فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

ثم قال عز وجل: {قُلِ الحمد لِلَّهِ وسلام على عِبَادِهِ}.
قال بعضهم: معناه قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ: {قُلِ الحمد لِلَّهِ} وقال بعضهم: معناه الحمد لله على هلاك كفار الأمم الماضية.
يعني: ما ذكر في هذه السورة من هلاك فرعون وقومه، وثمود وقوم لوط.
ويقال: قال: الحمد لله الذي علمك، وبيّن لك هذا الأمر.
ويقال: إن هذا كان للوط حين أنجاه، أمره بأن يحمد الله تعالى.
ثم قال: {وسلام على عِبَادِهِ} يعني: المرسلين {الذين اصطفى} يعني: اختارهم الله تعالى للرسالة والنبوة.
وروي عن مجاهد أنه قال: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك قال مقاتل.
وقال سفيان الثوري: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثم قال: {الله خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} يعني: الله تعالى أفضل أم الآلهة التي تعبدونها، اللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به التقرير يعني: الله تعالى خير لهم مما يشركون، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ هذه الآية قال: «بل الله خير وأبقى، وأجل وأكرم» ويقال: معناه أعبادة الله خير أم عبادة ما يشركون به من الأوثان.
وقال القتبي: {الله خَيْرًا أَمَّا يُشْرِكُونَ}.
يعني: أم من يشركون؟ فتكون ما مكان من كما قال: {والسماء وَمَا بناها} [الشمس: 5] يعني: ومن بناها {وَمَا خَلَقَ الذكر والانثى} [الليل: 3] يعني: ومن خلق.
ثم قال عز وجل: {أَمَّنْ خَلَقَ السموات والأرض وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ السماء مَاء} يعني: المطر {فَأَنبَتْنَا بِهِ} يعني: بالمطر {حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} يعني: البساتين واحدها حديقة، وإنما سميت حديقة لأنها محاطة بالحيطان.
وقال بعضهم: إذا كانت ذا شجر يقال لها: حديقة سواء كان لها حائط، أو لا {ذَاتَ بَهْجَةٍ}، يعني: ذات حسن {مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا} يعني: ما كان لمعبودكم قوة.
ويقال: ما كان ينبغي لكم أن تنبتوا شجرها.
ويقال: ما قدرتم عليه، وقرأ أبو عمرو وعاصم: أما يشركون بالياء على معنى الخبر.
وقرأ الباقون بالتاء على معنى المخاطبة.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر {قدرناها} بتخفيف الدال، والباقون بالتشديد.
ثم قال: {مَّعَ الله بَلْ} يعينه على صنعه اللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به الإنكار والزجر {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} يعني: يشركون الأصنام ثم قال عز وجل: {أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَارًا} يعني: مستقرًا لا تميد بأهلها.
ويقال: قرارًا أي سكنًا لأهلها {وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَارًا} أي: فجر بسواد الأرض أنهارًا.
ويقال: شقّ بينهما أنهارًا {وَجَعَلَ لَهَا} أي خلق لها {رَوَاسِىَ} أي: خلق للأرض الجبال الثوابت {وَجَعَلَ بَيْنَ البحرين حَاجِزًا} يعني: العذب والمالح حاجزًا يعني: سترًا مانعًا بقدرته لا يختلطان بعضهما في بعض {مَّعَ الله بَلْ} يعينه على صنعه {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} يعني: ولكن أكثرهم لا يعلمون بتوحيد الله عز وجل {أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ} يعني: أمن يستجيب في البلاء للمضْطَّر إذا دعاه {وَيَكْشِفُ السوء} يعني: ومن يكشف الضر {وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاء الأرض} يعني: سكان الأرض بعد هلاك أهلها {مَّعَ الله قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ أَمَّن} قرأ أبو عمرو وابن عامر في إحدى الروايتين بالياء على معنى الخبر عنهم.
وقرأ الباقون {تَذَكَّرُونَ} بالتاء على معنى المخاطبة.
وقرأ حمزة والكسائي بتخفيف الذال.
وقرأ أبو عمرو ونافع في رواية قالون: {مَّعَ الله بَلْ} بالهمز والمد.
وقرأ الباقون: بغير مد بهمزتين.
ثم قال عز وجل: {أَمَّن يَهْدِيكُمْ في ظلمات البر والبحر} يعني من يرشدكم في أهوال البر والبحر.
{وَمَن يُرْسِلُ الرياح بُشْرًاَ بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ} يعني: قدام المطر {مَّعَ الله تَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّن} أي: تعظم الله عما يشركون {أَمَّن يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعيدُهُ} يعني: خلقهم، ولم يكونوا شيئًا، ثم يعيدهم في الآخرة {وَمَن يَرْزُقُكُم مّنَ السماء} يعني: المطر {والأرض} يعني: النبات {مَّعَ الله قُلْ هَاتُواْ برهانكم إِن} يعني: حجتكم وعلتكم، بأنه صنع شيئًا من هذا غير الله {إِن كُنتُمْ صادقين} بأن مع الله آلهة أخرى {قُلْ} يا محمد لكفار مكة {لاَّ يَعْلَمُ مَن في السموات والأرض} من الملائكة والناس {الغيب إِلاَّ الله} يعني: متى تقوم الساعة إلا الله رفع على معنى البدل، فكأنه يقول: لا يعلم أحد الغيب إلا الله، أي لا يعلم ذلك إلا الله {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} يعني: متى يبعثون ومتى يبعثون قوله عز وجل: {بَلِ ادرك عِلْمُهُمْ في الآخرة} قرأ ابن كثير وأبو عمرو {ادرك}.
قرأ الباقون {أَدْرَاكَ} بالألف، فمن قرأ أدرك، فمعناه أدرك علمهم علم الآخرة.
وروي عن السدي قال: اجتمع علمهم يوم القيامة، فلم يشكوا، ولم يختلفوا ويقال: معناه علموا في الآخرة أن الذين كانوا يوعدون حق، ولا ينفعهم ذلك.
ومن قرأ: {أَدْرَاكَ} فأصله تدارك فأدغم التاء في الدال، وشددت وأدخلت ألف الوصل، ليسلم السكون للدال، ومعناه تتابع علمهم، أي حكمهم على الآخرة، واستعمالهم الظنون في علم الآخرة، فهم يقولون تارة: إنها تكون، وتارة لا تكون الساعة.
ويقال: معناه تدارك، أي تكامل علمهم يوم القيامة بأنهم يبعثون، ويشاهدون ما وعدوا {بَلْ هُمْ في شَكّ مّنْهَا} أي: من قيام الساعة في الدنيا {بَلْ هُم مّنْهَا عَمُونَ} يعني: يتعامون عن قيامها.
ويقال: بل هم منها عمون، أي من علمها جاهلون.
وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ، {بَلِ أَدْرَاكَ} وهذه القراءة أشد إيضاحًا، للمعنى الذي ذكرناه.
ثم حكى قول الكفار فقال عز وجل: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ أَءذَا كُنَّا تُرَابًا وَءابَاؤُنَا أَءنَّا لَمُخْرَجُونَ} يعني: أحياء من القبور {لَقَدْ وُعِدْنَا هذا} يعني: هذا الذي يقول محمد صلى الله عليه وسلم: {نَحْنُ وَءابَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هذا} الذي يقول: {إِلاَّ أساطير الاولين} يعني: أحاديث الأولين وكذبهم، مثل حديث رستم واسفنديار.
ويقال: إن هذا إلاَّ مثل رسل الأولين مما كذبوا.
قوله عز وجل: {قُلْ سِيرُواْ في الأرض فَاْنظُرُواْ} يعني: فاعتبروا {كَيْفَ كَانَ عاقبة المجرمين} يعني: آخر أمر المشركين {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} إن لم يؤمنوا، بل ويقال: {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} أي على تكذيبهم وإعراضهم عنك {وَلاَ تَكُن في ضَيْقٍ} يعني: لا يضيق صدرك {مّمَّا يَمْكُرُونَ} يعني: بما يقولون من التكذيب.
ويقال: ولا يضيق قلبك بمكرهم {وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} أي: وعد العذاب {إِن كُنتُمْ صادقين} أن العذاب نازل بالمكذب.
ويقال: ولا تكن في ضيق مما يمكرون.
بقولهم: فهذا دأبنا ودأبك أيام الموسم، وهم الخراصون، فكانوا يأمرون أهل الموسم، بأن لا يسمعوا كلامه، ثم قال عز وجل: {قُلْ عسى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم} يعني: قرب وحضر لكم.
قال القتبي: أي تبعكم واللام زائدة، فكأنه قال: ردفكم قال وقيل في التفسير دنا منكم {بَعْضُ الذي تَسْتَعْجِلُونَ} من العذاب، وهو عذاب القبر.
ويقال: يعني: القحط.
ويقال: يوم بدر {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس} حين لم يأخذهم بالعذاب عند معصيتهم {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ} بتأخير العذاب عنهم حتى يتوبوا {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ} يعني: ما تسر قلوبهم من عداوة النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ: {وَمَا يُعْلِنُونَ} بألسنتهم من الكفر والشرك.
قوله عز وجل: {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ} يعني: من أمر العذاب.
ويقال: ما من شيء غائب عن العباد {فِي السموات والأرض إِلاَّ في كتاب مُّبِينٍ} يعني: مكتوب في اللوح المحفوظ.
ويقال: أي جملة غائبة عن الخلق إلا في كتاب مبين {إِنَّ هذا القرءان يَقُصُّ على بَنِى إسراءيل} قال مقاتل: يعني: أن هذا القرآن يبين للناس أهل الكتاب {أَكْثَرَ الذي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} يعني: اختلافهم وقال ابن عباس: إن أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم، فصاروا أهواءً وأحزابًا يطعن بعضهم على بعض، ويبرأ بعضهم من بعض، فنزل القرآن بتبيان ما اختلفوا فيه.
ثم قال عز وجل: {وَأَنَّهُ} يعني: القرآن {لَهَدَى} يعني: لبيانًا من الضلالة {وَرَحْمَةً} من العذاب {لِلْمُؤْمِنِينَ إِن رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُم} يعني: بين المختلفين في الدين {بِحُكْمِهِ} أي: بقضائه يوم القيامة {وَهُوَ العزيز} يعني: المنيع بالنقمة.
ويقال: العزيز يعني: القوي فلا يرد له أمر {العليم} بأحوال خلقه سبحانه {فَتَوَكَّلْ عَلَى الله} يعني: ثق بالله.
ويقال: فوّض أمرك إلى الله {إِنَّكَ عَلَى الحق المبين} يعني: الدين المبين، وهو الإسلام.
ثم قال عز وجل: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} فهذا مثل ضربه للكفار، أي فكما أنك لا تسمع الموتى، فكذلك لا تتفقه كفار مكة {وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعاء} قرأ ابن كثير {وَلاَ يَسْمَعُ} بالياء والنصب، و{الصم} بالرفع، والباقون بالتاء وضم التاء وكسر الميم، والصَّم بالنصب، فمن قرأ بالياء فلا يسمع، فالفعل للصم، ومن قرأ بالتاء، فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم إنك لا تسمع الصم الدعاء {إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ} يعني: أعرضوا عن الحق مكذبين قوله عز وجل: {وَمَا أَنتَ بِهَادِى العمى عَن ضلالتهم} قرأ حمزة {تَهْدِى العمى} بغير ألف وقرأ الباقون بالألف، فمن قرأ تهدي، فمعناه ما أنت يا محمد بالذي تهدي الذين عميت بصائرهم عن آياتنا، ولكن عليك الدعاء، ويهدي الله من يشاء، ومن قرأ: {بِهَادِى} فإن الباء دخلت لتأكيد النفي، كقولك ما أنت بعالم، فالياء لتأكيد النفي، وخفض العمي للإضافة ثم قال: {وَمَا أَنتَ بِهَادِى العمى عَن ضلالتهم} يعني: لا تسمع الهدى إلا من صدق بالقرآن أنه من الله تعالى.
ويقال: بآياتنا يعني: أدلتنا {فَهُم مُّسْلِمُونَ} يعني: مخلصون مقرون بها.
ويقال: مسلمون في علم الله تعالى.
قوله عز وجل: {وَإِذَا وَقَعَ القول عَلَيْهِم} يعني: إذا وجب عليهم العذاب والسخط وذلك حين لا يقبل الله من كافر إيمانه، ولم يبق إلا من يموت كافرًا في علم الله تعالى {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مّنَ الأرض تُكَلّمُهُمْ} بما يسوءهم يعني: الدابة التي تكلم الناس، وخروجها من أول أشراط الساعة.
{إِنَّ الناس} قرأ عاصم وحمزة والكسائي {إن} بالنصب.
وقرأ الباقون بالكسر، فمن قرأ بالنصب يكون حكاية قول الدابة.
ومعناه: تكلمهم بأن الناس {كَانُوا بآياتنا لاَ يُوقِنُونَ} أي: لا يؤمنون بآيات ربهم وهو خروج الدابة، ومن قرأ بالكسر يكون بمعنى الابتداء، ويتم الكلام عند قوله تكلمهم.
ثم يقول الله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ القول عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ} يعني: لا يؤمنون.
قال أبو عبيد حدّثنا هشام عن المغيرة أن أبا زرعة بن عمر وابن عباس، قرأها {تُكَلّمُهُمْ} بنصب التاء، وكسر اللام، وبسكون الكاف، والتخفيف يعني: تسمهم، فيتبين الكافر من المؤمن قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: وحدثني الثقة عن أبي بكر الواسطي، عن إبراهيم بن يوسف، عن محمد بن الفضل الضبي، عن أبيه عن سعيد بن مسروق، عن ابن عمر رضي الله عنهم قال ألا أريكم المكان الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم تخرج الدابة منه فضرب بعصاه قبل الشق الذي في الصفا وقال: إنها ذات زغب وريش، وإنها لتخرج تلبها أول ما تخرج، كحضر الفرس الجواد ثلاثة أيام ولياليهن، وإنها لتدخل عليهم؛ وإنهم ليفرون منها إلى المساجد، فتقول: أترون أن المساجد تنجيكم مني.
وروى مقاتل قال: تخرج الدابة من الصفا، ولا يخرج إلا رأسها وعنقها، فتبلغ رأسها السحاب، فيراه أهل المشرق والمغرب، ثم تقاد إلى مكانها، ثم تزلزل الأرض في ذلك اليوم في ست ساعات، فيمسون خائفين، فإذا أصبحوا جاءهم الصريخ بأن الدجال قد خرج.