضل بن العباس فقال: أيها الناس إن البر ليس بايجاف الخيل والإِبل فعليكم بالسكينة. قال: فما رأيتها رافعة يديها حتى أتى منى.
وأخرج البخاري عن ابن عباس أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجرًا شديدًا وضربًا للإِبل، فأشار بسوطه إليهم وقال: «يا أيها الناس عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإِيضاع».
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال إنما كان بدء الإِيضاع من أهل البادية، كانوا يقفون حافتي الناس قد علقوا العقاب والعصي، فإذا أفاضوا تقعقعوا، فانفرت الناس فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن ظفري ناقته لا يمس الأرض حاركها، وهو يقول: يا أيها الناس عليكم بالسكينة.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أسامة بن زيد أنه سأل كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حين أفاض من عرفة؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه من عرفات قال: كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص.
وأخرج ابن خزيمة عن ابن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف حتى غربت الشمس، فأقبل يكبر الله ويهلله ويعظمه ويمجده حتى انتهى إلى المزدلفة».
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من عرفات وهو يقول:
إليك تعدو قلقًا وضينها ** مخالفًا دين النصارى دينها

وأخرج الشافعي في الأم وعبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور عن عروة بن الزبير، أن عمر بن الخطاب حين دفع من عرفة قال:
إليك تعدو قلقًا وضينها ** مخالفًا دين النصارى دينها

وأخرج عبد الرزاق عن عبد الملك بن أبي بكر قال: رأيت أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام، وأبا سلمة بن سفيان، واقفين على طرف بطن عرفة فوقفت معهما، فلما دفع الإِمام دفعًا وقالا:
إليك تعدو قلقًا وضينها ** أمخالفًا دين النصارى دينها

يكثران من ذلك، وزعم أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولها إذا دفع.
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عباس: «أن أسامة بن زيد كان ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى مزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، فكلاهما قال: لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة».
وأخرج مسلم عن أسامة بن زيد «أنه كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاض من عرفة، فلما جاء الشعب أناخ راحلته ثم ذهب إلى الغائط، فلما رجع جئت إليه بالأداوه فتوضأ، ثم ركب حتى أتى المزدلفة فجمع بها بين المغرب والعشاء».
وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عمر قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثًا، والعشاء ركعتين، باقامة واحدة.
أما قوله تعالى: {فاذكروا الله عند المشعر الحرام}.
أخرج وكيع وسفيان وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والأزرقي في تاريخ مكة والبيهقي في سننه عن عبد الله بن عمرو.
أنه سئل عن المشعر الحرام، فسكت حتى إذا هبطت أيدي الرواحل بالمزدلفة قال: هذا المشعر الحرام.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عمر قال: المشعر الحرام مزدلفة كلها.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن عمر. أنه رأى الناس يزدحمون على قزح فقال: علام يزدحم هؤلاء؟ كل ما هاهنا مشعر.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عمر في قوله: {فاذكروا الله عند المشعر الحرام} قال: هو الجبل وما حوله.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس. مثله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: ما بين الجبلين اللذين بجمع مشعر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: ما بين جبلي مزدلفة فهو المشعر الحرام.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن الأسود قال: لم أجد أحدًا يخبرني عن المشعر الحرام.
وأخرج مالك وابن جرير عن عبد الله بن الزبير قال: عرفة كلها موقف إلا بطن عُرَنة والمزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر.
وأخرج الأزرقي والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارفعوا عن بطن عرنة، وارفعوا عن بطن محسر».
وأخرج الأزرقي عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أين المزدلفة؟ قال: المزدلفة إذا أفضت من مأزمي عرفة فذلك إلى محسر، وليس المأزمان مأزما عرفة من المزدلفة ولكن مفضاهما قال: قف بأيهما شئت وأحب إلي أن تقف دون قزح.
وأخرج الحاكم وصححه عن جابر. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين وقف بعرفة «هذا الموقف وكل عرفة موقف. وقال حين وقف على قزح: هذا الموقف وكل المزدلفة موقف».
وأخرج ابن خزيمة عن ابن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقف عند المشعر الحرام، ويقف الناس يدعون الله، ويكبرونه، ويهللونه، ويمجدونه، ويعظمونه، حتى يدفع إلى منى».
وأخرج الأزرقي عن نافع قال: كان ابن عمر يقف بجمع كلما حج على قزح نفسه لا ينتهي حتى يتخلص عنه، فيقف عليه الامام كلما حج.
وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر. أنه كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل، فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يدفعون قبل أن يقف الإِمام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول: رخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أبو داود والطيالسي وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عمرو بن ميمون قال: سمعت عمر بن الخطاب بجمع بعدما صلى الصبح، وقف فقال: إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرق ثبير. وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفهم فأفاض قبل طلوع الشمس.
وأخرج الأزرقي عن كليب الجهني قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في حجته وقد دفع من عرفة إلى جمع، والنار توقد بالمزدلفة وهو يؤمها حتى نزل قريبًا منها.
وأخرج الأزرقي عن ابن عمر قال: كانت النار توقد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان.
وأخرج الأزرقي عن إسحق بن عبد الله بن خارجة عن أبيه قال: لما أفاض سليمان بن عبد الملك بن مروان من المأزمين نظر إلى النار التي على قزح فقال لخارجة بن زيد: يا أبا زيد من أوّل من صنع النار ههنا؟ قال خارجة: كانت في الجاهلية وضعها قريش، وكانت لا تخرج من الحرم إلى عرفة وتقول: نحن أهل الله قال خارجة: فاخبرني رجال من قومي أنهم رأوها في الجاهلية وكانوا يحجون، منهم حسان بن ثابت في عدة من قومي قالوا: كان قصي بن كلاب قد أوقد بالمزدلفة نارًا حيث وقف بها حتى يراها من دفع من عرفات.
وأخرج البخاري واللفظ له ومسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن يزيد قال: خرجت مع عبد الله إلى مكة، ثم قدمنا جمعًا فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بآذان وإقامة والعشاء بينهما، ثم صلى الفجر حين طلع الفجر وقائل يقول: طلع الفجر، وقائل يقول: لم يطلع الفجر، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن هاتين الصلاتين حوّلتا عن وقتهما في هذا المكان المغرب والعشاء، فلا يقدم الناس جمعًا حتى يعتموا، وصلاة الفجر هذه الساعة» ثم وقف حتى اسفر، ثم قال: لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة، فما أدري أقوله كان أسرع أم دفع عثمان، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر.
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن ابن الزبير قال: من سنة الحج أن يصلي الإِمام الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى، ثم يغدو إلى عرفة فيقيل حيث قضى له، حتى إذا زالت الشمس خطب الناس ثم صلى الظهر والعصر جميعًا، ثم وقف بعرفات حتى تغيب الشمس ثم يفيض، فإذا رمى الجمرة الكبرى حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يزور البيت.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن عروة بن مضرس قال «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بجمع فقلت: جئتك من جبل طيئ وقد أكلت مطيتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلى وقفت عليه فهل لي من حج؟ فقال: من صلى معنا هذه الصلاة في هذا المكان، ثم وقف هذا الموقف حتى يفيض الإِمام، وكان وقف قبل ذلك من عرفات ليلًا أو نهارًا فقد تم حجه وقضى تفثه».
وأخرج الشافعي عن ابن عمر قال: من أدرك ليلة النحر من الحاج فوقف بجبل عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج، ومن لم يدرك عرفة فيقف بها قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج، فليأت البيت فليطف به سبعًا، ويطوف بين الصفا والمروة سبعًا، ثم ليحلق أو يقصر إن شاء، وإن كان معه هديه فلينحره قبل أن يحلق، فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر ثم ليرجع إلى أهله، فإن أدركه الحج قابلًا فليحج إن استطاع وليهد بدنة، فإن لم يجد هديًا فليصم عنه ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
وأخرج مسلم والنسائي عن عبد الرحمن بن يزيد. أن عبد الله بن مسعود لبى حين أفاض من جمع فقال أعرابي: من هذا؟ قال عبد الله: انسي الناس أم ضلوا؟ سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المكان «لبيك اللهم لبيك».
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن ابن الزبير في قوله: {واذكروه كما هداكم} قال: ليس هذا بعام هذا لأهل البلد كانوا يفيضون من جمع، ويفيض سائر الناس من عرفات، فأبى الله لهم ذلك، فأنزل الله: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}.
وأخرج عبد بن حميد عن سفيان {وإن كنتم من قبله} قال: من قبل القرآن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد {وإن كنتم من قبله لمن الضالين} قال: لمن الجاهلين.
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي عن جابر قال «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه».
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: دخلنا على جابر بن عبد الله فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل بمثل عمله، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ثم ركب القصواء حتى استوت به ناقته على البيداء ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله، فما عمل به من شيء عملنا به، فأهل التوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وأهل الناس بهذا الذي تهلون به، فلم يرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا منه.
ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته حتى أتينا البيت معه، استلم الركن فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فجعل المقام بينه وبين البيت، فصلى ركعتين يقرأ فيهما ب {قل هو الله أحد} وب {قل يا أيها الكافرون} ثم رجع إلى البيت فاستلم الركن، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة: 158] فبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فكبر الله وحده وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك وقال: مثل هذا ثلاث مرات.
ثم نزل إلى المروة حتى انصبت قدماه رمل في بطن الوادي حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة، فصنع على المروة مثل ما صنع على الصفا حتى إذا كان آخر الطواف على المروة قال: إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة، فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية وجهوا إلى منى أهلوا بالحج، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة له من شعر فضربت بنمرة.
فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فاجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا غربت الشمس أمر بالقصواء فرحلت، فركب حتى أتى بطن الوادي فخطب الناس فقال: «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة وأول دم أضعه دم عثمان بن ربيعة بن الحرث بن المطلب، وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله، اتقوا الله في النساء أخذتموهن بامانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم مسؤولون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت قال: اللهم اشهد» ثم أذن بلال، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئًا، ثم ركب القصواء حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل جبل المشاة بين يديه، فاستقبل القبلة فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلًا حين غاب القرص، وأردف أسامة خلفه فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد شنق للقصواء الزمام حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله وهو يقول بيده اليمنى: «السكينة أيها الناس» كلما أتى جبلًا من الجبال أرخى لها قليلًا حتى صعد حتى أتى المزدلفة، فجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئًا، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حين تبين له الصبح.
ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فرقى عليه فاستقبل الكعبة فحمد الله وكبره وَوَحَّدَهُ، فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًا، ثم دفع قبل أن تطلع الشمس حتى أتى محسرًا، فحرك قليلًا ثم سلك الطريق الوسطى الذي تخرجك إلى الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها، فرمى بطن الوادي ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنحر، فنحر بيده ثلاثًا وستين، وأمر عليًا ما غبر وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقتها ثم ركب، ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت فصلى بمكة الظهر، ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال: «انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم» فأدلوه دلوًا فشرب منه. اهـ.