فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والمراد بهذا الإضراب من سليمان بيان السبب الحامل لهم على الهدية مع الإزراء بهم، والحط عليهم.
{ارجع إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} أي قال سليمان للرسول: ارجع إليهم أي إلى بلقيس وقومها، خاطب المفرد ها هنا بعد خطابه للجماعة فيما قبل، إما لأن الذي سيرجع هو الرسول فقط، أو خص أمير الرسل بالخطاب هنا وخاطبهم معه فيما سبق افتنانًا في الكلام.
وقرأ عبد الله بن عباس: {ارجعوا} وقيل: إن الضمير يرجع إلى الهدهد، واللام في {لنأتيهم} جواب قسم محذوف.
قال النحاس: وسمعت ابن كيسان يقول: هي لام توكيد ولام أمر ولام خفض، وهذا قول الحذاق من النحويين؛ لأنهم يردّون الشيء إلى أصله، وهذا لا يتهيأ إلاّ لمن درب في العربية، ومعنى {لاَّ قِبَلَ لَهُمْ} لا طاقة لهم بها، والجملة في محل جرّ صفة لجنود {وَلَنُخْرِجَنَّهُم} معطوف على جواب القسم، أي لنخرجنهم من أرضهم التي هم فيها {أَذِلَّةٍ} أي حال كونهم أذلة بعد ما كانوا أعزّة، وجملة: {وَهُمْ صاغرون} في محل نصب على الحال، قيل: وهي حال مؤكدة؛ لأن الصغار هو الذلة، وقيل: إن المراد بالصغار هنا: الأسر، والاستعباد، وقيل: إن الصغار الإهانة التي تسبب عنها الذلة.
ولما رجع الرسول إلى بلقيس تجهزت للمسير إلى سليمان، وأخبر جبريل سليمان بذلك، فقال سليمان: {يا أَيُّهَا الملأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} أي عرش بلقيس الذي تقدّم وصفه بالعظم {قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} أي قبل أن تأتيني هي وقومها مسلمين.
قيل: إنما أراد سليمان أخذ عرشها قبل أن يصلوا إليه ويسلموا؛ لأنها إذا أسلمت وأسلم قومها لم يحلّ أخذ أموالهم بغير رضاهم.
قال ابن عطية: وظاهر الروايات أن هذه المقالة من سليمان هي بعد مجيء هديتها وردّه إياها وبعثه الهدهد بالكتاب، وعلى هذا جمهور المتأوّلين.
وقيل: استدعاء العرش قبل وصولها؛ ليريها القدرة التي هي من عند الله ويجعله دليلًا على نبوّته، وقيل: أراد أن يختبر عقلها، ولهذا قَال: {نَكّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا}. إلخ، وقيل: أراد أن يختبر صدق الهدهد في وصفه للعرش بالعظم، والقول الأوّل هو الذي عليه الأكثر.
{قَالَ عِفْرِيتٌ مّن الجن أَنَاْ ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} قرأ الجمهور بكسر العين وسكون الفاء وكسر الراء وسكون المثناة التحتية وبالتاء، وقرأ أبو رجاء وعيسى الثقفي وابن السميفع، وأبو السمال: {عفريه} بفتح التحتية بعدها تاء تأنيث منقلبة هاء رويت هذه القراءة عن أبي بكر الصديق.
وقرأ أبو حيان بفتح العين.
والعفريت: المارد الغليظ الشديد.
قال النحاس: يقال للشديد إذا كان معه خبث ودهاء: عفر وعفريه وعفريت.
وقال قتادة: هو الداهية، وقيل: هو رئيس الجنّ.
قال ابن عطية: وقرأت فرقة: {عفر} بكسر العين جمعه على عفار، ومما ورد من أشعار العرب مطابقًا لقراءة الجمهور ما أنشده الكسائي:
فقال شيطان لهم عفريت ** ما لكم مكث ولا تبييت

ومما ورد على القراءة الثانية قول ذي الرمة:
كأنه كوكب في إثر عفرية ** مصوّب في سواد الليل منقضب

ومعنى قول العفريت: أنه سيأتي بالعرش إلى سليمان قبل أن يقوم من مجلسه الذي يجلس فيه للحكومة بين الناس {وَإِنّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} إني لقويّ على حمله أمين على ما فيه.
قيل: اسم هذا العفريت: كودن ذكره النحاس عن وهب بن منبه، وقال السهيلي: ذكوان.
وقيل: اسمه دعوان.
وقيل: صخر.
وقوله: {ءَاتِيكَ} فعل مضارع، وأصله ءَأتيك بهمزتين، فأبدلت الثانية ألفًا.
وقيل: هو اسم فاعل.
{قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الكتاب أَنَاْ ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} قال أكثر المفسرين: اسم هذا الذي عنده علم من الكتاب آصف بن برخيا، وهو من بني إسرائيل، وكان وزيرًا لسليمان، وكان يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى.
قال ابن عطية، وقالت فرقة: هو سليمان نفسه، ويكون الخطاب على هذا للعفريت: كأن سليمان استبطأ ما قاله العفريت، فقال له تحقيرًا له: {أَنَاْ ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}، وقيل: هو جبريل، وقيل: الخضر.
والأوّل أولى.
وقد قيل: غير ذلك بما لا أصل له.
والمراد بالطرف: تحريك الأجفان، وفتحها للنظر وارتداده انضمامها.
وقيل: هو بمعنى المطروف، أي الشيء الذي ينظره، وقيل: هو نفس الجفن عبر به عن سرعة الأمر كما تقول لصاحبك: افعل ذلك في لحظة.
قاله مجاهد.
وقال سعيد بن جبير: إنه قال لسليمان: انظر إلى السماء فما طرف حتى جاء به، فوضعه بين يديه، والمعنى: حتى يعود إليك طرفك بعد مدّه إلى السماء، والأول أولى هذه الأقوال.
ثم الثالث {فَلَمَّا رَءاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ} قيل: في الآية حذف، والتقدير: فأذن له سليمان، فدعا الله، فأتى به، فلما رآه سليمان مستقرًّا عنده أي رأى العرش حاضرًا لديه {هذا مِن فَضْلِ رَبِّي ليبلونيا أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} الإشارة بقوله: {هذا} إلى حضور العرش، {ليبلوني} أي ليختبرني أشكره بذلك، وأعترف أنه من فضله من غير حول مني ولا قوّة، أم أكفر بترك الشكر وعدم القيام به.
قال الأخفش: المعنى: لينظر أأشكر أم أكفر، وقال غيره: معنى {لِيَبْلُوَنِي} ليتعبدني، وهو مجاز، والأصل في الابتلاء الاختبار.
{وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}؛ لأنه استحق بالشكر تمام النعمة ودوامها، والمعنى: أنه لا يرجع نفع ذلك إلاّ إلى الشاكر {وَمَن كَفَرَ} بترك الشكر {فَإِنَّ رَبّي غَنِيٌّ} عن شكره {كَرِيمٌ} في ترك المعاجلة بالعقوبة بنزع نعمه عنه، وسلبه ما أعطاه منها، و{أم} في {أَمْ أَكْفُرُ} هي متصلة.
وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {اذهب بّكِتَابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} يقول: كن قريبًا منهم {فانظر مَاذَا يَرْجِعُونَ} فانطلق بالكتاب حتى إذا توسط عرشها ألقى الكتاب إليها، فقرىء عليها، فإذا فيه: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرحمن الرحيم}، وأخرج ابن مردويه عنه: {كِتَابٌ كَرِيمٌ} قال: مختوم، وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتب: «باسمك اللهم» حتى نزلت {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرحمن الرحيم}.
وأخرج أبو داود في مراسيله عن أبي مالك مرفوعًا مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أَفْتُونِي فِي أَمْرِي} قال: جمعت رءوس مملكتها فشاورتهم في رأيها، فأجمع رأيهم ورأيها على أن يغزوه، فسارت حتى إذا كانت قريبة قالت: أرسل إليهم بهدية، فإن قبلها، فهو ملك أقاتله، وإن ردّها تابعته، فهو نبيّ، فلما دنت رسلها من سليمان علم خبرهم، فأمر الشياطين، فموّهوا ألف قصر من ذهب وفضة، فلما رأت رسلها قصور الذهب قالوا: ما يصنع هذا بهديتنا، وقصوره ذهب وفضة، فلما دخلوا عليه بهديتها قال: {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ}، ثم قال سليمان: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} فقال كاتب سليمان: ارفع بصرك، فرفع بصره، فلما رجع إليه طرفه فإذا هو بسرير {قَالَ نَكّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا} فنزع منه فصوصه، ومرافقه، وما كان عليه من شيء فقيل لها: {أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} وأمر الشياطين فجعلوا لها صرحًا ممرّدًا من قوارير، وجعل فيها تماثيل السمك، فقيل لها: {ادخلي الصرح} فكشفت عن ساقيها فإذا فيها شعر، فعند ذلك أمر بصنعة النورة فصنعت.
فقيل لها: {إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبّ إِنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سليمان لِلَّهِ رَبّ العالمين}.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: {إِنَّ الملوك إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} قال: إذا أخذوها عنوة أخربوها.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضًا قال: يقول الربّ تبارك وتعالى: {وكذلك يَفْعَلُونَ}.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {وَإِنّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} قال: أرسلت بلبنة من ذهب، فلما قدموا إذا حيطان المدينة من ذهب فذلك قوله: {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} الآية.
وقال ثابت البناني: أهدت له صفائح الذهب في أوعية الديباج.
وقال مجاهد: جواري لباسهن لباس الغلمان، وغلمان لباسهم لباس الجواري.
وقال عكرمة: أهدت مائتي فرس على كلّ فرس غلام وجارية، وعلى كلّ فرس لون ليس على الآخر.
وقال سعيد بن جبير: كانت الهدية جواهر، وقيل غير ذلك مما لا فائدة في التطويل بذكره.
وأخرج ابن المنذر من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} قال: طائعين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عنه قال: اسم العفريت: صخر.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضًا: {قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} قال: من مجلسك.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضًا: {قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الكتاب} قال: هو آصف بن برخيا، وكان صديقًا يعلم الاسم الأعظم.
وأخرج أبو عبيد، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: في قراءة ابن مسعود: {قال الذي عنده علم من الكتاب أنا أنظر في كتاب ربي ثم آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك} قال: فتكلم ذلك العالم بكلام دخل العرش في نفق تحت الأرض حتى خرج إليهم.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله: {قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} قال: قال لسليمان: انظر إلى السماء، قال: فما أطرف حتى جاءه به فوضعه بين يديه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن عساكر، عن ابن عباس قال: لم يجر عرش صاحبة سبأ بين الأرض والسماء، ولكن انشقت به الأرض، فجرى تحت الأرض حتى ظهر بين يدي سليمان. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {عِفْرِيتٌ}.
العامَّةُ على كسرِ العينِ وسكونِ الياء بعدها تاءٌ مجبورةٌ. وقرأ أبو حيوةَ بفتح العينِ. وأبو رجاء وأبو السَّمَّال ورُوِيَتْ عن أبي بكر الصدِّيق {عِفْرِيَةٌ} بياءٍ مفتوحةٍ بعدها تاءٌ التأنيثِ المنقلبةُ هاءً وَقْفًا. وأنشدوا على ذلك قولَ ذي الرمة:
كأنه كوكبٌ في إِثْر عِفْرِيَةٍ ** مُصَوَّبٌ في سوادِ الليلِ مُنْقَضِبُ

وقرأَتْ طائفةٌ {عِفْرٌ} بحذفِ الياء والتاء. فهذه أربعُ لغاتٍ، وقد قرئ بهِنَّ. وفيه لغتان أُخْرَيان وهما عَفارِيَة، وطيِّىء وتميمٌ يقولون: عفرى بألفِ التأنيثِ كذكرى. واشتقاقُه من العَفْرِ وهو الترابُ يقال: عافَرَه فَعَفَرَه أي صارَعَه فَصَرَعَه، وألقاء في العَفْرِ وهو الترابُ. وقيل: من العُفْر وهو القُوَّةُ، والعِفْريتُ من الجنِّ المارِدُ الخبيثُ. ويقال: عِفْريت نِفْريت وهو إتْباعٌ كشَيْطان لَيْطان، وحَسَن بَسَن. ويُستعار للعارِمِ من الإِنس، ولاشتهارِ هذه الاستعارةِ وُصِفَ في الآيةِ بكونِه من الجِنِّ تمييزًا له. وقال ابن قتيبة: العِفْرية: المُوَثَّقُ الخَلْقِ وعِفْرِيَةُ الدِّيكِ والحبارى: الشَّعْر الذي على رأسِهما، وعفرنى للقويِّ، ورجلٌ عِفِرّ بتشديدِ الراءِ للمبالغةِ مثل: شَرٌّ شِمِرٌّ.
قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ.
قوله: {أَنَاْ آتِيكَ} يجوزُ أَنْ يكونَ فعلًا مضارعًا، فوزنُه أفْعِلُ نحو: أَضْرِبُ، والأصل أَأْتِيْك بهمزتين، فَأُبْدلت الثانيةُ ألفًا، وأن يكونَ اسمَ فاعِلٍ، وزنُه فاعِل والألفُ زائدةٌ، والهمزةُ أصليةٌ عكسُ الأول. وأمالَ حمزةُ {آتِيْكَ} في الموضعين من هذه السورةِ بخلافٍ عن خَلاَّد.
قوله: {طَرْفُكَ} فيه وجهان، أحدُهما: أنه الجَفْنُ. عَبَّر به عن سُرْعةِ الأمرِ. وقال الزمخشري: هو تحريكُ أجفانِك إذا نظرْتَ فوُضِعَ مَوْضِعَ النظرِ. والثاني: أنه بمعنى المَطْروفِ أي: الشيء الذي تَنْظُره. والأولُ هو الظاهرُ؛ لأنَّ الطَّرْفَ قد وُصِفَ بالإِرسال في قولِه:
وكنتَ متى أرسَلْتَ طرفَك رائدًا ** لقلبِك يومًا أَتْعَبَتْكَ المناظِرُ

رأيتُ الذي لا كلُّه أنت قادِرٌ ** عليه ولا عَنْ بَعْضِه أنتَ صابرُ

قوله: {مُسْتَقِرًّا} حالٌ لأنَّ الرؤيةَ بَصَريةٌ. و{عنده} معمولٌ له. لا يُقال: إذا وقع الظرفُ حالًا وَجَبَ حَذْفُ متعلَّقِه فكيف ذُكِرَ هنا؟ لأنَّ الاستقرارَ هنا ليس هو ذلك الحصولَ المطلقَ بل المرادُ به هنا الثابتُ الذي لا يَتَقَلْقَلُ، قاله أبو البقاء. وقد جَعَلَه ابنُ عطيةَ هو العاملَ في الظرفِ الذي كان يجبُ حَذْفُه فقال: وظهرَ العاملُ في الظرفِ مِنْ قوله: {مُسْتَقرًّا} وهذا هو المقدَّرُ أبدًا مع كلِّ ظرفٍ جاء هنا مُظْهَرًا، وليس في كتابِ اللهِ مثلُه. وما قاله أبو البقاءِ أحسنُ. على أنَّه قد ظهرَ العاملُ المُطْلَقُ في قولِه:
فأنتَ لدى بُحْبُوْحَةِ الهَوْنِ كائنُ

وقد تقدَّم ذلك مُحقَّقًا في أولِ الفاتحة، فعليكَ بالالتفاتِ إليه.
قوله: {أَأَشْكُرُ} مُعَلِّقُ {لِيَبْلُوَني} و{أم} متصلةٌ، وكذلك قوله: {نَنظُرْ أتهتدي أَمْ تَكُونُ مِنَ الذين لاَ يَهْتَدُونَ} [النمل: 41].
قوله: {وَمَن شَكَرَ} {وَمَن كَفَرَ} يُحْتمل أَنْ تكونَ {مَنْ} شرطيةً أو موصولةً مُضَمَّنَةً معنى الشرطِ، فلذلك دَخَلَتِ الفاءُ في الخبر. والظاهرُ: أنَّ جوابَ الشرطِ الثاني أو خبرَ الموصولِ قولُه: {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} ولابد حينئذٍ مِنْ ضميرٍ يعودُ على {مَنْ} تقديرُه: غنيٌّ عن شكرِه. وقيل: الجوابُ محذوفٌ تقديرهُ: فإنَّما كفرُه عليه؛ لدلالةِ مقابلِهِ وهو قولُه: {فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} عليه. اهـ.