فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

{قَالَ} سليمان {سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ} في قولك {أَمْ كُنتَ مِنَ الكاذبين} يعني: أم أنت فيها من الكاذبين، فكتب كتابًا وقال له: {اذهب بّكِتَابِى هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فانظر مَاذَا يَرْجِعُونَ} يعني: على ماذا يتفقون.
{ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ}.
يعني: ارجع عنهم ويقال ليس فيها تقديم.
ومعناه: {اذهب بّكِتَابِى هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} يعني: استأخر في ناحية غير بعيد، {فانظر مَاذَا يَرْجِعُونَ}؟ أي ماذا يريدون من الجواب؟ قرأ ابن عامر وابن كثير، {فألقهي} إليهم بالياء بعد الهاء.
وقرأ أبو عمرو في إحدى الروايتين وقرأ حمزة وعاصم بالجزم.
وقرأ نافع {هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} بكسر الهاء، ولا يبلغ الياء، وكل ذلك جائز في اللغة.
والقراءة بالياء أوسع اللغتين وأكثر استعمالًا.
قال مقاتل: فجعل الهدهد الكتاب في منقاره، ثم طار حتى وقف على رأس المرأة، فرفرف ساعة، والناس ينظرون إليه، فرفعت المرأة رأسها، فألقى الكتاب في حجرها.
وروي في بعض الروايات أنها كانت نائمة في البيت، وقد أغلقت بابها، فدخل من الكوة، ووضع الكتاب على صدرها.
ويقال: عند رأسها.
وأكثر الروايات أنه ألقاه في حجرها، فقرأت الكتاب.
قرأت فيه الخاتم، فارتعدت وخضعت، وخضع من معها من الجنود، لأن ملك سليمان كان في خاتمه، فقرأت الكتاب، وأخبرتهم بما فيه قال مقاتل: ولم يكن في الكتاب إلا قوله: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرحمن الرحيم أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَىَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ} لأن كلام الأنبياء عليهم السلام على الإجمال، ولا يكون على التطويل.
وقال في رواية الكلبي: نكتب فيه إن كنتم من الإنس، فعليكم بالطاعة، وإن كنتم من الجن، فقد عبدتم إلى قوله عز وجل: {قَالَتْ} أي المرأة {قَالَتْ يا أيها الملأ إِنّى أُلْقِىَ إِلَىَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} يعني: حسن.
ويقال: كتاب مختوم.
وروي عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كرامة الكتاب ختمه».
ويقال: كل كتاب لا يكون مختومًا، فهو مغلوب.
ويقال: كان سليمان عليه السلام إذا كتب إلى الشياطين ختمه بالحديد، وإذا كتب إلى الجن ختمه بالصفر، وإذا كتب إلى الإنس ختمه بالطين، وإذا كتب إلى الملوك ختمه بالفضة، فجعل ختم كتابها من ذهب.
ويقال: إن المرأة إنما قالت: {كِتَابٌ كَرِيمٌ}، لأنها ظنت أنه نزل من السماء، فلما نظرت إليه قرأت عنوان: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرحمن الرحيم} يعني: عنوانه من سليمان وإنه يعني: في داخله، وأول سطره بسم الله الرحمن الرحيم {أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَىَّ} أي: لا تتعظموا علي، ولا تتطاولوا علي.
ويقال: لا تترفعوا علي، وإن كنتم ملوكًا.
قوله عز وجل: {وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ} يعني: مستسلمين خاضعين.
ويقال: يعني: مخلصين منقادين طائعين.
قال محمد بن موسى: إنما بدأ سليمان بنفسه لعلمه بأن ذكره على سائر الملوك أعظم من ذكره معبوده، فهول عليها بذكر نفسه ثم ذكر معبوده، فذهب بنفسها، وانقادت في مملكتها، وإنما خافت من هول سليمان حين آمنت بالله فقالت عند ذلك: رب ظلمت نفسي بعبادة الشمس، وما خفت منك، فالآن عرفتك، وتبت إليك وأنت رب العالمين {قَالَتْ} المرأة {قَالَتْ يا أيها الملأ} يعني: الأشراف والقادة {أَفْتُونِى في أَمْرِى} وكان لها ثلاثمائة وثلاثة عشر قائدًا تحت يد كل قائد ألف رجل، وقد قيل أكثر من هذا: {أَفْتُونِى في أَمْرِى}.
يعني: أجيبوني في أمري.
ويقال: بينوا لي أمري وأخبروني.
ويقال: أشيروا علي {مَا كُنتُ قاطعة أَمْرًا} أي قاضية أمرًا.
ويقال: فاصلة أمرًا {حتى تَشْهَدُونِ} يعني: تحضرون أي: لا أقطع أمرًا دونكم {قَالُواْ} مجيبين لها {نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} يعني: عدة وكثرة وسلاحًا وقتال شديد {والأمر إِلَيْكِ} يعني: أخبرناك بما عندنا أيتها الملكة، ومع ذلك لا نجاوز ما تقولين.
يعني: إن أمرتينا بقتال قاتلنا، وإن أمرتنا بغير ذلك أطعناك {فانظرى مَاذَا تَأْمُرِينَ} يعني: ماذا تشيرين إلينا.
قوله عز وجل: {قَالَتْ} يعني: المرأة {إِنَّ الملوك إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً} على وجه القوة والغلبة {أَفْسَدُوهَا} يعني: أهلكوها وخربوها {وَجَعَلُواْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} يعني: أهانوا أشرافها وكبراءها ليستقيم لهم الأَمر {وكذلك يَفْعَلُونَ} قال ابن عباس: هذا قول الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم قال: {وكذلك يَفْعَلُونَ} تصديقًا لقول المرأة قال الحسن: هذا قول بلقيس: إن سليمان وجنوده كذلك يفعلون، وأكثر المفسرين على خلاف ذلك.
ثم قالت المرأة: {وَإِنّى مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} يعني: أصانعهم بالمال، فإن كان من أهل الدنيا، فإنه يقبل ويرضى بذلك ويقال: أختبره أملك هو أم نبي، فإن كان ملكًا قبلها، وإن كان نبيًا لم يقبلها {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المرسلون} يعني: أنظر بماذا يرجع المرسلون من الجواب من عنده؟ وذكر في الخبر أنها بعثت إليه لبنتين من ذهب والمسك والعنبر، وبعثت بعشرة غلمان، وعشرة جواري.
وكان في الجواري بعض الغلظة، وكان في الغلمان بعض اللين، وأمرت بأن تخضب أيديهم جميعًا، وجعلتهم على هيئة الجواري، وبعثت إليه جوهرة في ثقبها اعوجاج، وطلبت أن يدخل الخيط فيها، وكتبت إلى سليمان إن كنت نبيًا، فميز بين الجواري والغلمان، فأمر سليمان الشياطين بأن يلقوا في طريق الرسل لبنًا كثيرًا من الذهب، فلما جاءت رسل بلقيس استحقروا هديتهم، فلما قدموا على سليمان أمر بماء، فوضع وأمر الغلمان والجواري بأن يتوضؤا، فجعل الغلام يحدر الماء على يده حدرًا، وأما الجواري، فكن يصببن صبًا.
وفي رواية أُخرى كانت الجارية تأخذ الماء بكفها، وتدلك ذراعها، وأما الجوهرة، فأخذ بوردة حمراء عقد فيها خيطًا، ثم أدخلها في الحجر حتى خرجت من الجانب الآخر، فرد الهدية.
وقال للوافد: {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} يعني: أتغرونني بالمال.
قوله عز وجل: {فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ} قال بعضهم: يعني: جاء الرسول.
وقال بعضهم: يعني: جاء بريدها والأول أشبه، لأنه خاطب الرسول.
{قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} قرأ حمزة {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} بنون واحدة والتشديد، وقرأ الباقون بنونين وأصله نونان، إلا أن حمزة أدغم إحداهما في الأخرى، وشددها.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو {أتمدونني} بالياء في الوصل، لأنه في الأصل الياء، وهو ياء الإضافة.
وقرأ الباقون بغير ياء، لأن الكسر يدل عليه.
ثم قال: {بِمَالٍ فَمَا ءاتانى الله} يعني: ما أعطاني الله عز وجل من النبوة والحكمة والدين والإسلام والملك {خَيْرٌ مّمَّا ءاتاكم} يعني: خير مما أعطاكم من الدنيا والمال {بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} يعني: إذا أهدى بعضكم إلى بعض يقال: معناه بل أنتم تفرحون بهديتكم إذا ردت إليكم، لأنكم قليلوا المال.
ويقال: لأنكم مكاثرون بالدنيا.
قوله عز وجل: {ارجع إِلَيْهِمْ} يعني: قال سليمان للأمير الوافد: ارجع إليهم بالهدية، فإن لم يحضروني {فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} يعني: لا طاقة لهم بها.
قال بعض المتقدمين: ومتى يكون لهم طاقة بجنود سليمان، وكان جنود سليمان من الجن والإنس والشياطين {وَلَنُخْرِجَنَّهُم مّنْهَا} يعني: من أرض سبأٍ {أَذِلَّةٍ} يعني: مغلولة أيديهم إلى أعناقهم {وَهُمْ صاغرون} أي ذليلون، فلما بلغ الخبر إلى المرأة ورسالة سليمان لم تجد بدًا من الخروج إليه، فخرجت نحوه، فلما علم سليمان بمسيرها إليه {قَالَ} لجلسائه {قَالَ يا أَيُّهَا الملأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا} يعني: بسرير بلقيس {قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ} أي موحدين: لأنه قد كان أوحي إلى سليمان بأنها تسلم.
وقال بعضهم: إنما أراد سليمان بإحضار سريرها قبل أن تسلم ليكون السرير له، لأنها لو أسلمت حرم عليه ما كان لها وقال بعضهم: إنما أراد أن يبين دلالة نبوته عندها، فتعلم المرأة أنه نبي فتسلم.
قوله عز وجل: {قَالَ عِفْرِيتٌ مّن الجن} يعني: ما أراد من الجن والعفريت هو الشديد القوي ويقال: العفريت من كل شيء المبالغ والحاذق في أمره {قَالَ عِفْرِيتٌ مّن الجن أَنَاْ ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ} يعني: في مجلس القضاء، وكان قضاؤه إلى إنصاف النهار.
ويقال: إلى وقت الضحى {وَإِنّى عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ أَمِينٌ} قوله: {عَلَيْهِ} أي على إتيان السرير لقوي على حمله أمين على ما فيه من الجواهر واللؤلؤ وغير ذلك.
فقال سليمان: أنا أريد أسرع من هذا {قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الكتاب} يعني: آصف بن برخيا، وكان وزيره ومؤدبه في حال صغره، وكان يعلم الاسم الأعظم، ويقرأ كتاب الله.
فقال: يا إلهنا وإله كل شيء إلهًا واحدًا لا إله إلا أنت.
ويقال: هو قوله يا حي يا قيوم.
ويقال يا ذا الجلال والإكرام ويقال إن الذي عنده علم من الكتاب هو جبريل عليه السلام، وهو قول المعتزلة.
قال الشيخ الإمام: لأنهم لا يرون كرامة الأولياء وأكثر المفسرين على أنه آصف بن برخيا رضي الله عنه قال: {قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الكتاب أَنَاْ ءاتِيكَ} يعني: قبل أن ينتهي إليك الذي وقع عليه منتهى بصرك، وهو جاءٍ إليك.
ويقال: قبل أن تطرف.
قال له سليمان: لقد أسرعت إن فعلت ذلك، فدعا بالاسم الأعظم، فإذا بالسرير قد ظهر بين يدي سليمان {فَلَمَّا رَءاهُ} أي: رأى سليمان السرير {مُسْتَقِرًّا عِندَهُ} أي: موجودًا عنده {قَالَ} سليمان {هذا مِن فَضْلِ رَبّى لِيَبْلُوَنِى} يعني: ليختبرني {شَكَرَ} هذه النعمة {أَمْ أَكْفُرُ} نعم الله تعالى إذا رأيت من دوني هو أعلم مني.
قال مقاتل: فلما رفع رأسه قال: الحمد لله الذي جعل في أهلي من يدعوه، فيستجيب له {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} يعني: يفعل لنفسه، لأنه يعود إليه حيث يستجيب المزيد من الله تعالى {وَمَن كَفَرَ} النعم يعني: ترك الشكر {فَإِنَّ رَبّى غَنِىٌّ} عن شكر العباد {كَرِيمٌ} في الإفضال على من شكره بالنعمة.
ويقال: كريم لمن شكر من عباده.
ويقال: لما رأى آصف السرير مستقرًا عنده خرج من فضل نفسه، ورجع إلى فضل الله، ورأى الحول والقوة لله تعالى، فقال: هذا من فضل ربي لا من فضل نفسي، ولو لم يقل من فضل ربي لسقط عن المنزلة أسرع من إتيان السرير حيث قال: {قَالَ عِفْرِيتٌ مّن} حيث شهر نفسه بالفضيلة.
ويقال: {قَالَ عِفْرِيتٌ مّن}.
يعني: بالله آتيك لا بالمدة والحيلة؛ فأسقط الحول والقوة عن نفسه، وسلم الأمر إلى الله.
فقال: {هذا مِن فَضْلِ رَبّى}، فلما رأى سليمان السرير عنده علم أن هذا ليس من قوة جلسائه، إنما هو من صنع ربه.
قوله عز وجل: {قَالَ نَكّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا} يعني: قال سليمان عليه السلام: غيّروا لها عرشها عن صورته، والتنكير هو التغيير يقال: نكرته فنكر، أي غيرته، فتغير.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: التنكير أن يزاد فيه أو ينقص منه يعني: زيدوا في سريرها، وانقصوا منه، حتى نرى أنها تعرف سريرها أم لا، وذلك قوله: {نَنظُرْ أَتَهْتَدِى} يعني: أتعلم أنه عرشها {أَمْ تَكُونُ مِنَ الذين لاَ يَهْتَدُونَ} يعني: لا يعلمون يقال: إنه جعل أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه.
ويقال: إنه أمر بذلك، لأن الجن قالوا لسليمان عليه السلام في عقلها شيء من النقصان، فأراد سليمان أن يمتحن عقلها، فأمر بأن يغير السرير، ويسألها عن ذلك.
قوله: {فَلَمَّا جَاءتْ} يعني: بلقيس وجلست على السرير {قِيلَ} لها {أَهَكَذَا عَرْشُكِ} يعني: أهكذا سريرك {قَالَتْ} بلقيس {كَأَنَّهُ هُوَ} شبهته به قال مقاتل: شبهوا عليها، فشبهت عليهم، ولو قيل لها أهذا عرشك؟ لقالت: نعم.