فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{وَإِذْا وَقَعَ القول عَلَيْهِم}.
بيانٌ لما أُشير إليه بقولِه تعالى: {بَعْضُ الذي تَسْتَعْجِلُونَ} من بقيةِ ما يستعجلونَهُ من السَّاعةِ ومباديها، والمُرادُ بالقولِ ما نطقَ من الآياتِ الكريمةِ بمجيءِ السَّاعةِ وما فيها مِنْ فُنونِ الأَهوالِ التي كانُوا يستعجلُونها وبوقوعِه قيامُها وحصولُها عبَّر عن ذلكَ به للإيذان بشدَّةِ وقعِها وتأثيرِها. وإسنادُه إلى القولِ لِما أنَّ المرادُ بيانُ وقوعِها منْ حيثُ إنَّها مصداقٌ للقولِ النَّاطقِ بمجيئها وقد أُريدَ بالوقوعِ دُنوُّه واقترابُه كما في قولِه تعالى: {أتى أَمْرُ الله} أي إذا دَنَا وقوعُ مدلولِ القولِ المذكورِ الذي لا يكادُون يسمعونَهُ ومصداقُه {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مّنَ الأرض} وهي الجسَّاسةُ وفي التَّعبيرِ عنها باسمِ الجنسِ وتأكيدُ إبهامِه بالتَّنوينِ التفخيميِّ من الدِّلالةِ على غَرَابةِ شأنِها وخروجِ أوصافِها عن طور البيانِ ما لا يخفى. وقد وردَ في الحديثِ أنَّ طولها ستُّون ذراعًا لا يدركها طالبٌ ولا يفوتها هارب. وروي أن لها أربعَ قوائمَ ولها زَعَبٌ وريشٌ وجناحانِ. وعن ابن جُريجٍ في وصفِها رأسُ ثورٍ وعينُ خنزيرٍ وأُذنُ فيل وقرنُ أيلُ وعنقُ نعامةٍ وصدرُ أسدٍ ولونُ نمرٍ وخاصرةُ هرةٍ وذَنَبُ كبشِ وخُفُّ بعيرٍ وما بين المفصلينِ اثنا عشرَ ذراعًا بذراعِ آدمَ عليهِ السَّلامُ. وقال وهبٌ: وجهُها وجه الرَّجلِ وباقي خَلقِها خَلْقُ الطَّيرِ. ورُوي عن عليَ رضي الله عنه أنَّه قال: ليس بدابةٍ لها ذنبٌ ولكنْ لها لحيةٌ كأنَّه رجلٌ. والمشهورُ أنَّها دابَّةٌ. وروي لا تخرجُ إلا رأسُها ورأسُها يبلغُ عنانَ السَّماءِ أو يبلغُ السَّحابَ. وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنْهُ فيها كلُّ لونٍ ما بينَ قَرنيها فرسخٌ للرَّاكبِ. وعن الحَسَنِ رضي الله عنه لا يتمُّ خروجُها إلا بعدَ ثلاثةِ أيَّام. وعنْ عليَ رضي الله عنه أنَّها تخرجُ ثلاثَة أيَّامٍ والنَّاسُ ينظرونَ فلا يخرجُ كلَّ يومٍ إلا ثلثُها.
وعن النبيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنه سُئل من أين تخرجُ الدَّابةُ فقال:
«من أعظمِ المساجدِ حرمةً على الله تعالى» يعني المسجدَ الحرامَ ورُوي أنَّها تخرجُ ثلاثَ خرجاتٍ تخرجُ بأقصى اليمنِ ثم تخرجُ بالباديةِ ثم تنكمنُ دهرًا طويلًا فبينا النَّاسُ في أعظمِ المساجدِ حرمةً على الله تعالى وأكرمِها فما يهولُهم إلا خروجُها من بينِ الركنِ حذاءً دار بني مخزومِ عن يمين الخارجِ من المسجد فقومٌ يهربون وقومٌ يقفون نظارةً، وقيل: تخرجُ من الصَّفا. ورُوي بينَا عيسى عليه السَّلامُ يطوفُ بالبيتِ ومعه المُسلمون إذْ تضطربُ الأرضُ تحتهم تحرُّكَ القنديلِ وينشقُّ الصَّفا مَّما يلِي المَسْعى فتخرجُ الدَّابةُ من الصَّفا ومعها عصا مُوسى وخاتمُ سليمانَ عليهما السَّلام فتضربُ المؤمنَ في مسجدِه بالعصَا فتنكتُ نُكتةً بيضاءَ فتفشُو حتَّى يضيءَ لها وجهُه وتكتبُ بين عينيهِ مؤمنٌ، وتنكتُ الكافرَ بالخاتمِ في أنفهِ فتفشُو النكتةُ حتَّى يسودَّ لها وجهُه وتكتبُ بين عينبهِ كافرٌ ثم تقولُ لهم أنتَ يا فلانُ من أهل الجنَّة وأنتَ يا فلانُ من أهلِ النَّارِ. ورُوي عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهُمَا أنَّه قرعَ الصَّفا بعصاه وهو مُحرمٌ وقال إنَّ الدَّابةَ لتسمعُ قرعَ عصايَ هذه. ورَوَى أبُو هُريرةَ عن النبيَّ عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّه قال بئسَ الشّعبُ شِعبُ أجيادٍ مرتينِ أو ثلاثًا قيلَ: ولم ذاكَ يا رسولَ الله قال تخرجُ منه الدَّابةُ فتصرخُ ثلاثَ صرخاتٍ يسمعُها مَن بين الخافقينِ فتتكلمُ بالعربيةِ بلسانٍ ذلقٍ وذلك قولُه تعالى: {تُكَلّمُهُمْ أَنَّ الناس كَانُوا بآياتنا لاَ يُوقِنُونَ} أي تُكلمهم بأنَّهم كانُوا لا يُوقنون بأياتِ الله تعالى النَّاطقةِ بمجيء السَّاعة ومباديها أو بجميع آياتِه التي من جُملتِها تلك الآياتُ وقيل: بآياته التي من جُملتها خروجُها بينَ يدي السَّاعةِ والأولُ هو الحقُّ كما سُتحيط به علمًا. وقُرىء بأنَّ النَّاس الآيةَ وإضافةُ الآياتِ إلى نُونِ العظمةِ لأنَّها حكايةٌ منه تعالى لمعنى قولِها لا لعينِ عبارتِها وقيل: لأنَّها حكايةٌ منها لقولِ الله عزَّ وجَلَّ وقيل: لاختصاصِها به تعالى وأثرتِها عنده كما يقولُ بعضُ خواصِّ الملكِ خيلُنا وبلادُنا وإنَّما الخيلُ والبلادُ لمولاهُ وقيل: هناك مضافٌ محذوفٌ أي بآياتِ ربِّنا. ووصفُهم بعدمِ الإيقانِ بها معَ أنَّهم كانُوا جاحدينَ بها للإيذانِ بأنَّه كانَ من حقِّهم أنْ يُوقنوا بها ويقطعُوا بصحتها وقد اتَّصفُوا بنقيضِه. وقُرىء إنَّ النَّاس بالكسرِ على إضمارِ القولِ أو إجراءِ الكلامِ مَجراهُ. والكلامُ في الإضافةِ كالذي سبقَ وقيل: هو استئنافٌ مَسُوقٌ من جهتِه تعالى لتعليلِ إخراجِها أو تكليمِها ويردُّه الجمعُ بينَ صيغتي المَاضِي والمستقبلِ فإنَّه صريحٌ في كونِه حكايةً لعدمِ إيقانِهم السابقِ في الدُّنيا. والمرادُ بالنَّاسِ إمَّا الكَفَرةُ على الإطلاقِ أو مُشركو مكَّةَ. وقد رُوي عن وهب أنَّها تخبرُ كل مَن تراهُ أنَّ أهلَ مكَّةَ كانُوا بمحمدٍ والقرآنِ لا يوُقنون. وقُرىء تُكلِّمهم مِن الكَلْمِ الذي هو الجُرْحُ. والمُرادُ به ما نُقلِ من الوسمِ بالعَصَا والخاتمِ وقد جُوِّزَ كونُ القراءةِ المشهورةِ أيضًا منه لمعنى التَّكثيرِ ولا يخفى بعدُه.
{وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمَّةٍ فَوْجًا}.
بيانٌ إجماليٌّ لحال المُكذِّبينَ عند قيامِ السَّاعةِ بعد بيانِ بعضِ مَبَاديها. ويومَ منصوبٌ بمضمرٍ خُوطب به النبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام. والمرادُ بهذا الحشرِ هو الحشرُ للعذابِ بعدَ الحشرِ الكُليِّ الشَّاملِ لكافَّةِ الخَلْق. وتوجيهُ الأمرِ بالذكرِ إلى الوقتِ مع أنَّ المقصودَ تذكيرُ ما وقعَ فيه من الحوادثِ قد مرَّ بيانُ سرِّه مرارًا أي واذكرُ لهم وقتَ حشرنا أي جمعِنا من كلِّ أمةٍ من أممِ الأنبياءِ عليهم الصَّلاة والسَّلام أو من أهلِ كلِّ قَرن من القُرون جماعةً كثيرةً فمن تبعيضيةٌ لأنَّ كلَّ أمةٍ منقسمةٌ إلى مصدَّقٍ ومكذِّبٍ، وقولُه تعالى: {مّمَّن يُكَذّبُ بآياتنا} بيانُ للفوجِ أي فوجًا مكذبين بها {فَهُمْ يُوزَعُونَ} أي يُحبس أوَّلُهم على أخرِهم حتىَّ يتلاحقُوا ويجتمعُوا في موقفِ التَّوبيخِ والمُناقشةِ وفيهِ من الدِّلالةِ على كثرةِ عددِهم وتباعُدِ أطرافِهم ما لاَ يخفي. وعن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما: أبوُ جهلٍ والوليدُ بن المُغيرة وشَيُبةُ بنُ ربيعةَ يُساقون بين يَدَي أهلِ مكَّةَ وهكذا يُحشر قادةُ سائرِ الأُمم بينَ أيديهم إلى النَّارِ.
{حتى إِذَا جَاءوا} إلى موقفِ السُّؤالِ والجَوَاب والمُناقشةِ والحسابِ {قَالَ} أي الله عزَّ وجلَّ موبَّخًا لهم على التَّكذيبِ والالتفاتِ لتربيةِ المهابةِ {أَكَذَّبْتُم بئاياتى} النَّاطقةِ بلقاءِ يومِكم هذا. وقوله تعالى: {وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْمًا} جملةٌ حاليَّةٌ مفيدةٌ لزيادةِ شَنَاعة التَّكذيبِ وغايةِ قُبْحهِ ومؤكدةٌ للإنكارِ والتَّوبيخِ أي أكذَّبتُم بها بادىءَ الرَّأي غيرَ ناظرينَ فيها نظرًا يُؤدِّي إلى العلمِ بكُنهِها وأنَّها حقيقةٌ بالتَّصديقِ حَتمًا، وهذا نصٌ في أنَّ المرادَ بالآياتِ فيما في الموضعينِ هي الآياتُ القُرآنيةُ لأنَّها هيَ المُنطويةُ على دَلائلِ الصِّحةِ وشواهدِ الصِّدقِ التي لم يُحيطوا بها علمًا مع وجُوبِ أنْ يتأمَّلوا ويتدبَّروا فيها لا نفسُ السَّاعة وما فيها. وقيلَ: هو معطوف على كذَّبتم أي أجمعتُم بين التكذيب وعدم التَّدبرِ فيها {أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي أمْ أيُّ شيءٍ كنتُم تعملون بها وأمُ أيُّ شيءٍ كنتمُ تعملون غيرَ ذلكَ بمعنى أنَّه لم يكُن لهم عملٌ غيرُ ذلكَ كأنَّهم لم يُخلقوا إلا للكفر والمَعَاصي مع أنَّهم ما خُلقوا إلا للإيمانِ والطَّاعةِ يخُاطيون بذلك تبكيتًا ثم يُكبُّون في النَّار.
وذلك قولُه تعالى: {وَوَقَعَ القول عَلَيْهِم} أي حلَّ بهم العذابُ الذي هو مدلولُ القولِ النَّاطقِ بحلولِه ونزولِه {بِمَا ظَلَمُواْ} بسببِ ظُلمِهم الذي هو تكذيبُهم بآياتِ الله {فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ} لانقطاعِهم عن الجوابِ بالكُلِّية وابتلائِهم بشغلٍ شاغلٍ من العذابِ الأليمِ.
{أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا الليل لِيَسْكُنُواْ فِيهِ}.
الرؤيةٌ قلبية لا بصريةٌ لأنَّ نفسَ الليلِ والنَّهارِ وإنْ كانَا من المُبصرات لكن جعلُهما كما ذُكر من قبيلِ المعقولاتِ أي ألم يعلموا أنَّا جعلنا الليل بما فيهِ من الإظلامِ ليستريحُوا فيه بالنَّومِ والقرارِ. {والنهار مُبْصِرًا} أي ليبُصروا بما فيهِ من الإضاءةِ طرقَ التقلبِ في أمورِ المعاش فبُولغَ فيه حيثُ جُعل الإبصارُ الذي هو حالُ النَّاسِ حالًا له ووصفًا من أوصافِه التي جُعل عليها بحيثُ لا ينفكُّ عنها ولم يسلك في الليلِ هذا المسلكَ لما أنَّ تأثيرَ ظلامِ الليَّلِ في السُّكونِ ليس بمثابةِ تأثيرِ ضَوْء النَّهارِ في الأبصارِ {إِنَّ في ذَلِكَ} أي في جعلِهما كما وُصفا، وما في اسمِ الإشارةِ من مَعْنى البُعدِ للإشعارِ ببُعدِ درجتِه في الفضلِ. {لأَيَاتٍ} أي عظيمةً كثيرةً {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} دالةٌ على صحَّةِ البعثِ وصدقِ الآياتِ النَّاطقةِ به دلالةً واضحةً كيف لا وإنَّ مَن تأمَّلَ في تعاقُبِ اللَّيل والنهارِ واختلافِهما على وجوه بديعةٍ مبنيةٍ على حِكَمٍ رائعةٍ تحارُ في فهمِها العقولُ ولا يُحيطُ بها إلا الله عزَّ وجلَّ وشاهدَ في الآفاقِ تبدلَ ظُلمةِ الليلِ المحاكيةِ للموتِ بضياءِ النَّهارِ المُضاهي للحياةِ وعاينَ في نفسِه تبدلَ النَّومِ الذي هو أخوُ الموتِ بالانتباه الذي هو مثلُ الحَيَاةِ قَضَى بأنَّ السَّاعةَ آتية لا ريبَ فيها وأنَّ الله يبعثُ مَن في القبورِ قضاءً متقنًا وجزمَ بأنَّه تعالى قد جعلَ هذا أُنموذجًا له ودليلًا يستدلُّ به على تحققِه وأنَّ الآياتِ الناطقةَ به وبكونِ حالِ اللَّيل والنهار بُرهانًا عليهِ وسائرَ الآياتِ كلِّها حقٌّ نازلٌ من عندِ الله تعالى. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِذَا وَقَعَ القول عَلَيْهِم}.
بيان لما أشير إليه بقوله تعالى: {بَعْضُ الذي تَسْتَعْجِلُونَ} [النمل: 72] من بقية ما يستعجلونه من الساعة ومباديها، والمراد بالقول ما نطق من الآيات الكريمة بمجيء الساعة وما فيها من فنون الأهوال التي كانوا يستعجلونها وبوقوعها قيامها وحصولها عبر عن ذلك به للإيذان بشدة وقعها وتأثيرها، وإسناد إلى القول لما أن المراد بيان وقوعها من حيث أنها مصداق للقول الناطق بمجيئها، وقد أريد بالوقوع دنوه واقترابه كما في قوله تعالى: {أتى أَمْرُ الله} [النحل: 1] ففيه مجاز المشارفة أي إذا دنا وقوع مدلول القول المذكور الذي لا يكادون يسمعونه ومصداقه.
{أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مّنَ الأرض} وذلك على ما أخرج ابن مردويه من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا، وهو وجماعة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما موقوفًا «حين يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابم مسعود قال: «أكثروا الطواف بالبيت من قبل أن يرفع، قيل: وكيف يرفع ما في صدور الرجال؟ قال: يسري عليهم ليلًا فيصبحون منه فقراء وينسون قول لا إله إلا الله ويقعون في قول الجاهلية وأشعارهم فذلك حين يقع القول عليهم»، وهذا ظاهر في أن خروج الدابة حين لا يبقى في الأرض خير، ويقتضي ذلك أن يكون بعد موت عيسى والمهدي وأتباعهما عليهمم السلام، وسيأتي إن شاء الله تعالى من الأخبار ما هو ناطق بأنها تخرج وعيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون.
وأخرج نعيم بن حماد عن وهب بن منبه قال: أول الآيات الروم والثانية الدجال والثالثة يأجوج ومأجوج والرابعة عيسى والخامسة الدخان والسادسة الدابة، وصوب السفاريني أنها قبل الدخان، والحق أنها تخرج وفي الناس مؤمن وكافر، فالظاهر أن الخبر المذكور عن ابن مسعود غير صحيح، ويدل على ما ذكرنا من الحق ما أخرج أحمد والطيالسي ونعم بن حماد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مروديه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تخرج دابة الأرض ومعها عصا موسى وخاتم سليمان عليهما السلام فتجلو وجه المؤمن بالخاتم وتخطم أنف الكافر بالعصا حتى يجتمع الناس على الخوان يعرف المؤمن الكافر» وقد اختلفت الروايات فيها اختلافًا كثيرًا، فحكى أبو حيان في البحر.
والدميري في حياة الحيوان رواية أنه يخرج في كل بلد دابة مما هو مبثوث نوعها في الأرض فليست دابة واحدة، وعليه يراد بدابة الجنس الصادق بالمتعدد، وأكثر الروايات أنها دابة واحدة وهو الصحيح، فالتعبير عنها باسم الجنس وتأكيد إبهامه بالتنوين الدال على التفخيم من الدلالة على غرابة شأنها وخروج أوصافها عن طور الباين ما لا يخفى، وعلى كونها واحدة اختلف فيها أيضًا فقيل: هي من الإنس واستؤنس له بما روى محمد بن كعب القرظي قال: سئل علي كرم الله تعالى وجهه عن الدابة فقال: أما والله إنها ليست بدابة لها ذنب ولكن لها لحية، وفي الميزان للذهبي عن جابر الجعفي وهو كذاب قال أبو حنيفة: ما لقيت أكذب منه أنه كان يقول: هي من الإنس وانها علي نفسه كرم الله تعالى وجهه؛ وعلى ذلك جمع من إخوانه الشيعة ولهم في ذلك روايات: منها ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قال رجل لعمار بن ياسر: يا أبا اليقظان آية في كتاب الله تعالى أفسدت قلبي، قال عمار: وأية آية هي؟ا فقال: قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ القول عَلَيْهِم} الآية فأية دابة هذه؟ قال عمار: والله ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتى أريكها فجاء عمار مع الرجال إلى أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه وهو يأكل تمرًا وزبدًا فقال: يا أبا اليقظان هلم فجلس عمار يأكل معه فتعجب الرجل منه فلما قام عمار قال الرجل: سبحان الله حلفت أنك لا تجلس ولا تأكل ولا تشرب حتى ترينيها قال عمار: قد أريتكها إن كنت تعقل، وروى العياشي هذه القصة بعينها عن أبي ذر أيضًا وكل ما يروونه في ذلك كذب صريح، وفيه القول بالرجعة التي لا ينتهض لهم عليها دليل.
وفي بعض الآثار ما يعارض ما ذكر، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن النزال بن سبرة قال: قيل لعلي كرم الله تعالى وجهه: إن ناسًا يزعمون أنك دابة الأرض، فقال: والله إن لدابة الأرض لريشا وزغبًا ومالي ريش ولا رغب وأن لها لحافرًا ومالي من حافر وأنها لتخرج من حفز الفرس الجواد ثلاثًا وما خرج ثلثها، والمشهور وهو الحق أنها دابة ليست من نوع الإنسان، فقيل: هي الثعبان الذي كان في جوف الكعب واختطفته العقاب حين أرادت قريش بناء البيت الحرام فمنعهم وأن العقاب التي اختطفته ألقته بالحجون فالتقمته الأرض، وذكر ذلك الدميري عن ابن عباس، والأكثرون على أنها غيرها.
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن الزبير أنه وصف الدابة فقال: رأسها رأس ثور وعينها عين خنزير وأذنها أذن فيل وقرنها قرن إيل وعنقها عنق نعامة وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هرة وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصلين إثنا عشر ذراعًا زاد ابن جرير بذراع آدم عليه السلام.
ونقل السفاريني عن كعب أنه قال: صوتها صوت حمار، وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس أنه قال: الدابة مؤلفة ذات زغب وريش فيها من ألوان الدواب كلها وفيها من كل أمة سيما وسيماها من هذه الأمة أنها تتكلم بلسان عربي مبين، وعن أبي هريرة أنه قال: فيها من كل لون وما بين قرنيها فرسخ للراكب، وفي رواية أخرى عن ابن عباس أن لها عنقًا مشرفًا يراها من بالمشرق كما يراها من بالمغرب ولها وجه كوجه الإنسان ومنقار كمنقار الطير ذات وبر وزغب، وعن وهب وجهها وجه رجل وسائر خلقها كخلق الطير، وصرح في بعض الروايات بأن لها جناحين، وذكر بعضهم أن طولها ستون ذراعًا، واختلف في محل خروجها فقيل: المسجد الحرام لما أخرج ابن جرير عن حذيفة بن اليمان قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة فقال حذيفة: يا رسول الله من أين تخرج؟ قال؛ «من أعظم المساجد حرمة على الله تعالى بينما عيسى عليه السلام يطوف بالبيت ومعه المسلمون إذ تضطرب الأرض من تحتهم تحرك القنديل وينشق الصفا مما يلي المسجد فتخرج الدابة من الصفا أول ما يبدو رأسها ملمعة ذات وبر وريش لن يدركها طالب ولن يفوتها هارب تسم الناس مؤمن وكافر: أما المؤمن فيرى وجهه كأنه كوكب دري وتكتب بين عينيه مؤمن، وأما الكافر فتنكت بين عينيه نكتة سوداء وتكتب كافر».