فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

{قال يا أيُّها الملأُ أيُّكم يأتيني بعرشها}.
وفي سبب طلبه له خمسة أقوال:
أحدها: ليعلم صِدق الهدهد، قاله ابن عباس.
والثاني: ليجعل ذلك دليلًا على صِدق نبوَّته، لأنها خلَّفته في دارها واحتاطت عليه، فوجدته قد تقدَّمها، قاله وهب بن منبه.
والثالث: ليختبر عقلها وفطنتها، أتعرفه أم تُنْكِره، قاله سعيد بن جبير.
والرابع: لأن صفته أعجبتْه، فخشي أن تُسْلِم فيحرم عليه مالها، فأراد أخذه قبل ذلك، قاله قتادة.
والخامس: ليريَها قدرة الله تعالى وعِظَم سلطانه، حكاه الثعلبي.
قوله تعالى: {قال عِفْريتٌ من الجِنِّ} قال أبو عبيدة: العِفْريت من كل جِنّ أو إِنس: الفائق المبالغ الرئيس.
قال ابن قتيبة: العِفْريت: الشديد الوثيق.
وقال الزجاج: العفريت: النافذ في الأمر، المبالغ فيه مع خُبث ودهاء.
وقرأ أُبيُّ بن كعب، والضحاك، وأبو العالية، وابن يعمر، وعاصم الجحدري: {قال عَفْرِيت} بفتح العين وكسر الراء.
وروى ابن أبي شريح عن الكسائي: {عِفْريَةٌ} بفتح الياء وتخفيفها؛ وروي عنه أيضًا تشديدها وتنوين الهاء على التأنيث.
وقرأ ابن مسعود، وابن السميفع: {عِفْرَاةٌ} بكسر العين وفتح الراء وبألف من غير ياء.
قوله تعالى: {قَبْلَ أن تَقُوم من مَقامِكَ} أي: من مجلسك؛ ومثله {في مَقَامٍ أمينٍ} [الدخان: 51].
وكان سليمان يجلس للقضاء بين الناس من وقت الفجر إِلى طلوع الشمس، وقيل: إِلى نصف النهار {وإِنِّي عليه} أي: على حمله {لَقَوِيٌّ}.
وفي قوله: {أمينٌ} قولان:
أحدهما: أمين على ما فيه من الجوهر والدُّرِّ وغير ذلك، قاله ابن السائب.
والثاني: أمين أن لا آتيك بغيره بدلًا منه، قاله ابن زيد.
قال سليمان: أريد اسرع من ذلك، {قال الذي عنده عِلْمٌ مِنَ الكِتَاب} وهل هو إِنسي أم مَلَك؟ فيه قولان:
أحدهما: إِنسيّ، قاله ابن عباس، والضحاك، وأبو صالح.
ثم فيه أربعة أقوال:
أحدها: أنَّه رجل من بني إِسرائيل، واسمه آصف بن برخيا، قاله مقاتل.
قال ابن عباس: دعا آصف وكان آصف يقوم على رأس سليمان بالسيف فبعث اللّهُ الملائكة فحملوا السرير تحت الأرض يَخُدُّون الأرض خَدًّا، حتى انخرقت الأرض بالسرير بين يدي سليمان.
والثاني: أنه سليمان عليه السلام، وإِنما قال له رجل: أنا آتيك به قبل أن يرتد إِليك طَرْفك، فقال: هات، قال: أنت النبيُّ ابن النبيِّ، فإن دعوتَ الله جاءكَ، فدعا اللّهَ فجاءه، قاله محمد بن المكندر.
والثالث: أنَّه الخضر، قاله ابن لهيعة.
والرابع: أنه عابد خرج يومئذ من جزيرة في البحر فوجد سليمان فدعا فأُتيَ بالعرش، قاله ابن زيد.
والقول الثاني: أنه من الملائكة.
ثم فيه قولان:
أحدهما: أنه جبريل عليه السلام.
والثاني: مَلَك من الملائكة أيَّد اللّهُ به سليمان، حكاهما الثعلبي.
وفي العِلْم الذي عنده من الكتاب ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه اسم الله الأعظم، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والجمهور.
والثاني: أنه عِلْم كتاب سليمان إِلى بلقيس.
والثالث: أنه عِلْم ما كتب اللّهُ لبني آدم، وهذا على أنه مَلَك، حكى القولين الماوردي.
وفي قوله: {قبل أن يَرْتَدَّ إِليكَ طَرْفُك} أربعة أقوال:
أحدها: قبل أن يأتيَك أقصى ما تنظر إِليه، قاله سعيد بن جبير.
والثاني: قبل أن ينتهي طرفك إِذا مددته إِلى مداه، قاله وهب.
والثالث: قبل أن يرتد طرفك حسيرًا إِذا أدمتَ النظر، قاله مجاهد.
والرابع: بمقدار ما تفتح عينك ثم تطرف، قاله الزجاج.
قال مجاهد: دعا فقال: ياذا الجلال والإِكرام.
قال ابن السائب: إِنما قال: ياحيُّ ياقيُّوم.
قوله تعالى: {فلمَّا رآه} في الكلام محذوف، تقديره: فدعا اللّهَ [فأُتيَ] به، فلمَّا رآه، يعني: سليمان {مستقِرًّا عنده} أي: ثابتًا بين يديه {قال هذا} يعني: التمكُّن من حصول المراد.
قوله تعالى: {أأشكُر أم أكفُر} فيه قولان:
أحدهما: أأشكر على السرير إِذ أُتيتُ به، أم أكفر إِذا رأيتُ من هو دوني في الدنيا أعلم مني، قاله ابن عباس.
والثاني: أأشكر ذلك من فضل الله عليَّ، أم أكفر نعمته بترك الشُّكر له، قاله ابن جرير. اهـ.

.قال القرطبي:

{أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}.
وقال عبد الله بن شداد.
كانت بلقيس على فرسخ من سليمان لما قال: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} وكانت خلفت عرشها بسبأ، ووكّلت به حفظة.
وقيل: إنها لما بعثت بالهدية بعثت رسلها في جندها لتغافص سليمان عليه السلام بالقتل قبل أن يتأهب سليمان لها إن كان طالب ملك، فلما علم ذلك قال: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا}.
قال ابن عباس: كان أمره بالإتيان بالعرش قبل أن يكتب الكتاب إليها، ولم يكتب إليها حتى جاءه العرش.
قال ابن عطية: وظاهر الآيات أن هذه المقالة من سليمان عليه السلام بعد مجيء هديتها وردّه إياها، وبعثه الهدهد بالكتاب، وعلى هذا جمهور المتأولين.
واختلفوا في فائدة استدعاء عرشها؛ فقال قتادة: ذكر له بعظَم وجَوْدة فأراد أخذه قبل أن يعصمها وقومها الإسلام ويحمي أموالهم؛ والإسلام على هذا الدِّين؛ وهو قول ابن جريج.
قال ابن زيد: استدعاه ليريها القدرة التي هي من عند الله، ويجعله دليلًا على نبوته؛ لأخذه من بيوتها دون جيش ولا حرب؛ و{مسلِمِينَ} على هذا التأويل بمعنى مستسلمين؛ وهو قول ابن عباس.
قال ابن زيد أيضًا: أراد أن يختبر عقلها ولهذا قال: {نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أتهتدي}.
وقيل: خافت الجن أن يتزوج بها سليمان عليه السلام فيولد له منها، فلا يزالون في السخرة والخدمة لنسل سليمان فقالت لسليمان في عقلها خلل؛ فأراد أن يمتحنها بعرشها.
وقيل: أراد أن يختبر صدق الهدهد في قوله: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} قاله الطبري.
وعن قتادة: أحب أن يراه لما وصفه الهدهد.
والقول الأوّل عليه أكثر العلماء؛ لقوله تعالى: {قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 38].
ولأنها لو أسلمت لحظر عليه مالها فلا يؤتى به إلا بإذنها.
روي أنه كان من فضة وذهب مرصعًا بالياقوت الأحمر والجوهر، وأنه كان في جوف سبعة أبيات عليه سبعة أغلاق.
قوله تعالى: {قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن الجن} كذا قرأ الجمهور وقرأ أبو رجاء وعيسى الثقفي {عِفْرِيَةٌ} ورويت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وفي الحديث: «إن الله يُبغِض العِفرِية النفرِية» إتباع لعفرية.
قال قتادة: هي الداهية قال النحاس: يقال للشديد إذا كان معه خبث ودهاء عِفر وعِفرية وعِفرِيت وعُفَارية.
وقيل: {عفريت} أي رئيس.
وقرأت فرقة: {قال عِفْرٌ} بكسر العين؛ حكاه ابن عطية؛ قال النحاس: من قال عفرية جمعه على عفار، ومن قال: عفريت كان له في الجمع ثلاثة أوجه؛ إن شاء قال عفريت، وإن شاء قال عَفارٍ؛ لأن التاء زائدة؛ كما يقال: طواغٍ في جمع طاغوت، وإن شاء عوض من التاء ياء فقال عَفارِي.
والعفريت من الشياطين القوي المارد.
والتاء زائدة.
وقد قالوا: تَعَفْرَتَ الرجل إذا تخلق بخلق الأذاية.
وقال وهب بن منبّه: اسم هذا العفريت كودن؛ ذكره النحاس.
وقيل: ذكوان؛ ذكره السُّهيلي.
وقال شعيب الجُبّائي: اسمه دعوان.
وروي عن ابن عباس أنه صخر الجني.
ومن هذا الاسم قول ذي الرُّمَّة:
كأنّه كوكبٌ في إِثْرِ عِفْريةٍ ** مُصَوَّبٌ في سوادِ الليل مُنْقَضِبُ

وأنشد الكسائي:
إذ قال شيطانُهُمُ العِفريتُ ** ليس لكمْ مُلكٌ ولا تثبِيتُ

وفي الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عفريتًا من الجن جعل يَفْتِك عليّ البارحة ليقطع عليّ الصلاةَ وإنّ الله أمكنني منه فَدَعَتُّه» وذكر الحديث.
وفي البخاري «تَفلّت علي البارحةَ» مكان «جعل يَفْتِك».
وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد أنه قال: أُسرِي برسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى عفريتًا من الجن يطلبه بشعلة من نار، كلما التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه؛ فقال جبريل: «أفلا أعلِّمك كلماتٍ تقولهنّ إذا قلتهنّ طُفِئت شعلته وخَرّ لفيه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى فقال: أعوذ بالله الكريم وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن برٌّ ولا فاجر من شرّ ما ينزل من السماء وشرّ ما يَعرُج فيها وشرّ ما ذرأ في الأرض، وشر ما يخرج منها ومن فِتَن الليل والنهار ومن طوارقِ الليل والنهار إلا طارقًا يَطرُق بخيرٍ يا رحمن».
قوله تعالى: {أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} يعني في مجلسه الذي يحكم فيه.
{وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} أي قويٌّ على حمله.
{أَمِينٌ} على ما فيه.
ابن عباس: أمين على فرج المرأة؛ ذكره المهدوي.
فقال سليمان أريد أسرع من ذلك؛ ف {قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكتاب أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} أكثر المفسرين على أن الذي عنده علم من الكتاب آصف بن برخيا وهو من بني إسرائيل، وكان صدّيقًا يحفظ اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أَعْطى، وإذا دعي به أجاب.
وقالت عائشة رضي الله عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن اسم الله الأعظم الذي دعا به آصف بن برخيا يا حيّ يا قيوُّم» قيل: وهو بلسانهم، أهيا شراهيا؛ وقال الزهري: دعاء الذي عنده اسم الله الأعظم؛ يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدًا لا إله إلا أنت ايتني بعرشها؛ فمثُلَ بين يديه.
وقال مجاهد: دعا فقال: يا إلهنا وإله كل شيء يا ذا الجلال والإكرام.
قال السُّهَيليّ: الذي عنده علم من الكتاب هو آصف بن برخيا ابن خالة سليمان؛ وكان عنده اسم الله الأعظم من أسماء الله تعالى.
وقيل: هو سليمان نفسه؛ ولا يصح في سياق الكلام مثل هذا التأويل.
قال ابن عطية: وقالت فرقة هو سليمان عليه السلام، والمخاطبة في هذا التأويل للعفريت لما قال: {أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} كأن سليمان استبطأ ذلك فقال له على جهة تحقيره: {أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} واستدلّ قائلو هذه المقالة بقول سليمان: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي}.