فصل: (سورة النمل: آية 83):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة النمل: آية 83]:

{وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83)}.
{فَهُمْ يُوزَعُونَ} يحبس أوّ لهم على آخرهم حتى يجتمعوا فيكبكبوا في النار. وهذه عبارة عن كثرة العدد وتباعد أطرافه، كما وصفت جنود سليمان بذلك. وكذلك قوله: {فَوْجًا} فإن الفوج الجماعة الكثيرة. ومنه قوله تعالى: {يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجًا} وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما: أبو جهل والوليد بن المغيرة، وشيبة بن ربيعة: يساقون بين يدي أهل مكة، وكذلك يحشر قادة سائر الأمم بين أيديهم إلى النار. فإن قلت: أى فرق بين من الأولى والثانية؟ قلت: الأولى للتبعيض، والثانية للتبيين، كقوله مِنَ الْأَوْثانِ.

.[سورة النمل الآيات: 84- 85]:

{حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْمًا أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (85)}.
الواو للحال، كأنه قال: أكذبتم بها بادىء الرأى من غير فكر ولا نظر يؤدى إلى إحاطة العلم بكنهها، وأنها حقيقة بالتصديق أو بالتكذيب. أو للعطف، أى: أجحدتموها ومع جحودكم لم تلقوا أذهانكم لتحققها وتبصرها، فإن المكتوب إليه قد يجحد أن يكون الكتاب من عند من كتبه، ولا يدع مع ذلك أن يقرأه ويتفهم مضامينه ويحيط بمعانيه أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بها للتبكيت لا غير. وذلك أنهم لم يعملوا إلا التكذيب، فلا يقدرون أن يكذبوا ويقولوا قد صدّقنا بها وليس إلا التصديق بها أو التكذيب. ومثاله أن تقول لراعيك- وقد عرفته رويعي سوء-: أتأكل نعمى، أم ما ذا تعمل بها؟ فتجعل ما تبتدئ به وتجعله أصل كلامك وأساسه هو الذي صحّ عندك من أكله وفساده، وترمى بقولك: أم ما ذا تعمل بها، مع علمك أنه لا يعمل بها إلا الأكل، لتبهته وتعلمه علمك بأنه لا يجيء منه إلا أكلها، وأنه لا يقدر أن يدعى الحفظ والإصلاح، لما شهر من خلاف ذلك. أو أراد: أما كان لكم عمل في الدنيا إلا الكفر والتكذيب بآيات اللّه، أم ما ذا كنتم تعملون من غير ذلك؟ يعنى أنه لم يكن لهم عمل غيره، كأنهم لم يخلقوا إلا للكفر والمعصية، وإنما خلقوا للإيمان والطاعة: يخاطبون بهذا قبل كبهم في النار ثم يكبون فيها، وذلك قوله وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ يريد أن العذاب الموعود يغشاهم بسبب ظلمهم. وهو التكذيب بآيات اللّه، فيشغلهم عن النطق والاعتذار، كقوله تعالى: {هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ}.

.[سورة النمل: آية 86]:

{أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86)}.
جعل الإبصار للنهار وهو لأهله. فإن قلت: ما للتقابل لم يراع في قوله: {لِيَسْكُنُوا ومُبْصِرًا} حيث كان أحدهما علة والآخر حالا؟ قلت: هو مراعى من حيث المعنى، وهكذا النظم المطبوع غير المتكلف، لأن معنى مبصرا: ليبصروا فيه طرق التقلب في المكاسب.

.[سورة النمل: آية 87]:

{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (87)}.
فإن قلت: لم قيل {فَفَزِعَ} دون فيفزع؟ قلت: لنكتة وهي الإشعار بتحقق الفزع وثبوته وأنه كائن لا محالة، واقع على أهل السماوات والأرض، لأنّ الفعل الماضي يدل على وجود الفعل وكونه مقطوعا به. والمراد فزعهم عند النفخة الأولى حين يصعقون إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ إلا من ثبت اللّه قلبه من الملائكة، قالوا: هم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت- عليهم السلام. وقيل: الشهداء. وعن الضحاك: الحور، وخزنة النار، وحملة العرش. وعن جابر: منهم موسى عليه السلام، لأنه صعق مرّة. ومثله قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ} وقرئ: {أتوه} و{أتاه} و{دخرين} فالجمع على المعنى والتوحيد على اللفظ. والداخر والدخر: الصاغر. وقيل: مع الإتيان حضورهم الموقف بعد النفخة الثانية. ويجوز أن يراد رجوعهم إلى أمره وانقيادهم له.

.[سورة النمل الآيات: 88- 90]:

{وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)}.
جامِدَةً من جمد في مكانه إذا لم يبرح. تجمع الجبال فتسير كما تسير الريح السحاب، فإذا نظر إليها الناظر حسبها واقفه ثابتة في مكان واحد وَهِيَ تَمُرُّ مرّا حثيثا كما يمر السحاب. وهكذا الأجرام العظام المتكاثرة العدد: إذا تحرّكت لا تكاد تتبين حركتها، كما قال النابغة في صفة جيش:
بأرعن مثل الطّود تحسب أنّهم ** وقوف لحاج والرّكاب تهملج

صُنْعَ اللَّهِ من المصادر المؤكدة، كقوله وَعَدَ اللَّهُ. وصِبْغَةَ اللَّهِ إلا أن مؤكدة محذوف، وهو الناصب ليوم ينفخ، والمعنى: ويوم ينفخ في الصور وكان كيت وكيت أثاب اللّه المحسنين وعاقب المجرمين، ثم قال: صنع اللّه، يريد به: الإثابة والمعاقبة. وجعل هذا الصنع من جملة الأشياء التي أتقنها وأتى بها على الحكمة والصواب، حيث قال: {صنع اللّه الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} يعنى أنّ مقابلته الحسنة بالثواب والسيئة بالعقاب: من جملة إحكامه للأشياء وإتقانه لها، وإجرائه لها على قضايا الحكمة أنه عالم بما يفعل العباد وبما يستوجبون عليه، فيكافئهم على حسب ذلك. ثم لخص ذلك بقوله مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ. إلى آخر الآيتين، فانظر إلى بلاغة هذا الكلام، وحسن نظمه وترتيبه، ومكانة إضماده، ورصانة تفسيره، وأخذ بعضه بحجزة بعض، كأنما أفرغ إفراغا واحدا ولأمر مّا أعجز القوى وأخرس الشقاشق. ونحو هذا المصدر إذا جاء عقيب كلام، جاء كالشاهد بصحته والمنادى على سداده، وأنه ما كان ينبغي أن يكون إلا كما قد كان.
ألا ترى إلى قوله: {صُنْعَ اللَّهِ} و{صِبْغَةَ اللَّهِ} و{وَعَدَ اللَّهُ} و{فِطْرَتَ اللَّهِ} بعد ما وسمها بإضافتها إليه بسمة التعظيم، كيف تلاها بقوله: {الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} {لا يخلف اللّه الميعاد} {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} وقرئ: {تفعلون} على الخطاب. {فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها} يريد الإضعاف وأنّ العمل يتقضى والثواب يدوم، وشتان ما بين فعل العبد وفعل السيد. وقيل: فله خير منها، أى: له خير حاصل من جهتها وهو الجنة. وعن ابن عباس، الحسنة كلمة الشهادة. وقرئ: {يَوْمَئِذٍ} مفتوحا مع الإضافة، لأنه أضيف إلى غير متمكن. ومنصوبا مع تنوين فزع. فإن قلت: ما الفرق بين الفزعين؟ قلت: الفزع الأوّل: هو ما لا يخلو منه أحد عند الإحساس بشدّة تقع وهول يفجأ، من رعب وهيبة، وإن كان المحسن يأمن لحاق الضرر به، كما يدخل الرجل على الملك بصدر هياب وقلب وجاب وإن كانت ساعة إعزاز وتكرمة وإحسان وتولية.
وأمّا الثاني: فالخوف من العذاب. فإن قلت: فمن قرأ: {مِنْ فَزَعٍ} بالتنوين ما معناه؟ قلت: يحتمل معنيين. من فزع واحد وهو خوف العقاب، وأمّا ما يلحق الإنسان من التهيب والرعب لما يرى من الأهوال والعظائم، فلا يخلون منه، لأنّ البشرية تقتضي ذلك. وفي الأخبار والآثار ما يدل عليه. ومن فزع شديد مفرط الشدّة لا يكتنهه الوصف: وهو خوف النار. أمن: يعدى بالجار وبنفسه، كقوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} وقيل: السيئة: الإشراك. يعبر عن الجملة بالوجه والرأس والرقبة، فكأنه قيل: فكبوا في النار، كقوله تعالى: {فَكُبْكِبُوا فِيها} ويجوز أن يكون ذكر الوجوه إيذانا بأنهم يكبون على وجوههم فيها منكوسين {هَلْ تُجْزَوْنَ} يجوز فيه الالتفات وحكاية ما يقال لهم عند الكب بإضمار القول.

.[سورة النمل الآيات: 91- 93]:

{إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)}.
أمر رسوله بأن يقول أُمِرْتُ أن أخص اللّه وحده بالعبادة، ولا أتخذ له شريكا كما فعلت قريش، وأن أكون من الحنفاء الثابتين على ملة الإسلام {وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ} من التلاوة أو التلوّ كقوله: {وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ} والبلدة: مكة حرسها اللّه تعالى: اختصها من بين سائر البلاد بإضافة اسمه إليها، لأنها أحبّ بلاده إليه، وأكرمها عليه، وأعظمها عنده. وهكذا قال النبي صلى اللّه عليه وسلم حين خرج في مهاجره، فلما بلغ الحزورة استقبلها بوجهه الكريم فقال: «إنى أعلم أنك أحب بلاد اللّه إلى اللّه. ولولا أن أهلك أخرجونى ما خرجت» وأشار إليها إشارة تعظيم لها وتقريب، دالا على أنها موطن نبيه ومهبط وحيه. ووصف ذاته بالتحريم الذي هو خاص وصفها، فأجزل بذلك قسمها في الشرف والعلو، ووصفها بأنها محرّمة لا ينتهك حرمتها إلا ظالم مضادّ لربه {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ} لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها. واللاجئ إليها آمن. وجعل دخول كل شيء تحت ربوبيته وملكوته كالتابع لدخولها تحتهما. وفي ذلك إشارة إلى أن ملكا ملك مثل هذه البلدة عظيم الشأن قد ملكها وملك إليها كل شيء: اللهم بارك لنا في سكناها، وآمنا فيها شرّ كل ذى شرّ، ولا تنقلنا من جوار بيتك إلا إلى دار رحمتك. وقرئ: {التي حرّمها} واتل عليهم هذا القرآن: عن أبىّ {وأن أتل} عن ابن مسعود: {فَمَنِ اهْتَدى} باتباعه إياى فيما أنا بصدده من توحيد اللّه ونفى الأنداد عنه، والدخول في الملة الحنيفية، واتباع ما أنزل علىّ من الوحى، فمنفعة اهتدائه راجعة إليه لا إلىّ وَمَنْ ضَلَّ ولم يتبعني فلا علىّ، وما أنا إلا رسول منذر، وما على الرسول إلا البلاغ. ثم أمره أن يحمد اللّه على ما خوّله من نعمة النبوّة التي لا توازيها نعمة، وأن يهدّد أعداءه بما سيريهم اللّه من آياته التي تلجئهم إلى المعرفة، والإقرار بأنها آيات اللّه. وذلك حين لا تنفعهم المعرفة. يعنى في الآخرة. عن الحسن وعن الكلبي: الدخان، وانشقاق القمر. وما حلّ بهم من نقمات اللّه في الدنيا. وقيل: هو كقوله: {سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} الآية وكل عمل يعملونه، فاللّه عالم به غير غافل عنه لأنّ، الغفلة والسهو لا يجوزان على عالم الذات، وهو من وراء جزاء العاملين. قرئ: {تعملون} بالتاء والياء.
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. «من قرأ طس سليمان: كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق سليمان وكذب به وهود وشعيب وصالح وإبراهيم، ويخرج من قبره وهو ينادى لا إله إلا اللّه». اهـ.