فصل: (سورة النمل: آية 37):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة النمل: آية 37]:

{ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (37)}.
ارْجِعْ خطاب للرسول. وقيل: للهدهد محملا كتابا آخر لا قِبَلَ لا طاقة.
وحقيقة القبل: المقاومة والمقابلة، أى: لا يقدرون أن يقابلوهم. وقرأ ابن مسعود رضى اللّه عنه: لا قبل لهم بهم. الضمير في منها لسبأ. والذل: أن يذهب عنهم ما كانوا فيه من العزّ والملك.
والصغار: أن يقعوا في أسر واستعباد، ولا يقتصر بهم على أن يرجعوا سوقة بعد أن كانوا ملوكا.

.[سورة النمل: آية 38]:

{قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)}.
يروى أنها أمرت عند خروجها إلى سليمان عليه السلام، فجعل عرشها في آخر سبعة أبيات بعضها في بعض في آخر قصر من قصور سبعة لها. وغلقت الأبواب ووكلت به حرسا يحفظونه، ولعله أوحى إلى سليمان عليه السلام باستيثاقها من عرشها، فأراد أن يغرب عليها ويريها بذلك بعض ما خصه اللّه به من إجراء العجائب على يده، مع اطلاعها على عظيم قدرة اللّه وعلى ما يشهد لنبوّة سليمان عليه السلام ويصدقها. وعن قتادة: أراد أن يأخذه قبل أن تسلم، لعلمه أنها إذا أسلمت لم يحلّ له أخذ مالها. وقيل. أراد أن يؤتى به فينكر ويغير، ثم ينظر أتثبته أم تنكره؟ اختبارا لعقلها.

.[سورة النمل: آية 39]:

{قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)}.
وقرئ: عفرية. والعفر، والعفريت، والعفرية، والعفراة، والعفارية من الرجال:
الخبيث المنكر، الذي يعفر أقرانه. ومن الشياطين: الخبيث المارد. وقالوا: كان اسمه ذكوان لَقَوِيٌّ على حمله أَمِينٌ آتى به كما هو لا أختزل منه شيئا ولا أبد له.

.[سورة النمل: آية 40]:

{قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)}.
الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ رجل كان عنده اسم اللّه الأعظم، وهو يا حى يا قيوم، وقيل: يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت. وقيل: يا ذا الجلال والإكرام، وعن الحسن رضى اللّه. عنه: اللّه. والرحمن. وقيل هو آصف بن برخيا كاتب سليمان عليه السلام، وكان صدّيقا عالما. وقيل: اسمه أسطوم. وقيل: هو جبريل. وقيل: ملك أيد اللّه به سليمان.
وقيل: هو سليمان نفسه، كأنه استبطأ العفريت فقال له: أنا أريك ما هو أسرع مما تقول.
وعن ابن لهيعة: بلغني أنه الخضر عليه السلام: علم من الكتاب: من الكتاب المنزل، وهو علم الوحى والشرائع. وقيل: هو اللوح. والذي عنده علم منه: جبريل عليه السلام. وآتيك- في الموضعين- يجوز أن يكون فعلا واسم فاعل. الطرف: تحريكك أجفانك إذا نظرت، فوضع موضع النظر. ولما كان الناظر موصوفا بإرسال الطرف في نحو قوله:
وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا ** لقلبك يوما أتعبتك المناظر

وصف بردّ الطرف، ووصف الطرف بالارتداد. ومعنى قوله قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ أنك ترسل طرفك إلى شيء، فقبل أن تردّه أبصرت العرش بين يديك: ويروى أن آصف قال لسليمان عليه السلام: مدّ عينيك حتى ينتهى طرفك. فمدّ عينيه فنظر نحو اليمن. ودعا آصف فغار العرش في مكانه بمأرب، ثم نبغ عند مجلس سليمان عليه السلام بالشام بقدرة اللّه، قبل أن يردّ طرفه. ويجوز أن يكون هذا مثلا لاستقصار مدّة المجيء به، كما تقول لصاحبك: افعل كذا في لحظة، وفي ردّة طرف، والتفت ترني، وما أشبه ذلك: تريد السرعة. يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ لأنه يحط به عنها عبء الواجب، ويصونها عن سمة الكفران، وترتبط به النعمة ويستمد المزيد.
وقيل: الشكر، قيد للنعمة الموجودة، وصيد للنعمة المفقودة. وفي كلام بعض المتقدمين: إن كفران النعمة بوار، وقلما أقشعت ناقرة فرجعت في نصابها، فاستدع شاردها بالشكر، واستدم راهنها بكرم الجوار. واعلم أن سبوغ ستر اللّه متقلص عما قريب إذا أنت لم ترج للّه وقارا غَنِيٌّ عن الشكر كَرِيمٌ بالإنعام على من يكفر نعمته، والذي قاله سليمان عليه السلام عند رؤية العرش شاكرا لربه، جرى على شاكلة أبناء جنسه من أنبياء اللّه والمخلصين من عباده يتلقون النعمة القادمة بحسن الشكر، كما يشيعون النعمة المودعة بجميل الصبر.

.[سورة النمل الآيات: 41- 43]:

{قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (43)}.
نَكِّرُوا اجعلوه متنكرا متغيرا عن هيئته وشكله، كما يتنكر الرجل للناس لئلا يعرفوه.
قالوا: وسعوه وجعلوا مقدّمه مؤخره، وأعلاه أسفله. وقرئ: ننظر، بالجزم على الجواب، وبالرفع على الاستئناف أَتَهْتَدِي لمعرفته، أو للجواب الصواب إذا سئلت عنه، أو للدين والايمان بنبوّة سليمان عليه السلام إذا رأت تلك المعجزة البينة، من تقدّم عرشها وقد خلفته وأغلقت عليه الأبواب ونصبت عليه الحرس. هكذا ثلاث كلمات: حرف التنبيه، وكاف التشبيه، واسم الإشارة. لم يقل: أهذا عرشك، ولكن: أمثل هذا عرشك، لئلا يكون تلقينا قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ولم تقل: هو هو، ولا ليس به، وذلك من رجاحة عقلها، حيث لم تقع في المحتمل وَأُوتِينَا الْعِلْمَ من كلام سليمان وملئه: فإن قلت: علام عطف هذا الكلام، وبم اتصل؟ قلت: لما كان المقام- الذي سئلت فيه عن عرشها وأجابت بما أجابت به- مقاما أجرى فيه سليمان وملؤه ما يناسب قولهم وَأُوتِينَا الْعِلْمَ نحو أن يقولوا عند قولها كأنه هو: قد أصابت في جوابها وطبقت المفصل، وهي عاقلة لبيبة، وقد رزقت الإسلام، وعلمت قدرة اللّه وصحة النبوّة بالآيات التي تقدّمت عند وفدة المنذر، وبهذه الآية العجيبة من أمر عرشها- عطفوا على ذلك قولهم: وأوتينا نحن العلم باللّه وبقدرته، وبصحة ما جاء من عنده قبل علمها، ولم نزل على دين الإسلام شكرا للّه على فضلهم عليها وسبقهم إلى العلم باللّه والإسلام قبلها وَصَدَّها عن التقدم إلى الإسلام عبادة الشمس ونشؤها بين ظهر انى الكفرة، ويجوز أن يكون من كلام بلقيس موصولا بقولها كَأَنَّهُ هُوَ والمعنى: وأوتينا العلم باللّه وبقدرته وبصحة نبوّة سليمان عليه السلام قبل هذه المعجزة أو قبل هذه الحالة، تعنى: ما تبينت من الآيات عند وفدة المنذر ودخلنا في الإسلام، ثم قال اللّه تعالى: وصدها قبل ذلك عما دخلت فيه ضلالها عن سواء السبيل. وقيل: وصدها اللّه- أو سليمان- عما كانت تعبد بتقدير حذف الجار وإيصال الفعل.
وقرئ: أنها، بالفتح على أنه بدل من فاعل صد. أو بمعنى لأنها.

.[سورة النمل: آية 44]:

{قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (44)}.
الصرح: القصر. وقيل: صحن الدار. وقرأ ابن كثير: سأقيها، بالهمزة. ووجهه أنه سمع:
سؤقا، فأجرى عليه الواحد. والممرد: المملس، وروى أن سليمان عليه السلام أمر قبل قدومها فبنى له على طريقها قصر من زجاج أبيض، وأجرى من تحته الماء، وألقى فيه من دواب البحر السمك وغيره، ووضع سريره في صدره، فجلس عليه وعكف عليه الطير والجن والإنس، وإنما فعل ذلك ليزيدها استعظاما لأمره، وتحققا لنبوته، وثباتا على الدين. وزعموا أنّ الجن كرهوا أن يتزوجها فتفضى إليه بأسرارهم، لأنها كانت بنت جنية. وقيل: خافوا أن يولد له منها ولد تجتمع له فطنة الجن والإنس، فيخرجون من ملك سليمان إلى ملك هو أشدّ وأفظع، فقالوا له: إن في عقلها شيئا، وهي شعراء الساقين، ورجلها كحافر الحمار فاختبر عقلها بتنكير العرش، واتخذ الصرح ليتعرف ساقها ورجلها، فكشفت عنهما فإذا هي أحسن الناس ساقا وقدما لا أنها شعراء، ثم صرف بصره ونادى: {إنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ}.
وقيل: هي السبب في اتخاذ النورة: أمر بها الشياطين فاتخذوها، واستنكحها سليمان عليه السلام وأحبها وأقرّها على ملكها وأمر الجن فبنوا لها سيلحين وغمدان، وكان يزورها في الشهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام، وولدت له. وقيل: بل زوجها ذا تبع ملك همدان، وسلطه على اليمن، وأمر زوبعة أمير جن اليمن أن يطيعه، فبنى له المصانع، ولم يزل أميرا حتى مات سليمان.
ظلَمْتُ نَفْسِي: تريد بكفرها فيما تقدّم، وقيل حسبت أن سليمان عليه السلام يغرقها في اللجة فقالت: ظلمت نفسي بسوء ظنى بسليمان عليه السلام.

.[سورة النمل الآيات: 45- 46]:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46)}.
وقرئ: أن اعبدوا، بالضم على إتباع النون الباء فَرِيقانِ فريق مؤمن وفريق كافر.
وقيل أريد بالفريقين صالح عليه السلام وقومه قبل أن يؤمن منهم أحد يَخْتَصِمُونَ يقول كل فريق: الحق معى. السيئة: العقوبة، والحسنة: التوبة، فإن قلت: ما معنى استعجالهم بالسيئة قبل الحسنة؟ وإنما يكون ذلك إذا كانتا متوقعتين إحداهما قبل الأخرى؟ قلت: كانوا يقولون لجهلهم: إن العقوبة التي يعدها صالح عليه السلام إن وقعت على زعمه، تبنا حينئذ واستغفرنا- مقدّرين أن التوبة مقبولة في ذلك الوقت-. وإن لم تقع، فنحن على ما نحن عليه، فخاطبهم صالح عليه السلام على حسب قولهم واعتقادهم، ثم قال لهم: هلا تستغفرون اللّه قبل نزول العذاب؟ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ تنبيها لهم على الخطأ فيما قالوه وتجهيلا فيما اعتقدوه.