فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{وإذا وقع القول عليهم}.
أي إذا انتجز وعد عذابهم الذي تضمنه القول الأزلي من الله، كقوله: {حقت كلمة العذاب} فالمعنى: إذا أراد الله أن ينفذ في الكافرين سابق علمه فيهم من العذاب، أخرج لهم دابة تنفذ من الأرض.
ووقع: عبارة عن الثبوت واللزوم والقول، إما على حذف مضاف، أي مضمون القول، وإما أنه أطلق القول على المقول، لما كان المقول مؤدى بالقول، وهو ما وعدوا به من قيام الساعة والعذاب.
قال ابن مسعود: {وقع القول عليهم} يكون بموت العلماء، وذهاب العلم، ورفع القرآن. انتهى.
وروي أن خروجها حين ينقطع الخبر، ولا يؤمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر، ولا يبقى منيب ولا نائب.
وفي الحديث: «أن الدابة وطلوع الشمس من المغرب من أول الأشراط»، ولم يعين الأول، وكذلك الدجال؛ وظاهر الأحاديث أن طلوع الشمس آخرها، والظاهر أن الدابة التي تخرج هي واحدة.
وروي أنه يخرج في كل بلد دابة مما هو مثبوت نوعها في الأرض، وليست واحدة، فيكون قوله: {دابة} اسم جنس.
واختلفوا في ماهيتها، وشكلها، ومحل خروجها، وعدد خروجها، ومقدار ما تخرج منها، وما تفعل بالناس، وما الذي تخرج به، اختلافًا مضطربًا معارضًا بعضه بعضًا، ويكذب بعضه بعضًا؛ فاطرحنا ذكره، لأن نقله تسويد للورق بما لا يصح، وتضييع لزمان نقله.
والظاهر أن قوله: {تكلمهم}، بالتشديد، وهي قراءة الجمهور، من الكلام؛ ويؤيده قراءة أبيّ: تنبئهم، وفي بعض القراءات: تحدثهم، وهي قراءة يحيى بن سلام؛ وقراءة عبد الله: بأن الناس.
قال السدي: تكلمهم ببطلان سائر الأديان سوى الإسلام.
وقيل: نخاطبهم، فتقول للمؤمن: هذا مؤمن، وللكافر: هذا كافر.
وقيل معنى تكلمهم: تجرحهم من الكلم، والتشديد للتكثير؛ ويؤيده قراءة ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، وأبي زرعة، والجحدري، وأبي حيوة، وابن أبي عبلة: تكلمهم، بفتح التاء وسكون الكاف مخفف اللام، وقراءة من قرأ: تجرحهم مكان تكلمهم.
وسأل أبو الحوراء ابن عباس: تكلم أو تكلم؟ فقال: كل ذلك تفعل، تكلم المؤمن وتكلم الكافر. انتهى.
وروي: أنها تسم الكافر في جبهته وتربده، وتمسح على وجه المؤمن فتبيضه.
وقرأ الكوفيون، وزيد بن علي: {أن الناس}، بفتح الهمزة، وابن مسعود: بأن وتقدم؛ وباقي السبعة: إن، بكسر الهمزة، فاحتمل الكسر أن يكون من كلام الله، وهو الظاهر لقوله: {بآياتنا}، واحتمل أن يكون من كلام الدابة.
وروي هذا عن ابن عباس، وكسرت إن هذا على القول، إما على إضمار القول، أو على إجراء تكلمهم إجراء تقول لهم.
ويكون قوله: {بآياتنا} على حذف مضاف، أو لاختصاصها بالله؛ كما تقول بعض خواص الملك: خيلنا وبلادنا، وعلى قراءة الفتح، فالتقدير بأن كقراءة عبد الله، والظاهر أنه متعلق بتكلمهم، أي تخاطبهم بهذا الكلام.
ويجوز أن تكون الباء المنطوق بها أو المقدرة سببية، أي تخاطبهم أو تجرحهم بسبب انتفاء إيقانهم بآياتنا.
{وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83)} أي اذكر يوم نحشر، والحشر: الجمع على عنف.
{من كل أمة} أي من الأمم، ومن هي للتبعيض.
{فوجًا} أي جماعة كثيرة.
{ممن يكذب بآياتنا} من للبيان، أي الذين يكذبون.
والآيات: الأنبياء، أو القرآن، أو الدلائل، أقوال.
{فهم يوزعون} تقدم تفسيره في أول قصة سليمان من هذه السورة.
وعن ابن مسعود، أبو جهل، والوليد بن المغيرة، وشيبة بن ربيعة: بين يدي أهل مكة، ولذلك يحشر قادة سائر الأمم بين أيديهم إلى النار.
{حتى إذا جاءوا} أي إلى الموقف؛ {قال أكذبتم بآياتي} استفهام توبيخ وتقريع وإهانة؛ {ولم تحيطوا بها علمًا} الظاهر أن الواو للحال، أي أوقع تكذيبكم بها غير متدبرين لها ولا محيطين علمًا بكنهها؟ ويجوز أن تكون الواو للعطف، أي أجحدتموها: ومع جحودها لم تلقوا أذهانكم لتحققها وتبصرها، فإن المكتوب إليه قد يجحد أن يكون الكتاب من عند من كتبه إليه، ولا يدع مع ذلك أن يقرأه ويحيط بمعانيه علمًا.
وقيل: {ولم تحيطوا بها علمًا}، أي ببطلانها حتى تعرضوا عنها، بل كذبتم جاهلين غير مستدلين.
وأم هنا منقطعة، وينبغي أن تقدر ببل وحدها.
انتقل من الاستفهام الذي يقتضي التوبيخ إلى الاستفهام عن عملهم أيضًا على جهة التوبيخ، أي: أي شيء كنتم تعملون؟ والمعنى: إن كان لكم عمل أو حجة فهاتوا، وليس لهم عمل ولا حجة فيما عملوه إلا الكفر والتكذيب.
وماذا بجملته يحتمل أن يكون استفهامًا منصوبًا بخبر كان، وهو تعملون، وأن يكون ما هو الاستفهام، وذا موصول بمعنى الذي، فيكونان مبتدأ وخبرًا، وكان صلة لذا والعائد محذوف، أي تعملونه.
وقرأ أبو حيوة: أما ذا، بتخفيف الميم، أدخل أداة الاستفهام على اسم الاستفهام على سبيل التوكيد.
{ووقع القول} أي العذاب الموعود به بسبب ظلمهم، وهو التكذيب بآيات الله.
{فهم لا ينطقون} أي بحجة ولا عذر لما شغلهم من عذاب الله.
وقيل: يختم على أفواههم فلا ينطقون، وانتفاء نطقهم يكون في موطن من مواطن القيامة، أو من فريق من الناس، لأن القرآن يقتضي أنهم يتكلمون بحجج في غير هذا الموطن.
ولما ذكر أشياء من أحوال يوم القيامة، ليرتدع بسماعها من أراد الله تعالى ارتداعه، نبههم على ما هو دليل على التوحيد والحشر والنبوة بما هم يشاهدونه في حال حياتهم، وهو تقليب الليل والنهار من نور إلى ظلمة، ومن ظلمة إلى نور، وفاعل ذلك واحد، وهو الله تعالى، فيجب أن يفرد بالعبادة والألوهية.
وفي هذا التقليب دليل على القلب من حياة إلى موت، ومن موت إلى حياة أخرى، وفيه دليل أيضًا على النبوة، لأن هذا التقليب هو لمنافع المكلفين، ولهذا علل ذلك الجعل بقوله: {لتسكنوا فيه}.
وبعثة الأنبياء لتحصيل منافع الخلق؛ وأضاف الإبصار إلى النهار على سبيل المجاز، لما كان يقع فيه أضافه إليه، كما تقول: ليلك نائم، وعلل جعل الليل بقوله: {لتسكنوا فيه}، أي لأن يقع سكونهم فيه مما يلحقهم من التعب في النهار واستراحة نفوسهم.
قال بعض الرجاز:
النوم راحة القوى الحسية ** من حركات والقوى النفسية

ولم يقع التقابل في جعل النهار بالنص على علته، فيكون التركيب: والنهار لتبصروا فيه، بل أتى بقوله: {مبصرًا}، قيدًا في جعل النهار، لا علة للجعل.
فقال الزمخشري: هو مراعى من حيث المعنى، وهكذا النظم المطبوع غير المتكلف، لأن معنى مبصرًا: لتبصروا فيه طريق التقلب في المكاسب. انتهى.
والذي يظهر أن هذا من باب ما حذف من أوله ما أثبت في مقابله، وحذف من آخره ما أثبت في أوله، فالتقدير: جعلنا الليل مظلمًا لتسكنوا فيه، والنهار مبصرًا لتتصرفوا فيه؛ فالإظلام ينشأ عنه السكون، والإبصار ينشأ عنه التصرف في المصالح، ويدل عليه قوله تعالى: {وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلًا من ربكم} فالسكون علة لجعل الليل مظلمًا، والتصرف علة لجعل النهار مبصرًا وتقدم لنا: الكلام على نظير هذين الحذفين مشبعًا في البقرة في قوله: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق} {إن في ذلك} أي في هذا الجعل، {لآيات لقوم يؤمنون} لما كان لا ينتفع بالفكر في هذه الآيات إلا المؤمنون، خصوا بالذكر، وإن كانت آيات لهم ولغيرهم. اهـ.