فصل: تفسير الآيات (67- 72):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (67- 72):

قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان التقدير لحكاية كلامهم الذي يشعر ببلوغ العلم، فقالوا مقسمين جهد أيمانهم: لا تأتينا الساعة، عطف عليه ما يدل على الشك والعمى، وكان الأصل: وقالوا، ولكنه قال: {وقال الذين كفروا} أي ستروا دلائل التوحيد والآخرة التي هي أكثر من أن تحصى وأوضح من الضياء، تعليقًا للحكم بالوصف، مستفهمين استفهام المستبعد المنكر: {أإذا كنا ترابًا وآباؤنا} وكرروا الاستفهام إشارة إلى تناهي الاستبعاد والجحود، وعد ما استبعدوه محالًا، فقالوا: {أئنا} أي نحن وآباؤنا الذين طال العهد بهم، وتمكن البلى فيهم {لمخرجون} أي من الحالة التي صرنا إليها من الموت والبلى إلى ما كنا عليه قبل ذلك من الحياة والقوة، ثم أقاموا الدليل في زعمهم على ذلك فقالوا تعليلًا لاستبعادهم: {لقد وعدنا}.
ولما كانت العناية في هذه السورة بالإيقان بالآخرة، قدم قوله: {هذا} أي الإخراج من القبور كما كنا أول مرة- على قوله: {نحن وآباؤنا} بخلاف ما سبق في سورة المؤمنون، وقالوا: {من قبل} زيادة في الاستبعاد، أي أنه قد مرت الدهور على هذا الوعد، ولم يقع منه شيء، فلذلك دليل على أنه لا حقيقة له فكأنه قيل: فما المراد به؟ فقالوا: {إن} أي ما {هذا إلا أساطير الأولين} أي ما سطروه كذبًا لأمر لا نعرف مرادهم منه.
ولا حقيقة لمعناه، فقد حط كلامهم هذا كما ترى على أنهم تارة في غاية الإنكار دأب المحيط العلم، وتارة يستبعدون دأب الشاك، المركب الجهل، الجدير بالتهكم كما مضى أنه معنى الإضرابات- والله الموفق.
ولما لم يبق هذا الذي أقامه من دلائل القدرة على كل شيء عمومًا، وعلى البعث خصوصًا، مقال، يرد عن الغي إلا التهديد بالنكال، وكان كلامهم هذه موجبًا للنبي صلى الله عليه وسلم من الغم والكرب ما لا يعلمه إلا الله تعالى، قال سبحانه ملقنًا له ومرشدًا لهم في صورة التهديد: {قل سيروا في الأرض} أي أيها المعاندون أو العمي الجاهلون.
ولما كان المراد الاسترشاد للاعتقاد، والرجوع عن الغي والعناد، لكون السياق له، لا مجرد التهديد، قال: {فانظروا} بالفاء المقتضية للإسراع، وعظم المأمور بنظره بجعله أهلًا للعناية به، والسؤال عنه، فقال: {كيف كان} أي كونًا هو في غاية المكنة {عاقبة المجرمين} أي القاطعين لما أمر الله به أن يوصل من الصلاة التي هي الوصلة بين الله وبين عباده، والزكاة التي هي وصلة بين بعض العباد وبعض، لتكذيبهم الرسل الذين هم الهداة إلى ما لا تستقل به العقول، فكذبوا بالآخرة التي ينتج التصديق بها كل هدى، ويورث التكذيب بها كل عمى- كما تقدمت الإشارة إليه في افتتاح السورة، فإنكم إن نظرتم ديارهم، وتأملتم أخبارهم، حق التأمل، أسرع بكم ذلك إلى التصديق فنجوتم وإلا هلكتم، فلم تضروا إلا أنفسكم، وقد تقدم لهذا مزيد بيان في النحل.
ولما دهم النبي صلى الله عليه وسلم من الأسف على جلافتهم في عماهم عن السبيل، الذي هدى إليه الدليل، ما لا يعلمه إلا الله قال: {ولا تحزن عليهم} أي في عدم إيمانهم.
ولما كانوا لا يقتصرون على التكذيب، بل يبغون للمؤمنين الغوائل، وينصبون الحبائل، قال: {ولا تكن} مثبتًا للنون لأنه في سياق الإخبار عن عنادهم واستهزائهم مع كفايته سبحانه وتعالى لمكرهم بما أعد لهم من سوء العذاب في الدارين، فلا مقتضى للتناهي في الإيجاز والإبلاغ في نفي الضيق، فيفهم إثبات النون الرسوخ، فلا يكون منهيًا عما لا ينفك عنه العسر مما أشار إليه قوله تعالى: {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون} وإنما ينهى عن التمادي معه في الذكر بخلاف ما مضى في النحل، فإن السياق هناك للعدل في العقوبة لما وقع من المصيبة في غزوة أحد المقتضى لتعظيم التسلية بالحمل على الصبر، ونفي جميع الضيق ليكون ذلك وازعًا عن مجاوزة الحد، بل حاملًا على العفو {في ضيق} أي في الصدر {مما يمكرون} فإن الله جاعل تدميرهم في تدبيرهم كطغاة قوم صالح.
ولما أشار إلى أنهم لم يبقوا في المبالغة في التكذيب بالساعة وجهًا، أشار إلى أنهم بالوعيد بالساعة وغيرها من عذاب الله أشد مبالغة، فقال: {ويقولون} بالمضارع المؤذن بالتجدد كل حين للاستمرار: {متى هذا الوعد} وسموه وعدًا إظهارًا للمحبة تهكمًا به، وهو العذاب والبعث والمجازاة {إن كنتم} أي أنت ومن تابعك، كونًا هو في غاية الرسوخ، كما تزعمون {صادقين} فأجابهم على هذا الجواب الغص بجواب الواسع القادر الذي لا يعتريه ضيق، ولا تنويه عجلة، مشيرًا إلى الاستعداد للدفاع أو الاستسلام لذي الجلال والإكرام، كما فعلت بلقيس- رضى الله عنه- ا، فقال مخاطبًا الرأس الذي لا يقدر على هذه التؤده حق القدرة غيره: {قل} يا محمد {عسى} أي يمكن {أن يكون} وجدير وخليق بأن يكون {ردف} أي تبع ردفًا حتى صار كالرديف ولحق.
ولما قصر الفعل وضمنه معنى ما يتعدى باللام لأجل الاختصاص قال: {لكم} أي لأجلكم خاصة {بعض الذي تستعجلون} إتيانه من الوعيد، فتطلبون تعجيله قبل الوقت الذي ضربه الله له، فعلى تقدير وقوعه ماذا أعددتم لدفاعه؟ فإن العاقل من ينظر في عواقب أموره، ويبنيها على أسوأ التقادير، فيعد لما يتوهمه من البلاء ما يكون فيه الخلاص كما فعلت بلقيس- رضى الله عنه- امن الانقياد الموجب للأمان لما غلب على ظنها أن الإباء يوجب الهوان، لا كما فعل قوم صالح من الآبار، التي أعانت على الدمار، وغيرهم من الفراعنة. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{أيذا} {أينا} بياء مكسورة بعد همزة مفتوحة: ابن كثير ويعقوب غير زيد. مثله ولكن بالمد: ابو عمرو وزيد {أيذا} بهمزة مفتوحة ثم ياء مكسورة {إنا} بكسر الهمزة وبعدها نون مشددة: سهل {إذا} من غير همزة الاستفهام {آينا} بهمزة ممدودة بعدها ياء مكسورة: يزيد وقالون، مثله ولكن من غير مد: نافع غير قالون {أئذا} بهمزتين مفتوحة ثم مكسورة {إنا} بهمزة مكسورة بعدها نون مشددة: علي وابن عامر هشام يدخل بينهما مدة {أئذا} {أئنا} بهمزتين مفتوحة ثم مكسورة فيهما: حمزة وخلف وعاصم. {ولا يسمع} بفتح الياء التحتانية {الصم} بالرفع: ابن كثير وعباس وكذلك في الروم. الآخرون بضم التاء الفوقانية وكسر الميم ونصب الصمّ {وما أنت تهدي} على أنه فعل العمى بالنصب وكذلك في الروم حمزة. الباقون {بهادي} على أنه اسم فاعل العمى بالجر أتوه مقصورًا على أنه فعل ماض: حمزة وخلف وحفص والمفضل. الآخرون بالمد على أنه اسم فاعل بما يفعلون على الغيبة: ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وحماد والأعشى والبرجمي والحلواني عن هشام. {فزع} بالتنوين: عاصم وحمزة وعلي وخلف {يومئذ} بفتح الميم: حمزة وأبو جعفر ونافع، الباقون بكسرها {تعملون} بتاء الخطاب: أبو جعفر ونافع وابن عامر ويعقوب وحفص.

.الوقوف:

{لمخرجون} o {من قبل} لا تحرزًا عن الابتداء بمقول الكفار {الأولين} o {المجرمين} o {يمكرون} o {صادقين} o {تستعجلون} o {لا يشكرون} o {وما يعلنون} o {مبين} o {يختلفون} o {للمؤمنين} o {بحكمه} ج تعظيمًا للابتداء بالصفتين مع اتفاق الجملتين {العليم} o ج للآية واختلاف الجملتين وللفاء واتصال المعنى اي إذا كان الحكم لله فأسرع اتوكل {على الله} ط {المبين} o {مدبرين} o {ضلالتهم} ط {مسلمون} o {تكلمهم} ج لمن قرأ بكسر الألف فإنه يحتمل أن يكون الكسر للابتداء ولكونها بعد التكليم لأنه في معنى القول، ومن فتح فلا وقف إذ التقدير تكلمهم بأن {لا يوقنون} o {يوزعون} o {تعملون} o {لا ينطقون} o {مبصرًا} ط {يؤمنون} o {من شاء الله} ط {داخرين} o {السحاب} ط {كل شيء} ط {تفعلون} o {خير منها} لا لأن ما بعده من تتمة الجزاء {آمنون} o لا لعطف جملتي الشرط {في النار} o {تعملون} o {شيء} ز للعارض وطول الكلام مع العطف {المسلمين} o لا للعطف {القرآن} ج {لنفسه} ج {المنذرين} o {فتعرفونها} ط {تعملون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67)}.
اعلم أنه سبحانه لما تكلم في حال المبدأ تكلم بعده في حال المعاد، وذلك لأن الشك في المعاد لا ينشأ إلا من الشك في كمال القدرة، أو في كمال العلم فإذا ثبت كونه تعالى قادرًا على كل الممكنات، وعالمًا بكل المعلومات، ثبت أنه تعالى يمكنه تمييز أجزاء بدن كل واحد من المكلفين عن أجزاء بدن غيره، وثبت أنه قادر على أن يعيد التركيب والحياة إليها وإذا ثبت إمكان ذلك ثبت صحة القول بالحشر فلما بين الله تعالى هذين الأصلين فيما قبل هذه الآية، لا جرم لم يحكه في هذه الآية، فحكى عنهم أنهم تعجبوا من إخراجهم أحياء وقد صاروا ترابًا وطعنوا فيه من وجهين: الأول: قولهم: {لَقَدْ وُعِدْنَا هذا نَحْنُ وَءابَاؤُنَا} أي هذا كلام كما قيل لنا فقد قيل لمن قبلنا، ولم يظهر له أثر فهو إذن من أساطير الأولين يريدون ما لا يصح من الأخبار، فإن قيل ذكر ههنا {لَقَدْ وُعِدْنَا هذا نَحْنُ وَءابَاؤُنَا} وفي آية أخرى: {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءابَاؤُنَا هذا} [المؤمنون: 83] فما الفرق؟ قلنا التقديم دليل على أن المقدم هو المقصود الأصلي وأن الكلام سيق لأجله، ثم إنه سبحانه لما كان قد بين الدلالة على هذين الأصلين، ومن الظاهر أن كل من أحاط بهما فقد عرف صحة الحشر والنشر ثبت أنهم أعرضوا عنها ولم يتأملوها، وكان سبب ذلك الإعراض حب الدنيا وحب الرياسة والجاه وعدم الانقياد للغير، لا جرم اقتصر على بيان أن الدنيا فانية زائلة فقال: {قُلْ سِيرُواْ في الأرض فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة المجرمين} وفيه سؤالان:
السؤال الأول: لم لم يقل: كيف كانت عاقبة المجرمين؟ جوابه: لأن تأنيثها غير حقيقي ولأن المعنى كيف كان آخر أمرهم.
السؤال الثاني: لم لم يقل عاقبة الكافرين؟ جوابه: الغرض أن يحصل التخويف لكل العصاة ثم إنه تعالى صبر رسوله على ما يناله من هؤلاء الكفار فقال: {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُن في ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} فجمع بين إزالة الغم عنه بكفرهم وبين إزالة الخوف من جانبهم، وصار ذلك كالتكفل بنصرته عليهم وقوله: {وَلاَ تَكُن في ضَيْقٍ} أي في حرج قلب يقال ضاق الشيء ضيقًا وضيقًا بالفتح والكسر والضيق تخفيف الضيق، ويجوز أن يراد في أمر ضيق من مكرهم الوجه الثاني: للكفار قولهم: {متى هذا الوعد} وقوله: {إِن كُنتُمْ صادقين} دل على أنهم ذكروا ذلك على سبيل السخرية فأجاب الله تعالى بقوله: {عسى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الذي تَسْتَعْجِلُونَ} وهو عذاب يوم بدر، فزيدت اللام للتأكيد كالباء في {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ} [البقرة: 195] أو ضمن معنى فعل يتعدى باللام نحو دنا لكم وأزف لكم، ومعناه تبعكم ولحقكم، وقرأ الأعرج {رَدِفَ لَكُم} بوزن ذهب وهما لغتان، والكسر أفصح، وهاهنا بحثان:
البحث الأول: أن عسى ولعل في وعد الملوك ووعيدهم يدلان على صدق الأمر، وإنما يعنون بذلك إظهار وقارهم، وأنهم لا يعجلون بالانتقام لوثوقهم بأن عدوهم لا يفوتهم، فعلى ذلك جرى وعد الله ووعيده.
الثاني: أنه قد ثبت بالدلائل العقلية أن عذاب الحجاب أشد من عذاب النار، ولذلك قال: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ الجحيم} [المطففين: 15، 16] فقدم الحجاب على الجحيم، ثم إنهم كانوا محجوبين في الحال، فكان سبب العذاب بكماله حاصلًا، إلا أن الاشتغال بالدنيا ولذاتها كالعائق عن إدراك ذلك الألم، كما أن العضو الخدر إذا مسته النار، فإن سبب الألم حاصل في الحال، لكنه لا يحصل الشعور بذلك الألم لقيام العائق، فإذا زال العائق عظم البلاء، فكذا ههنا إذا زال البدن عظم عذاب الحجاب، فقوله سبحانه: {عسى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الذي تَسْتَعْجِلُونَ} يعني المقتضي له والمؤثر فيه حاصل، وتمامه إنما يحصل بعد الموت. اهـ.