فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويقال: إنها شكت في ذلك، لأنها تركت سريرها في سبعة أبيات مقفلة أبوابها، ومفاتيح الأقفال بيدها.
فقال سليمان: {وَأُوتِينَا العلم مِن قَبْلِهَا} يعني: حمد الله على ما أعطاه من إِتيان السرير وحضورها، وعلى ما أعطاه قبل إتيانها من النبوة والإسلام، فقال: {وَأُوتِينَا العلم مِن قَبْلِهَا}.
يعني: أعطينا العلم من قبل مجيئها.
ويقال: أعطينا علم ملكها وعرشها من قبل مجيئها {وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} يعني: مخلصين لله تعالى.
ويقال: مسلمين منقادين له.
قوله عز وجل: {وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله} يعني: عبادتها التي كانت تعبد الشمس منعها عن الإسلام.
ويقال: معناه صدها إبليس عن الإيمان، فتكون {مَا} ها هنا بمعنى الفاعل.
ويقال: ما هنا بمعنى المفعول، فكأنه يقول صدها سليمان عما كانت تعبد من دون الله، كرجل يقول: منعت فلانًا الماء، يعني: عن الماء.
ويقال معناه: أن الله تعالى صدّها عما كانت تعبد من دون الله، ووفقها للإسلام.
ويقال: صدها عن الإسلام العبادة التي كانت تعبدها، لأنها نشأت على ذلك وربيت، ولم تعرف إلا قومًا يعبدون الشمس ثم قال: {إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كافرين} أي: من قوم جاحدين لله تعالى.
قوله عز وجل: {قِيلَ لَهَا ادخلى الصرح} يعني: القصر، وذلك لأنها لما أقبلت قالت الجن: لقد لقينا من سليمان ما لقينا من التعب، فلو اجتمع سليمان وهذه، وما عندها من العلم لهلكنا، وخشوا أن يتزوجها، ويكون بينهما ولد، فيرث الملك فيبقون في ذلك العناء إلى الأبد فأرادوا إن يبغضوها إلى سليمان فقالوا إن رجليها شعراوان وقال مقاتل كانت أمها جنية وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كانت أمها جنية وكانت شعراء.
وقال بعضهم هذا لا يصح لأن الجن ليسوا من جنس الآدميين فلا يكون بينهما شهوة ونسل وقد قال اللّه تعالى: {يا أيها الناس إِنَّا خلقناكم مِّن ذَكَرٍ وأنثى وجعلناكم شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لتعارفوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
يعني: آدم وحواء عليهما السلام فلا يجوز أن يكون النسل من غيرهما ويقال إنهم قالوا لسليمان إن رجلها تشبه حافر الدواب فأراد سليمان أن ينظر إلى رجليها فأمر بأن يوضع سريرها في الصرح المبني من القوارير يعني: من الزجاج وجعل تحت الصرح الماء فيه السمك فجلس سليمان على سريره في الصرح ومقدميه ثم أمر بلقيس بأن تدخل الصرح {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً} أي فلما جاءت إلى الصرح رأت ما فيه من السمك حسبته لجة أي ظنت أنه ماء كثير بين يدي سرير سليمان فأرادت أن تخوض في الماء فشمرت ثيابها {وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا} فنظر سليمان إلى ساقيها وكانت شعرًا فاستشار سليمان الإنس في ذلك فأشاروا عليه بالموسى فقال سليمان الموسى تخدش ساقيها فاستشار الجن فأشاروا عليه بالنورة فأصل النورة من ذلك الوقت وروي أن سليمان ما نظر إلى ساق أحسن من ساقيها ولا خلاف بين الروايتين لأنه يكون أحسن الساقين شعراوين وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت أنا أحسن ساقين أم بلقيس فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحا أَنِ اعبدوا الله} يعني: أمرهم بأن يعبدوا الله ويطيعوه ويوحدوه {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} يعني: مؤمنون وكافرون فإذا قوم صالح مؤمن وكافر يختصمون يقول كل فريق الحق معي وقد ذكرنا خصومتهم في سورة الأعراف وهي قوله: {قَالَ الملأ الذين استكبروا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ استضعفوا لِمَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالحا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قالوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 75] الآية فطلبت الفرقة الكافرة على تصديق صالح العذاب، {قَالَ} لهم صالح عليه السلام {قَالَ يا قوم لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بالسيئة}، أي: بالعذاب {قَبْلَ الحسنة}، يعني: العافية.
ويقال: التوبة وهو قولهم: يا صالح إن كان ما أتيت به حقًا، فأتنا بما تعدنا من العذاب.
ثم قال: {لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ الله} يعني: لكي تُرحموا، فلا تعذبوا.
قوله عز وجل: {قَالُواْ اطيرنا بِكَ} وأصله تطيرنا بك يعني: تشاءمنا بك.
{وَبِمَن مَّعَكَ}، وذلك أنه قد أصابهم القحط بتكذيبهم إياه.
فقالوا: هذا الذي أصابنا بشؤمك وشؤم أصحابك {قَالَ} لهم صالح {طَائِرُكُمْ عِندَ الله}، يعني: ما أصابكم، فمن الله ويقال: هذا الذي يصيبكم هو مكتوب عند الله، ويقال: خيركم وشركم ورخاؤكم وشدتكم من عند الله عليكم بفعلكم.
ويقال: عقوبتكم عند الله {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ}، أي: تبتلون بذنوبكم ويقال: تختبرون بالخير والشر، وأصل الفتنة هي الاختبار ويقال: فتنت الذهب بالنار، لينظر إلى جودته قوله عز وجل: {وَكَانَ في المدينة}، يعني: في قرية صالح، وهي الحجر {تِسْعَةُ رَهْطٍ}، كانوا أغنياء قوم صالح {يُفْسِدُونَ في الأرض وَلاَ يُصْلِحُونَ}، يعني: يعملون بالمعاصي في أرض قريتهم، ولا يصلحون، أي لا يطيعون الله تعالى فيها، ولا يتوبون من المعصية، ولا يأمرون بها، فسأل قوم صالح منه ناقة، فصارت الناقة بلية لهم، فكانت تأتي مراعيهم، فتأكل جميع ما فيها، فتنفر منها دوابهم، وتشرب ماء، بئرهم العذب الذي يشربون منه، فجعلوا نيابة لشرب الماء، اللبن، فتشرب ذلك اليوم الماء كله، وتسقيهم اللبن، حتى يرووا، فجاء هؤلاء التسعة، وفيهم قدار بن سالف عاقر الناقة.
وكان ابن زانية أحمر أزرق، ومصدع بن دهر وكانا قد قعدوا لها، فلما مرت بهما، رماها مصدع بسهم ثم قال: يا قدار اضرب، فضرب عرقوبها فعقروها، ثم سلخوها، واقتسموا لحمها، فأوعدهم الله الهلاك، وبيّن لهم العلامة، بتغيير ألوانهم، فاجتمعوا التسعة {قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بالله}، يعني: تحالفوا بالله {لَنُبَيّتَنَّهُ}، قرأ حمزة والكسائي بالتاء وضم التاء الثاني {وَأَهْلَهُ ثُمَّ}، بالتاء وضم اللام والباقون بالنون، ونصب التاء، {وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ} بالنون ونصب اللام، فمن قرأ: بالنون جعل تقاسموا خبرًا، فكأنهم قالوا: متقاسمين فيما بينهم، {لَنُبَيّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} أي: لنقتلنه وعياله.
ويقال: {وَأَهْلَهُ} يعني: ومن آمن معه، ومن قرأ بالتاء، فمعناه: جعل تقاسموا أمرًا فكان أمر بعضهم بعضًا وقال بعضهم لبعض: تحالفوا {لَنُبَيّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ} {لِوَلِيّهِ}، يعني: لولي صالح إن سألونا فنقول: {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} يعني: إهلاك أهله وقومه.
ويقال: ما حضرنا عند إهلاك أهله، {وِإِنَّا لصادقون}، يعني: إنا لصادقون بما نقول لهم.
ويقال: معناه إنا لصادقون عندهم، فيصدقونا إذا أخرجنا من بيوتنا.
قوله عز وجل: {وَمَكَرُواْ مَكْرًا} يعني: أرادوا قتل صالح {وَمَكَرْنَا مَكْرًا}، يعني: جثم عليهم الجبل، فماتوا كلهم ويقال: رجمتهم الملائكة عليهم السلام بالحجارة، فماتوا فذلك قوله تعالى: {وَمَكَرُواْ مَكْرًا} أي: أرادوا قتل صالح، {وَمَكَرْنَا مَكْرًا} يعني: أراد الله عز وجل قتلهم جزاء لأعمالهم، {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}، بأن الملائكة يحرسون صالحًا في داره.
قرأ عاصم في رواية أبي بكر: {مُهْلِكَ} بنصب الميم واللام، وفي رواية حفص {مُهْلِكَ} بنصب الميم وكسر اللام.
وقرأ الباقون: بضم الميم، ونصب اللام.
ثم قال: {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة مَكْرِهِمْ} يعني: جزاء مكرهم {أَنَّا دمرناهم} قرأ عاصم وحمزة والكسائي أنا بالنصب، وقرأ الباقون بكسر الألف، فمن قرأ بالنصب، فمعناه فانظر كيف كان عاقبة مكرهم، لأنا دمرناهم ويجوز أن يكون خبر كان ومن قرأ: بالكسر لأنه لما قال، {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة مَكْرِهِمْ}.
يعني: إيش كان عاقبة مكرهم، ثم فسر فقال: إنا دمرناهم على وجه الاستئناف، {وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ}، يعني: أهلكناهم بصيحة جبريل عليه السلام.
ويقال: خرجت النار من تحت أرجلهم وأحرقتهم.
ويقال: إنهم خرجوا ليلًا لإهلاك صالح، فدمغتهم الملائكة بأحجار من حيث لا يرونهم، فقتلوهم، وقومهم أجمعين.
قوله عز وجل: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} يعني: خالية من الناس.
ويقال: بيوتهم خاوية.
يعني: مساكنهم خربة ساقطة، {بِمَا ظَلَمُواْ} أي: أشركوا.
ويقال: بكفرهم بالله تعالى صارت خاوية نصبًا على الحال.
يعني: فانظر إلى بيوتهم خاوية، وقرىء في الشاذ خاوية بالضم، على معنى النعت، للبيوت ثم قال: {إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً} يعني: في إهلاكهم، وفيما أصابهم لغيره لمن بعدهم {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}، يعني: يعقلون ويصدقون، {وَأَنجَيْنَا الذين ءامَنُواْ}، يعني: صدقوا صالحًا برسالته، {وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} الشرك والفواحش.
قوله عز وجل: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} يعني: وأرسلنا لوطًا عطفًا على قوله، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلى ثَمُودَ} ويقال معناه واذكر لوطًا إذ قال لقومه يعني: حين قال لقومه.
قوله عز وجل: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً} يعني: تجامعون الرجال شهوة منكم {مّن دُونِ النساء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} أي جاهلون {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} وإنما نصب الجواب، لأنه خبر كان واسمه {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ ءالَ لُوطٍ مّن} يعني: يتنزهون ويقذروننا بهذا الفعل، وإنا لا نحب أن يكون بين أظهرنا من ينهانا عن أعمالنا.
قال الله تعالى: {فأنجيناه وَأَهْلَهُ} يعني: ابنتيه ريثا وزعورا {إِلاَّ امرأته} لم ننجها من العذاب {قدرناها} أي: تركناها {مِنَ الغابرين} أي: من الباقين في العذاب.
ويقال: قضينا عليها أنها من الباقين في العذاب قوله عز وجل: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} يعني: الحجارة {فَسَاء مَطَرُ المنذرين} يعني: بئس مطر من أنذرتهم الرسل، فلم يؤمنوا. اهـ.

.قال الثعلبي:

{قَالَ} سليمان للهُدهد {سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ} فيما أخبرت {أَمْ كُنتَ مِنَ الكاذبين} فَدَلّهم الهُدهد على الماء فاحتفروا الركايا ورَوَى الناس والدوابّ، وكانوا قد عطشوا، ثم كتب سليمان كتابًا من عبد الله سليمان بن داود عليه السلام الى بلقيس ملكة سبأ، السلام على مَن اتبّع الهُدى، أمّا بعد فلا تعلوا عليَّ وأتوني مسلمين.
قال ابن جُريج: لم يزد سليمان على ما قصّ الله في كتابه إنّه وإنّه.
قال منصور: كان يقال: كان سليمان أبلغ الناس في كتابه، وأقلّه إملاءً ثم قرأ: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرحمن الرحيم} قال قتادة: وكذلك الأنبياء عليهم السلام كانت تكتب جملًا لا يطيلون ولا يكثرون، فلمّا كتب الكتاب طبعهُ بالمسك، وختمه بخاتمه وقال للهدهد {اذهب بِّكِتَابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} فكن قريبًا منهم {فانظر مَاذَا يَرْجِعُونَ} يردّون من الجواب.
قال ابن زيد: في الآية تقديم وتأخير مجازها: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم وانظر ماذا يرجعون ثم تولَّ عنهم أي انصرف، كقوله: {ثُمَّ تولى إِلَى الظل} [القصص: 24] أي انصرف إليه، فأخذ الهدهد الكتاب وأتى به الى بلقيس وكانت بأرض يقال لها مأرب من صنعاء على ثلاثة أيام، فوافاها في قصرها وقد غلّقت الأبواب، وكانت إذا رقدت غلقّت الأبواب وأخذت المفاتيح فوضعتها تحت رأسها وآوت إلى فراشها، فأتاها الهُدهد وهي نائمة مستلقية على قفاها فألقى الكتاب على نحرها، هذا قول قتادة.
وقال مقاتل: حمل الهدهد الكتاب بمنقاره فطار حتى وقف على رأس المرأة، وحولها القادة والجنود، فرفرف ساعة والناس ينظرون حتى رفعت المرأة رأسها فألقى الكتاب في حجرها.
قال ابن منبّه وابن زيد: كانت لها كوّة مستقبلة الشمس، تقع الشمس فيها حين تطلع، فإذا نظرت إليها سجدت لها، فجاء الهُدهد تلك الكوّة فسدّها بجناحه ارتفعت الشمس ولم تعلم، فلمّا استبطأت الشمس قامت تنظر فرمى بالصحيفة إليها.
قالوا: فأخذت بلقيس الكتاب وكانت كاتبة قارئةً عربيةً من قوم تبع بن شراحيل الحميري، فلمّا رأت الخاتم ارتعدت وخضعت لأن ملك سليمان عليه السلام كان في خاتمه، وعرفت أنّ الذي أرسل هذا الكتاب هو أعظم مُلْكًا منها؛ لأن مَلِكًا رُسله الطير إنّه لمَلِك عظيم، فقرأت الكتاب وتأخّر الهدهد غير بعيد فجاءت حتى قعدت على سرير ملكها وجمعت الملأ من قومها وهم اثنا عشر ألف قائد، مع كلّ قائد مائة ألف مقاتل.