فصل: الفوائد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الفوائد:

قصة قارون:
نسج المؤرخون والقصاصون روايات شتى وأساطير عجيبة حول هذه القصة الفريدة التي تصلح نواة لمسرحية عالمية تمثّل الزهو الذي يصيب المتمولين، وقد اختلف في نسبه، قيل كان ابن عم موسى بن عمران وقيل كان ابن خالته، وهو أول من ضرب به المثل في كثرة المال، وفي قوله تعالى و{كان من قوم موسى} دليل على إيمانه وقرابته وكان من أحسن الناس وجها وقراءة للتوراة ويسمّى المنور لحسنة وقيل إنه كان من السبعين الذين اختارهم موسى من قومه، قيل انه خرج راكبا بغلة شهباء ومعه سبعمائة وصيفة على بغال شهب عليهن الحلي والحلل والزينة فكاد يفتن بني إسرائيل ثم بغى وتكبر وركب رأسه حتى أهلكه اللّه. وقد أخطأ صاحب المنجد فزعم أنه وزير فرعون كأنه ظنه هامان وهذا من نتائج التسرع وعدم التحقيق. وكان سبب هلاكه أنه حسد هرون على الحبورة، وذلك أن موسى لما قطع البحر وأغرق فرعون جعل الحبورة لهارون فحصلت له النبوة، والحبورة بضم الحاء: الإمامة، مأخوذة من الحبر بمعنى الرئيس في الدين، فوجد قارون من ذلك في نفسه وقال: يا موسى لك الرسالة ولهارون الحبورة ولست في شيء لا أصبر على هذا، فقال موسى: واللّه ما صنعت ذلك لهارون بل جعله اللّه له، فقال واللّه لا أصدقك أبدا حتى تأتيني بآية فأمر موسى رؤساء بني إسرائيل أن يجيء كل رجل منهم بعصاه فجاءوا بها فألقى موسى بها في قبّة له وكان ذلك بأمر اللّه ودعا موسى أن يريهم اللّه بيان ذلك، فباتوا يحرسون عصيهم فأصبحت عصا هارون تهتز لها ورق أخضر وكانت من شجر اللوز فقال موسى: يا قارون أما ترى صنع اللّه تعالى لهارون فقال: واللّه ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر ثم اعتزل بمن معه من بني إسرائيل وكان كثير المال والتبع فدعا عليه موسى.
وقيل: انه لما نزلت آية الزكاة على موسى جاء موسى اليه وصالحه على كل ألف دينار دينار وألف شاة وعلى هذا الأسلوب فحسب ذلك فوجده مالا عظيما فجمع قومه من بني إسرائيل وقال إن موسى يأمركم بكل شيء فتطيعونه وهو الآن يريد أن يأخذ أموالكم فقالوا: أنت كبيرنا فمرنا بما شئت فقال عليّ بفلانة البغي فأعطاها مائة دينار وأمرها أن تقذف موسى بنفسها وجاء إلى موسى وقال: إن قومك قد اجتمعوا لتأمرهم وتناههم فخرج فقام فيهم خطيبا فقال: يا بني إسرائيل من سرق قطعناه، ومن زنى جلدناه، فإن كانت له امرأة رجمناه فصاح به قارون وقال له وان كنت أنت؟ فقال نعم. قال: فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة البغي، فقال: عليّ بها، فلما جاءت قال لها موسى: يا فلانة أنا فعلت ما يقول هذا؟ فقالت: لا واللّه يا نبي اللّه وانما جعل لي جعلا حتى أقذفك بنفسي، فسجد موسى يبكي ويتضرع، فأوحى اللّه إليه: مر الأرض بما تشتهيه، فقال: يا أرض خذيه، فأخذته حتى غيبت بعضه ثم لم يزل يقول خذيه وهو يغيب حتى لم يبقى من جسده إلا القليل وهو يتضرع الىّ موسى ويسأله وهو يقول خذيه إلى أن غاب. إلى آخر هذه القصة التي ينفسح فيها الخيال ويمتد إلى أبعد مداه.
{وي كأنه} وعدناك بالمزيد من بحث وي كأنه فنقول: ذهب الخليل وسيبويه إلى أن وي منفصلة معناها أعجب ثم ابتدأ فقال: كأنه لا يفلح الكافرون وكأن هاهنا لا يراد بها التشبيه بل القطع واليقين، وعليه بيت الكتاب:
وي كأن من يكن له نشب يحـ ** ـبب ومن يفتقر يعش عيش حر

لم يرد هاهنا التشبيه بل اليقين، وذهب أبو الحسن إلى أن ويك مفصولة من أنه، وكان يعقوب يقف على ويك ثم يبتدىء {أنه لا يفلح الكافرون} كأنه أراد بذلك الاعلام بأن الكاف من جملة وي وليست التي في صدره كأن إنما هي وي على ما ذكرنا أضيف إليها الكاف للخطاب على حدها في ذلك وأولئك ويؤيد ذلك قول عنترة:
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ** قيل الفوارس ويك عنتر أقدم

فجاء بها متصلة بالكاف من غير أن فهي حرف خطاب وليست اسما مخفوضا كالتي في غلامك وصاحبك لأن وي إذا كانت اسما للفعل فهي في مذهب الفعل فلا تضاف لذلك وأن وما بعدها في موضع نصب باسم الفعل الذي هو وي ولذلك فتحت أن والتقدير أعجب لأنه لا يفلح الكافرون، فلما سقط الجار وصل الفعل فنصب، وذهب الكسائي إلى أن الأصل ويلك فحذفت اللام تخفيفا وهو بعيد وليس عليه دليل، وقد ذهب بعضهم إلى أن {ويكأنه} بكساله اسم واحد، والمراد شدة الاتصال وانه لا ينفصل بعضه عن بعض.
وهذا ونص عبارة سيبويه: وسألت الخليل عن قوله: {ويكأنه لا يفلح} وعن قوله: {ويكأن اللّه} فزعم أنها مفصولة من كأن والمعنى على أن القوم انتبهوا فتكلموا على قدر علمهم أو نبهوا فقيل لهم أما يشبه أن يكون ذا عندكم هكذا.
وقال الأعلم: الشاهد في قوله: {ويكأن} وهي عند الخليل وسيبويه مركبة من وي ومعناها التنبيه مع كأن التي للتشبيه ومعناه: ألم تر، وعلى ذلك تأولها المفسرون.
وزعم بعض النحويين أن قولهم {ويكأن} بمعنى ويلك اعلم ان، فحذفت اللام من ويلك كما قال عنترة ويك عنتر أقدم وحذف اعلم لعلم المخاطب مع كثرة الاستعمال وهذا القول مردود لما يقع فيه من كثرة التغيير.
وقال أبو سعيد السيرافي: في {ويكأن} ثلاثة أقوال:
أحدها قول الخليل تكون وي كلمة يقولها المنتدم ويقولها المندّم غيره ومعنى كأن التحقيق.
والثاني قول الفراء تكون ويك موصولة بالكاف وأن منفصلة ومعناه عنده تقرير كقولك: أما ترى.
والقول الثالث يذهب إلى أن ويك بمعنى ويلك وجعل أن مفتوحة بفعل مضمر كأنه قال: ويلك اعلم أن اللّه.
وقال الفراء: ويكأن في كلام العرب تقرير كقول الرجل: أما ترى إلى صنع اللّه، وقال الشاعر:
وي كأن من يكن له نشب البيت

وأخبرني شيخ من أهل البصرة قال: سمعت أعرابية تقول لزوجها: أين ابنك ويلك؟ فقال: ويكأنه وراء البيت، معناه: أما ترينه وراء البيت؟ وقد يذهب بعض النحويين إلى أنهما كلمتان يريد: ويك، أنه أراد ويلك فحذف اللام وجعل أن مفتوحة بفعل مضمر كأنه قال ويلك اعلم انه وراء البيت فاضمر اعلم، ولم نجد العرب تعمل الظن والعلم بإضمار مضمر في أن وذلك انه يبطل إذا كان بين الكلمتين أو في آخر الكلمة، فلما أضمره جرى مجرى الترك، ألا ترى أنه لا يجوز في الابتداء أن تقول يا هذا إنك قائم ولا يا هذان فمت تريد علمت أو أعلم أو ظننت أو أظن، وأما حذف اللام من ويلك حتى تصير ويك فقد تقوله العرب لكثرتها في الكلام قال عنترة:
ولقد شفى نفسي البيت

وقد قال آخرون ان معنى وي كأن أن وي منفصلة كقولك لرجل وي تريد أما ترى ما بين يديك فقال: وي ثم استأنف كأن يعني أن اللّه يبسط الرزق لمن يشاء وهي تعجب وكأن في مذهب الظن والعلم فهذا وجه مستقيم ولم تكتبها العرب منفصلة ولو كانت على هذا لكتبوها منفصلة، وقد يجوز أن تكون كثر بها الكلام فوصلت بما ليست منه وقال أبو الفتح ابن جني: في {ويكأنه} ثلاثة أقوال:
- فمنهم من جعلها كلمة واحدة فلم يقف على {وي}.
- ومنهم من يقف على {وي}.
- ويعقوب يقف على {ويك} وهو مذهب أبي الحسن.
والوجه عندنا قول الخليل وسيبويه وهو أن {وي} اسم سمي به الفعل على قياس مذهبهما فكأنه اسم اعجب ثم ابتدأ فقال: {كأنه لا يفلح الكافرون} ف كأن هنا إخبار عار من معنى التشبيه ومعناه ان اللّه يبسط الرزق ووي منفصلة من كأن وعليه قول الشاعر:
وي كأن من البيت

ومما جاءت فيه كأن عارية من معنى التشبيه قوله:
كأنني حين أمسي لا تكلمني ** متيم أشتهي ما ليس موجودا

أي أنا حين أمسي متيم من حالي كذا وكذا.
وقال البغدادي في خزانة الأدب: وأما قول أبي الفتح أن وي عند سيبويه والخليل بمعنى أعجب فمردود وكذا قوله: إن كأن عندهما عارية عن التشبيه، وأما تنظيره لخلو التشبيه بقوله:
كأنني حين أمسي

البيت، فهو مذهب الزجاج فيما إذا كان خبر كأن مشتقا لا تكون للتشبيه لئلا يتحد المشبه والمشبه به. وأجيب بأن الخبر في مثله محذوف أي كأنني رجل متيم فهي على الأصل للتشبيه.
وقال التبريزي في شرح المعلقات وقوله ويك قال بعض النحويين معناه ويحك وقال بعضهم معناه ويلك وكلا القولين خطأ لأنه كان يجب أن يقرأ ويك أنه كما يقال ويلك أنه وويحك أنه.
وقال الزمخشري في كشافه: وي مفصولة عن كأن وهي كلمة تنبه على الخطأ وتندم ومعناه أن القوم قد تنبهوا على خطئهم في تمنيهم، وقولهم: {يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون} وتندموا ثم قالوا {كأنه لا يفلح الكافرون} أي ما أشبه الحال بأن الكافرين لا ينالون الفلاح وهو مذهب الخليل وسيبويه قال:
وي كأن من يكن له نشب البيت

وحكى الفراء أن اعرابية قالت لزوجها: أين ابنك؟ فقال: وي كأنه وراء البيت، وعند الكوفيين أن ويك بمعنى ويلك وان المعنى ألم تعلم انه لا يفلح الكافرون ويجوز أن تكون الكاف كاف الخطاب مضمومة إلى وي كقوله ويك عنتر أقدم وانه بمعنى لأنه واللام لبيان المقول لأجله هذا القول، أو لأنه لا يفلح الكافرون كأن ذلك وهو الخسف بقارون ومن الناس من يقف على وي ويبتدىء كأنه، ومنهم من يقف على ويك.
رأي الشهاب الحلبي:
وقال الشهاب الحلبي المعروف بالسمين وهو مطلع جدا: وي كأنه، فيه مذاهب:
أحدها: أن وي كلمة برأسها وهي اسم فعل معناها أعجب أي أنا والكاف للتعليل وأن وما في حيزها مجرورة بها أي أعجب لأن اللّه يبسط الرزق إلخ وقياس هذا أن يوقف على وي وحدها وقد فعل هذا الكسائي:
الثاني: قال بعضهم: كأن هنا للتشبيه إلا أنه ذهب منها معناه وصارت للخبر واليقين وهذا أيضا يناسبه الوقف على وي.
الثالث: أن ويك كلمة برأسها والكاف حرف خطاب وأن معمولة لمحذوف أي اعلم أن اللّه يبسط الرزق إلخ قاله الأخفش وهذا يناسب الوقف على ويك وقد فعله أبو عمرو.
الرابع: أن أصلها ويلك فحذفت اللام وهذا يناسب الوقف على الكاف أيضا كما فعل أبو عمرو.
الخامس: أن ويكأن كلها كلمة مستقلة بسيطة ومعناها ألم تر وربما نقل ذلك عن ابن عباس ونقل الفراء والكسائي أنها بمعنى أما ترى إلى صنع اللّه، وحكى ابن قتيبة أنها بمعنى رحمة لك في لغة حمير ولم يرسم في القرآن إلا ويكأن وويكأنه متصلة في الموضعين فعامة القراء اتبعوا الرسم والكسائي وقف على وي وأبو عمرو على ويك.
وقال ابن هشام في أوضح المسالك وشرحه للشيخ خالد الأزهري: ووا ووي وواها الثلاثة كلها بمعنى أعجب كقوله تعالى: {ويكأنه لا يفلح الكافرون} فوي اسم فعل مضارع بمعنى أعجب والكاف حرف تعليل وأن مصدرية مؤكدة أي أعجب لعدم فلاح الكافرين وهذا ما اخترناه في الاعراب ورأيناه أبعد من الارتياب وأدنى إلى الصواب.

.[سورة القصص: الآيات 83- 88]:

{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَسادًا وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (84) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (85) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكافِرِينَ (86) وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شيء هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)}.

.الإعراب:

{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَسادًا وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} كلام مستأنف مسوق لبيان أن الآخرة أعدت للذين لا يريدون علوا في الأرض. وتلك مبتدأ والدار بدل من اسم الاشارة والآخرة صفة للدار وجملة نجعلها خبر تلك وللذين متعلقان بنجعلها على أنه مفعوله الثاني وجملة لا يريدون صلة للذين وعلوا مفعول يريدون وفي الأرض صفة لعلوا ولا فسادا عطف على علوا والعاقبة مبتدأ وللمتقين خبر.
{مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها} كلام مستأنف مسوق لوعد المحسنين ووعيد المسيئين بعد ذكر أن العاقبة للمتقين. ومن اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ وجاء فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وبالحسنة متعلقان بجاء والفاء رابطة لجواب الشرط لأنه جملة اسمية وله خبر مقدم وخير منها مبتدأ مؤخر والجملة في محل جزم جواب الشرط والفعل والجواب معا خبر من.
{وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ} عطف على ما تقدم ويجزى فعل مضارع مبني للمجهول والذين نائب فاعل وجملة عملوا السيئات صلة الموصول وإلا أداة حصر وما مفعول ثان ليجزى وجملة كانوا صلة وجملة يعملون خبر كانوا.
{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ} إن واسمها وجملة فرض صلة وعليك متعلقان بفرض والقرآن مفعول به، ومعنى فرض عليك القرآن: أوجب عليك تلاوته وتبليغه، واللام المزحلقة ورادك خبر إن والكاف في محل جر بالإضافة والى معاد متعلقان براد لأنه اسم فاعل، وتنكيره يدل على أمور ستأتي في باب البلاغة.
{قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ربي مبتدأ وأعلم خبره وهو بمعنى عالم ولذلك نصب من جملة جاء صلة وبالهدى متعلقان بجاء ومن عطف على من الأولى وهو مبتدأ وفي ضلال خبره ومبين صفته.
{وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} الواو عاطفة وما نافية وكنت كان واسمها وجملة ترجو خبرها وأن وما في حيزها مفعول ترجو وإليك متعلقان بيلقى والكتاب نائب فاعل وإلا أداة حصر بمعنى لكن للاستدراك ورحمة مفعول لأجله ومن ربك صفة لرحمة، ويجوز أن يكون الاستثناء على حاله أي متصلا ولكنه محمول على المعنى.
{فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكافِرِينَ} الفاء الفصيحة ولا ناهية وتكونن فعل مضارع ناقص مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون والواو اسمها والكاف مفعول به والنون المذكورة نون التوكيد الثقيلة وظهيرا خبر تكونن وللكافرين متعلقان بظهيرا.
{وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ} عطف على ما تقدم وقد تقدم إعراب نظيره، ونعيده لوجود فارق بسيط، فلا ناهية ويصدنك فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون وحذفت الواو لأن النون لما حذفت التقى ساكنان الواو والنون المدغمة فحذفت الواو لاعتلالها ووجود دليل يدل عليها وهو الضمة وأصله يصدونك، وعن آيات اللّه متعلقان بيصدنك والظرف متعلق بمحذوف حال وإذ ظرف لما مضى أضيف إلى مثله وإذ تضاف اليه أسماء الزمان كقولك حينئذ ويومئذ وقد تقدم بحث ذلك، وجملة أنزلت في محل جر باضافة الظرف إليها وإليك متعلقان بأنزلت.
{وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} الواو عاطفة وادع فعل أمر مبني على حذف حرف العلة والفاعل مستتر تقديره أنت والى ربك متعلقان بادع ولا ناهية وتكونن مجزوم بها وقد تقدم إعرابه واسمها مستتر تقديره أنت ومن المشركين خبرها.
{وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ} الواو عاطفة ولا ناهية وتدع فعل مضارع مجزوم بلا والفاعل مستتر تقديره أنت يعود على محمد صلى اللّه عليه وسلم والخطاب له والمراد غيره على حد قوله: {لئن أشركت ليحبطن عملك} ومع اللّه ظرف مكان متعلق بتدع وإلها مفعول به وآخر نعت لإلها ولا إله إلا هو تقدم إعرابها والجملة في محل نصب حال.
{كُلُّ شيء هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} كل مبتدأ وشيء مضاف اليه وهالك خبر المبتدأ وإلا أداة استثناء ووجهه مستثنى وسيأتي معنى الاستثناء في باب البلاغة، له خبر مقدم والحكم مبتدأ مؤخر واليه متعلقان بترجعون وترجعون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب الفاعل.

.البلاغة:

سر التنكير في قوله: {إلى معاد} للتفخيم كأن هذا المعاد قد أعد لك دون غيرك من البشر، قيل المراد به مكة وهو يوم الفتح فمعاد الرجل بلده لأنه ينصرف منه فيعود اليه فالمعاد على هذا اسم مكان، روي أنه صلى اللّه عليه وسلم لما خرج من الغار ليلا سار في غير الطريق مخافة الطلب فلما رجع إلى الطريق ونزل بالجحفة بين مكة والمدينة وعرف الطريق إلى مكة تنزى الحنين في صدره وهاجه الشوق إلى موطنه وحنّ إلى مولده ومولد آبائه فنزلت عليه تطمينا لقلبه، وفيها يتجلى مقدار الحنين إلى الأوطان، وقد رمق الشعراء جميعا سماء هذا المعنى فقال ابن الرومي:
بلد صحبت به الشبيبة والصبا ** ولبست ثوب العيش وهو جديد

فإذا تمثل في الضمير رأيته ** وعليه أغصان الشباب تميد

وقال أبو تمام:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ** ما الحب إلا للحبيب الأول

كم منزل في الأرض يألفه الفتى ** وحنينه أبدا لأول منزل

والقول في حب الأوطان كثير، ومما يؤكد ما قلناه في حب الأوطان قول اللّه عز وجل: {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم} فسوّى بين قتل أنفسهم وبين الخروج من ديارهم، وقال تعالى: {وما لنا أن لا نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا}.
وقال بعضهم من أمارات العاقل بره لإخوانه، وحنينه لأوطانه، ومداراته لأهل زمانه.
وقيل لأعرابي: كيف تصنع في البادية إذا اشتد القيظ وانتعل كل شيء ظله؟ قال: وهل العيش إلا ذاك، يمشي أحدنا ميلا فيرفضّ عرقا ثم ينصب عصاه ويلقي عليه كساءه ويجلس في فيئه يكتال الريح فكأنه في إيوان كسرى.
وقال يحيى بن طالب الحنفي من شعراء الدولة العباسية:
ألا هل إلى شم الخزامى ونظرة ** إلى قرقرى قبل الممات سبيل

فأشرب من ماء الحجيلاء شربه ** يداوى بها قبل الممات عليل

فيا أثلات القاع قلبي موكل ** بكن وجدوى خيركنّ قليل

ويا أثلات القاع قد مل صحبتي ** مسيري فهل في ظلكنّ مقيل

أريد انحدارا نحوها فيردّني ** ويمنعني دين عليّ ثقيل

أحدث نفسي عنك إذ لست ** راجعا إليك فحزني في الفؤاد دخيل

والأبيات المشهورة للصمة القشيري:
تمتع من شميم عرار نجد ** فما بعد العشية من عرار

ألا يا حبذا نفحات نجد ** وريا روضة بعد القطار

وعيشك إذ يحل الحي نجدا ** وأنت على زمانك غير زار

شهور ينقضين وما ** شعرنا بأنصاف لهن ولا سرار

فأما ليلهن فخير ليل ** وأقصر ما يكون من النهار

وحسبنا ما قدمناه الآن.
المجاز المرسل: في قوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} أي إلا إياه، من ذكر البعض وإرادة الكل، وقد جرت عادة العرب في التعبير بالأشرف عن الجملة. اهـ.