فصل: قال بيان الحق الغزنوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله: {فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ} (67) وكلّ شيء في القرآن من {عسى} فذكر لنا أنها واجبة.
وقوله: {ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} (68) يقال الخيرة والخيرة والطّيرة والطّيرة. والعرب تقول:
أعطنى الخيرة منهن والخيرة منهن والخيرة وكلّ ذلك الشيء المختار من رجل أو امرأة أو بهيمة، يصلح إحدى هؤلاء الثلاث فيه.
وقوله: {إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا} (71) دائما لانهار معه. ويقولون: تركته سرمدا سمدا، إتباع.
وقوله: {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} (73). إن شئت جعلت الهاء راجعة على الليل خاصّة وأضمرت للابتغاء هاء أخرى تكون للنهار، فذلك جائز. وإن شئت جعلت الليل والنهار كالفعلين لأنهما ظلمة وضوء، فرجعت الهاء في {فيه} عليهما جميعا، كما تقول: إقبالك وإدبارك يؤذينى لأنهما فعل والفعل يردّ كثيره وتثنيته إلى التوحيد، فيكون ذلك صوابا.
وقوله: {إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ} (76) وكان ابن عمّه {فَبَغى عَلَيْهِمْ} وبغيه عليهم أنه قال: إذا كانت النبوّة لموسى، وكان المذبح والقربان الذي يقرّب في يد هارون فما لى؟.
وقوله: {وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ} نوؤها بالعصبة أن تثقلهم، والعصبة هاهنا أربعون رجلا ومفاتحه: خزائنه. والمعنى: ما إن مفاتحه لتنىء العصبة أي تميلهم من ثقلها فإذا أدخلت الباء قلت: تنوء بهم وتنىء بهم، كما قال: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} والمعنى: ائتوني بقطر أفرغ عليه، فإذا حذفت الباء زدت في الفعل ألفا في أوّله. ومثله {فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ} معناه: فجاء بها المخاض. وقد قال رجل من أهل العربيّة: إن المعنى: ما إن العصبة لتنوء بمفاتحه فحوّل الفعل إلى المفاتح كما قال الشاعر:
إن سراجا لكريم مفخره ** تحلى به العين إذا ما تجهره

وهو الذي يحلى بالعين. فان كان سمع بهذا أثرا فهو وجه. وإلّا فإنّ الرجل جهل المعنى. ولقد أنشدنى بعض العرب:
حتى إذا ما التأمت مواصله ** وناء في شقّ الثّمال كاهله

يعنى الرامي لمّا أخذ القوس ونزع مال على شقّه. فذلك نوؤه عليها. ونرى أن قول العرب:
ما ساءك وناءك من ذلك، ومعناه ما ساءك وأناءك، إلّا أنّه ألقى الألف لأنه متبع لساءك، كما قالت العرب: أكلت طعاما فهنأنى ومرأنى، ومعناه، إذا أفردت: وامرأني، فحذفت منه الألف لمّا أن أتبع ما لا ألف فيه.
وقوله: {إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ} ذكروا أن موسى الذي قال له ذلك لأنه من قومه وإن كان على غير دينه. وجمعه هاهنا وهو واحد كقول اللّه: {الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} وإنما كان رجلا من أشجع وقوله: {الْفَرِحِينَ} ولو قيل: الفارحين كان صوابا، كأنّ الفارحين: الذين يفرحون فيما يستقبلون، والفرحين الذين هم فيه السّاعة، مثل الطامع والطمع، والمائت والميّت، والسّالس والسّلس. أنشدنى بعض بنى دبير، وهم فصحاء بنى أسد:
ممكورة غرثى الوشاح السّالس ** تضحك عن ذى أشر عضارس

العضارس البارد وهو مأخوذ من العضرس وهو البرد. يقال: سالس وسلس.
وقوله: {إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي} (78): على فضل عندى، أي كنت أهله ومستحقّا له، إذ أعطيته لفضل علمى. ويقال: {أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ} ثم قال: {عِنْدِي} أي كذاك أرى كما قال: {إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ}.
وقوله: {وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} يقول: لا يسأل المجرم عن ذنبه. الهاء والميم للمجرمين. يقول: يعرفون بسيماهم. وهو كقوله: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} ثم بيّن فقال: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ}.
وقوله: {وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ} (80) يقول: ولا يلقّى أن يقول ثواب اللّه خير لمن آمن وعمل صالحا إلّا الصابرون. ولو كانت: ولا يلقّاه لكان صوابا لأنه كلام والكلام يذهب به إلى التأنيث والتذكير. وفي قراءة عبد اللّه {بل هي آيات بيّنات} وفي قراءتنا {بل هو آيات} فمن قال: {هى} ذهب إلى الآيات، ومن قال: {هو} ذهب إلى القرآن. وكذلك {تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ} و{ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ} ومثله في الكلام: قد غمّنى ذاك وغمّتنى تلك منك.
وقوله: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ} (82) في كلام العرب تقرير. كقول الرجل: أما ترى إلى صنع اللّه.
وأنشدنى:
وَيْكأنْ مَنْ يكن له نَشَبٌ يُحـ ** ـبَبْ وَمَنْ يَفْتقِر يعش عيشَ ضُرّ

قال الفراء: وأخبرنى شيخ من أهْل البصرة قال: سَمعت أعرابيَّة تقول لزوجها: أين ابنكَ ويْلكَ؟ فقال: وَيْكأنّهُ وراء البيت. مَعْناه: أَمَا ترينه وراء البيت. وقد يذهب بعض النحوّيينَ إلى أنهما كلمتان يريد وَيْكَ أَنَّه، أراد ويلكَ، فحذف اللام وجعل أنّ مفتوحةً بفعلٍ مضمرٍ، كأنه قال: ويلك أعلم أنه وراء البيت، فأضمر اعْلم. ولم نجد العرب تُعمل الظنّ والعلم بإضمارٍ مضمرٍ في أَنَّ. وذلك أنه يبطل إذا كان بين الْكَلِمَتَين أو في آخِرِ ب الكلمة، فلمَّا أضمره جرى مَجْرى الترك؛ أَلاَ ترى أنه لا يجوز في الابتداء أن تقول: يا هَذَا أنكَ قائم، ولا يا هذا أنْ قمت تريد: علِمت أو أعلمُ أوظننت أو أظنّ. وأمّا حذف اللام مِنْ ويْلك حَتى تصير ويك فقد تقوله العرب لكثرتهَا في الكلام قَالَ عنترة:
ولقد شفى نفسى وَأبرأ سُقمها ** قولُ الفوارس وَيْكَ عَنْتَرَ أقدِم

وقد قال آخرونَ: أن معنى {وَىْ كأنَّ} أَنّ وَىْ منفصلة من كأنّ كقولك للرجل: وَىْ، أمَا ترى ما بين يديكَ، فقال: وَىْ، ثم استأنف كأنّ يعنى {كَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} وهى تعجّب، وكأنَّ في مذهب الظنّ والعلم. فهذا وجه مُستقيم. ولم تكتبها العرب منفصلةً، ولو كانت عَلى هذا لكتبوهَا منفصِلةً. وقد يجوز أن تكون كَثُر بها الكلام فوُصِلت بما ليست منه؛ كما اجتمعَت العرب على كتاب {يا بْنَ أُمَّ} {يابْنَؤُمَّ} قال: وكذا رأيتها في مُصْحف عَبْدالله. وهى في مصاحفنا أيضًا.
وقوله: {لَخَسَفَ بِنَا} قراءة العامة {لَخُسِفَ} وقد قرأها شَيْبة والحسن- فيما أعْلم- {لخَسَفَ بنا} وهى في قراءة عبدالله {لانْخُسِف بِنَا} فهذا حُجّةٌ لمن قرأ: {لخُسِفَ}.
{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}.
وقوله: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ} يقول: أنزَل عَليكَ القرآن {لَرَادُّكَ إلَى مَعَاد} ذكروا أن جبريل قال يا محمَّد أَشتقت إلى مولدكَ ووطنك؟ قال: نعم. قال فقال له ما أنزل عليه {نَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَادٍ} يعنى إلى مكَّة. والمَعَاد هَا هُنَا إنما أراد به حيث وُلِدت وليسَ من العَوْد. وقد يكون أن يجعَل قوله: {لرادُّكَ} لمصيرك إلى أن تعود إلى مَكَّة مَفتُوحَةً لك فيكون المعاد تَعجّبًا {إلى مَعَادٍ} أَيِّما مَعَادٍ! لِمَا وعده من فتح مكَّة.
{وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيرًا لِّلْكَافِرِينَ}.
وقوله: {وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} إلاَّ أن ربَّكَ رحمك {فأنزل عليك} فهو استثناء منقطِع. ومعناهُ: وما كنت ترجو أن تعلم كتب الأولينَ وَقِصَصهم تتلوهَا على أهْل مَكَّة ولم تحضُرهَا ولم تشهدها. والشاهد عَلى ذلكَ قوله في هَذه السُّورة {وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا في أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عليهِم آياتِنَا} أى إنك تتلو على أهل مَكَّة قِصَص مَدْيَن وَمُوسى ولم تكن هنالكَ ثاويًا مقيمًا فنراه وتسمعَه. وكذلك قوله: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الغَرْبِىِّ} وهأنت ذا تتلُو قِصَصهم وأمرهم. فهذه الرَّحمة من ربّه.
{وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ الهًا آخَرَ لاَ اله إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
وقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} إلاَّ هُوَ وَقال الشاعر:
أستغفرُ الله ذنبًا لَسْتُ مُحْصِيهُ ** رَبّ العِبَاد إليه الوَجْهُ وَالْعَمَلُ

أى إليه أُوَجّه عَمَلى. اهـ.

.قال بيان الحق الغزنوي:

سورة القصص:
{شيعًا} (4) فرقًا، أي: فرق بني إسرائيل، فجعلهم خولًا للقبط.
{ونريد أن نمن} (5) واو الحال، أي: فقصد فرعون أمرًا في حال إرادتنا لضده.
{وأوحينا إلى أم موسى} (7) ألهمناها. وقيل: إنه كان رؤيا منام.
{فإذا خفت عليه} أي: خفت أن يسمع جيرانك صوته.
وكان موسى ولد في عام القتل، وهارون في عام الاستحياء، وذلك أن بني إسرائيل لما تفانوا بالقتل، قالت القبط: خولنا منهم، وقد فنيت شيوخهم موتًا، وأولادهم قتلًا. وفي الآية خبران وأمران ونهيان وبشارتان. وحكى الأصمعي قال: سمعت جارية معصرة تقول:
أستغفر الله لذنبي كله ** قبلت إنسانًا بغير حله

مثل الغزال ناعمًا في دله ** فانتصف الليل ولم أصله

فقلت: قاتلك الله ما أفصحك.
فقالت: أو فصاحة بعد قوله تعالى: {وأوحينا إلى أم موسى} الآية.
{فالتقطه} (8) أخذه فجأة. قال الراجز:
ومنهل وردته التقاطا ** لم ألق إذ وردته فراطا

{فراغًا} (10) أي: من كل شيء إلا من ذكر موسى.
وقيل: من موسى أيضًا، لأن الله أنساها ذكره، أو ربط على قلبها وآنسه.
{إن كادت لتبدي به} (10) لما رأت الأمواج بلعت التابوت فكادت تصيح.
{قصيه} (11) اتبعي أثره، لتعلمي أمره.
{عن جنب} عن جانب، كأنها ليست تريده. والجنب والجنابة: البعد. قال:
وإني لظلام لأشعث بائس ** عرانا ومقرور أتانا به الفقر

وجار قريب الدار وذي جنابة ** بعيد محل الدار ليس له وفر

أي: أظلم الناقة وأنحر فصيلها لأجل هؤلاء.
{وحرمنا عليه} (12) تحريم منه لا شرع، قال امرؤ القيس:
جالت لتصرعني فقلت لها ** اقصري إني امرؤ صرعي عليك حرام

أي: ممتنع.
{من قبل} أي: من قبل مجيء أخته، ومن إلطاف الله لنبيه موسى، استخدم له عدوه في كفالته وتربيته، وهو يقتل القتل الذريع لأجله. والأشد: لا واحد له من لفظه. وقيل: واحده شدة، كنعمة وأنعم. أو شد، كفلس وأفلس، أو شد كما يقال: هو ودي والجمع أود.
{واستوى} (14) استحكم، وانتهى شبابه.
{على حين غفلة} (15) نصف النهار، في وقت القائلة.
{فوكزه} دفعه بجميع كفه.
{فقضى عليه} قتله.
{هذا من عمل الشيطان} لأن الغضب من نفخ الشيطان.
{فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه} (18) الإسرائيلي الذي خلصه موسى استغاث به ثانيًا على آخر من القبط، فقال له موسى {إنك لغوي} أي: للقبطي. فظن الإسرائيلي أنه عناه، فقال: {أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسًا بالأمس} وسمعه القبطي، فعرف قاتل المقتول أمس، فسعى به.
{يأتمرون بك} (20) يتشاورون في قتلك. وقيل: يأمر بعضهم بعضًا.
{تذودان} (23) تطردان. وقيل: بل تحسبان، أي: تمنعان عنهما الورود.
كما قال سويد بن كراع:
أبيت بأبواب القوافي كأنما ** أذود بها سربًا من الوحش نزعا

{يصدر الرعاء} (23) ينصرف الرعاة، و{يصدر} قريب من {يصدر} لأن الرعاة إذا صدروا فقد أصدروا، وإذا أصدروا فقد صدروا. إلا أن المفعول في: {يصدر الرعاء} محذوف، كما في قوله: {لا نسقي}.