فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}.
النوع الثالث: ما يتعلق باحتياج الخلق إليه سبحانه:
اعلم أنه سبحانه نبه في هذه الآية على أمرين: أحدهما: قوله: {أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ} قال صاحب الكشاف: الضرورة الحالة المحوجة إلى الالتجاء والاضطرار افتعال منها: يقال اضطره إلى كذا والفاعل والمفعول مضطر، واعلم أن المضطر هو الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل الدهر إلى التضرع إلى الله تعالى، وعن السدي: الذي لا حول له ولا قوة، وقيل المذنب إذا استغفر، فإن قيل قد عم المضطرين بقوله: {أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ} وكم من مضطر يدعو فلا يجاب؟ جوابه: قد بينا في أصول الفقه أن المفرد المعرف لا يفيد العموم وإنما يفيد الماهية فقط، والحكم المثبت للماهية يكفي في صدقه ثبوته في فرد واحد من أفراد الماهية، وأيضًا فإنه تعالى وعد بالاستجابة ولم يذكر أنه يستجيب في الحال وتمام القول في شرائط الدعاء والإجابة مذكور في قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] فأما قوله تعالى: {وَيَكْشِفُ السوء} فهو كالتفسير للاستجابة، فإنه لا يقدر أحد على كشف ما دفع إليه من فقر إلى غنى ومرض إلى صحة وضيق إلى سعة إلا القادر الذي لا يعجز والقاهر الذي لا ينازع وثانيهما: قوله: {وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاء الأرض} فالمراد توارثهم سكناها والتصرف فيها قرنًا بعد قرن وأراد بالخلافة الملك والتسلط، وقرىء {يَذَّكَّرُونَ} بالياء مع الإدغام وبالتاء مع الإدغام وبالحذف وما مزيدة أي يذكرون تذكرا قليلًا، والمعنى نفي التذكر والقلة تستعمل في معنى النفي.
{أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}.
النوع الرابع ما يتعلق أيضًا باحتياج الخلق ولكنه حاجة خاصة في وقت خاص:
اعلم أنه تعالى نبه في هذه الآية على أمرين: الأول: قوله: {أَمَّن يَهْدِيكُمْ} والمراد يهديكم بالنجوم في السماء والعلامات في الأرض إذا جن الليل عليكم مسافرين في البر والبحر الثاني: قوله: {وَمَن يُرْسِلُ الرياح} فإنه سبحانه هو الذي يحرك الرياح فتثير السحاب ثم تسوقه إلى حيث يشاء، فإن قيل لا نسلم أنه تعالى هو الذي يحرك الرياح، فإن الفلاسفة قالت الرياح إنما تتولد عن الدخان وليس الدخان كله هو الجسم الأسود المرتفع مما احترق بالنار، بل كل جسم أرضي يرتفع بتصعيد الحرارة سواء كانت الحرارة حرارة النار أو حرارة الشمس فهو دخان قالوا وتولد الرياح من الأدخنة على وجهين أحدهما أكثري، والآخر أقلي، أما الأكثري فهو أنه إذا صعدت أدخنة كثيرة إلى فوق فعند وصولها إلى الطبقة الباردة إما أن ينكسر حرها ببرد ذلك الهواء أو لا ينكسر فإن انكسر فلا محالة يثقل وينزل فيحصل من نزولها تموج الهواء فتحدث الريح، وإن لم ينكسر حرها ببرد ذلك الهواء فلابد وأن يتصاعد إلى أن يصل إلى كرة النار المتحركة بحركة الفلك وحينئذ لا يتمكن من الصعود بسبب حركة النار فترجع تلك الأدخنة وتصير ريحًا، لا يقال لو كان اندفاع هذه الأدخنة بسبب حركة الهواء العالي لما كانت حركتها إلى أسفل بل إلى جهة حركة الهواء العالي لأنا نقول الجواب من وجهين: أحدهما: أنه ربما أوجبت هيئة صعود تلك الأدخنة وهيئة لحوق المادة بها أن يتحرك إلى خلاف جهة المتحرك المانع، كالسهم يصيب جسمًا متحركًا فيعطفه تارة إلى جهته إن كان الحابس كما يقدر على صرف المتحرك عن متوجهه يقدر أيضًا على صرفه إلى جهة حركة نفسه وتارة إلى خلاف تلك الجهة إذا كان المفارق يقدر على الحبس ولا يقدر على الصرف الثاني: أنه ربما كان صعود بعض الأدخنة من تحت مانعًا للأدخنة النازلة من فوق إلى أن يتسفل ذلك فلأجل هذا السبب يتحرك إلى سائر الجوانب، واعلم أن لأهل الإسلام ههنا مقامين: الأول:
أن يقيم الدلالة على فساد هذه العلة وبيانه من وجهين: الأول: أن الأجزاء الدخانية أرضية فهي أثقل من الأجزاء البخارية المائية، ثم إن البخار لما يبرد ينزل على الخط المستقيم مطرًا فالدخان لما برد فلماذا لم ينزل على الخط المستقيم بل ذهب يمنة ويسرة؟ الثاني: أن حركة تلك الأجزاء إلى أسفل طبيعية وحركتها يمنة ويسرة عرضية والطبيعية أقوى من العرضية، وإذا لم يكن أقوى فلا أقل من المساواة، ثم إن الريح عند حركتها يمنة ويسرة ربما تقوى على قلع الأشجار ورمي الجدار بل الجبال، فتلك الأجزاء الدخانية عندما تحركت حركتها الطبيعية التي لها وهي الحركة إلى السفل وجب أن تهدم السقف، ولكنا نرى الغبار الكثير ينزل من الهواء ويسقط على السقف ولا يحس بنزوله فضلًا عن أن يهدمه فثبت فساد ما ذكروه المقام الثاني: هب أن الأمر كما ذكروه ولكن الأسباب الفاعلية والقابلية لها مخلوقة لله سبحانه وتعالى، فإنه لولا الشمس وتأثيرها في تصعيد الأبخرة والأدخنة ولولا طبقات الهواء، وإلا لما حدثت هذه الأمور، ومعلوم أن من وضع أسبابًا فأدته إلى منافع عجيبة وحكم بالغة فذلك الواضع هو الذي فعل تلك المنافع، فعلى جميع الأحوال لابد من شهادة هذه الأمور على مدبر حكيم واجب لذاته، قطعًا لسلسلة الحاجات.
{أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}.
النوع الخامس ما يتعلق بالحشر والنشر:
اعلم أنه تعالى لما عدد نعم الدنيا أتبع ذلك بنعم الآخرة بقوله: {أَمَّن يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعيدُهُ} لأن نعم الآخرة بالثواب لا تتم إلا بالإعادة بعد الابتداء والإبلاغ إلى حد التكليف فقد تضمن الكلام كل هذه النعم، ومعلوم أنها لا تتم إلا بالأرزاق فلذلك قال: {وَمَن يَرْزُقُكُم مّنَ السماء والأرض}، ثم قال: {أإله مَّعَ الله} منكرًا لما هم عليه، ثم بين بقوله: {قُلْ هَاتُواْ برهانكم إِن كُنتُمْ صادقين} أن لا برهان لكم فإذن هم مبطلون، وهذا يدل على أنه لابد في الدعوى من وعلى فساد التقليد، فإن قيل كيف قيل لهم: {أَم مَّنْ يبدؤ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ} وهم منكرون للإعادة؟ جوابه: كانوا معترفين بالابتداء، ودلالة الابتداء على الإعادة دلالة ظاهرة قوية، فلما كان الكلام مقرونًا بالدلالة الظاهرة صاروا كأنهم لم يبق لهم عذر في الإنكار، وهاهنا آخر الدلائل المذكورة على كمال قدرة الله تعالى.
{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)}.
اعلم أنه تعالى لما بين أنه المختص بالقدرة فكذلك بين أنه هو المختص بعلم الغيب، وإذا ثبت ذلك ثبت أنه هو الإله المعبود، لأن الإله هو الذي يصح منه مجازاة من يستحق الثواب على وجه لا يلتبس بأهل العقاب، فإن قيل الاستثناء حكمه إخراج ما لولاه لوجب أو لصح دخوله تحت المستثنى منه ودلت الآية ههنا على استثناء الله سبحانه وتعالى عمن في السموات والأرض فوجب كونه ممن في السموات والأرض وذلك يوجب كونه تعالى في المكان والجواب: هذه الآية متروكة الظاهر لأن من قال إنه تعالى في المكان زعم أنه فوق السموات، ومن قال إنه ليس في مكان فقد نزهه عن كل الأمكنة، فثبت بالإجماع أنه تعالى ليس في السموات والأرض فإذن وجب تأويله فنقول إنه تعالى ممن في السموات والأرض كما يقول المتكلمون: الله تعالى في كل مكان على معنى أن علمه في الأماكن كلها، لا يقال إن كونه في السموات والأرض مجاز وكونهم فيهن حقيقة وإرادة المتكلم بعبارة واحدة ومجازًا غير جائزة، لأنا نقول كونهم في السموات والأرض، كما أنه حاصل حقيقة وهو حصول ذواتهم في الأحياز فكذلك حاصل مجازًا، وهو كونهم عالمين بتلك الأمكنة فإذا حملنا هذه الغيبة على المعنى المجازي وهو الكون فيها بمعنى العلم دخل الرب سبحانه وتعالى والعبيد فيه فصح الاستثناء.
أما قوله: {وَمَا يَشْعُرُونَ} فهو صفة لأهل السموات والأرض نفى أن يكون لهم علم الغيب وذكر في جملة الغيب متى البعث بقوله: {أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} فأيان بمعنى متى وهي كلمة مركبة من أي والآن وهو الوقت وقرىء {إِيَّانَ} بكسر الهمزة.
أما قوله: {بَلِ ادرك عِلْمُهُمْ في الأخرة} فاعلم أن كلام صاحب الكشاف فيه مرتب على ثلاثة أبحاث:
البحث الأول: فيه اثنتا عشرة قراءة بل أدرك بل أدرك بل ادارك بل تدارك بل أأدرك بهمزتين بل آأدرك بألف بينهما بل آدرك بالتخفيف والنقل بل ادرك بفتح اللام وتشديد الدال وأصله بل أدرك على الاستفهام بلى أدرك بلى أأدرك أم تدارك أو أدرك.
البحث الثانث: ادارك أصله تدارك فأدغمت التاء في الدال وادَّرك افتعل.
البحث الثالث: معنى ادَّرك علمهم انتهى وتكامل وأدرك تتابع واستحكم ثم فيه وجوه: أحدها: أن أسباب استحكام العلم وتكامله بأن القيامة كائنة لا ريب فيها قد حصلت لهم ومكنوا من معرفتها وهم شاكون جاهلون، وذلك قوله: {بَلْ هُمْ في شَكّ مّنْهَا بَلْ هُم مّنْهَا عَمُونَ} يريد المشركين ممن في السماوات والأرض لأنهم لما كانوا من جملتهم نسب فعلهم إلى الجميع كما يقال بنو فلان فعلوا كذا وإنما فعله ناس منهم.
فإن قيل الآية سيقت لاختصاص الله تعالى بعلم الغيب وإن العباد لا علم لهم بشيء منه وإن وقت بعثهم ونشورهم من جملة الغيب وهم لا يشعرون به، فكيف ناسب هذا المعنى وصف المشركين بإنكارهم البعث مع استحكام أسباب العلم والتمكن من المعرفة؟ والجواب: كأنه سبحانه قال كيف يعلمون الغيب مع أنهم شكوا في ثبوت الآخرة التي دلت الدلائل الظاهرة القاهرة عليها فمن غفل عن هذا الشيء الظاهر كيف يعلم الغيب الذي هو أخفى الأشياء الوجه الثاني: أن وصفهم باستحكام العلم تهكم بهم كما تقول لأجهل الناس ما أعلمك على سبيل الهزء وذلك حيث شكوا في إثبات ما الطريق إليه واضح ظاهر الوجه الثالث: أن يكون أدرك بمعنى انتهى وفنى من قولك أدركت الثمرة لأن تلك غايتها التي عندها تعدم وقد فسره الحسن باضمحل علمهم وتدارك من تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك، أما وجه قراءة من قرأ بل أأدرك على الاستفهام فهو أنه استفهام على وجه الإنكار لإدراك علمهم وكذا من قرأ أم أدرك وأم تدارك لأنها أم هي التي بمعنى بل والهمزة وأما من قرأ بلى أدرك فإنه لما جاء ببلى بعد قوله: {وَمَا يَشْعُرُونَ} كان معناه بلى يشعرون ثم فسر الشعور بقوله أدرك علمهم في الآخرة على سبيل التهكم الذي معناه المبالغة في نفي العلم، فكأنه قال شعورهم بوقت الآخرة أنهم لا يعلمون كونها فيرجع إلى نفي الشعور على أبلغ ما يكون، وأما من قرأ بلى أأدرك على الاستفهام فمعناه بلى يشعرون متى يبعثون، ثم أنكر علمهم بكونها وإذ أنكر علمهم بكونها وإذا أنكر علمهم بكونها لم يتحصل لهم شعور بوقت كونها.
فإن قلت هذه الإضرابات الثلاث ما معناها؟ قلت ماهي إلا بيان درجاتهم وصفهم أولًا بأنهم لا يشعرون وقت البعث، ثم بأنهم لا يعلون أن القيامة كائنة، ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية، ثم بما هو أسوأ حالًا وهو العمى وفيه نكتة وهي أنه تعالى جعل الآخرة مبدأ عماهم فلذلك عداه بمن دون عن لأن الفكر بالعاقبة والجزاء هو الذي جعلهم كالبهائم. اهـ.