فصل: السؤال الثالث: هل في الآية دلالة على وجوب الإقامة بمنى بعد الإفاضة من المزدلفة؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.السؤال الثالث: هل في الآية دلالة على وجوب الإقامة بمنى بعد الإفاضة من المزدلفة؟

الجواب: نعم، كما كان في قوله: {فَإِذَا أَفَضْتُم مّنْ عرفات} [البقرة: 198] دليل على وقوفهم بها.
واعلم أن الفقهاء قالوا: إنما يجوز التعجل في اليومين لمن تعجل قبل غروب الشمس من اليومين فأما إذا غابت الشمس من اليوم الثاني قبل النفر فليس له أن ينفر إلا في اليوم الثالث لأن الشمس إذا غابت فقد ذهب اليوم، وإنما جعل له التعجل في اليومين لا في الثالث هذا مذهب الشافعي، وقول كثير من فقهاء التابعين، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: يجوز له أن ينفر ما لم يطلع الفجر، لأنه لم يدخل وقت الرمي بعد. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ}:

.قال البقاعي:

ولما كان مدار الأعمال البدنيات على النيات قيد ذلك بقوله: {لمن} أي هذا النفي للإثم عن القسمين لمن {اتقى} من أهلهما فأدار أفعاله على ما يرضي الله. ولما كان التقدير: فافعلوا ما شئتم من التعجل والتأخر عطف عليه ما علم أنه روحه فقال: {واتقوا الله} أي الذي له الإحاطة الشاملة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {واتقوا الله} وصاية بالتقوى وقعت في آخر بيان مهامّ أحكام الحج، فهي معطوفة على {واذكروا الله} أو معترضة بين {ومن تأخر} وبين {من الناس من يعجبك} [البقرة: 204] الخ.
وقد استُحضر حال المخاطبين بأحكام الحج في حال حجهم؛ لأن فاتحة هاته الآيات كانت بقوله: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث} [البقرة: 197] الخ ولما ختمت بقوله: {واذكروا الله في أيام معدودات} وهي آخر أيام الحج وأشير في ذلك إلى التفرق والرجوع إلى الأوطان بقوله: {فمن تعجل في يومين} الخ، عُقب ذلك بقوله تعالى: {واتقوا الله} وصية جامعة للراجعين من الحج أن يراقبوا تقوى الله في سائر أحوالهم وأماكنهم ولا يجعلوا تقواه خاصة بمدة الحج كما كانت تفعله الجاهلية فإذا انقضى الحج رجعوا يتقاتلون ويغيرون ويفسدون، وكما يفعله كثير من عصاة المسلمين عند انقضاء رمضان. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {لِمَنِ اتقى} ففيه وجوه أحدها: أن الحاج يرجع مغفورًا له بشرط أن يتقي الله فيما بقي من عمره ولم يرتكب ما يستوجب به العذاب، ومعناه التحذير من الاتكال على ما سلف من أعمال الحج فبين تعالى أن عليهم مع ذلك ملازمة التقوى ومجانبة الاغترار بالحج السابق.
وثانيها: أن هذه المغفرة إنما تحصل لمن كان متقيًا قبل حجه، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين} [المائدة: 27] وحقيقته أن المصر على الذنب لا ينفعه حجه وإن كان قد أدى الفرض في الظاهر وثالثها: أن هذه المغفرة إنما تحصل لمن كان متقيًا عن جميع المحظورات حال اشتغاله بالحج، كما روي في الخبر من قوله عليه الصلاة والسلام: «من حج فلم يرفث ولم يفسق» واعلم أن الوجه الأول من هذه الوجوه التي ذكرناها إشارة إلى اعتباره في الحال والتحقيق أنه لابد من الكل وقال بعض المفسرين المراد بقوله: {لِمَنِ اتقى} ما يلزمه التوقي في الحج عنه من قتل الصيد وغيره، لأنه إذا لم يجتنب ذلك صار مأثومًا، وربما صار عمله محبطًا، وهذا ضعيف من وجهين الأول: أنه تقييد للفظ المطلق بغير دليل الثاني: أن هذا لا يصح إلا إذا حمل على ما قبل هذه الأيام، لأنه في يوم النحر إذا رمى وطاف وحلق، فقد تحلل قبل رمي الجمار فلا يلزمه اتقاء الصيد إلا في الحرم، لكن ذاك ليس للإحرام، لكن اللفظ مشعر بأن هذا الاتقاء معتبر في هذه الأيام، فسقط هذا الوجه. اهـ.

.قال الألوسي:

{لِمَنِ اتقى} خبر لمحذوف واللام إما للتعليل أو للاختصاص، أي ذلك التخيير المذكور بقرينة القرب لأجل المتقي لئلا يتضرر بترك ما يقصده من التعجيل والتأخر لأنه حذر متحرز عما يريبه، أو ذلك المذكور من أحكام الحج مطلقًا نظرًا إلى عدم المخصص القطعي، وإن كانت عامة لجميع المؤمنين مختصة بالمتقي لأنه الحاج على الحقيقة، والمنتفع بها، والمراد من التقوى على التقديرين التجنب عما يؤثم من فعل أو ترك ولا يجوز حملها على التجنب عن الشرك لأن الخطاب في جميع ما سبق للمؤمنين، واستدل بعضهم بالآية على أن الحاج إذا اتقى في أداء حدود الحج وفرائضه غفرت له ذنوبه كلها، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأخرج ابن جرير عنه أنه فسر الآية بذلك ثم قال: إن الناس يتأوّلونها على غير تأويلها، وهو من الغرابة بمكان. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}:

.قال البقاعي:

ولما كان الحج حشرًا في الدنيا والانصراف منه يشبه انصراف أهل الموقف بعد الحشر عن الدنيا فريقًا إلى الجنّة وفريقًا إلى السعير ذكرهم بذلك بقوله: {واعلموا أنَّكم} جميعًا {إليه} لا إلى غيره {تحشرون} بعد البعث، والحشر الجمع بكره، وهو واقع على أول خروجهم من الأجداث إلى انتهاء الموقف، فاعلموا لما يكون سببًا في انصرافكم منه إلى دار كرامته لا إلى دار إهانته. قال الحرالي: وكلية الحج ومناسكه مطابق في الاعتبار لأمر يوم الحشر ومواقفه من خروج الحاج من وطنه متزودًا كخروج الميت من الدنيا متزودًا بزاد العمل، ووصوله إلى الميقات وإهلاله متجردًا كانبعاثه من القبر متعريًا، وتلبيته في حجه كتلبيته في حشره {مهطعين إلى الداع} [القمر: 80] كذلك اعتباره موطنًا إلى غاية الإفاضة والحلول بحرم الله في الآخرة التي هي الجنة، والشرب من ماء زمزم التي هي آية نزل الله لأهل الجنة على وجوه من الاعتبارات يطالعها أهل الفهم واليقين، فلأجل ذلك كان أتم ختم لأحكام الحج ذكر الحشر انتهى. وهنا تم ما أراد سبحانه وتعالى من بيان قواعد الإسلام الخمس: الإيمان والصلاة والزكاة والصوم والحج، المشار إلى الثلاث الأول منها بقوله تعالى أول السورة: {يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} [البقرة: 3] وذكر الحج لمزيد الاعتناء به لاحقًا للصوم بعد ذكره سابقًا عليه، ولعل ذلك هو السبب في تقديم الصوم على الحج تارة وتأخيره أخرى في روايات حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيح «بني الإسلام على خمس». اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله: {واعلموا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فهو تأكيد للأمر بالتقوى، وبعث على التشديد فيه، لأن من تصور أنه لابد من حشر ومحاسبة ومساءلة، وأن بعد الموت لا دار إلا الجنة أو النار، صار ذلك من أقوى الدواعي له إلى التقوى، وأما الحشر فهو اسم يقع على ابتداء خروجهم من الأجداث إلى انتهاء الموقف، لأنه لا يتم كونهم هناك إلا بجميع هذه الأمور، والمراد بقوله: {إِلَيْهِ} أنه حيث لا مالك سواه ولا ملجأ إلا إياه، ولا يستطيع أحد دفعًا عن نفسه، كما قال تعالى: {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الإنفطار: 19]. اهـ.

.قال السمرقندي:

وإنما حذرهم الله تعالى، لأنهم إذا رجعوا من حجهم، يجترئون على الله تعالى بالمعاصي، فحذرهم عن ذلك فقال: {واتقوا الله واعلموا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}، فيجازيكم بأعمالكم. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة البقرة: آية 196]:

{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}.
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ائتوا بهما تامّين كاملين بمناسكهما وشرائطهما لوجه اللَّه من غير توان ولا نقصان يقع منكم فيهما. قال:
تَمَامُ الْحَجِّ أَنْ تَقِفَ الْمَطَايَا ** عَلى خَرْقَاءَ وَاضِعَةِ اللِّثَامِ

جعل الوقوف عليها كبعض مناسك الحج الذي لا يتم إلا به. وقيل: إتمامها أن تحرم بهما من دويرة أهلك، روى ذلك عن علىّ وابن عباس وابن مسعود رضى اللَّه عنهم. وقيل: أن تفرد لكل واحد منها سفرًا كما قال محمد: حجة كوفية وعمرة كوفية أفضل. وقيل: أن تكون النفقة حلالا. وقيل: أن تخلصوهما للعبادة ولا تشوبوهما بشيء من التجارة والأغراض الدنيوية.
فإن قلت: هل فيه دليل على وجوب العمرة؟ قلت: ما هو إلا أمر بإتمامهما، ولا دليل في ذلك على كونهما واجبين أو تطوّعين، فقد يؤمر بإتمام الواجب والتطوع جميعا، إلا أن تقول:
الأمر بإتمامهما أمر بأدائهما، بدليل قراءة من قرأ: {وأقيموا الحج والعمرة}. والأمر للوجوب في أصله، إلا أن يدلّ دليل على خلاف الوجوب، كما دلّ في قوله: {فَاصْطادُوا}، {فَانْتَشِرُوا}.
قيل وحقيقة مراده أنه ينبغي كما قطعنا البراري ووصلنا إلى حرمه، أن نقطع أهواء النفس حتى نشاهد آثار كرمه، فيكون استعماله البيت من باب التمثيل.
ونحو ذلك، فيقال لك: فقد دلّ الدليل على نفى الوجوب، وهو ما روى أنه قيل: يا رسول اللَّه: العمرة واجبة مثل الحج؟ قال: «لا، ولكن أن تعتمر خير لك» وعنه «الحج جهاد والعمرة تطوّع». فإن قلت: فقد روى عن ابن عباس رضي اللَّه عنه أنه قال: إن العمرة لقرينة الحج. وعن عمر رضي اللَّه عنه أنّ رجلا قال له: إنى وجدت الحجّ والعمرة مكتوبين علىّ، أهللت بهما جميعًا فقال: «هديت لسنة نبيك» وقد نظمت مع الحج في الأمر بالإتمام فكانت واجبة مثل الحج؟ قلت: كونها قرينة للحج أنّ القارن يقرن بينهما، وأنهما يقترنان في الذكر فيقال: حجّ فلان واعتمر والحجاج والعمار، ولأنها الحجّ الأصغر، ولا دليل في ذلك على كونها قرينة له في الوجوب. وأمّا حديث عمر رضي اللَّه عنه فقد فسر الرجل كونهما مكتوبين عليه بقوله: أهللت بهما، وإذا أهلّ بالعمرة وجبت عليه كما إذا كبر بالتطوّع من الصلاة. والدليل الذي ذكرناه أخرج العمرة من صفة الوجوب فبقى الحجّ وحده فيها، فهما بمنزلة قولك: صم شهر رمضان وستة من شوّال، في أنك تأمره بفرض وتطوّع. وقرأ علىّ وابن مسعود والشعبي رضى اللَّه عنهم {والعمرة للَّه} بالرفع، كأنهم قصدوا بذلك إخراجها عن حكم الحجّ وهو الوجوب فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ يقال: أُحصر فلان، إذا منعه أمر من خوف أو مرض أو عجز. قال اللَّه تعالى: {الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. وقال ابن ميادة:
وَمَا هجْرُ لَيْلَى أَنْ تَكُونَ تَبَاعَدَتْ ** عَليْكَ وَلَا أَنْ أحْصَرَتْكَ شَغُولُ

وحُصر: إذا حبسه عدوّ عن المضىّ، أو سجن. ومنه قيل للمحبس: الحصير. وللملك، الحصير، لأنه محجوب. هذا هو الأكثر في كلامهم، وهما بمعنى المنع في كل شيء، مثل صدّه وأصدّه. وكذلك قال الفرّاء وأبو عمرو الشيباني، وعليه قول أبى حنيفة رحمهم اللَّه تعالى، كل منع عنده من عدوّ كان أو مرض أو غيرهما معتبر في إثبات حكم الإحصار. وعند مالك والشافعي منع العدوّ وحده.
وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «من كسر أو عرج فقد حلّ وعليه الحج من قابل» فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فما تيسر منه. يقال: يسر الأمر واستيسر، كما يقال: صعب واستصعب.
والهدى جمع هدية، كما يقال في جدية السرج جدي. وقرئ: {من الهدىّ} بالتشديد جمع هدية كمطية ومطىّ. يعنى فإن منعتم من المضي إلى البيت وأنتم محرمون بحج أو عمرة، فعليكم إذا أردتم التحلل ما استيسر من الهدى من بعير أو بقرة أو شاة، فإن قلت: أين ومتى ينحر هدى المحصر؟
قلت: إن كان حاجا فبالحرم متى شاء عند أبى حنيفة يبعث به، ويجعل للمبعوث على يده يوم أمار وعندهما في أيام النحر وإن كان معتمرًا فبالحرم في كل وقت عندهم جميعًا. و«ما استيسر» رفع بالابتداء، أى فعليه ما استيسر. أو نصب على: فاهدوا ما استيسر وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ الخطاب للمحصرين: أى لا تحلوا حتى تعلموا أنّ الهدى الذي بعثتموه إلى الحرم بلغ مَحِلَّهُ أى مكانه الذي يجب نحره فيه. ومحل الدين وقت وجوب قضائه، وهو ظاهر على مذهب أبى حنيفة رحمه اللَّه. فإن قلت: إنّ النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم نحر هديه حيث أحصر؟ قلت:
كان محصره طرف الحديبية الذي إلى أسفل مكة وهو من الحرم، وعن الزهري أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نحر هديه في الحرم. وقال الواقدي: الحديبية هي طرف الحرم على تسعة أميال.
وأما حديث الزهري فلم أجده لكن روى الطبري من حديث ناجية بن جندب الأسلمى قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين صد عن البيت. فقلت: يا رسول اللَّه ابعث معى بالهدى فينحر بالحرم. قال: كيف تصنع به؟ قال: أنحدر به في أودية فلا يقدرون عليه. فانطلقت به حتى نحرته في الحرم.
من مكة فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا فمن كان به مرض يحوجه إلى الحلق أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ وهو القمل أو الجراحة، فعليه إذا احتلق فدية مِنْ صِيامٍ ثلاثة أيام أَوْ صَدَقَةٍ على ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من برّ أَوْ نُسُكٍ وهو شاة. وعن كعب بن عجرة أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال له، «لعلك أذاك هو امّك»؟ قال: نعم يا رسول اللَّه. قال: «احلق رأسك وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك شاة» وكان كعب يقول: في نزلت هذه الآية، وروى أنه مرّ به وقد قرح رأسه فقال: «كفى بهذا أذى» وأمره أن يحلق ويطعم، أو يصوم. والنسك مصدر، وقيل جمع نسيكة. وقرأ الحسن: {أو نسك}، بالتخفيف فَإِذا أَمِنْتُمْ الإحصار، يعنى فإذا لم تحصروا وكنتم في أمن وسعة فَمَنْ تَمَتَّعَ أى استمتع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ واستمتاعه بالعمرة إلى وقت الحج: انتفاعه بالتقرّب بها إلى اللَّه تعالى قبل الانتفاع بتقرّبه بالحج. وقيل: إذا حلّ من عمرته انتفع باستباحة ما كان محرّمًا عليه إلى أن يحرم من الحج فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ هو، هدى المتعة، وهو نسك عند أبى حنيفة ويأكل منه. وعند الشافعي يجرى مجرى الجنايات ولا يأكل منه.
ويذبحه يوم النحر عندنا. وعنده يجوز ذبحه إذا أحرم بحجته فَمَنْ لَمْ يَجِدْ الهدى فعليه فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ أى في وقته وهو أشهره ما بين الإحرامين إحرام العمرة وإحرام الحج، وهو مذهب أبى حنيفة رحمه اللَّه. والأفضل أن يصوم يوم التروية وعرفة ويومًا قبلهما، وإن مضى هذا الوقت لم يجزئه إلا الدم. وعند الشافعي: لا تصام إلا بعد الإحرام بالحج تمسكا بظاهر قوله: فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ بمعنى إذا نفرتم وفرغتم من أفعال الحج عند أبى حنيفة، وعند الشافعي: هو الرجوع إلى أهاليهم. وقرأ ابن أبى عبلة {وسبعة} بالنصب عطفا على محل ثلاثة أيام، وكأنه قيل: فصيام ثلاثة أيام، كقوله: {أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا} فإن قلت فما فائدة الفذلكة؟ قلت: الواو قد تجيء للإباحة في نحو قولك: جالس الحسن وابن سيرين. ألا ترى أنه لو جالسهما جميعا أو واحدًا منهما كان ممتثلا ففذلكت نفيا لتوهم الإباحة.
وأيضا ففائدة الفذلكة في كل حساب أن يعلم العدد جملة كما علم تفصيلا ليحاط به، ومن جهتين، فيتأكد العلم. وفي أمثال العرب: علمان خير من علم، وكذلك كامِلَةٌ تأكيد آخر. وفيه زيادة توصية بصيامها وأن لا يتهاون بها ولا ينقص من عددها، كما تقول للرجل إذا كان لك اهتمام بأمر تأمره به وكان منك بمنزل: اللَّه اللَّه لا تقصر. وقيل: كاملة في وقوعها بدلا من الهدى.
وفي قراءة أبيّ: {فصيام ثلاثة أيام متتابعات} ذلِكَ إشارة إلى التمتع، عند أبى حنيفة وأصحابه.
لا متعة ولا قران لحاضري المسجد الحرام عندهم، ومن تمتع منهم أو قرن كان عليه دم وهو دم جناية لا يأكل منه وأما القارن والمتمتع من أهل الآفاق فدمهما دم نسك يأكلان منه. وعند الشافعي: إشارة إلى الحكم الذي هو وجوب الهدى أو الصيام ولم يوجب عليهم شيئا. وحاضرو المسجد الحرام: أهل المواقيت فمن دونها إلى مكة عند أبى حنيفة. وعند الشافعي: أهل الحرم ومن كان من الحرم على مسافة لا تقصر فيها الصلاة وَاتَّقُوا اللَّهَ في المحافظة على حدوده وما أمركم به ونهاكم عنه في الحج وغيره وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ لمن خالف ليكون علمكم بشدّة عقابه لطفًا لكم في التقوى.