فصل: فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة القصص:
بدأت سورة القصص بطمأنة المؤمنين على مستقبلهم مؤكدة أن عاقبة الظلم مظلمة، وأن عاقبة الصبر جميلة، وأن المستضعفين في الأرض ستتكسر قيودهم ويستردون حرياتهم. وقد ساقت ماوقع لموسى وقومه مثالا على أن التاريخ يعيد نفسه. {طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون}. وفرعون هو على الأظهر رمسيس الثانى الذي امتد ملكه من نهر الكنج إلى نهر الدانوب، وبلغ شأوا من العظمة أغراه بالألوهية والاستبداد. {إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين}. وقتل الأبناء واستبقاء النساء حتى لا تكون لهن عزوة، ويستسلمن لما يراد ب بهن، ولاشك أن هذا عذاب عظيم، وفتنة مزعجة. ولكن أيبقى هذا الفتك. إلى آخر الدهر؟ كلا، لابد لليل من آخر.. {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}. وهذا الكلام وإن كان حكاية للماضى إلا أنه يلقى سكينة في نفوس المسلمين الذين يعانون من بطش المشركين وأذاهم، ويعلق قلوبهم بغل! أفضل لاسيما. وقد جاء في آخر السورة أن المطاردة التي أكرهت المسلمين على التفكير في ترك مكة سوف تتلاشى، {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين}. قال المفسرون: نزلت في طريق الهجرة من مكة إلى المدينة! وقد عاد المهاجرون فاتحين بعد أن خرجوا مكسورين مقهورين، وسورة القصص التي افتتحت بحال موسى وقومه تضمنت أمورا لم تذكر في قصة موسى في السورتين السابقتين:
1- فقد تضمنت ميلاد موسى، والمحنة التي مربها أول حياته: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين}. وتكليف أم أن ترمى وليدها في البحر شيء عظيم، ولكنها ثقة في الله فعلت ما أمرت به. والمتأمل في الآية يجدها تضمنت أمرين ونهيين وبشارتين!. وعندما انطلق الصندوق بوديعته الثمينة رمت به الأمواج أمام قصر فرعون، فكاد فؤاد أم موسى يطير فزعا، ولكنها تطلعت إلى الله في أمل ويقين: {وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين}. 2- وقد كسا الله ملامح الطفل جاذبية تجعل من يراه يعطف عليه ويحبه. وذاك ما جعل امرأة فرعون تقول لزوجها: {قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا} فبقى الطفل حيا، ورأته أخته التي كانت بأمر من أمها تتبع أخباره فتقدمت إلى بيت فرعون تعرض عليهم أن تجيئهم بمرضعة! لأنه أبى أن يرضع ممن اقتربن منه!. وعاد موسى إلى حضن أمه ترضعه، ولا يدرى أحد ما قصتها؟. 3- وكبر موسى في قصر فرعون، وكأنما يسر الله له هذه النشأة حتى لا يشب ذليلا مثل قومه، وتعهدته الأقدار بما يرشحه لمستقبله الخطير {ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين}. وفي هذه الفترة من شبابه عرضت له حادثة عكرت مقامه بمصر، فقد شاهد رجلا من بنى جنسه يحاول أحد المصريين تسخيره في حمل لا صلة له به، ولا طاقة له عليه، واشتعلت الخصومة بينهما {فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه}. وكان موسى على درجة بالغة من القوة، ولكنه لم يكن يدرى أن لكمته قاتلة! فدعا الله: {قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له}. فلما أحس أن الله غفر له شكر نعمة الغفران بتعهد منه أن ينصر المظلومين ويخاصم المجرمين! ويبدو أن حاشية فرعون عرفت بالقصة وذيولها فتآمرت على قتل موسى، الذي عرف من أحد الناصحين بما وقع، فقرر مغادرة مصر متوجها إلى مدين شمالى جزيرة العرب.
4- وفي مدين تزوج موسى من ابنة الرجل الصالح الذي آواه بعدما عرف قصته وقال له: {لا تخف نجوت من القوم الظالمين} واليهود ينقمون من موسى أنه تزوج من امرأة ليست عبرانية! ونحن لا نعرف هوية الرجل الصالح الذي أسدى لموسى هذا الجميل، ولانظنه النبى شعيبا، وأيا ما كان هو فقد قال! لموسى: {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين}. وهكذا انتقل من أمير قصر ملكى إلى راعى غنم. والرجال العظام لا تزيدهم ولا تنقصهم هذه المناصب، وإنما تزينهم خلال المروءة والشهامة التي تبدو في رجولتهم، ويعرفها الناس من مسيرتهم. ولاشك أن هذه الفترة من حياة موسى كانت فترة تذكر وتأمل فيما عرض له وما يعرض لقومه، وكأنما جعلها القدر استعدادا للأعباء التي سترمى على كاهله في المستقبل القريب {فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا}. وكانت هذه النار شارة اجتذبت موسى لقدره الجليل {فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين}. وهكذا تحول الراعى إلى رسول كريم مكلف بتحرير شعب وتبليغ رسالة.! ولكن موسى تذكر قصته مع الفراعنة، وطلب من الله أن يؤازره بأخيه هارون! فقال الله له: {سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون}. كان لقاء موسى بالسحرة يوما مشهودا، فقد أبطل كيدهم وأذل كبر فرعون وآله، وقد شرح هذا اللقاء في سورة الأعراف وطه والشعراء، وصار مثلا يضرب، كما قال الشاعر: إذا جاء موسى وألقى العصا فقد بطل السحر والساحر ولكن قصة السحرة طويت في سورة القصص، وأشير إليها بقوله تعالى: {فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين}. ولكن شيئا آخر ذكر مكانها، فإن فرعون طلب من وزيره هامان أن يبحث في السماء عن إله موسى! {وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين}!.
إن الأحمق ظن أن الله مع الطيور في الجو، أو لعله جالس على السحاب!!. وقد تكررت هذه الحماقة في عصرنا، فإن واحدا من رواد الفضاء الروس زعم أنه بحث عن الله في جو السماء فلم يجده، بل وجد فقط أحد زملائه الرواد!!. وشاء الله أن يحترق ثلاثة من الرواد وهم يهبطون إلى الأرض اختناقا من قلة الهواء في الجهاز الذي طاروا فيه..!!. أن الكفر ضلال بعيد، ولست أدرى كيف نبحث عن الله في الجو، وهو منبت الغذاء الذي نأكله، وصانع الهواء الذي نستنشقه. وآياته في الأرض أقرب إلينا من آياته في السماء، ولكنه العمى الذي طمس الأفئدة {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين}. وانتقل السياق من الكلام عن موسى إلى الكلام عن محمد نبى العقل والنور، وصاحب الكتاب الذي بنى الإيمان على الفكر والنظر والاستدلال والاستقراء، لقد ذكر محمد قصة موسى في أرض مدين وكيف بنى بأهله هناك، وذكر كيف نودى لتلقى الرسالة، وكلف بالعودة إلى مصر لدعوة الفراعنة إلى الحق!. من أين جاءته هذه الأنباء وهو أمى نشأ في بيئة وثنية؟ {وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين}. لقد أيد الله نبيه بكتاب جدد الرسالات الأولى وصححها، فماذا كان موقف الناس منه؟ طلبوا خوارق كالتى صاحبت رسالة موسى! فهل آمنوا بموسى عندما شهدوا معجزاته؟. إن اليهود الذين نجوا من الغرق طلبوا من موسى بعد نجاتهم أن يصنع لهم وثنا يعبدونه كسائر الوثنيين، فأى إيمان هذا؟. أما الذين تدبروا القرآن وانتفعت أفئدتهم بالوحى فقد هدموا الأصنام، وأناروا بالتوحيد المشارق والمغارب، يقول الله سبحانه في طلاب الخوارق: {فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون}.
إن فقدان النظر السديد واتباع الهوى الغالب لايقودان إلا إلى البوار، والواقع أن الوثنية الأولى قاومت الإسلام بكل ما أوتيت من قوة فلم يؤمن إلا من عصم الله. أما أهل الكتاب فقد حاسنهم الوحى وطالبهم بالانصاف، فمن آمن وجد أعظم ترحيب، وفيهم يقول الله سبحانه: {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا}. وفي الحفاوة بالمؤمنين من أهل الكتاب قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدركنى فآمن بى واتبعنى وصدقنى فله أجران ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها، ثم أدبها فأحسن تأديبها، ثم اعتقها وتزوجها فله أجران. وعبد مملوك أدى حق الله تعالى وحق سيده فله أجران». إن غرب آسيا والشمال الإفريقى كانا مليئين بأهل الكتاب في ظل الحكم الرومانى، فدخلوا الإسلام إثر تعرفهم عليه، واطمئنانهم إلى حقائقه. أما وثنيو الجزيرة العربية فقد صدوا عن السبيل أول أمرهم، وأعلنوا على الدين الجديد حربا ضارية، وقد تألم الرسول لهذا الموقف، فقال الله له: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}. وقيل: إن هذه الآية نزلت في أبى طالب الذي كان النبى شديد الرغبة في إسلامه، وكان يعلم صدق ابن أخيه، ولكن انسياقه مع العرف السائد جعله يأبى الدخول في الإسلام، وقال: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا لولا الملامة، أو حذار مسبة لو جدتنى سمحا بذاك مبينا!! ومثل ذلك ما روى عن واحد من رجالات قريش: إنا لنعلم أن الذي تقول حق، ولكن إن اتبعناك على دينك خفنا أن تخرجنا العرب من أرض مكة فنزل قوله تعالى: {وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون}. وقد تهددهم القرآن الكريم بعواقب هذا الكفر: {وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين}. وتتابعت النصائح تغرى باتباع الحق، والحذر من شهوات الدنيا: {وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون}؟.
المؤسف أن كثيرا من الناس يبيعون الحقيقة بالثمن البخس، ولايبالون بعواقب الطيش. ما ضر الفرعون الحاكم لو عقل وعدل بدل أن يستكبر ويطغى ويمشى مختالا على رقاب العباد؟ ماضر الأتباع المسحورين لو أنصفوا وأحسنوا بدل أن يأووا إليه ويسارعوا في هواه؟. إن القرآن الكريم ينعى على الفريقين هذه الوثنية البشرية فيقول جل شأنه للأولين: {ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون} ويقول للآخرين: {وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون}. وهذا المشهد من مشاهد القيامة عجل بعرضه حتى يرعوى الخادع والمخدوع، وبعد مشاهد أخرى أو في خلالها جاء كلام عن الله الحق أنه خالق البشر، ومنشئ خصائصهم التي يتفاوتون بها، والتى يصطفى على أساسها من شاء ويؤخر من شاء {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون}. ثم تحدث عن النظام الذي خاله لهذا الكون الذي نحيا بين أرضه وسمائه {قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون}. إن الله جعل الظلمات والنور لكدح طويل، يسأل كل أمرئ بعده عما قدم وأخر، يستوى في هذا التساؤل الملوك والصعاليك...، وفي ختام الحديث عن الاستبداد السياسى، بدأ حديث آخر عن الطغيان الرأسمالى، أساسه أن النجاة عند الله لا تتم إلا بالبراءة منهما والبعد عنهما.، ومن ثم شرع القرآن يروى قصة قارون، الذي بلغ من الغنى حدا هائلا، والمال ليس في ذاته شرا ولا خيرا، إنه أداة تعاب أو تحمد وفق طريقة استعمالها، فالسلاح في يد اللص أداة للقتل، وفي يد الجندى أداة للدفاع أو القصاص. ولذلك قيل لقارون صاحب القناطير المقنطرة من الذهب والفضة: {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين}.
إن هناك أغنياء يبذلون ما لديهم بسخاوة نفس، ويبحثون عن كل خلة ليسدوها، ويستقبلون الفقراء بحفاوة، ويعطونهم قبل أن يسألوا، ويشكرون الله على ما أعطى وأعان، ولا يرون المال سبب استعلاء ولا مصدر تطاول على الآخرين. إنه اختبار من الله يؤدى حقه فيه!. لكن قارون رأى أنه كسب المال بعبقريته وحده، وأن من حقه أن يشمخ به ويترف فيه وينظر إلى غيره شزرا!! {قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون}. إن رسل الله فيهم الغنى والفقير، فيهم من كان ملكا، ومن عاش على الكفاف. لكن غنيهم ما بخل ولا طغى، وفقيرهم ما عجز ولا هان. وفتنة المال في شتى الحضارات كانت قاسية، وهى في الحضارة الحديثة مصدر بلاء كبير، وقد نشأت نظم ساخطة على التفاوت بين الناس، فلم تصنع شيئا بل تولت مسخوطا عليها. والعلاج الصحيح يلتمس في تعاليم الإسلام التي تصلح الأرض بوحى السماء، وتؤكد للناس حقيقة واحدة هي قوله جل شأنه: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين}. إن هذه الآية من سورة القصص جاءت بعد ما قص المولى سبحانه تاريخ الفرعونية الحاكمة، والقارونية الكانزة، ثم قال! عن النهج السوى: {من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون}. ينبغى أن نعلم أن الحياة لا تصلح بغير دين، ولا تستقيم بغير قلب سليم، وأن التشريعات والنظم الوصفية لا تغنى عن الإيمان باليوم الآخر، والتأهب له بالعمل الصالح، ويحزننى أن هناك متدينين لم يشرفوا الإيمان بسلوكهم، ولم يحققوا العدالة التي أمروا بإقامتها، واكتفوا برفع شعار التوحيد على نحو ما قال شاعر المرجئة: كن مسلما، ومن الذنوب فلا تخف حاشا المهيمن أن يرى تنكيدا!! لو شاء أن يصليك نار جهنم ما كان ألهم قلبك التوحيدا!! والإرجاء شائع من أمد طويل بين جماهير المسلمين، يرون أن العمل نافلة، ومادام المرء مؤمنا بالله فهو ناج مهما فعل! وقد هد هذا الفكر دولة الإسلام من قرون.
ولا تعود للمسلمين حضارتهم الأولى إلا بالإيمان والعمل معا لقد ختمت سورة القصص بخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يزلزل النفوس، ويبين أن صاحب الرسالة أثقل الناس حملا من التكاليف الشاقة: {وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو} إن العلم النظرى بوحدانية الله لا يكفى، فقد كان إبليس يعلم أن الله واحد، بيد أنه رفض الخضوع له والامتثال لأمره فهوى. وأمتنا لابد أن تجمع بين إيمان واضح، وعمل صالح، حتى يمكن لها، وتستعد لآخرتها. اهـ.