فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قيل: غرض سليمان في إحضار عرشها ليريها قدرة الله تعالى وإظهار معجزة دالة على نبوته، وقيل أراد أن ينكره ويغيره قبل مجيئها ليختبر بذلك عقلها وقيل: إن سليمان علم أنها إن أسلمت يحرم عليه مالها فأراد أن يأخذ سريرها قبل أن يحرم عليه أخذه لأنه أعجبه وصفه، لما وصفه له الهدهد وقيل أراد أن يعرف قدر ملكها لأن السرير على قدر المملكة {قال عفريت من الجن} وهو المارد القوي، وقال ابن عباس العفريت الداهية قال وهب: اسمه كوذي.
وقيل: ذكوان.
وقيل: هو صخر المارد وكان مثل الجبل يضع قدمه عند منتهى طرفه {أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك} أي مجلس قضائك قال ابن عباس: وكان له في الغداة مجلس يقضي فيه إلى متسع النهار وقيل نصفه {وإني عليه} أي على حمله {لقوي أمين} أي على ما فيه من الجواهر وغيرها قال سليمان: أريد أسرع من ذلك.
{قال الذين عنده علم من الكتاب} قيل هو جبريل.
وقيل: هو ملك أيد الله به سليمان وقيل هو آصف بن برخيا وكان صديقًا يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى وقيل هو سليمان نفسه لأنه أعلم بني إسرائيل بالكتاب وكان الله قد آتاه علمًا وفهمًا، فعلى هذه يكون المخاطب العفريت الذي كلمه فأراد سليمان إظهار معجزة، فتحداهم أولًا ثم بين للعفريت أنه يتأتى له من سرعة الإتيان بالعرش ما لا يتأتى للعفريب قيل: كان الدعاء الذي دعا به: يا ذا الجلال والإكرام وقيل: يا حي يا قيوم.
وروي ذلك عن عائشة وروي عن الزهري قال دعاء الذي عنده علم من الكتاب: يا إلهنا وإله كل شيء إلهًا واحدًا لا إله إلا أنت، ائتني بعرشها، وقال ابن عباس: إن آصف قال لسليمان حين صلى مد عينيك حتى ينتهي طرفك فمد سليمان عينيه ونظر نحو اليمين ودعا آصف، فبعث الله الملائكة فحملوا السرير يجرون به تحت الأرض، حتى نبع من بين يدي سليمان وقيل: خر سليمان ساجدًا ودعا باسم الله الأعظم فغاب العرش تحت الأرض حتى ظهر كرسي سليمان فقال: ما قال: {أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} قال سليمان: هات قال أنت النبي ابن النبي وليس أحد عند الله أوجه منك فإن دعوت الله كان عندك: قال صدقت ففعل ذلك فجيء بالعرش في الوقت {فلما رآه} يعني رأى سليمان العرش {مستقرًا عنده} أي محولًا إليه من مأرب إلى الشام في قدر ارتداد الطرف {قال هذا من فضل ربي ليبلوني} يعني لتمكن من حصول المراد {أأشكر} أي نعمته علي {أم أكفر} فلا أشكرها {ومن شكر فإنما يشكر لنفسه} أي يعود نفع شكره إليه وهو أن يستوجب به تمام النعمة، ودوامها لأن الشكر قيد النعمة الموجودة وصيد النعمة المفقودة {ومن كفر فإن ربي غني} أي عن شكره لا يضره ذلك الكفران {كريم} يعني بالإفضال عليه لا يقطع نعمة عنه بسبب إعراضه عن الشكر وكفران النعمة {قال نكروا لها عرشها} يعني غيروا سريرها إلى حال تنكره إذا رأته قيل: هو أن يزاد فيه أو ينقص منه وقيل: إنما يجعل أسفله أعلاه ويجعل مكان الجواهر الأحمر أخضر ومكان الأخضر أحمر {ننظر أتهتدي} إلى معرفة عرشها {أم تكون من الذين لا يهتدون} إلى معرفته، وإنما حمل سليمان على ذلك ما قال وهب ومحمد بن كعب، وغيرهما أن الشياطين خافت أن يتزوجها سليمان فتفتشي إليه أسرار الجن، لأن أمها كانت جنية وإذا ولدت ولدًا لا ينفكون من تسخير سليمان وذريته من بعده فاساءوا اثناء عليها ليزهدوه فيها، وقالوا: إن في عقلها شيئًا وأن رجلها كحافر الحمار، وإنها شعراء الساقين فأراد سليمان، أن يختبر عقلها بتنكير عرشها وينظر إلى قدميها ببناء الصرح {فلما جاءت قيل} لها {أهكذا عرشك قالت كأنه هو} قيل: إنها عرفته ولكن شبهت عليهم كما شبهوا عليها، وقيل: إنها كانت حكيمة لم تقل نعم خوفًا من الكذب ولا قالت: لا خوفًا من التكذيب أيضًا فقالت: كأنه هو فعرف سليمان كمال عقلها بحيث لم تقر ولم تنكر اشتبه عليها أمر العرش، لأنها تركته في بيت عليه سبعة أبواب مغلقة والمفاتيح معها قيل فإنه عرشك فما أغنى عنك إغلاق الأبواب ثم قالت {وأوتينا العلم من قبلها} يعني من قبل الآية في العرش {وكنا مسلمين} يعني منقادين مطيعين خاضعين لأمر سليمان وقيل: قوله تعالى: {وأوتينا العلم} أي بالله وبصحة نبوة سليمان بالآيات المتقدمة من أمر الهدهد والرسل من قبلها أي من قبل الآية في العرش، وكنا مسلمين أو معناه وأوتينا العلم بالله، وبقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرأة وكنا مسلمين ويكون الغرض من هذا شكر نعمة الله عليه أن خصه بمزيد العلم، والتقدم في الإسلام وقيل معناه وأوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها طائعة وكنا مسلمين لله.
قوله تعالى: {وصدها ما كانت تعبد من دون الله} يعني منعتها عبادة الشمس عن التوحيد وعبادة الله وقيل معناه صدها سليمان عما كانت تعبد من دون الله وحال بينها وبينه {إنها كانت من قوم كافرين} أخبر الله أنها كانت من قوم يعبدون الشمس، فنشأت بينهم ولم تعرف إلا عبادة الشمس {قيل لها ادخلي الصرح} وذلك أن سليمان لما اختبر عقلها بتنكير العرش وأراد أن ينظر إلى قدميها وساقيها من غير أن يسألها كشفهما لما أخبرته الجن أن رجليها كحافر حمار، وهي شعراء الساقين أمر الشياطين، فعملوا لها قصرًا من الزجاج الأبيض كالماء وقيل: الصرح صحن الدار وأجرى تحته الماء، وألقى فيه السمك والضفادع وغرهما من دواب البحر ثم وضع سريره في صدر المجلس وجلس عليه وقيل إنما عمل الصرح ليختبر به فهمها كما فعلت في الوصفاء والوصائف.
فلما جلس على السرير دعا بلقيس، ولما جاءت قيل لها ادخلي الصرح {فلما رأته حسبته لجة} أي ماء عظيمًا {وكشفت عن ساقيها} لتخوض الماء إلى سليمان، فإذا هي أحسن النساء ساقًا وقدمًا إلا أنها كانت شعراء الساقين فلما نظر سليمان ذلك صرف بصره عنها {قال إنه صرح ممرد} أي مملس {من قوارير} زجاج وليس بماء فحينئذٍ سترت ساقيها وعجبت من ذلك وعلمت أن ملك سليمان من الله تعالى واستدلت بذلك على التوحيد والنبوة {قالت ربي إني ظلمت نفسي} بعبادة غيرك {وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} أي أخلصت له التوحيد والعبادة، وقيل: إنها لما بلغت الصرح وظنته لجة قالت: في نفسها إن سليمان يريد أن يغرقني وكان القتل أهون من هذا لما تبين لها خلاف ذلك قالت: رب إني ظلمت نفسي بذلك الظن.
واختلفوا في أمر بلقيس بعد إسلامها، فقيل انتهى أمرها إلى قولها أسلمت لله رب العالمين ولا عمل لأحد وراء ذلك، لأنه لم يذكر في الكتاب ولا في خبر صحيح وقال بعضهم: تزوجها سليمان وكره ما رأى من كثرة شعر ساقيها، فسأل الإنس عما يذهب ذلك فقالوا الموسى.
فقالت المرأة إني لم يمسني حديد قط فكره سليمان الموسى وقال: إنها تقطع ساقيها فسأل الجن فقالوا لا ندري فسأل الشياطين.
فقالوا: نحتال لك حتى تكون كالفضة البيضاء فاتخذوا النورة، والحمام فكانت النورة والحمامات من يومئذٍ.
فلما تزوجها سليمان أحبها حبًا شديدًا، وأقرها على ملكها وأمر الجن فابتنوا لها بأرض اليمن ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعًا وحسنًا، وهي سلحين وبيسنون وغمدان ثم كان سليمان يزورها في كل شهر مرة، ويقيم عندها ثلاثة أيام يبكر من الشام إلى اليمن ومن إلى الشام وولدت له ولدًا ذكرًا.
وقال وهب: زعموا أن بلقيس لما أسلمت قال لها سليمان اختاري رجلًا من قومك حتى أزوجك إياه، فقالت: ومثلي يا نبي الله ينكح الرجال وقد كان لي من قومي الملك والسلطان، قال: نعم إنه لا يكون في الإسلام إلا ذلك ولا ينبغي لك أن تحرمي ما أحل الله قالت: فإن كان ولابد فزوجني ذا تبع ملك همدان فزوجها إياه وذهب بها إلى اليمن، وملك زوجها ذا تبع على اليمن، ودعا زوبعة ملك الجن وقال له اعمل لذي تبع ما استعملك فيه فلم يزل يعمل له ما أراد إلى أن مات سليمان وحال الحول، وعلم الجن موت سليمان، فأقبل رجل منهم حتى بلغ جوف اليمن وقال بأعلى صوته: يا معشر الجن إن الملك سليمان قد مات فارفعوا أيديكم فرفعوا أيديهم وتفرقوا وانقضى ملك سليمان وملك ذي تبع وملك بلقيس، وبقي الملك لله الواحد القهار قيل إن سليمان ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة.
قوله: {ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحًا أن اعبدوا الله} أي وحدوه لا تشركوا به شيئًا {فإذا هم فريقان} أي مؤمن وكافر {يختصمون} أي في الدين كل فريق يقول الحق معنا {قال} يعني صالحًا للفريق المكذب {يا قوم لم تستعجلون بالسيئة} أي بالبلاء والعقوبة {قبل الحسنة} أي العافية الرحمة {لولا} أي هلا {تستغفرون الله} أي بالتوبة إليه من الكفر {لعلكم ترحمون} أي لا تعذبون في الدنيا {قالوا اطيرنا} أي تشاءمنا {بك وبمن معك} قيل: إنما قالوا ذلك لتفرق كلمتهم وقيل: الإمساك القطر عنهم قالوا إما أصابنا هذا الضر والشدة من شؤمك وشؤم أصحابك {قال طائركم عند الله} أي ما يصيبكم من الخير والشر بأمر الله مكتوب عليكم، سمي طائرًا لأنه لا شيء أسرع من نزول القضاء المحتوم وقال ابن عباس الشؤم الذي أتاكم من عند الله بكفركم وقيل طائركم أي عملكم، عند الله، سمي طائرًا لسرعة صعوده إلى السماء {بل أنتم قوم تفتنون} قال ابن عباس تختبرون بالخير والشر وقيل معناه تعذبون.
قوله تعالى: {وكان في المدينة} يعني مدينة ثمود وهي الحجر {تسعة رهط} يعني من أبناء أشرافهم {يفسدون في الأرض} أي بالمعاصي {ولا يصلحون} أي لا يطعيون وهم غواة قوم صالح الذي اتفقوا على عقر الناقة ورأسهم قدار بن سالف {قالوا تقاسموا بالله} يعني يقول بعضهم لبيعض احلفوا بالله أيها القوم {لنبيتنه} أي لنقتلنه ليلًا {وأهله} يعني قومه الذين آمنوا معه {ثم لنقولن لوليه} أي لولي دمه {ما شهدنا} يعني ما حضرنا {مهلك أهله} أي ما ندري من قتله ولا هلاك أهله {وإنا لصادقون} يعني قولنا ما شهدنا ذلك.
{ومكروا مكرًا} أي غدروا غدرًا حين قصدوا تبيت صالح وأهله {ومكرنا مكرًا} يعني جازيناهم على مكرهم بتعجيل العذاب {وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم} يعني أهلكناهم أي التسعة قال ابن عباس: أرسل الله الملائكة تلك الليلة إلى دار صالح يحرسونه فأتت التسعة دار صالح شاهرين سلاحهم، فرمتهم الملائكة بالحجارة وهم يرون الحجارة ولا يرون الملائكة فقتلتهم وأهلك الله جميع القوم بالصيحة {وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا} أي بظلمهم وكفرهم {إن في ذلك لآية} أي لعبرة {لقوم يعلمون} أي قدرتنا {وأنجينا الذي آمنوا وكانوا يتقون} يقال إن الناجين كانوا أربعة آلاف.
قوله تعالى: {ولوطًا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة} أي الفعلة القبيحة {وأنتم تبصرون} أي تعلمون أنها فاحشة هو من بصر القلب وقيل: معناه يبصر بعضكم بعضًا وكانوا لا يستترون عتوًا منهم {أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون} فإن قلت إذا فسر تبصرون بالعلم وقد قال: بعده {قوم تجهلون} فيكون العلم جهلًا.
قلت: معناه تفعلون فعل الجاهلين وتعلمون أنه فاحشة.
وقيل: تجهلون العاقبة وقيل أراد بالجهل السفاهة التي كانوا عليها {فلما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون} يعني من أدبار الرجال {فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين} أي قضينا عليها بأن جعلناها من الباقين في العذاب {وأمطرنا عليهم مطرًا} أي الحجارة {فساء} أي فبئس {مطر المنذرين}. اهـ.

.قال النسفي:

فلما فرغ من كلامه {قال} سليمان للهدهد {سننظر} من النظر الذي هو التأمل {أصدقت} فيما أخبرت {أم كنت من الكاذبين} وهذا أبلغ من أم كذبت لأنه إذا كان معروفًا بالانخراط في سلك الكاذبين كان كاذبًا لا محالة، وإذا كان كاذبًا اتهم بالكذب فيما أخبر به فلم يوثق به، ثم كتب سليمان كتابًا صورته: من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ: بسم الله الرحمن الرحيم السلام على من اتبع الهدى، أما بعد فلا تعلوا علي وأتوني مسلمين وطبعه بالمسك وختمه بخاتمه وقال للهدهد:
{اذهب بّكتابي هذا فألقه} بسكون الهاء تخفيفًا: أبو عمرو وعاصم وحمزة، ويختلسها كسرًا لتدل الكسرة على الياء المحذوفة: يزيد وقالون ويعقوب، {فألقهي} بإثبات الياء: غيرهم {إليهم} إلى بلقيس وقومها لأنه ذكرهم معها في قوله: {وجدتها وقومها يسجدون للشمس} وبني الخطاب في الكتاب على لفظ الجمع لذلك {ثمّ تولّ عنهم} تنح عنهم إلى مكان قريب بحيث تراهم ولا يرونك ليكون ما يقولونه بمسمع منك {فانظر ماذا يرجعون} ما الذي يردونه من الجواب.