فصل: من فوائد القاسمي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}.
أي: من عرفة لا من المزدلفة. وفي الخطاب وجهان:
أحدهما: أنه لقريش. وذلك لما كانوا عليه من الترفع على الناس والتعالي عليهم، وتعظمهم عن أن يساووهم في الموقف، وقولهم: نحن أهل الله، وقطّان حرمه، فلا نخرج منه. فيقفون بجمع، وسائر الناس بعرفات.
وقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنه قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحمس، وكان سائر العرب يقفون بعرفات؛ فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات، ثم يقف بها، ثم يفيض منها فذلك قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}.
وثانيهما: أنه أمر لجميع الناس أن يفيضوا من حيث أفاض الناس يعني: إبراهيم عليه السلام.
قال الراغب: وسماه الناس لأن الناس يستعمل على ضربين: أحدهما: للنوع من غير اعتبار مدح وذم، والثاني: المدح اعتبارًا بوجود تمام الصورة المختصة بالإِنْسَاْنية، وليس ذلك في هذه اللفظة، بل في اسم كل جنس ونوع نحوه: هذه فرس، وفلان رجل، وليس هذا بفرس ولا فلان برجل أي: ليس فيه معناه المختص بنوعه، وبهذا النظر نفي السمع والبصر عن الكفار! فعلى هذا سمي إبراهيم {الناس} على سبيل المدح وهو أن الواحد يسمى باسم الجماعة تنبيهًا على أنه يقوم مقامهم في الحكم وعلى هذا قول الشاعر:
وليس على الله بمستنكرٍ ** أن يجمع العالم في واحد

وعلى هذا قال: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: 120].
فإن قيل: ما معنى كلمة ثم فإنها تستلزم تراخي الشيء عن نفسه، سواء عطف على مجموع الشرط والجزاء أو الجزاء فقط..؟
فالجواب: إن كلمة ثم ليست للتراخي، بل مستعارة للتفاوت بين الإفاضتين أي: الإفاضة من عرفات والإفاضة من مزدلفة والبعد بينهما بأن أحدهما صواب والآخر خطأ.
قال التفتازاني: لما كان المقصود من قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} المعنى التعريضي، كان معناه: ثم لا تفيضوا من مزدلفة، والمقصود من إيراد كلمة ثم التفاوت بين الإفاضتين في الرتبة بأنّ أحدهما صواب والأخرى خطأ.
وأجاب بعضهم بأن ثم بمعنى الواو.
{وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ} عما سلف من المعاصي: {إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
قال ابن كثير عليه الرحمة: كثيرًا ما يأمر الله بذكره بعد قضاء العبادات. ولهذا ثبت في صحيح مسلم «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة يستغفر الله ثلاثًا وثلاثين»، وفي الصحيحين: «أنه ندب إلى التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثًا وثلاثين». وقد روى ابن جرير هاهنا حديث عباس بن مرداس السلمي في استغفاره صلى الله عليه وسلم لأمته عشية عرفة. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (199)}.
وعرفات ننطقها بمنطوقين: مرة نقول عرفات كما وردت في هذه الآية، ومرة ننطقها عرفة كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة» رواه احمد وابوداود والترمذى والنسائى وابن ماجه والحاكم والبيهقى. وعرفات جمع، وعرفة مفرد. هذه الكلمة أصبحت علمًا على المكان الفسيح الذي يجتمع فيه الحجيج في التاسع من ذي الحجة، ولا تظن أنها جبل، فإذا سمعت: جبل عرفات كما يقول الناس فافهم أن المقصود هو الجب المنسوب إلى عرفات. وليس عرفات في ذاتها، ولذلك تجد أناسًا كثيرين يظنون أنهم إن لم يصعدوا الجبل المسمى بجبل الرحمة الذي عند الصخرات التي وقف عليها رسول الله في حجة الوداع فكأن الإنسان منهم لم يحج. نقول لهم: لا. الوقوف يكون في الوادي، والجبل المجاور للوادي أسميناه جبل عرفات، فالجبل هو المنسوب لعرفات وليس الوادي هو المنسوب للجبل.
وأصل كلمة عرفة وردت فيها أقوال كثيرة. وهناك فرق بين الاسم يكون وصفا ثم يصير اسمًا. وبين أن يكون علمًا من أول الأمر. وقلنا: إنه إذا سميت العلم من أول الأمر فلا ضرورة أن يكون فيه معنى اللفظ؛ فقد تسمى واحدًا شقيًا بسعيد، وتسمي زنجية بقمر، وهذا لا يسمى وصفا وإنما يسمى علمًا إلا أن الناس حين يسمون يتفاءلون بالأصل، فيقال: أسمي ابني سعيدًا تفاؤلا بأن يكون سعيدًا، وعندما تكون بنتًا فقد تعطيها اسمًا مخالفًا لحالها، فقد تكون دميمة وتسميها جميلة تفاؤلًا بالاسم. هنا يكون أخذ العلم للتفاؤل. والعرب عندما كانوا يسمون الأسماء كانوا يتفاءلون بها. مثلًا كانوا يسمون صخرًا ليتفاءلوا به أمام الأعداء. ويسمون كلبا حتى لا يجرؤ عليه أحد.
وقيل لعربي: إنكم تحسنون أسماء عبيدكم فتقولون سعيدًا وسعدًا وفضلًا وتسيئون أسماء أبنائكم؛ تسمونهم: مُرة، كلبًا، صخرًا قال العربي: نعم؛ لأننا نسمي أبناءنا لأعدائنا ليكونوا في نحورهم، ونسمي عبيدنا لنا. وكلمة عرفة هي الآن علم على مكان، لكن سبب تسميتها فيه خلاف: قيل: لأن آدم هبط في مكان وحواء هبطت في مكان، وظل كلاهما يبحث عن الآخر حتى تلاقيا في هذا المكان، فسمي عرفة. والحديث عن آدم وحواء يقتضينا أن نبحث عن سبب تفرقهما الذي جعل كلا منهما يبحث عن الآخر، إذا كان الله عز وجل خلقهما ليكونا زوجين فلماذا فرقهما؟. لك أن تتصور حال آدم وهو مخلوق في عالم غريب واسع بمفرده، وينظر حوله فلا يجد بشرًا مثله، بالله ألا يشتاق لإنسان يؤنس وحدته؟.
وماذا يكون حاله عندما يرى إنسانًا؟. لاشك أنه سيقابله باشتياق شديد. من أجل هذا فرق الله بينهما وجعل كلا منهما يبحث عن إنسان يؤنس وحشته، ولو ظل كل منهما بجوار الآخر فربما كان الأمر عاديًا. وهكذا أراد الله لكل من آدم وحواء أن يشتاق كل منهما للآخر، فأبعدهما عن بعضهما ثم تلاقيا بعد طول بعاد، فكان الشوق للقاء. وبعد اللقاء تأتي المودة والرحمة والألفة والسكن، وهو مطلوب الحياة لزوجين. وهناك قول آخر بخصوص تسمية عرفات: إن سيدنا آدم قالت له الملائكة وهو في ذلك المكان: اعرف ذنبك وتب إلى ربك فقال: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} من الآية [23 سورة الأعراف].
فيكون بذلك قد عرف زلته وعرف كيف يتوب. أو حينما أراد الله أن يعلم إبراهيم عليه السلام، وهو الذي دعا ربه أن يجعل أفئدة الناس وقلوبهم تميل وتهوى هذا المكان. إن إبراهيم رأى في المنام أن يذبح ابنه.
وتلك مسألة شاقة من ثلاثة وجوه: المشقة الأولى أنها رؤيا وليس وحيًا. والمشقة الثانية أنه ابنه الوحيد، والمشقة الثالثة أنه هو الذي سيذبحه. إنها ثلاث مشقات صعاب، وليس من المعقول أن تمر هذه المسألة على أبي الأنبياء بيسر وسهولة، بل لابد أنه تحدث فيها كثيرًا بينه وبين نفسه، وهل هي رؤيا أم ماذا؟. ومن هنا سمى اليوم الذي قبل يوم عرفة بيوم التروية. وعندما تأكد سيدنا إبراهيم بأن رؤيا الأنبياء حق عرف أنه لابد أن ينفذ ما رأى. والمكان الذي عرف فيه حقيقة الرؤيا سمى عرفة. أو أنه حين جاءت له الرؤيا بذبح ابنه فالشيطان لم يدع مثل هذه الفرصة تمر، وكان لابد أن يدخل ليوسوس لإبراهيم. أليس هو القائل: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} من الآية [16 سورة الأعراف].
فعندما تمثل الشيطان لإبراهيم رجمه بالحصى سبعا في المرة الأولى، ثم عاوده مرة أخرى فرجمه سبعًا، وجاءه في الثالثة فرجمه سبعًا، بعدها لم يأت له ثانية، فجرى إبراهيم مخافة أن يلاحقه، ولذلك سمى المكان بالمزدلفة، والمزدلف هو المسرع، ويسمى ذا المجاز أي أنه اجتاز المزدلفة، ويكون قد عرف المسألة عند عرفة. أو أن جبريل كان يعرفه المناسك في هذا المكان، فيقول له: عرفت؟ فيرد إبراهيم: عرفت. أو أن الإنسان يعرف فيها ربه في آخر ما شرع له من أركان فكل منا عرف الأركان: هذا عرف، وذاك عرف، وثالث، ورابع، وهكذا فيكون كلنا: عرفات، ويصبح المكان عبودية لله. اشترك فيها جميع الحجاج.
{فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام}. والمشعر الحرام في مزدلفة: فاذكروا الله معناها أن الله يسر لكم هذه الرحلة الشاقة، وجاء بكم آمين وقاصدين بيت الله الحرام، ثم تعودون مغفورا لكم، وهي مسألة تستحق أن تذكروا الله بالشكر والعرفان. {واذكروه كما هداكم}؛ لأن هدايته لكم وتعليمكم أقصر طريقة يوصل إلى الخير هو تحية من الله لخلقه، والتحية يجب أن يرد عليها، فكما هداكم اذكروه. {وإن كنتم من قبله لمن الضالين}؛ لأنهم طالما حجوا كثيرًا، في الجاهلية، فأنتم كنتم تحجون بضلال، والآن تحجون بهدى. {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}. قوله: ثم تدل على أنه لابد من الوقوف بعرفة أو المبيت في مزدلفة؛ لأن ثم تدل على البعدية ببطء والتعقيب بتمهل.
إذن قوله: {ثم أفيضوا} حجة لمن قال: إنه لابد من المبيت في مزدلفة. وهذه الآية نزلت لأن قريشًا كانت ترى نفسها أهل الحرم فلا يطالبون أبدًا بما يطالب به سائر الناس، ولذلك لا يذهبون مع الناس إلى عرفات، والله يريد بالحج المساواة بين الناس، ولذلك قال النبي في حجة الوداع: «كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب، لينتهين قوم يفتخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان» رواه البزار عن حذيفة، والجعلان دويبة مهينة. فلابد أن ينسخ الله مسلك قريش فقال: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} يعني لا تميز لكم ولا تفرقة بين المسلمين.وبعض المفسرين يقول: إن معنى {من حيث أفاض الناس} المقصود به من حيث أفاض إبراهيم، بمعنى أن سيدنا إبراهيم عليه السلام قد رسم مناسك الحج كلها بعد أن علمها الله له، فالناس وإن كانوا جمعًا إلا أن المراد بكلمة {الناس} هو إبراهيم. ولا نستغرب أن يكون معنى: {الناس} هو إبراهيم لأن الله وصفه بأنه {أمة}. وكلمة الناس تطلق على الإنسان الذي يجمع خصائص متعددة؛ ولذلك قال الله عز وجل عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ} من الآية [54 سورة النساء].
لقد وصف الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس. والرجل الذي ذهب للمؤمنين يخبرهم باستعداد المشركين لقتالهم نزل فيه قوله تعالى: {الذين قال لهم الناس} إنه إنسان واحد ومع ذلك وصفه الله بالناس، كأنه بتنبيهه للمسلمين يكون جمع كل صفات الخير في الناس. {واستغفروا الله إن الله غفور رحيم} إن الحق سبحانه وتعالى يعلم أن بني آدم لا يمكن لهم أن يراعوا حقوقه كما يجب أن تراعى، فلابد أن تفلت منهم أشياء، وهو سبحانه وتعالى يعلم ذلك؛ لأنه خالقهم، فأمرهم جلت حكمته أن يستغفروه؛ ليكفروا عن سيئاتهم. اهـ.

.سؤال: فإن قيل: كيف أمر بالاستغفار مطلقًا، وربما كان فيهم من لم يذنب فحينئذ لا يحتاج إلى الاستغفار؟

والجواب: أنه إن كان مذنبًا فالاستغفار واجب، وإن لم يذنب إلا أنه يجوز من نفسه أنه قد صدر عنه تقصير في أداء الواجبات، والاحتراز عن المحظورات، وجب عليه الاستغفار أيضًا تداركًا لذلك الخلل المجوز، وإن قطع بأنه لم يصدر عنه ألبتة خلل في شيء من الطاعات، فهذا كالممتنع في حق البشر، فمن أين يمكنه هذا القطع في عمل واحد، فكيف في أعمال كل العمر، إلا أن بتقدير إمكانه فالإستغفار أيضًا واجب، وذلك لأن طاعة المخلوق لا تليق بحضرة الخالق، ولهذا قالت الملائكة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك، فكان الإستغفار لازمًا من هذه الجهة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة». اهـ.