فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وإنما فعل ذلك ليزيدها استعظامًا لأمره وتحقيقًا لنبوته.
وقيل: إن الجن كرهوا أن يتزوجها فتفضي إليه بأسرارهم لأنها كانت بنت جنية.
وقيل: خافوا أن يولد له منها ولد يجمع فطنة الجن والإنس فيخرجون من ملك سليمان إلى ملك هو أشد فقالوا له: إن في عقلها شيئًا وهي شعراء الساقين ورجلها كحافر الحمار، فاختبر عقلها بتنكير العرش، واتخذ الصرح ليعرف ساقها ورجلها فكشفت عنهما فإذا هي أحسن الناس ساقًا وقدمًا إلا أنها شعراء فصرف بصره {قَالَ} لها {إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ} مملس مستو ومنه الأمرد {مّن قَوارِيرَ} من الزجاج.
وأراد سليمان تزوجها فكره شعرها فعملت لها الشياطين النورة فأزالته فنكحها سليمان وأحبها وأقرها على ملكها وكان يزورها في الشهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام وولدت له {قَالَتْ رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى} بعبادة الشمس {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سليمان لِلَّهِ رَبّ العالمين} قال المحققون: لا يحتمل أن يحتال سليمان لينظر إلى ساقيها وهي أجنبية فلا يصح القول بمثله.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ} في النسب {صالحا} بدل {أَنِ اعبدوا الله} بكسر النون في الوصل: عاصم وحمزة وبصري، وبضم النون: غيرهم اتباعًا للباء، والمعنى بأن اعبدوا الله وحدوه {فَإِذَا} للمفاجأة {هُمْ} مبتدأ {فَرِيقَانِ} خبر {يَخْتَصِمُونَ} صفة وهي العامل في {إِذَا} والمعنى فإذا قوم صالح فريقان مؤمن به وكافر به يختصمون فيقول كل فريق الحق معي وهو مبين في قوله: {قَالَ الملأ الذين استكبروا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ استضعفوا لِمَنْ ءامَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالحا مُّرْسَلٌ مّن رَّبّهِ قَالُواْ إِنَّا بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي أمنتم به كافرون} [الأعراف: 75] وقال الفريق الكافر: {ياصاح ائتنا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ المرسلين} [الأعراف: 77] {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بالسيئة} بالعذاب الذي توعدون {قَبْلَ الحسنة} قبل التوبة {لَوْلاَ} هلا {تَسْتَغْفِرُونَ الله} تطلبون المغفرة من كفركم بالتوبة والإيمان قبل نزول العذاب بكم {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} بالإجابة {قَالُواْ اطيرنا بِكَ} تشاءمنا بك لأنهم قحطوا عند مبعثه لتكذيبهم فنسبوه إلى مجيئه.
والأصل {تَطَيَّرْنَا} وقريء به فأدغمت التاء في الطاء وزيدت الألف لسكون الطاء {وَبِمَن مَّعَكَ} من المؤمنين {قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ الله} أي سببكم الذي يجيء منه خيركم وشركم عند الله وهو قدره وقسمته، أو عملكم مكتوب عند الله فإنما نزل بكم ما نزل عقوبة لكم وفتنة ومنه {وَكُلَّ إنسان ألزمناه طَئِرَهُ في عُنُقِهِ} [الإسراء: 13] وأصله أن المسافر إذا مر بطائر فيزجره فإن مر سانحًا تيامن، وإذا مر بارحًا تشاءم، فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر استعير لما كان سببهما من قدر الله وقسمته، أو من عمل العبد الذي هو السبب في الرحمة والنقمة {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} تختبرون أو تعذبون بذنبكم.
{وَكَانَ في المدينة} مدينة ثمود وهي الحجر {تِسْعَةُ رَهْطٍ} هو جمع لا واحد له ولذا جاز تمييز التسعة به فكأنه قيل تسعة أنفس، وهو من الثلاثة إلى العشرة.
وعن أبي دؤاد: رأسهم قدار بن سالف وهم الذين سعوا في عقر الناقة وكانوا أبناء أشرافهم {يُفْسِدُونَ في الأرض وَلاَ يُصْلِحُونَ} يعني أن شأنهم الإفساد البحت لا يخلط بشيء من الصلاح كما ترى بعض المفسدين قد يندر منه بعض الصلاح.
وعن الحسن يظلمون الناس ولا يمنعون الظالمين من الظلم.
وعن ابن عطاء: يتبعون معايب الناس ولا يسترون عوراتهم {قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بالله} {تحالفوا} خبر في محل الحال بإضمار قد أي قالوا متقاسمين أو أمر أي أمر بعضهم بعضًا بالقسم {لَنُبَيّتَنَّهُ} لنقتلنه بياتًا أي ليلًا {وَأَهْلَهُ} ولده وتبعه {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيّهِ} لولي دمه {لتبيتنه} بالتاء وبضم التاء الثانية ثم {لتقولن} بالتاء وضم اللام: حمزة وعلي {ما شهدنا} ما حضرنا {مَهْلِكَ أَهْلِهِ} حفص {مهلَك} أبو بكر وحماد والمفضل من هلك، فالأول موضع الهلاك، والثاني المصدر {مُهلَك} غيرهم من أهلك وهو الإهلاك أو مكان الإهلاك أي لم نتعرض لأهله فكيف تعرضنا له أو ما حضرنا موضع هلاكه فكيف توليناه {وِإِنَّا لصادقون} فيما ذكرنا.
{وَمَكَرُواْ مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} مكرهم ما أخفوه من تدبير الفتك بصالح وأهله.
ومكر الله إهلاكهم من حيث لا يشعرون، شبه بمكر الماكر على سبيل الاستعارة.
روي أنه كان لصالح مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه فقالوا: زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنحن نفرغ منه ومن أهله قبل الثالث، فخرجوا إلى الشعب وقالوا: إذا جاء يصلي قتلناه ثم رجعنا إلى أهله فقتلناهم، فبعث الله صخرة من الهضب حيالهم فبادروا فطبقت الصخرة عليهم فم الشعب فلم يدر قومهم أين هم ولم يدروا ما فعل بقومهم، وعذب الله كلًا منهم في مكانه ونجى صالحًا عليه السلام ومن معه.
{فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة مَكْرِهِمْ أَنَّا دمرناهم} بفتح الألف: كوفي وسهل، وبكسرها: غيرهم على الاستئناف، ومن فتحه رفعه على أنه بدل من العاقبة، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره: هي تدميرهم، أو نصبه على معنى لأنا أو على أنه خبر {كان} أي فكان عاقبة مكرهم الدمار {وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} بالصيحة {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} ساقطة منهدمة من خوى النجم إذا سقط، أو خالية من الخواء، وهي حال عمل فيها ما دل عليه {تلك} {بِمَا ظَلَمُواْ} بظلمهم {إِنَّ في ذَلِكَ} فيما فعل بثمود {لآيَةً لّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} قدرتنا فيتعظون {وَأَنجَيْنَا الذين ءامَنُواْ} بصالح {وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} ترك أوامره وكانوا أربعة الآف نجوا مع صالح من العذاب.
{وَلُوطًا إِذْ قَالَ} واذكر لوطًا، و{إذ} بدل من {لوطًا} أي واذكر وقت قول لوط {لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفاحشة} أي إتيان الذكور {وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} تعلمون أنها فاحشة لم تسبقوا إليها من بصر القلب، أو يرى ذلك بعضهم من بعض لأنهم كانوا يرتكبونها في ناديهم معالنين بها لا يتستر بعضهم من بعض مجانة وانهماكًا في المعصية، أو تبصرون آثار العصاة قبلكم وما نزل بهم.
ثم صرح فقال: {أَئِنَّكُمْ} بهمزتين: كوفي وشامي {لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً} للشهوة {مّن دُونِ النساء} أي إن الله تعالى إنما خلق الأنثى للذكر ولم يخلق الذكر للذكر ولا الأنثى للأنثى فهي مضادة لله في حكمته {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} تفعلون فعل الجاهلين بأنها فاحشة مع علمكم بذلك، أو أريد بالجهل السفاهة والمجانة التي كانوا عليها.
وقد اجتمع الخطاب والغيبة في قوله: {بل أنتم قوم تجهلون} و{بل أنتم قوم تفتنون} فغلب الخطاب على الغيبة لأنه أقوى إذ الأصل أن يكون الكلام بين الحاضرين.
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ ءالَ لُوطٍ} أي لوطًا ومتبعيه فخبر {كان} {جواب} واسمه {أن قالوا} {مّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} يتنزهون عن القاذورات ينكرون هذا العمل القذر ويغيظنا إنكارهم.
وقيل: هو استهزاء كقوله: {إِنَّكَ لأَنتَ الحليم الرشيد} [هود: 87] {فأنجيناه} فخلصناه من العذاب الواقع بالقوم {وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته قدرناها} بالتشديد سوى حماد وأبي بكر أي قدرنا كونها {مِنَ الغابرين} من الباقين في العذاب {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} حجارة مكتوبًا عليها اسم صاحبها {فَسَاء مَطَرُ المنذرين} الذين لم يقبلوا الإنذار. اهـ.

.قال البيضاوي:

{قَالَ سَنَنظُرُ}.
سنعرف من النظر بمعنى التأمل. {أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الكاذبين} أي أم كذبت والتغيير للمبالغة ومحافظة الفواصل.
{اذهب بّكِتَابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} ثم تنح عنهم إلى مكان قريب تتوارى فيه. {فانظر مَاذَا يَرْجِعُونَ} ما يرجع بعضهم إلى بعض من القول.
{قَالَتْ} أي بعد ما ألقى إليها. {يا أيها الملأ إِنّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} لكرم مضمونه أو مرسله، أو لأنه كان مختومًا أو لغرابة شأنه إذ كانت مستلقية في بيت مغلقة الأبواب فدخل الهدهد من كوة وألقاه على نحرها بحيث لم تشعر به.
{إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ} استئناف كأنه قيل لها ممن هو وما هو فقالت إنه، أي إن الكتاب أو العنوان من سليمان {وَإِنَّهُ} أي وإن المكتوب أو المضمون. وقرىء بالفتح على الإِبدال من {كِتَابٌ} أو التعليل لكرمه. {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم}.
{أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ} أن مفسرة أو مصدرية فتكون بصلتها خبر محذوف أي هو أو المقصود أن لا تعلوا أو بدل من {كِتَابٌ}. {وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ} مؤمنين أو منقادين، وهذا كلام في غاية الوجازة مع كمال الدلالة على المقصود، لاشتماله على البسملة الدالة على ذات الصانع تعالى وصفاته صريحًا أو التزامًا، والنهي عن الترفع الذي هو أم الرذائل والأمر بالإِسلام الجامع لأمهات الفضائل، وليس الأمر فيه بالانقياد قبل إقامة الحجة على رسالته حتى يكون استدعاء للتقليد فإن إلقاء الكتاب إليها على تلك الحالة من أعظم الدلالة.
{قَالَتْ يا أيها الملأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي} أجيبوني في أمري الفتي واذكروا ما تستصوبون فيه. {مَا كُنتُ قاطعة أَمْرًا} ما أبت أمرًا. {حتى تَشْهَدُونِ} إلا بمحضركم استعطفتهم بذلك ليمالئوها على الإِجابة.
{قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍ} بالأجساد والعدد. {وَأُوْلُواْ بَأْسٍ شَدِيدٍ} نجدة وشجاعة. {والأمر إِلَيْكِ} موكول. {فانظرى مَاذَا تَأْمُرِينَ} من المقاتلة أو الصلح نطعك ونتبع رأيك.
{قَالَتْ إِنَّ الملوك إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً} عنوة وغلبة. {أَفْسَدُوهَا} تزييف لما أحست منهم من الميل إلى المقاتلة بادعائهم القوى الذاتية والعرضية، وإشعار بأنها ترى الصلح مخافة أن يتخطى سليمان خططهم فيسرع إلى إفساد ما يصادفه من أموالهم وعماراتهم، ثم أن الحرب سجال لا تدري عاقبتها. {وَجَعَلُواْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} بنهب أموالهم وتخريب ديارهم إلى غير ذلك من الإِهانة والأسر. {وكذلك يَفْعَلُونَ} تأكيد لما وصفت من حالهم وتقرير بأن ذلك من عاداتهم الثابتة المستمرة، أو تصديق لها من الله عز وجل.
{وَإِنّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} بيان لما ترى تقديمه في المصالحة، والمعنى إني مرسلة رسلًا بهدية أدفعه بها عن ملكي. {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المرسلون} من حاله حتى أعمل بحسب ذلك.
روي أنها بعثت منذر بن عمرو في وفد وأرسلت معهم غلمانًا على زي الجواري وجواري على زي الغلمان، وحُقًا فيه درة عذراء وجزعة معوجة الثقب وقالت: إن كان نبيًا ميز بين الغلمان والجواري وثقب الدرة ثقبًا مستويًا وسلك في الخرزة خيطًا، فلما وصلوا إلى معسكره ورأوا عظمة شأنه تقاصرت إليهم نفوسهم، فلما وقفوا بين يديه وقد سبقهم جبريل بالحال فطلب الحق وأخبر عما فيه، فأمر الأرضة فأخذت شعرة ونفذت في الدرة وأمر دودة بيضاء فأخذت الخيط ونفذت في الجزعة، ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها فتجعله في الأخرى ثم تضرب به وجهها والغلام كما يأخذه يضرب به وجهه ثم رد الهدية.
{فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ} أي الرسول أو ما أهدت إليه وقرىء {فلما جاءوا}.
{قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} خطاب للرسول ومن معه، أو للرسول والمرسل على تغليب المخاطب. وقرأ حمزة ويعقوب بالإِدغام وقرىء بنون واحدة وبنونين وحذف الياء. {فَمَا ءاتانى الله} من النبوة والملك الذي لا مزيد عليه، وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها وبإمالتها. الكسائي وحده. {خَيْرٌ مّمَّا ءاتاكم} فلا حاجة لي إلى هديتكم ولا وقع لها عندي. {بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} لأنكم لا تعلمون إلا ظاهرًا من الحياة الدنيا فتفرحون بما يهدى إليكم حبًا لزيادة أموالكم، أو بما تهدونه افتخارًا على أمثالكم، والإِضراب عن إنكار الإِمداد بالمال عليه وتقليله إلى بيان السبب الذي حملهم عليه، وهو قياس حاله على حالهم في قصور الهمة بالدنيا والزيادة فيها.
{اْرجِعِ} أيها الرسول. {إِلَيْهِمُ} إلى بلقيس وقومها. {فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} لا طاقة لهم بمقاومتها ولا قدرة لهم على مقابلتها وقرىء {بهم}. {وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا} من سبأ. {أَذِلَّةً} بذهاب ما كانوا فيه من العز. {وَهُمْ صاغرون} أسراء مهانون.
{قَالَ يَا أَيُّهَا الملأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} أراد بذلك أن يريها بعض ما خصه الله تعالى به من العجائب الدالة على عظم القدرة وصدقه في دعوى النبوة، ويختبر عقلها بأن ينكر عرشها فينظر أتعرفه أم تنكره؟. {قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ} فإنها إذا أتت مسلمة لم يحل أخذه إلا برضاها.
{قَالَ عِفْرِيتٌ} خبيث مارد. {مّن الجن} بيان له لأنه يقال للرجل الخبيث المنكر المعفر أقرانه، وكان اسمه ذكوان أو صخرًا. {أَنَاْ ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} من مجلسك للحكومة وكان يجلس إلى نصف النهار. {وَإِنِّي عَلَيْهِ} على حمله. {لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} لا أختزل منه شيئًا ولا أبدله.
{قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الكتاب} آصف بن برخيا وزيره، أو الخضر أو جبريل عليهما السلام أو ملك أيده الله به، أو سليمان عليه السلام نفسه فيكون التعبير عنه بذلك للدلالة على شرف العلم وأن هذه الكرامة كانت بسببه والخطاب في: {أَنَاْ ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} للعفريت كأنه استبطأه فقال له ذلك، أو أراد إظهار معجزة في نقله فتحداهم أولًا ثم أراهم أنه يتأتى له مالًا يتأتى لعفاريت الجن فضلًا عن غيرهم، والمراد ب {الكتاب} جنس الكتب المنزلة أو اللوح، و{ءَاتِيكَ} في الموضعين صالح للفعلية والاسمية، والطرف تحريك الأجفان للنظر فوضع موضعه ولما كان الناظر يوصف بإرسال الطرف كما في قوله:
وَكُنْت إِذَا أَرْسَلْت طَرْفَكَ رَائِدا ** لِقَلْبِكَ يَوْمًا أَتْعَبَتْكَ المَنَاظِرُ

وصف برد الطرف والطرف بالارتداد، والمعنى أنك ترسل طرفك نحو شيء فقبل أن ترده أحضر عرشها بين يديك، وهذا غاية في الإِسراع ومثل فيه. {فَلَمَّا رَءَاهُ} أي العرش {مُسْتَقِرًّا عِندَهُ} حاصلًا بين يديه. {قَالَ} تلقيًا للنعمة بالشكر على شاكلة المخلصين من عباد الله تعالى {هذا مِن فَضْلِ رَبّي} تفضل به عليَّ من غير استحقاق، والإِشارة إلى التمكن من إحضار العرش في مدة إرتداد الطرف من مسيرة شهرين بنفسه أو غيره، والكلام في إمكان مثله قد مر في آية الإِسراء. {لِيَبْلُوَنِى ءَأَشْكُرُ} بأن أراه فضلًا من الله تعالى بلا حول مني ولا قوة وأقوم بحقه. {أَمْ أَكْفُرُ} بأن أجد نفسي في البين، أو أقصر في أداء مواجبه ومحلها النصب على البدل من الياء. {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} لأنه به يستجلب لها دوام النعمة ومزيدها ويحط عنها عبء الواجب ويحفظها عن وصمة الكفران. {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبّي غَنِيٌّ} عن شكره. {كَرِيمٌ} بالإنعام عليه ثانيًا.
{قَالَ نَكّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا} بتغيير هيئته وشكله. {نَنظُرْ} جواب الأمر، وقرىء بالرفع على الاستئناف. {أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الذين لاَ يَهْتَدُونَ} إلى معرفته أو الجواب الصواب، وقيل إلى الإِيمان بالله ورسوله إذا رأت تقدم عرشها وقد خلفته مغلقة عليه الأبواب موكلة عليها الحراس.
{فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ} تشبيهًا عليها زيادة في امتحان عقلها إذ ذكرت عنده بسخافة العقل. {قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} ولم تقل هو لاحتمال أن يكون مثله وذلك من كمال عقلها. {وَأُوتِينَا العلم مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} من تتمة كلامها كأنها ظنت أنه أراد بذلك اختبار عقلها وإظهار معجزة لها فقالت: وأوتينا العلم بكمال قدرة الله وصحة نبوتك قبل هذه الحالة، أو المعجزة مما تقدم من الآيات. وقيل إنه من كلام سليمان عليه السلام وقومه وعطفوه على جوابها لما فيه من الدلالة على إيمانها بالله ورسوله حيث جوزت أن يكون ذلك عرشها تجويزًا غالبًا، وإحضار ثمة من المعجزات التي لا يقدر عليها غير الله تعالى ولا تظهر إلا على يد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أي وأوتينا العلم بالله وقدرته وصحة ما جاء به عنده قبلها وكنا منقادين لحكمه ولم نزل على دينه، ويكون غرضهم فيه التحدث بما أنعم الله عليهم من التقدم في ذلك شكر الله تعالى.