فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم علل سبحانه إخراجه لها بقوله: {أن الناس} أي بما هم ناس لم يصلوا إلى أول أسنان الإيمان، وهو سن {الذين آمنوا} بل هم نائسون مترددون مذبذبون تارة، وتارة {كانوا} أي كونًا هو لهم كالجبلة {بآياتنا} أي المرئيات التي كتبناها بعظمتنا في ذوات العالم، والمسموعات المتلوات، التي أتيناهم بها على ألسنة أكمل الخلق: الأنبياء والرسل، حتى ختمناهم بإمامهم الذي هو أكمل العالمين، قطعًا لحجاجهم، وردًا عن لجاجهم، ولذا عممنا برسالته وأوجبنا على جميع العقل أتباعه {لا يوقنون} من اليقين، وهو إتقان العلم بنفي الشبه، بل هم فيها مزلزلون، فلم يبق بعده صلى الله عليه وسلم إلا كشف الغطاء عما ليس من جنس البشر بما لا تثبت له عقولهم.
ولما كان من فعل الدابة التمييز بين المؤمن والكافر بما لا يستطيعون دفعه، تلاه بتمييز كل فريق منهما عن صاحبه يجمعهم يوم القيامة في ناحية، وسوقهم من غير اختلاط بالفريق الآخر، فقال عاطفًا على العامل في {وإذا وقع القول} {ويوم نحشر} أي نجمع- بما لنا من العظمة- على وجه الإكراه؛ قال أبو حيان: الحشر: الجمع على عنف {من كل أمة فوجًا} أي جماعة كثيرة {ممن يكذب} أي يوقع التكذيب للهداة على الاستمرار، مستهينًا {بآياتنا} أي المرئية بعدم الاعتبار بها، والمسموعة بردها والطعن فيه على ما لها من العظمة بإضافتها إلينا؛ وأشار إلى كثرتهم بقوله متسببًا عن العامل في الظرف من نحو: يكونون في ذل عظيم: {فهم يوزعون} أي يكف بأدنى إشارة منه أولهم على- آخرهم، وأطرافهم على أوساطهم، ليتلاحقوا، ولا يشذ منهم أحد، ولا يزالون كذلك {حتى إذا جاءوا} أي المكان الذي أراده الله لتبكيتهم {قال} لهم ملك الملوك غير مظهر لهم الجزم بما يعلمه من أحوالهم، في عنادهم وضلالهم، بل سائلًا لهم إظهارًا للعدل بإلزامهم بما يقرون به من أنفسهم، وفيه إنكار وتوبيخ وتبكيت وتقريع: {أكذبتم} أي أيها الجاهلون {بآياتي} على ما لها من العظم في أنفسها، وبإتيانها إليكم على أيدي أشرف عبادي {و} الحال أنكم {لم تحيطوا بها علمًا} أي من غير فكر ولا نظر يؤدي إلى الإحاطة بها في معانيها وما أظهرت لأجله حتى تعلموا ما تستحقه ويليق بها بدليل لا مرية فيه {أمّاذا كنتم} أي في تلك الأزمان بما هو لكم كالجبلات {تعملون} فيها هل صدقتم بها أو كذبتم بعد الإحاطة بعلمها؟ أخبروني عن ذلك كله! ما دهاكم حيث لم تشتغلوا بهذا العمل المهم؟ فإن هذا- وعزتي- مقام العدل والتحرير، ولا يترك فيه قطمير ولا نقير، ولا ظلم فيه على أحد في جليل ولا حقير، ولا قليل ولا كثير، والسؤال على هذا الوجه منبه على الاضطرار إلى التصديق أو الاعتراف بالإبطال، لأنهم إن قالوا:
كذبنا، فإن قالوا مع عدم الإحاطة كان في غاية الوضوح في الإبطال، وإن قالوا مع الإحاطة كان أكذب الكذب.
ولما كان التقدير بما أرشد إليه السياق: فأجابوا بما تبين به أنهم ظالمون، عطف عليه قوله: {ووقع القول} أي مضمون الوعيد الذي هو القول حقًا، مستعليًا {عليهم بما ظلموا} أي بسبب ما وقع منهم من الظلم من صريح التكذيب وما نشأ عنه من الضلال، في الأقوال والأفعال {فهم لا ينطقون} أي بسبب ما شغلهم من وقوع العذاب المتوعد به مما أحاط بقواهم، فهد أركانهم، وما انكشف لهم من أنه لا ينجيهم شيء.
ولما ذكر الحشر، استدل عليه بحشرهم كل ليلة إلى المبيت، والختم على مشاعرهم، وبعثهم من المنام، وإظهار الظلام الذي هو كالموت بعد النور، وبعث النور بعد إفنائه بالظلام، فقال: {ألم يروا} مما يدلهم على قدرتنا على بعثهم بعد الموت وعلى كل ما أخبرناهم به {أنا جعلنا} أي بعظمتنا التي لا يصل أحد إلى مماثلة شيء منها الدالة على تفردنا وفعلنا بالاختيار {الليل} أي مظلمًا {ليسكنوا فيه} عن الانتشار {والنهار مبصرًا} أي بإبصار من يلابسه، لينتشروا فيه في معايشهم بعد أن كانوا ماتوا الموتة الصغرى، وكم من شخص منهم بات سويًا لا قلبة به فمات، ولو شئنا لجعلنا الكل كذلك لم يقم منهم أحد، وعدل عن {ليبصروا فيه} تنبيهًا على كمال كونه سببًا للإبصار، وعلى أنه ليس المقصود كالسكون، بل وسيلة المقصود الذي هو جلب المنافع، فالآية من الاحتباك: ذكر السكون أولًا دليل على الانتشار ثانيًا، وذكر الإبصار ثانيًا دليل على الإظلام أولًا، ثم عظم هذه الآية حثًا على تأمل ما فيها من القدرة الهادية إلى سواء السبيل فقال: {إن في ذلك} أي الحشر والنشر الأصغرين مع آيتي الليل والنهار {لآيات} أي متعددة، بينة على التوحيد والبعث الآخر والنبوة، لأن من قلب الملوين لمنافع الناس الدنيوية، أرسل الرسل لمنافعهم في الدراين.
ولما كان من مباني السورة تخصيص الهداية بالمؤمنين، خصهم بالآيات لاختصاصهم بالانتفاع بها وأن كان الكل مشتركين في كونها دلالة لهم، فقال: {لقوم يؤمنون} أي قضيت بأن إيمانهم لا يزال يتجدد، فهم كل يوم في علو وارتفاع. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)}.
اعلم أن الله تعالى بين بالدلائل القاهرة كمال القدرة وكمال العلم، ثم فرع عليهما القول بإمكان الحشر، ثم بين الوجه في كون القرآن معجزًا، ثم فرع عليه نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم تكلم الآن في مقدمات قيام القيامة، وإنما أخر تعالى الكلام في هذا الباب عن إثبات النبوة، لما أن هذه الأشياء لا يمكن معرفتها إلا بقول النبي الصادق وهذا هو النهاية في جودة الترتيب.
واعلم أنه تعالى ذكر تارة ما يكون كالعلامة لقيام القيامة، وتارة الأمور التي تقع عند قيام القيامة، فذكر أولًا من علامات القيامة دابة الأرض، والناس تكلموا فيها من وجوه: أحدها: في مقدار جسمها، وفي الحديث أن طولها ستون ذراعًا، وروي أيضًا أن رأسها تبلغ السحاب.
وعن أبي هريرة ما بين قرنيها فرسخ للراكب وثانيها: في كيفية خلقتها، فروي أن لها أربع قوائم وزغب وريش وجناحان.
وعن ابن جريج في وصفها: رأس ثور وعين خنزير وأذن فيل وقرن إيَّل وصدر أسد ولون نمر وخاصرة بقرة وذنب كبش وخف بعير وثالثها: في كيفية خروجها عن علي عليه السلام أنه تخرج ثلاثة أيام والناس ينظرون فلا يخرج إلا ثلثها.
وعن الحسن: لا يتم خروجها إلا بعد ثلاثة أيام ورابعها: في موضع خروجها سئل النبي صلى الله عليه وسلم من أين تخرج الدابة؟ فقال «من أعظم المساجد حرمة على الله تعالى المسجد الحرام» وقيل تخرج من الصفا فتكلمهم بالعربية وخامسها: في عدد خروجها فروي أنها تخرج ثلاث مرات، تخرج بأقصى اليمن، ثم تكمن، ثم تخرج بالبادية، ثم تكمن دهرًا طويلًا، فبينا الناس في أعظم المساجد حرمة وأكرمها على الله فما يهولهم إلا خروجها من بين الركن حذاء دار بني مخزوم عن يمين الخارج من المسجد، فقوم يهربون وقوم يقفون نظارة.
واعلم أنه لا دلالة في الكتاب على شيء من هذه الأمور، فإن صح الخبر فيه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وإلا لم يلتفت إليه.
أما قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ القول عَلَيْهِم} فالمراد من القول متعلقه وهو ما وعدوا به من قيام الساعة ووقوعه حصوله، والمراد مشارفة الساعة وظهور أشراطها، أما دابة الأرض فقد عرفتها.
وأما قوله: {تُكَلّمُهُمْ} فقرىء {تكْلِمهم} من الكلم وهو الجرح، روي أن الدابة تخرج من الصفا ومعها عصا موسى عليه السلام وخاتم سليمان، فتضرب المؤمن بين عينيه بعصا موسى عليه السلام فتنكت نكتة بيضاء فتفشو تلك النكتة في وجهه حتى يضيء لها وجهه، وتنكت الكافر في أنفه فتفشو النكتة حتى يسود لها وجهه.
واعلم أنه يجوز أن يكون تكلمهم من الكلم أيضًا على معنى التكثير يقال فلان مكلم، أي مجرح.
وقرأ أبي {تنبئهم}، وقرأ ابن مسعود تكلمهم بأن الناس، والقراءة بإن مكسورة حكاية لقول الدابة ذلك، أو هي حكاية لقول الله تعالى بين به أنه أخرج الدابة لهذه العلة.
فإن قيل إذا كانت حكاية لقول الدابة فكيف يقول بآياتنا؟ جوابه: أن قولها حكاية لقول الله تعالى، أو على معنى بآيات ربنا، أو لاختصاصها بالله تعالى أضافت آيات الله إلى نفسها، كما يقال بعض خاصة الملك خيلنا وبلادنا، وإنما هي خيل مولاه وبلاده، ومن قرأ بالفتح فعلى حذف الجار، أي تكلمهم بأن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون.
وأما قوله: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمَّةٍ فَوْجًا مّمَّن يُكَذّبُ بئاياتنا} فاعلم أن هذا من الأمور الواقعة بعد قيام القيامة، فالفرق بين من الأولى والثانية، أن الأولى للتبعيض، والثانية للتبيين كقوله: {مِنَ الأوثان} [الحج: 30].
أما قوله: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} معناه يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا فيكبكبوا في النار، وهذه عبارة عن كثرة العدد وتباعد أطرافه، كما وصفت جنود سليمان بذلك وقوله: {حتى إِذَا جَاءوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بئاياتى} فهذا وإن احتمل معجزات الرسل كما قاله بعضهم، فالمراد كل الآيات فيدخل فيه سائر الكفار الذين كذبوا بآيات الله أجمع أو بشيء منها.
أما قوله: {وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْمًا} فالواو للحال كأنه قال أكذبتم بها، بادي الرأي من غير فكر ولا نظر يؤدي إلى إحاطة العلم بكنهها.
أما قوله: {أمَّاذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فالمراد لما لم تشتغلوا بذلك العمل المهم، فأي شيء كنتم تعملونه بعد ذلك؟ كأنه قال كل عمل سواه فكأنه ليس بعمل، ثم قال: {وَوَقَعَ القول عَلَيْهِم} يريد أن العذاب الموعود يغشاهم بسبب تكذيبهم بآيات الله فيشغلهم عن النطق والاعتذار كقوله: {هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} [المرسلات: 35] ثم إنه سبحانه بعد أن خوفهم بأحوال القيامة ذكر كلامًا يصلح أن يكون دليلًا على التوحيد وعلى الحشر وعلى النبوة مبالغة في الإرشاد إلى الإيمان والمنع من الكفر فقال: {أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا الليل لِيَسْكُنُواْ فِيهِ والنهار مُبْصِرًا} أما وجه دلالته على التوحيد فلما ظهر في العقول أن التقليب من النور إلى الظلمة، ومن الظلمة إلى النور، لا يحصل إلا بقدرة قاهرة عالية.
وأما وجه دلالته على الحشر فلأنه لما ثبتت قدرته تعالى في هذه الصورة على القلب من النور إلى الظلمة وبالعكس، فأي امتناع في ثبوت قدرته على القلب من الحياة إلى الموت مرة، ومن الموت إلى الحياة أخرى.
وأما وجه دلالته على النبوة فلأنه تعالى يقلب الليل والنهار لمنافع المكلفين، وفي بعثة الأنبياء والرسل إلى الخلق منافع عظيمة، فما المانع من بعثتهم إلى الخلق لأجل تحصيل تلك المنافع؟ فقد ثبت أن هذه الكلمة الواحدة كافية في إقامة الدلالة على تصحيح الأصول الثلاثة التي منها منشؤ كفرهم واستحقاقهم العذاب، ثم في الآية سؤالان:
السؤال الأول: ما السبب في أن جعل الإبصار للنهار وهو لأهله؟ جوابه: تنبيهًا على كمال هذه الصفة فيه.
السؤال الثاني: لما قال: {جَعَلَ لَكُمُ الليل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ} فلم لم يقل والنهار لتبصروا فيه؟ جوابه: لأن السكون في الليل هو المقصود من الليل، وأما الإبصار في النهار فليس هو المقصود بل هو وسيلة إلى جلب المنافع الدينية والدنيوية.
وأما قوله: {إِنَّ في ذلك لآيات لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} خص المؤمنين بالذكر، وإن كانت أدلة للكل من حيث اختصوا بالقبول والانتفاع على ما تقدم في نظائره. اهـ.