فصل: من فوائد القاسمي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [202].
{أُولَئِكَ} إشارة إلى الفريق الثاني باعتبار اتصافهم بما ذكر من النعوت الجميلة، وما فيه من معنى البعد؛ لما مر مرارًا من الإشارة إلى علو درجتهم، وبعد منزلتهم في الفضل: {لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ} أي: من جنس ما كسبوا من الأعمال الحسنة وهو الثواب الذي هو المنافع الحسنة. أو من أجل ما كسبوا كقوله: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [نوح: 25]. أو لهم نصيب مما دعوا به نعطيهم منه في الدنيا والآخرة. وسمي الدعاء كسبًا؛ لأنه من الأعمال وهي موصوفة بالكسب: {وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} إما بمعنى سريع في الحساب كسريع في السير، فالجملة تذييل لقوله: {أُولَئِكَ} إلخ يعني: أنه يجازيهم على قدر أعمالهم وكسبهم ولا يشغله شأن عن شأن لأنه سريع في المحاسبة؛ أو بمعنى: سريع حسابه كحسن الوجه. فالجملة تذييل لقوله: {فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ} إلخ يعني: يوشك أن يقيم القيامة ويحاسب العباد. فبادروا إكثار الذكر وطلب الآخرة باكتساب الطاعات والحسنات.
وقال الراغب: لما كان الحساب يكشف عن جمل الشيء وتفصيله، نبه بذلك على إحاطته بأفعال عباده ووقوفه على حقائقها. وذكر السريع تنبيهًا أن ذلك منه لا في زمان ولا بفكرة، وذلك أبلغ ما يمكن أن يتصور به الكافة سرعة فعل الله.
تنبيه:
قال الرازي: اعلم أن الله تعالى بيّن أولًا تفصيل مناسك الحج، ثم أمر بعدها بالذكر فقال: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} إلخ، ثم بين أن الأولى أن يترك ذكر غيره وأن يقتصر على ذكره فقال: {فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ} إلخ، ثم بين بعد ذلك الذكر كيفية الدعاء فقال: {فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ} إلخ، وما أحسن هذا الترتيب! فإنه لابد من تقديم العبادة لكسر النفس وإزالة ظلماتها، ثم بعد العبادة لابد من الاشتغال بذكر الله تعالى لتنوير القلب وتجلي نور جلاله، ثم بعد ذلك الذكر، يشتغل الرجل بالدعاء، إنما يكمل إذا كان مسبوقًا بالذكر... اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآيات السابقة:

قال رحمه الله:
{فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}.
ونعرف أن قضى تأتي بمعان متعددة، والعمدة في هذه المعاني فصل الأمر بالحكمة، قد يفصل الأمر بحكمة لأنه فرغ منه أداء {فإذا قضيتم} أي إذا فرغتم من مناسككم، هذه واحدة. وقد يكون لأنك فصلت الأمر بخبر يقين مثل قوله الحق: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} من الآية [23 سورة الإسراء].
وقد يكون {قضى} بمعنى حكم حكما لازمًا كما تقول: قضى القاضي. إذن فكلها تدور حول معنى: فصل بحكمة. {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله}. أي إذا فرغتم من مناسككم، والمناسك هي الأماكن لعبادة ما، فعرفات مكان للموقف، ومزدلفة مكان للمشعر الحرام يبيت فيه الحجاج. ومنى منسك للمبيت أيضا، إذن كل مكان فيه عبادة يسمى منسكا.
وقوله سبحانه: {فاذكروا الله} أي فلا يزال ذكر الله دائما واردًا في الآيات، كأنك حين توفق إلى أداء شيء إياك أن تغتر، بل اذكر ربك الذي شرع لك ثم وفقك وأعانك. وكأن الحق يريد أن يضع نهاية لما تعودت عليه العرب في ذلك الزمان فقديما كانوا يحجون، فإذا ما اجتمعت القبائل في منى، كانت كل قبيلة تقف بشاعرها أو بخطيبها ليعدد مآثره ومآثار آبائه، وما كان لهم من مفاخر في الجاهلية ويحملون الديات، ويحملون الحمالات، ويطعمون الطعام، ويفعلون غير ذلك من العادات، فأراد الله سبحانه وتعالى أن ينهي فيهم هذه العادة التي هي التفاخر بالآباء وبأعمالهم فقال: {فاذكروا الله كذكركم آباءكم} والذكر معناه توجيه الفكر إلى شيء غير موجود ساعة تأتي به، ولا يمكن أن يذكر الإنسان من أحداث الماضي إلا الحدث الذي له الأثر النافع فيه، وعلى مقدار الأثر النافع يكون الذكر.
وكانوا قديما يطعمون الطعام، والذي يطعم الطعام يؤدي مهمة في مثل هذه البلاد البدائية أي اليدوية وكان من المبالغة في الجفنات أن بعضهم كالمطعم بن عدي مثلا كانت له جفنة يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يستظل بها ساعة الهجير. والجفنة هي الوعاء الذي يوضع فيه الطعام، فتأمل الجفنة كيف تكون؟! ويحملون الحمالات، بمعنى أنه إذا قامت قبيلة على قبيلة وقتلت منها خلقًا كثيرًا يتطوع منهم ذو الحسب وذو المروءة وذو الشهامة وذو النجدة فيحمل كل هذه الآثار في ماله. والديات هي التي يتطوع بدفعها أهل الشهامة منهم إذا ما قتل قاتل قتيلا، ولا يقدر على أن يعطي ديته، وكانت كل تلك الأعمال هي المفاخر.
أراد الحق سبحانه وتعالى أن يردهم في كل شيء إلى ذاته، فقال لهم: أنتم تذكرون آباءكم؛ لأنهم كانوا يفعلون كذا وكذا، وآباؤكم يفتخرون بآبائهم، انقلوها وسلسلوها إلى خالق كل الآباء وكل البشر، فكل ما يجري من خير على يد الآباء مرده إلى الله، فإن ذكرتم آباءكم لما قدموه من خير، فاذكروا من أمدهم بذلك الخير. وهو يريد منهم أن يذكروا الله كذكرهم آباءهم؛ أو أشد ذكرا؛ لأن كل كائن إنما يستحق من الذكر على مقدار ما قدم من الخير، ولن تجد كل الخير إلا لله، إذن لابد أن نذكر الله.
وأيضًا فإن الإسلام أراد أن ينهي التفاخر بالآباء ليجعل الفخر ذاتيا في نفس المؤمن، أي فخرا من عمل جليل نابع وحاصل من الشخص نفسه؛ ولذلك يقولون في أمثال هؤلاء الذين يفخرون بأسلافهم إنهم: عظاميون أي منسوبون إلى مجد صنعه من صاروا عظاما تضمها القبور، والله يريدنا أن نكون ذاتيين في مفاخرنا، أي أن نفخر بما نفعل نحن، لا بما فعل آباؤنا، فالآباء أفضوا إلى ما قدموا، ويريد الله أن يأخذ الإنسان ذاتية إيمانية تكليفية. ومن يريد أن يفتخر فليفتخر بنفسه ولذلك يقول الشاعر:
ولا تكونوا عظاميين مفخرة ** ماضيهم عامر في حاضر خرب

لا ينفع الحسب الموروث من قدم ** إلا ذوي همة غاروا على الحسب

والعود من مثمر إن لم يلد ثمرًا ** عدوه مهما سما أصلًا من الحطب

فالنبات الذي ليس له ثمرة، يعتبره الناس مجرد حطب، ويريد الحق أن ينبه في المؤمن ذاتية تفعل، وليس ذاتية تفتخر بأنه كان وكان، بل على كل إنسان أن يقدم ما يفتخر به:
ليس الفتى من يقول كان أبي ** إن الفتى من يقول هأنذا

وعندما كان العرب يتفاخر بعضهم على بعض يقول أحدهم للآخر: يا أخي أنت تفتخر علي بماذا؟
فيرد عليه الثاني: أفتخر عليك بآبائي وأجدادي.
فيرد الأول: اذكر جيدا أن مجد آبائك انتهى بك، ومجد آبائي بدأ بي، ولماذا لا اجعل لآبائي الفخر بأنهم أنجبوني؟
وفي ذلك يقول أحدهم:
قالوا أبو القصر من شيبان قلت لهم ** كلا لعمري ولكن منه شيبان

وكم أبٍ قد علا بابن ذرا شرف ** كما علت برسول الله عدنأن

ومادام القوم يفتخرون بحي منهم، فهم يلتحمون بمن يعطيهم المدد ليكونوا شيئا باقيا ومؤثرا في الوجود، وليس بذلك الشيء المحدود المتمثل في أنه يطعم الطعام، ويحمل الحمالات ويؤدي الديات، وإنما يكون بحمل رسالة الإنسانية العالمية. {فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا}. لأن ذكركم الله سيصلكم بالمدد منه، ويعطيكم المعونة لتكونوا أهلا لقيادة حركة الحياة في الأرض، فتوطدوا فيها الأمن والسلام والرحمة والعدل، وهذا هو ما يجب أن يكون مجالا للفخر. وبعد ذلك يلفتنا الحق فيما يأتي إلى أن الإنسان إذا ما قضى المناسك كان أهلا لأن يضرع إلى الله، ويسأل الله بما يحب أن يسأله، والسؤال لله يختلف باختلاف همة السائلين، وكانوا لا يسألون الله إلا قائلين: يا رب أعطني إبلًا، يا رب أعطني غنمًا، يا رب أعطني بقرًا، ويا رب أعطني حائطًا-أي بستانًا- يا رب كما أعطيت أبي أعطيني.
ولم يكن في بالهم إلا الأمور المادية، وأراد الله أن يجعلهم يرتفعون بالمسألة لله، وأن يصعدوها إلى شيء أخلد وأبقى وأنفع، ومن هنا تأتي المزية الإيمانية، فإذا كنتم ستسألون الله متاعا من متاع الدنيا فما الفارق بينكم وبين أهل الجاهلية؟ ذلك ما نفهمه من قول الله عز وجل في ختام هذه الآية: {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق}. فالعبد حين يؤدي مناسكه لله يجد نفسه أهلا لأن يسأل الله، ومادمت قد وجدت نفسك أهلا لأن تسأل الله فاسأل الله بخير باق؛ لأن الإنسان إنما يصعد حاجته إلى المسئول على مقدار مكانة المسئول ومنزلته؛ فقد تذهب لشخص تطلب منه عشرة قروش، وقد تذهب لآخر أغنى من الأول فتقول له: أعطني جنيها، ولثالث: تطلب منه عشر جنيهات، إنك تطلب على قدر همة كل منهم في الإجابة على سؤالك.
إذن مادام العباد بعد أداء المناسك في موقف سؤال لله فليصعدوا مسألتهم لله وليطلبوا منه النافع أبدًا، ولا ينحطوا بالسؤال إلى الأمور الدنيوية الفانية البحتة. {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخر من خلاق} إن العبد قد لا يريد من دعائه لله إلا الدنيا، ولا حظ ولا نصيب له في الآخرة، ومثل هذا الإنسان يكون ساقط الهمة؛ لأنه طلب شيئا في الدنيا الفانية، ويريد الله أن نصعد همتنا الإيمانية.
ولذلك يتبعها بقوله الحق: {وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)}.
ولماذا لم ننس الدنيا هنا؟ لأنها هي المزرعة للآخرة. وقوله سبحانه: {آتنا في الدنيا حسنة} اختلف فيها العلماء؛ بعضهم ضيقها وقال: إن حسنة الدنيا هي المرأة الصالحة. وقال عن حسنة الآخرة إنها الجنة. ومنهم من قال: إن حسنة الدنيا هي العلم؛ لأن عليه يبني العمل، وفي حسنة الآخرة قال: إنها المغفرة؛ لأنها أم المطالب. ومن استعراض أقوال العلماء نجدهم يتفقون على أن حسنة الآخرة هي ما يؤدي إلى الجنة مغفرة ورحمة، لكنهم اختلفوا في حسنة الدنيا. أقول: لماذا لا نجعل حسنة الدنيا أعم وأشمل فنقول: يا رب أعطنا كل ما يحسن الدنيا عندك لعبدك.
ويذيل الحق هذه الآية بقول: {وقنا عذاب النار} وسبحانه وتعالى حين يمتن على عباده يمتن عليهم بأن زحزحهم عن النار وأدخلهم الجنة، كأن مجرد الزحزحة عن النار نعيم، فإذا ما أدخل الجنة بعد الزحزحة عن النار فكأنه أنعم على الإنسان بنعمتين؛ لأنه سبحانه قال: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} من الآية [71 سورة مريم].
ومعناها أن كل إنسان سيرى النار إما وهو في طريقه للجنة، فيقول: الحمد لله، الإيمان أنجاني من هذه النار وعذابها. فهو عندما يرى النار وبشاعة منظرها يحمد الله على نعمة الإسلام. التي أنجته من النار. فإذا ما دخل الجنة ورأى نعيمها يحمد الله مرة ثانية. وكذلك يرى النار من هو من أهل الأعراف أي لا في النار ولا في الجنة، يقول الحق: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} من الآية [185 سورة آل عمران].
ويقول الحق من بعد ذلك: {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)}.
والنصيب هو الحظ، وأما {مما كسبوا} فنعرف من قبل أن فيه كسب وفيه اكتساب. والاكتساب فيه افتعال، إنما الكسب هو أمر عادي، ولذلك تجد الاكتساب لا يكون إلا في الشر؛ كأن الذي يفعل الشر يتكلف فيه، لكن من يفعل الخير فذلك أمر طبيعي من الإنسان. والمقصود ب {مما كسبوا} هنا هو الكسب من استيفاء أعمالهم التي فعلوها في الحج إحرامًا، وتلبية. وطوافًا، وسعيًا، وذهابًا إلى منى، وذهابًا إلى عرفات ووقوفًا بها، وإفاضة إلى مزدلفة، ورميًا للجمار. في منى، وطواف إفاضة، وكل هذا كسب للإنسان الذي نال شرف الحج.
وعندما تقرأ: {والله سريع الحساب} فنلفهم أن السرعة هي أن يقل الزمن عن الحدث، فبدلا من أن يأخذ الحدث منك ساعة، وقد تنهيه في نصف ساعة، وكل حدث له زمن، والحدث حين يكون له زمن وتريد أن تقلل زمن الحدث فلابد أن تسرع فيه حتى تنجزه في أقل وقت. وتقليل الزمن يقتضي سرعة الحركة في الفعل، وذلك في الأفعال العلاجية التي تحتاج معالجة، وعملًا من الإنسان، لكن سبحانه يفعل بكن ولا يحتاج عمله إلى علاج، وبالتالي لا يحتاج إلى زمن، إذن فهو سريع الحساب؛ لأنه لا يحتاج إلى زمن، ولأنه لا يشغله شأن عن شأن، وهذا هو الفرق بين قدرة الواحد سبحانه وقدرة الحادث؛ لأن الحادث عندما يؤدي عملًا، فهذا العمل يشغله عن غيره من الأعمال، فلا يستطيع أن يؤدي عمليتين في وقت واحد، لكن الواحد الأحد لا يشغله فعل عن فعل، وبالتالي يفعل ما يريد وقتما يريد ولكل من يريد.
ولذلك سئل الإمام علي بن أبي طالب: كيف يحاسب الله الخلائق جميعًا في لحظة واحدة؟. فقال: كما يرزقهم في ساعة واحدة. فهو سبحانه الذي يرزقهم، وكما يرزقهم يحاسبهم.
ويقول الحق من بعد ذلك: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)}. اهـ.