فصل: قال الخطيب الشربيني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله} أي وصدها عبادتها الشمس عن التقدم إلى الإِسلام، أو وصدها الله عن عبادتها بالتوفيق للإِيمان. {إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كافرين} وقرىء بالفتح على الإِبدال من فاعل صدها على الأول، أي صدها نشؤها بين أظهر الكفار أو التعليل له.
{قِيلَ لَهَا ادخلي الصرح} القصر وقيل عرصة الدار. {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا} روي أنه أمر قبل قدومها ببناء قصر صحنه من الزجاج أبيض وأجرى من تحته الماء وألقى فيه حيوانات البحر ووضع سريره في صدره فجلس عليه، فلما أبصرته ظنته ماء راكدًا فكشفت عن ساقيها. وقرأ ابن كثير برواية قنبل {سأقيها} بالهمز حملًا على جمعه سؤوق وأسؤق. {قَالَ إِنَّهُ} إن ما تظنينه ماء. {صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ} مملس. {مّن قَوارِيرَ} من الزجاج.
{قَالَتْ رَبّ إِنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} بعبادتي الشمس، وقيل بظني بسليمان فإنها حسبت أنه يغرقها في اللجة. {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سليمان لِلَّهِ رَبّ العالمين} فيما أمر به عباده وقد، اختلف في أنه تزوجها أو زوجها من ذي تبع ملك همدان.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحا أَنِ اعبدوا الله} بأن اعبدوا الله، وقرىء بضم النون على اتباعها الباء. {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} ففاجئوا التفرق والاختصام فآمن فريق وكفر فريق، والواو لمجموع الفريقين.
{قَالَ يَا قَوْمٍ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بالسيئة} بالعقوبة فتقولون ائتنا بما تعدنا. {قَبْلَ الحسنة} قبل التوبة فتؤخرونها إلى نزول العقاب فإنهم كانوا يقولون إن صدق إيعاده تبنا حينئذ. {لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ الله} قبل نزوله. {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} بقبولها فإنها لا تقبل حينئذ.
{قَالُواْ اطيرنا} تشاءمنا. {بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ} إِذ تتابعت علينا الشدائد، أو وقع بيننا الافتراق منذ اخترعتم دينكم. {قَالَ طَائِرُكُمْ} سببكم الذي جاء منه شركم. {عَندَ الله} وهو قدره أو عملكم المكتوب عنده. {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} تختبرون بتعاقب السراء والضراء، والإِضراب من بيان طائرهم الذي هو مبدأ ما يحيق بهم إلى ذكر ما هو الداعي إليه.
{وَكَانَ فِي المدينة تِسْعَةُ رَهْطٍ} تسعة أنفس، وإنما تمييزًا للتسعة باعتبار المعنى، والفرق بينه وبين النفر أنه من الثلاثة أو السبعة إلى العشرة، والنفر من الثلاثة إلى التسعة. {يُفْسِدُونَ فِي الأرض وَلاَ يُصْلِحُونَ} أي شأنهم الإِفساد الخالص عن شوب الصلاح.
{قَالُواْ} أي قال بعضهم لبعض. {تَقَاسَمُواْ بالله} أمر مقول أو خبر وقع بدلًا أو حالًا بإضمار قد. {لَنُبَيّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} لنباغتن صالحًا وأهله ليلًا. وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على خطاب بعضهم لبعض، وقرىء بالياء على أن تقاسموا خبر. {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ} فيه القراءات الثلاث. {لِوَلِيِّهِ} لولي دمه. {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} فضلًا أن تولينا إهلاكهم، وهو يحتمل المصدر والزمان والمكان وكذا {مُهْلِكَ} في قراءة حفص فإن مفعلًا قد جاء مصدرًا كمرجع. وقرأ أبو بكر بالفتح فيكون مصدرًا. {وِإِنَّا لصادقون} ونحلف إنا لصادقون، أو والحال {إِنَّا لصادقون} فيما ذكرنا لأن الشاهد للشيء غير المباشر له عرفًا، أو لأنا ما شهدنا مهلكهم وحده بل مهلكه ومهلكهم كقولك ما رأيت ثمة رجلًا بل رجلين.
{وَمَكَرُواْ مَكْرًا} بهذه المواضعة. {وَمَكَرْنَا مَكْرًا} بأن جعلناها سببًا لإِهلاكهم. {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بذلك، روي أنه كان لصالح في الحجر مسجد في شعب يصلي فيه فقالوا: زعم أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنفرغ منه ومن أهله قبل الثلاث، فذهبوا إلى الشعب ليقتلوه، فوقع عليهم صخرة حيالهم فطبقت عليهم فم الشعب فهلكوا ثمة وهلك الباقون في أماكنهم بالصيحة كما أشار إليه قوله: {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة مَكْرِهِمْ أَنَّا دمرناهم وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} و{كَانَ} إن جعلت ناقصة فخبرها {كَيْفَ} و{أَنَّا دمرناهم} استئناف أو خبر محذوف لا خبر {كَانَ} لعدم العائد، وإن جعلتها تامة ف {كَيْفَ} حال. وقرأ الكوفيون ويعقوب {أَنَّا دمرناهم} بالفتح على أنه خبر محذوف أو بدل من اسم {كَانَ} أو خبر له و{كَيْفَ} حال.
{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} خالية من خوى البطن إذا خلا، أو ساقطة منهدمة من خوى النجم إذا سقط، وهي حال عمل فيها معنى الإِشارة. وقرىء بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف. {بِمَا ظَلَمُواْ} بسبب ظلمهم. {إِنَّ في ذلك لآيَةً لّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} فيتعظون.
{وَأَنجَيْنَا الذين ءَامَنُواْ} صالحًا ومن معه. {وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} الكفر والمعاصي فلذلك خصوا بالنجاة.
{وَلُوطًا} واذكر لوطًا، أو وأرسلنا لوطًا لدلالة ولقد أرسلنا عليه. {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} بدل على الأول وظرف على الثاني. {أَتَأْتُونَ الفاحشة وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} تعلمون فحشها من بصر القلب واقتراف القبائح من العالم بقبحها أقبح، أو يبصرها بعضكم من بعض لأنهم كانوا يعلنون بها فتكون أفحش.
{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً} بيان لإتيانهم الفاحشة وتعليله بالشهوة للدلالة على قبحه، والتنبيه على أن الحكمة في المواقعة طلب النسل لاقضاء الوطر. {مّن دُونِ النساء} اللاتي خلقن لذلك. {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} تفعلون فعل من يجهل قبحها، أو يكون سفيهًا لا يميز بين الحسن والقبيح، أو تجهلون العاقبة والتاء فيه لكون الموصوف به في معنى المخاطب.
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ ءَالَ لُوطٍ مّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} أي يتنزهون عن أفعالنا، أو عن الأقذار ويعدون فعلنا قذرًا.
{فأنجيناه وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته قدرناها مِنَ الغابرين} قدرنا كونها من الباقين في العذاب.
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ المنذرين} مر مثله. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

ولما فرغ الهدهد من كلامه {قال} له سليمان {سننظر} أي: نختبر ما قلته {أصدقت} فيه فنعذرك {أم كنت من الكاذبين} أي: معروفًا بالانخراط في سلكهم فإنه لا يجترئ على الكذب عندي إلا من كان غريقًا في الكذب فهو أبلغ من أم كذبت، وأيضًا لمحافظة الفواصل، ثم شرع فيما يختبره به فكتب له كتابًا على الفور في غاية الوجازة قصدًا للإسراع في إزالة المنكر على تقدير صدق الهدهد بحسب الاستطاعة، ودل على إسراعه في كتابته بقوله جوابًا له.
{اذهب بكتابي هذا} فكأنه كان مهيأ عنده فدفعه إليه وأمره بالإسراع، فطار كأنه البرق ولهذا أشار بالفاء في قوله: {فألقه إليهم} أي: الذين ذكرت أنهم يعبدون الشمس وذلك للاهتمام بأمر الدين، وقرأ أبو عمرو وشعبة وخلاد بخلاف عنه فألقه بسكون الهاء، واختلس الكسرة قالون وهشام بخلاف عنه، والباقون بإشباع الكسرة. {ثم} قال له إذا ألقيته إليهم {تولّ} أي: تنحّ {عنهم} إلى مكان تسمع فيه كلامهم ولا يصلون معه إليك {فانظر ماذا يرجعون} أي: يردّون من الجواب، وقال ابن زيد في الآية تقديم وتأخير، مجازها اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون، ثم توّل عنهم أي: انصرف إليّ، فأخذ الهدهد الكتاب وأتى إلى بلقيس وكانت بأرض يقال لها مأرب من صنعاء على ثلاثة أيام.
قال قتادة: فوافاها في قصرها وقد غلقت الأبواب وكانت إذا رقدت غلقت الأبواب وأخذت المفاتيح فوضعتها تحت رأسها، فأتاها الهدهد وهي نائمة مستلقية على قفاها فألقى الكتاب على نحرها، وقيل نقرها فانتبهت فزعة، وقال مقاتل: حمل الهدهد الكتاب بمنقاره حتى وقف على رأس المرأة وحولها القادة والجنود فرفرف ساعة، والناس ينظرون إليه حتى رفعت المرأة رأسها فألقى الكتاب في حجرها، وقال وهب بن منبه وابن زيد: كانت لها كوة مستقبلة الشمس تقع الشمس فيها حين تطلع فإذا نظرت إليها سجدت لها، فجاء الهدهد إلى الكوّة فسدها بجناحه فارتفعت الشمس ولم تعلم بها، فلما استبطأت الشمس قامت تنظر إليها، فرمى بالصحيفة إليها فأخذت بلقيس الكتاب وكانت قارئة فلما رأت الخاتم ارتعدت وخضعت لأنّ ملك سليمان كان في خاتمه وعرفت أنّ الذي أرسل الكتاب أعظم ملكًا منها، وقرأت الكتاب وتأخر الهدهد فجاءت حتى قعدت على سرير ملكها وجمعت الملأ من قومها وهم اثنا عشر ألف قائد مع كل قائد ألف مقاتل، وعن ابن عباس قال: كان مع بلقيس مائة ألف، قيل مع كل قيل مائة ألف، والقيل: الملك دون الملك الأعظم، وقال قتادة ومقاتل: كان أهل مشورتها ثلثمائة وثلاثة عشر رجلًا كل رجل منهم على عشرة آلاف، فلما جاءوا أخذوا مجالسهم.
{قالت} لهم بلقيس {يا أيها الملأ} وهم أشراف الناس وكبراؤهم {إني ألقي إليّ} أي: بإلقاء ملق على وجه غريب {كتاب} أي: صحيفة مكتوب فيها كلام وخبر جامع، قال الزمخشريّ: وكانت كتب الأنبياء جملًا لا يطنبون ولا يكثرون، ولما حوى هذا الكتاب من الشرف أمرًا باهرًا لم يعهد مثله وصفته بقولها {كريم} وقال عطاء والضحاك: سمته كريمًا لأنه كان مختومًا روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «كرامة الكتاب ختمه»، وكان عليه السلام يكتب إلى العجم فقيل له إنهم لا يقبلون إلا كتابًا عليه خاتم فاصطنع له خاتمًا، وعن ابن المقنع: من كتب إلى أخيه كتابًا ولم يختمه فقد استخف به، وقال مقاتل: كريم أي: حسن، وعن ابن عباس: أي: شريف لشرف صاحبه، وقيل: سمته كريمًا لأنه كان مصدرًا ب {بسم الله الرحمن الرحيم}، ثم بينت ممن الكتاب فقالت.
{إنه من سليمان} ثم بينت المكتوب فيه فقالت {وإنه بسم الله الرحمن الرحيم}.
{ألا تعلو عليّ} قال ابن عباس: لا تتكبروا عليّ، وقيل لا تتعظموا ولا تترفعوا عليّ، أي: لا تمتنعوا عن الإجابة فإن ترك الإجابة من العلو والتكبر {وائتوني مسلمين} أي: منقادين خاضعين فهو من الاستسلام، أو مؤمنين فهو من الإسلام، فإن قيل: لم قدم سليمان اسمه على البسملة؟
أجيب: بأنه لم يقع منه ذلك بل ابتدأ الكتاب بالبسملة وإنما كتب اسمه عنوانًا بعد ختمه لأنّ بلقيس إنماعرفت كونه من سليمان بقراءة عنوانه كما هو المعهود، ولذلك قالت: {إنه بسم الله الرحمن الرحيم} أي: إنّ الكتاب، فالتقديم واقع في حكاية الحال، واعلم أن قوله: {بسم الله الرحمن الرحيم} مشتمل على إثبات الصانع وإثبات كونه عالمًا قادرًا حيًا مريدًا حكيمًا رحيمًا قال الطيبي: وقال القاضي: هذا كلام في غاية الوجازة مع إثبات كمال الصانع وإثبات كمال الدلالة على المقصود لاشتماله على البسملة الدالة على ذات الإله وصفاته صريحًا أو التزامًا، والنهي عن الترفع الذي هو أمّ الرذائل، والأمر بالإسلام الذي هو جامع لأمّهات الفضائل، ولما سكتوا عن الجواب.