فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا}.
بيانًا لما أشير إليه بإحاطة علمه تعالى بأفعالهم من ترتيب أخيريتها عليها.
وقال العلامة الطيبي قوله تعالى: {إن الله} الخ استئناف وقع جوابًا لقول من يسأل فماذا يكون بعد هذه القوارع فقيل إن الله خبير بعمل العاملين فيجازيهم على أعمالهم وفصل ذلك بقوله سبحانه: {من جاء} إلخ.
والخطاب في {تَفْعَلُونَ} [النمل: 88] لجميع المكلفين وقرأ العربيان وابن كثير {يَفْعَلُونَ} بياء الغيبة.
والمراد بالحسنة على ما روي عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد والحسن والنخعي وأبي صالح وسعيد بن جبير وعطاء وقتادة شهادة أن لا إله إلا الله.
وروى عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي عن كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم فسرها بذلك والمراد بهذه الشهادة التوحيد المقبول وقيل المرادب الحسنة ما يتحقق بما ذكر وغيره من الحسنات وهو الظاهر، نظرًا إلى أن اللام حقيقة في الجنس.
وقال بعضهم: الظاهر الأول، لأن الظاهر حمل المطلق على الكامل وأكمل جنس الحسنة التوحيد ولو أريد العموم لكان الظاهر الإتيان بالنكرة، ويكفي في ترجيح الأول ذهاب أكثر السلف إليه وإذا صح الحديث فيه لا يكاد يعدل عنه.
وكان النخعي يحلف على ذلك ولا يستثنى، والظاهر أن خيرًا للتفضيل وفضل الجزاء على الحسنة كائنة ما كانت.
قيل باعتبار الأضعاف أو باعتبار الدوام وزعم بعضهم أن الكلام بتقدير مضاف أي خير من قدرها وهو كما ترى.
وقال بعض الأجلة ثواب المعرفة النظرية والتوحيد الحاصل في الدنيا هي المعرفة الضرورية على أكمل الوجوه في الآخرة والنظر إلى وجهه الكريم جل جلاله وذلك أشرف السعادات.
وقيل إن خيرًا ليس للتفضيل ومن لابتداء الغاية أي فله خير من الخيور مبدؤه ومنشؤه منها أي من جهة الحسنة وروي ذلك عن ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد وابن جريج وعكرمة {وَهُمْ} أي الذين جاءوا بالحسنة {مّن فَزَعٍ} أي فزع عظيم هائل لا يقادر قدره {يَوْمَئِذٍ} ظرف منصوب بقوله تعالى: {ءامِنُونَ} وبه أيضًا يتعلق {مّن فَزَعٍ} والأمن يستعمل بالجار وبدونه كما في قوله: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله} [الأعراف: 99]، وجوز أن يكون الظرف منصوبًا بفزع وأن يكون منصوبًا بمحذوف وقع صفة له أي من فزع كائن في ذلك الوقت، وقرأ العربيان وابن كثير وإسماعيل بن جعفر، عن نافع فزع يومئذٍ بإضافة فزع إلى يوم، وكسر ميم يوم، وقرأ نافع في غير رواية إسماعيل كذلك إلا أنه فتح الميم فتح بناءً لإضافة يوم إلى غير متمكن وتنوين إذ للتعويض عن جملة، والأولى على ما في البحر أن تكون الجملة المحذوفة المعوض هو عنها ما قرب من الظرف أي يوم إذا جاء بالحسنة، وجوز أن يكون التقدير يوم إذ ينفخ في الصور لاسيما إذا أريد بذلك النفخ النفخة الثانية، واقتصر عليه شيخ الإسلام، وفسر الفزع بالفزع الحاصل من مشاهدة العذاب بعد تمام المحاسبة وظهور الحسنات والسيئات وهو الذي في قوله تعالى: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الاكبر} [الأنبياء: 103] وحكي عن الحسن أن ذاك حين يؤمر بالعبد إلى النار، وعن ابن جريج أنه حين يذبح الموت وينادي يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت وهو كذلك في قراءة التنوين وقراءة الإضافة ولا يراد به في القراءة الثانية جميع الأفزاع الحاصلة يومئذٍ، ومدار الإضافة كون ذلك أعظم الأفزاع وأكبرها كأن ما عداه ليس بفزع بالنسبة إليه وقال تبعًا لغيره إن الفزع المدلول عليه بقوله تعالى: {فَفَزِعَ} [النمل: 87] الخ ليس إلا التهيب والرعب الحاصل في ابتداء الإحساس بالشيء الهائل ولا يكاد يخلو منه أحد بحكم الجبلة وإن كان آمنًا من لحاق الضرر به.
وقال أبو علي: يجوز أن يراد بالفزع في القراءتين فزع واحد وأن يراد به الكثرة لأنه مصدر فإنه أريد الكثرة شمل كل فزع يكون في القيامة وإن أريد الواحد فهو الذي أشير إليه بقوله تعالى: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الاكبر} [الأنبياء: 103] وسيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا تتمة للكلام في الآية.
{وَمَن جَاء بالسيئة} وهو الشرك وبه فسرها من فسر {الحسنة} [النمل: 89] بشهادة أن لا إله إلا الله وقد علمت من هم، وقيل: المراد بها ما يعم الشرك وغيره من السيئات: {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ في النار} أي كبوا فيها على وجوههم منكوسين، فإسناد الكب إلى الوجوه مجازي لأنه يقال كبه وأكبه إذا نكسه، وقيل: يجوز أن يراد بالوجوه الأنفس كما أريدت بالأيدي في قوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة} [البقرة: 195] أي فكبت أنفسهم في النار {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} على الالتفات للتشديد أو على إضمار القول أي مقولًا لهم ذلك فلا التفات فيه لأنه في كلام آخر ومن شروط الالتفات اتحاد الكلامين كما حقق في المعاني، واستدل بعض المرجئة القائلين بأنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة بقوله تعالى: {مَن جَاء بالحسنة} [النمل: 89] الخ على أن المؤمن العاصي لا يعذب يوم القيامة وإلا لم يكن آمنًا من فزع مشاهدة العذاب يومئذٍ وهو خلاف ما دلت عليه الآية الكريمة، وأجيب بمنع دخول المؤمن العاصي في عموم الآية لأن المراد بالحسنة الحسنة الكاملة وهو الإيمان الذي لم تدنسه معصية، وذلك غير متحقق فيه أو لأن المتبادر المجىء بالحسنة غير مشوبة بسيئة وهو أيضًا غير متحقق فيه ومن تحقق فيه فهو آمن من ذلك الفزع بل لا يبعد أن يكون آمنًا من كل فزع من أفزاع يوم القيامة وإن سلم الدخول قلنا المراد بالفزع الآمن منه من جاء بالحسنة ما يكون حين يذبح الموت وينادي المنادي يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت كما سمعت عن ابن جريج أو حين تطبق جهنم على أهلها فيفزعون كما روي عن الكلبي وليس ذلك إلا بعد تكامل أهل الجنة دخولًا الجنة والعذاب الذي يكون لبعض عصاة المؤمنين إنما هو قبل ذلك والآية لا تدل على نفيه بوجه من الوجوه.
وأجاب بعضهم بأنه يجوز أن يكون المؤمن العاصي آمنًا من فزع مشاهدة العذاب، وأن عذب لعلمه بأنه لا يخلد فيعد عذابه كالمشاق التي يتكلفها المحب في طريق وصال المحبوب وهذا في غاية السقوط كما لا يخفى.
واستدل بعض المعتزلة بقوله تعالى: {مَن جَاء بالسيئة} الخ على عدم الفرق بين عذاب الكافر وعذاب المؤمن العاصي لأن {مَن جَاء بالسيئة} يعمهما وقد أثبت له الكب على الوجوه في النار فحيث كان ذلك بالنسبة إلى الكافر على وجه الخلود كان بالنسبة إلى المؤمن العاصي كذلك، وأجيب بأن المراد بالسيئة الإشراك كما روي تفسيرها به عن أكثر سلف الأمة فلا يدخل المؤمن العاصي فيمن جاء بالسيئة ولو سلم دخوله بناءًا على القول بعموم السيئة فلا نسلم أن في الآية دلالة على خلوده في النار وكون الكب في النار بالنسبة إلى الكافر على وجه الخلود لا يقتضي أن يكون بالنسبة إليه كذلك فكثيرًا ما يحكم على جماعة بأمر كلي ويكون الثابت لبعضهم نوعًا وللبعض الآخر نوعًا آخر منه وهذا مما لا ريب فيه، ثم إن الآية من باب الوعيد فيجري فيها على تقدير دخول المؤمن العاصي في عموم من ما قاله الأشاعرة في آيات الوعيد فافهم وتأمل. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ} أي: حضروا الموقف بين يديه: {دَاخِرِينَ} أي: صاغرين: {وَتَرَى الْجِبَالَ} عطف على ينفخ داخل في حكم التذكير: {تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} أي: ثابتة في أماكنها: {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} أي: في تخلل أجزائها وانتفاشها. كما في قوله تعالى: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة: 5]، {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} أي: فيجازيهم عليه.
تنبيه:
ما ذكرناه في تفسير هذه الآية هو ما ذهب إليه كثير. قالوا: المراد بهذه الآية تسيير الجبال الذي يحصل يوم القيامة، حينما يبيد الله تعالى العوالم، كما قال: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} [النبأ: 20]، وكما قال: {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} [المرسلات: 10]، وقال: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة: 5].
وقال بعض علماء الفلك: لا يمكن أن يكون المراد بهذه الآية ما قالوه، لعدة وجوه:
الأول: أن قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} لا يناسب مقام التهويل والتخويف إذا أريد بها بما يحصل يوم القيامة. وكذلك قوله: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}، لا يناسب مقام الإهلاك والإبادة، على أن محل هذه الآية على المستقبل، مع أنها صريحة في إرادة الحال، شيء لا موجب له. وهو خلاف الظاهر منها.
الثاني: أن سير الجبال للفناء يوم القيامة، يحصل عند خراب العالم وإهلاك جميع الخلائق وهذا شيء لا يراه أحد من البشر كما قال: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: 68]، أي: من الملائكة. فما معنى قوله إذن: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً}؟.
الثالث: أن تسيير الجبال الذي يحصل يوم القامة، إذا رآه أحد شعر به. لأنه ما دام وضعها يتغير بالنسبة للإنسان، فيحسّ بحركتها. وهذا ينافي قوله تعالى: {تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} أي: ثابتة. أما في الدنيا فلا نشعر بحركتها، لأننا نتحرك معها ولا يتغير وضعنا بالنسبة لها. وهذا بخلاف ما يحصل يوم القيامة. فإن الجبال تنفصل عن الأرض وتنسف نسفًا. وهذا شيء يراه كل واقف عندها.
الرابع: ورود هذه الآية في سياق الكلام على يوم القيامة، لورود آية: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} المذكورة قبلها في نفس هذا السياق، والمراد بهما ذكر شيء من دلائل قدرة الله تعالى، المشاهدة آثارها في هذا العالم الآن من حركة الأرض وحدوث الليل والنهار، ليكون ذلك دليلًا على قدرته على البعث والنشور يوم القيامة فإن القادر على ضبط حركات هذه الأجرام العظيمة، لا يصعب عليه أن يعيد الإنسان، وأن يضبط حركاته وأعماله ويحصيها عليه. ولذلك ختم هذه الآية بقوله: {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} فذكر هذه الأشياء في هذا السياق، هو كذكر الدليل مع المدلول، أو الحجة مع الدعوى. وهي سنة القرآن الكريم. فإنك تجد الدلائل منبثة بين دعاويه دائمًا، حتى لا يحتاج الإنسان لدليل آخر خارج عنها. وذلك شيء مشاهد في القرآن من أوله. إلى آخره. كلامه.
وقال العلامة المرجانيّ في مقدمة كتابه وفيّة الأسلاف، وتحيّة الأخلاف في بحث علم الهيئة، ما مثاله:
ويدل على حركة الأرض قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} الآية. فإنه خطاب لجناب الرسول صلى الله عليه وسلم، وإيذان الأمر له بالأصالة مع اشتراك غيره في هذه الرؤية. وحسبان جمود الجبال وثباتها على مكانها، مع كونها متحركة في الواقع بحركة الأرض، ودوام مرورها مرّ السحاب في سرعة السير والحركة. قال: وقوله: {صُنْعَ اللَّهِ} من المصادر المؤكدة لنفسها. وهو مضمون الجملة السابقة. يعني أن هذا المرور هو صنع الله. كقوله تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ} [النساء: 122]، {صِبْغَةَ اللَّهِ} [البقرة: 138]، ثم الصنع هو عمل الإنسان، بعد تدرّب فيه وتروًّ وتحري إجادة. ولا يسمى كل عمل صناعة، ولا كل عامل صانعًا حتى يتمكن فيه ويتدرب وينسب إليه. وقوله: {الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} كالبرهان على إتقانه، والدليل على إحكام خلقته، وتسويته مروره على ما ينبغي. لأن إتقان كل شيء، يتناول إتقانه. فهو تثنية للمراد وتكرير له، كقوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عِمْرَان: 97]، قال: وقد اشتملت هذه الآية على وجوه من التأكيد، وأنحاء من المبالغة. فمن ذلك تعبيره بالصنع الذي هو الفعل الجميل المتقن المشتمل على الحكمة. وإضافته إليه تعالى تعظيمًا له وتحقيقًا لإتقانه وحسن أعماله. ثم توصيفه سبحانه بإتقان كل شيء، ومن جملته هذه المرور. ثم إيراده بالجملة الاسمية الدالة على دوام هذه الحالة واستمرارها مدى الدهور. ثم التقييد بالحال، لتدل على أنها لا تنفك عنها دائمًا. فإن قوله تعالى: {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} حال من المفعول به، وهو الجبال. ومعمول لفعله الذي هو رؤيتها على تلك الحال.
فهذه الآية صريحة في دلالتها على حركة الأرض ومرور الجبال معها في هذه النشأة. وليس يمكن حملها على أن ذلك يقع في النشأة الآخرة، أو عند قيام الساعة وفساد العالم وخروجه عن متعاهد النظام. وأن حسبانها جامدة لعدم تبين حركة كبار الأجرام [في المطبوع: الإجرام] إذا كانت في سمت واحد. فإن ذلك لا يلائم المقصود من التهويل على ذلك التقدير. على أن ذلك نقض وإهدام، وليس من صنع وإحكام. قال: والعجب من حذاق العلماء المفسرين، عدم تعرضهم لهذا المعنى، مع ظهوره واشتمال الكتب الحكمية على قول بعض القدماء. مع أنه أولى وأحق من تنزيل محتملات كتاب الله على القصص الواهية الإسرائيلية، على ما شحنوا بها كتبهم. وليس هذا بخارج عن قدرة الله تعالى، ولا بعيد عن حكمته، ولا القول به بمصادم للشريعة والعقيدة الحقة، بعد أن تعتقد أن كل شيء حادث بقدرة الله تعالى وإرادته وخلقه بالاختيار، كائنًا ما كان، وهو العليّ الكبير، وعلى ما يشاء قدير.
واعلم أن هذه الآية وما قبلها من قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ} الآية. اعتراض في تضاعيف ما ساقه من الآيات الدالة على أحوال الحشر وأهوال القيامة، كاعتراض توصية الإنسان بوالديه في تضاعيف قصة لقمان. ومثل ذلك ليس بعزيز في القرآن.
وفائدته هنا، التنبيه على سرعة تقضّي الآجال ومضيّ الآماد. والتهويل من هجوم ساعة الموت وقرب ورود وقت المعاد. فإن انقضاء الأزمان، وتقضي الأوان، إنما هو بالحركة اليومية المارّة على هذه السرعة المنطبقة على أحوال الإنسان. وهذا المرور. وإن لم يكن مبصرًا محسوسًا، لكن ما ينبعث منه تبدل الأحوال، بما يطرأ من تعاقب الليل والنهار وغيره، بمنزلة المحسوس المبصَر: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]، فيكون هذا معجزة للنبيّ صلى الله عليه وسلم، مخصوصة به، إذ لم يخبر به غيره من الأنبياء.
فليس بممكن حمل الآية على تسيير الجبال الواقع عند قيام الساعة ووفاء النشأة الآخرة. إذ ليس هو من الصنع في شيء. بل هو إفساد أحوال الكائنات، وإخلال نظام العالم، وإهلاك بني آدم. كلام المرجانيّ.
{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} أي: لا يعتريهم ذلك الفزع الهائل. وقرئ: {فَزَعِ يَوْمِئذٍ} بالإضافة وكسر الميم وفتحها. وفزع منونًا وفتح الميم، على أنه ظرف لآمنون أو المحذوف هو صفة للفزع. والتنوين في يومئذ عوض عن جملة محذوفة، أي: يوم إذا جاءوا بالحسنة. اهـ.