فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفراء:

ومن سورة القصص:
قوله: {ويرى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما} (6) هكذا قراءة أصحاب عبد اللّه بالياء والرفع.
والناس بعد يقرءونها بالنّون: {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما} بالنصب. ولو قرئت بالياء ونصب فرعون، يريد: ويرى اللّه فرعون كان الفعل للّه. ولم أسمع أحدا قرأ به.
وقوله: {عَدُوًّا وَحَزَنًا} (8) هذه لأصحاب عبد اللّه والعوامّ {حزنا} وكأن الحزن الاسم والغمّ وما أشبهه، وكأنّ الحزن مصدر. وهما بمنزلة العدم والعدم.
وقوله: {وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} (9) رفعت {قُرَّتُ عَيْنٍ} بإضمار هو ومثله في القرآن كثير يرفع بالضمير.
وقوله: {لا تَقْتُلُوهُ} وفي قراءة عبد اللّه {لا تقتلوه قرّة عين لى ولك} وإنما ذكرت هذا لأنى سمعت الذي يقال له ابن مروان السّدّىّ يذكر عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عبّاس أنه قال: إنها قالت {قرة عين لى ولك لا} وهو لحن. ويقوّيك على ردّه قراءة عبد اللّه.
وقوله: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} يعنى بنى إسرائيل. فهذا وجه. ويجوز أن يكون هذا من قول اللّه. وهم لا يشعرون بأن موسى هو الذي يسلبهم ملكهم.
وقوله: {وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغًا} (10) قد فرغ لهمّه، فليس يخلط همّ موسى شيء وقوله: {إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} يعنى باسم موسى أنه ابنها وذلك أن صدرها ضاق بقول آل فرعون: هو ابن فرعون، فكادت تبدى به أي تظهره. وفي قراءة عبد اللّه {إن كادت لتشعر به} وحدّثنا أبو العبّاس قال حدّثنا محمد قال حدثنا الفرّاء قال: حدّثنى ابن أبى يحيى بإسناد له أن فضالة بن عبيد الأنصارىّ من أصحاب النبىّ عليه السّلام قرأ: {وأصبح فؤاد أمّ موسى فزعا} من الفزع.
وقوله: {وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} (11) قصّى أثره.
{فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ}. يقول: كانت على شاطىء البحر حتّى رأت آل فرعون قد التقطوه. وقوله: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} يعنى آل فرعون لا يشعرون بأخته.
وقوله: {وحرّمنا عليه المراضع} يقول: منعناه من قبول ثدى إلّا ثدى أمّه.
وقوله: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ} (15) وإنما قال: {على} ولم يقل: ودخل المدينة حين غفلة، وأنت تقول: دخلت المدينة حين غفل أهلها، ولا تقول: دخلتها على حين غفل أهلها. وذلك أنّ الغفلة كانت تجزئ من الحين، ألا ترى أنك تقول: دخلت على غفلة وجئت على غفلة، فلمّا كان {حين} كالفضل في الكلام، والمعنى: في غفلة أدخلت فيه {على} ولو لم تكن كان صوابا. ومثله قول اللّه: {عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} ولو كان على حين فترة من الرسل لكان بمنزلة هذا. ومثله قوله العجير:
ومن يكن فتى عام ** عام الماء فهو كبير

كذلك أنشدنى العُقَيلىُّ. فالعَام الأول فَضْل.
وقوله: {فَوَكَزَهُ مُوسَى} يريد: فَلَكزه. وفي قراءة عبد الله {فَنكَزهُ} ووَهَزه أيضًا لغة. كلٌّ سَوَاء. وقوله: {فَقَضَى عَلَيْهِ} يعنى قَتَله.
وندِم موسَى فاستغفر اللهَ فغفر له {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ}.
وقوله: {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ}.
قال ابن عبّاس: لم يَستَثن فابتُلِى، فجَعَل لَنْ خَبَرًا لموسَى. وفي قراءة عَبدالله {فَلاَ تَجْعَلْنِى ظَهِيرًا} فقد تكون {لَنْ أَكُونَ} عَلَى هَذَا المعْنى دُعاءً منْ مُوسَى: اللهمّ لن أكون لَهُمْ ظهيرًا فيكونُ دعاءً وذلك أنَّ الذي من شِيعته لقيه رجل بعد قتله الأوَّلَ فتسخّر الذي من شيعة موسى، فمرّ به موسى عَلَى تلك الحال فاسْتصرخه- يعنى اسْتغاثه- فقال له موسى: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ} أى قد قتَلتُ بالأمس رجلا فتَدعونى. إلى آخر. وأقبلَ إليهما فظنَّ الذي من شيعتِه أنه يريده. فَقال: {أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ} ولم يكن فرعون علم مَن قتل القبطىّ الأوَّل. فترك القبطى الثانى صَاحبَ مُوسى من يده وأخبر بأن موسى القاتلُ. فذلك قول ابن عَبَّاسٍ: فابتلى بأن صَاحبه الذي دَلّ عليه.
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ}.
وقوله: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ} يريد: قَصد ماء مَدْيَن. ومَدْين لم تصرف لأنها اسم لتلك البلدة. وقال الشاعر:
رُهبانُ مَدْيَن لو رأوكِ تَنَزَّلُوا ** والعُصْمُ من شَعَفِ العقول الفادر

وقوله: {أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} الطريق إلى مَدْين ولم يكن هَاديًا لِطريقهَا.
وقوله عزّ وجلّ. ووجد من دونهم امرأتين تذودان (23): تحبسان غنمهما. ولا يجوز أن تقول ذدت الرجل: حبسته. وإنما كان الذّياد حبسا للغنم لأن الغنم والإبل إذا أراد شيء منها أن يشذّ ويذهب فرددته فذلك ذود، وهو الحبس. وفي قراءة عبد اللّه {ودونهم امرأتان حابستان} فسألهما عن حبسهما فقالتا: لا نقوى على السقي مع الناس حتى يصدروا. فأتى أهل الماء فاستوهبهم دلوا فقالوا: استق إن قويت، وكانت الدلو يحملها الأربعون ونحوهم. فاستقى هو وحده، فسقى غنمهما، فذلك قول إحدى الجاريتين {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} فقوّته إخراجه الدلو وحده، وأمانته أنّ إحدى الجاريتين قالت: إن أبى يدعوك، فقام معها فمرّت بين يديه، فطارت الريح بثيابها فألصقتها بجسدها، فقال لها: تأخّرى فإن ضللت فدلّينى. فمشت خلفه فتلك أمانته.
وقوله: {عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ} (27) يقول: أن تجعل ثوابى أن ترعى علىّ غنمى ثمانى حجج {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} يقول: فهو تطوّع. فذكر ابن عباس أنه قضى أكثر الأجلين وأطيبهما.
وقوله: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} (28) فجعل ما وهى صلة من صلات الجزاء مع أىّ وهى في قراءة عبد اللّه {أىّ الأجلين ما قضيت فلا عدوان علىّ} وهذا أكثر في كلام العرب من الأوّل.
وقال الشاعر:
وأيّهما ما أتبعنّ فإننى ** حريص على إثر الذي أنا تابع

وسمع الكسائىّ أعرابيّا يقول: فأيّهم ما أخذها ركب على أيّهم، يريد في لعبة لهم. وذلك جائز أيضا حسن.
وقوله: {أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ} (29) قرأها عاصم {أو جذوة} بالفتح والقراءة بكسر الجيم أو برفعها. وهى مثل أوطأتك عشوة وعشوة وعشوة والرّغوة والرّغوة والرّغوة. ومنه ربوة وربوة وربوة.
وقوله: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} (32) و{الرّهب} قرأها أهل المدينة {الرّهب} وعاصم والأعمش {الرّهب}.
وقوله: {رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} (34) تقرأ جزما ورفعا. من رفعها جعلها صلة للردء ومن جزم فعلى الشرط. والرّدء: العون. تقول: أردأت الرجل: أعنته. وأهل المدينة يقولون {ردا يصدّقنى} بغير همز والجزم على الشرط: أرسله معى يصدّقنى مثل {يَرِثُنِي وَيَرِثُ}.
وقوله: {فَذانِكَ بُرْهانانِ} (32) اجتمع القراء على تخفيف النون من ذانك وكثير من العرب يقول فذانّك وهذانّ قائمان {وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ} فيشدّدون النون.
وقوله: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ} يريد عصاه في هذا الموضع. والجناح في الموضع الآخر: ما بين أسفل العضد إلى الرّفع وهو الإبط.
وقوله: {فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ} (38) يقول: اطبخ لى الآجر وهو الأجور والآجرّ. وأنشد:
كأنّ عينيه من الغوّور

قلتان في جوف صفا منقور

عولى بالطين وبالأجور

وقوله: {قالوا سحران تظاهرا} (48) يعنون التوراة والقرآن، ويقال: {ساحران تظاهرا} يعنون محمّدا وموسى صلى اللّه عليهما وسلم. وقرأ عاصم والأعمش {سِحْرانِ}.
حدّثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال حدثنا الفراء، قال وحدّثنى غير واحد عن إسماعيل ابن أبى خالد عن أبى رزين أنه قرأ: {سحران تظاهرا}.
قال: وقال سفيان بن عيينة عن حميد قال: قال مجاهد: سألت ابن عباس وعنده عكرمة فلم يجبنى، فلمّا كانت في الثالثة قال عكرمة أكثرت عليه {ساحران تظاهرا} فلم ينكر ابن عباس، أو قال: فلو أنكرها لغيّرها. وكان عكرمة يقرأ: {سِحْرانِ} بغير ألف ويحتجّ بقوله: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ} وقرأها أهل المدينة والحسن {ساحران تظاهرا}.
وقوله: {أَتَّبِعْهُ} (49) رفع لأنها صلة للكتاب لأنه نكرة وإذا جزمت- وهو الوجه- جعلته شرطا للأمر.
وقوله: {وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ} (51) يقول: أنزلنا عليهم القرآن يتبع بعضه بعضا.
وقوله: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} (53) يقال: كيف أسلموا قبل القرآن وقبل محمد صلى اللّه عليه وسلم؟ وذلك أنهم كانوا يجدون صفة النبىّ صلى اللّه عليه وسلم في كتابهم فصدّقوا به.
فذلك إسلامهم.
و{مِنْ قَبْلِهِ} هذه الهاء للنبى عليه السّلام. ولو كانت الهاء كناية عن القرآن كان صوابا، لأنهم قد قالوا: إنه الحقّ من ربّنا، فالهاء هاهنا أيضا تكون للقرآن ولمحمد صلى اللّه عليه وسلم.
وقوله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} (56) يكون الحبّ على جهتين هاهنا:
إحداهما: إنك لا تهدى من تحبّه للقرابة.
والوجه الآخر يريد: إنك لا تهدى من أحببت أن يهتدى كقولك: إنك لا تهدى من تريد، كما تراه كثيرا في التنزيل {وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ} أن يهديه.
وقوله: {أَوَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا} (57) قالت قريش: يا محمد ما يمنعنا أن نؤمن بك ونصدّقك إلّا أن العرب على ديننا، فنخاف أن نصطلم إذا آمنّا بك. فأنزل اللّه {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ} نسكنهم {حَرَمًا آمِنًا} لا يخاف من دخله أن يقام عليه حدّ ولا قصاص فكيف يخافون أن تستحلّ العرب قتالهم فيه.
وقوله: {يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شيء} و{تجبى} ذكّرت يجبى، وإن كانت الثمرات مؤنثة لأنك فرقت بينهما بإليه، كما قال الشاعر:
إنّ امرأ غرّه منكنّ واحدة ** بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور

وقال آخر:
لقد ولد الأخيطل أمّ سوء ** على قمع استها صلب وشام

وقوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها} (58) بطرتها: كفرتها وخسرتها ونصبك المعيشة من جهة قوله: {إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} إنما المعنى واللّه أعلم- أبطرتها معيشتها كما تقول: أبطرك مالك وبطرته، وأسفهك رأيك فسفهته. فذكرت المعيشة لأن الفعل كان لها في الأصل، فحوّل إلى ما أضيفت إليه. وكأنّ نصبه كنصب قوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} ألا ترى أن الطيب كان للنفس، فلمّا حوّلته إلى صاحب النفس خرجت النفس منصوبة لتفسّر معنى الطيب. وكذلك ضقنا به ذرعا إنما كان المعنى: ضاق به ذرعنا.
وقوله: {لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا} معناه: خربت من بعدهم فلم يعمر منها إلّا القليل، وسائرها خراب. وأنت ترى اللفظ كأنها سكنت قليلا ثم تركت، والمعنى على ما أنبأتك به مثله: ما أعطيتك دراهمك إلّا قليلا، إنما تريد: إلّا قليلا منها.
وقوله: {حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها} (59) أمّ القرى مكّة. وإنما سمّيت أمّ القرى لأن الأرض- فيما ذكروا- دحيت من تحتها.
وقوله: {فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ} (66) يقول القائل: قال اللّه: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ} كيف قال هنا: {فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ} فإن التفسير يقول: عميت عليهم الحجج يومئذ فسكتوا فذلك قوله: {فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ} في تلك السّاعة، وهم لا يتكلّمون.