فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه إلهام من الله قد قذفه في قلبها وليس بوحي نبوة، قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني: أنه كان رؤيا منام، حكاه ابن عيسى.
الثالث: أنه وحي من الله إليها مع الملائكة كوحيه إلى النبيين، حكاه قطرب.
{أَنْ أَرْضِعِيه} قال مجاهد: كان الوحي بالرضاع قبل الولادة، وقال غيره بعدها.
{فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} يعني القتل الذي أمر به فرعون في بني إسرائيل.
{فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} واليم: البحر وهو النيل.
{وَلاَ تَخافِي} فيه وجهان:
أحدهما: لا تخافي عليه الغرق، قاله ابن زيد.
الثاني: لا تخافي عليه الضيعة، قاله يحيى بن سلامة.
{وَلاَ تَحْزَنِي} فيه وجهان:
أحدهما: لا تحزني على فراقه، قاله ابن زيد.
الثاني: لا تحزني أن يقتل، قال يحيى بن سلام.
فقيل: إنها جعلته في تابوت طوله خمسة أشبار وعرضه خمسة أشبار وجعلت المفتاح مع التابوت وطرحته في البحر بعد أن أرضعته أربعة أشهر وقال آخرون ثمانية أشهر في حكاية الكلبي. وحكي أنه لما فرغ النجار من صنعه التابوت أتى إلى فرعون يخبره فبعث معه من يأخذه فطمس الله على عينه وقلبه فلم يعرف الطريق فأيقن أنه المولود الذي تخوف فرعون منه فآمن من ذلك الوقت وهو مؤمن آل فرعون.
قال ابن عباس: فلما توارى عنها ندَّمها الشيطان وقالت في نفسها لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب أليّ من إلقائه بيدي إلى دواب البحر وحيتانه، فقال الله: {إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ} الآية، حكى الأصمعي قال: سمعت جارية أعرابية تنشد:
استغفر الله لذنبي كله ** قبلت إنسانًا بغير حلّه

مثل الغزال ناعمًا في دَله ** فانتصف الليل ولم أُصله

فقلت: قاتلك الله ما أفصحك! فقالت: أوَيعد هذا فصاحة مع قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} الآية، فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين.
قوله: {فَالتْقَطَهُ ءَآلُ فِرْعَوْنَ} فيه قولان:
أحدهما: أنه التقطه جواري امرأته حين خرجن لاستسقاء الماء فوجدن تابوته فحملنه إليها، قاله ابن عباس.
الثاني: أن امرأة فرعون خرجت إلى البحر وكانت برصاء فوجدت تابوته فأخذته فبرئت من برصها فقالت: هذا الصبي مبارك، قاله عبد الرحمن بن زيد.
{لِيَكُونَ لَهُمْ عَدوًّا وََحَزَنًا} أي ليكون لهم عَدُوًّا وحزنًا في عاقبة أمره ولم يكن لهم في الحال عدوًّا ولا حزنًا لأن امرأة فرعون فرحت به وأحبته حبًا شديدًا فذكر الحال بالمآل كما قال الشاعر:
وللمنايا تربي كل مرضعةٍ ** ودورنا لخراب الدهر نبنيها

{وَقَالَتِ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ} روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن أصحاب فرعون لما علموا بموسى جاءوا ليذبحوه فمنعتهم وجاءت به إلى فرعون وقالت: قرة عين لي ولك.
{لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} فقال فرعون: قرة عين لك فأما لي فلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوْ أَقَرَّ فِرْعَونُ بِأَنَّهُ يَكُونُ لَهُ قُرَّةُ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّت امْرَأَتُهُ لَهَدَاهُ اللَّهُ بِهِ كَمَا هَدَاهَا وََلَكِنَّ اللَّهَ حَرَمَهُ ذلِكَ» وفي قرة العين وجهان:
أحدهما: أنه بردها بالسرور مأخوذ من القر وهو البرد.
الثاني: أنه قر فيها دمعها فلم يخرج بالحزن مأخوذ من قر في المكان إذا أقام فيه.
{وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أنّ هلاكهم على يديه وفي زمانه. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَأَوْحَيْنَا إلى أُمّ موسى}.
وهذا الوحي {إلى أم موسى} قالت فرقة: كان قولًا في منامها، وقال قتادة: كان إلهامًا، وقالت فرقة: كان بملك تمثل لها، وأجمع الكل على أنها لم تكن نبية، وإنما إرسال الملك لها على نحو تكليم الملك للأقرع والأبرص في الحديث المشهور وغير ذلك مما روي من تكليم الملائكة للناس من غير نبوة، وجملة أمر أم موسى أنها علمت أن الذي وقع في نفسها هو من عند الله ووعد منه، يقتضي ذلك قوله تعالى بعد: {رددناه إلى أمه كي تقرَّ عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق} [القصص: 13] وهذا معنى قوله: {لتكون من المؤمنين} [القصص: 10] أي بالوعد، وقال السدي وغيره: أمرت أن ترضعه عقب الولادة وتصنع به ما في الآية. لأن الخوف كان عقب كل ولادة، وقال ابن جريج: أمرت برضاعه أربعة أشهر في بستان فإذا خافت أن يصيح لأن لبنها لا يكفيه، صنعت به هذا.
قال القاضي أبو محمد: والأول أظهر إلا أن الآخر يعضده أمران: أحدهما قوله: {فإذا خفت عليه} وإذا ظرف لما يستقبل من الزمان، والآخر أنه لم يقبل المراضع والطفل إثر ولادته لا يعقل ذلك، اللهم إلا أن يكون هذا منه بأن الله تعالى حرمها عليه وجعله يأباها بخلاف سائر الأطفال، وقرأ عمرو بن عبد الواحد {أن ارضعيه} بكسر النون وذلك على حذف الهمزة عبطًا لا تخفيفًا، والتخفيف القياسي فتح النون قاله ابن جني، ونسب المهدوي هذه القراءة إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه و{اليم} جمهور الماء ومعظمه، والمراد نيل مصر، وروي في قصص هذه الآية أن أم موسى واسمها يوحانه أخذته ولفته في ثيابه وجعلت له تابوتًا صغيرًا وسدته عليه بقفل وعلقت مفتاحة عليه وأسلمته ثقة بالله وانتظارًا لوعده فلما غاب عنها عاودها بثها وأسفت عليه وأقنطها الشيطان فاهتمت به وكادت تفتضح وجعلت الأخت تقصه أي تطلب أثرة.
{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}.
الالتقاط اللقاء على غير قصد وروية، ومنه قول الشاعر نقادة الأسدي: الرجز:
ومنهم وردته التقاطا ** لم ألق إذ وردته فراطا

إلا الحمام القمر والغطاطا ** فهن يلغطن به إلغاطا

ومنه اللغطة و{آل فرعون} أهله وجملته، وروي أن آسية امرأة فرعون رأت التابوت يعوم في اليم فأمرت بسوقه وفتحته فرأت فيه صبيًا صغيرًا فرحمته وأحبته، وقال السدي: إن جواريها كان لهن في القصر على النيل فرضة يدخل الماء فيها إلى القصر حتى ينلنه في المرافق والمنافع فبينا هنّ يغسلن في تلك الفرضة إذ جاء التابوت فحملته إلى مولاتهن، وقال ابن إسحاق: رآه فرعون يعوم فأمر بسوقه وآسية جالسة معه فكان ما تقدم، وقوله تعالى: {ليكون لهم عدوًا وحزنًا} هي لام العاقبة لا أن المقصد بالالتفاظ كان لأن يكون عدوًا، وقرأ الجمهور {وحَزَنًا} بفتح الحاء والزاي.
وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب وطلحة والأعمش {وحُزْنًا} بضم الحاء وسكون الزاي، والخاطىء متعمد الخطأ، والمخطىء الذي لا يتعمده، واختلف المتأولون في الوقت الذي قالت فيه امرأة فرعون {قرة عين لي ولك} فقالت فرقة: كان ذلك عند التقاط التابوت لما أشعرت فرعون به سبق إلى وهمه أنه من بني إسرائيل وأن ذلك قصد به ليخلص من الذبح فقال عليّ بالذباحين فقالت امرأته ما ذكر فقال فرعون: أما لي فلا، قال النبي صلى الله عليه وسلم «لو قال فرعون نعم لآمن بموسى ولكان قرة عين له» وقال السدي: بل ربته حتى درج فرأى فرعون فيه شهامة وظنه من بني إسرائيل وأخذه في يده فمد موسى يده ونتف لحية فرعون فهم حينئذ بذبحه وحينئذ خاطبته بهذا وجربته له في الجمرة والياقوته فاحترق لسانه وعلق العقدة، وقوله: {لا يشعرون} أي بأنه الذي يفسد الملك على يديه قال قتادة وغيره، وقرأ ابن مسعود: {لا تقتلوه قرة عين لي ولك} قدم وأخر. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ}.
قد تقدّم معنى الوحي ومحامله.
واختلف في هذا الوحي إلى أم موسى؛ فقالت فرقة: كان قولًا في منامها.
وقال قتادة: كان إلهامًا.
وقالت فرقة: كان بمَلَك يمثَّل لها.
قال مقاتل: أتاها جبريل بذلك، فعلى هذا هو وحي إعلام لا إلهام.
وأجمع الكل على أنها لم تكن نبية، وإنما إرسال المَلك إليها على نحو تكليم المَلك للأقرع والأبرص والأعمى في الحديث المشهور؛ خرجه البخاري ومسلم، وقد ذكرناه في سورة براءة.
وغير ذلك مما روي من تكليم الملائكة للناس من غير نبوّة، وقد سلمت على عمران بن حصين فلم يكن بذلك نبيًا.
واسمها أيارخا وقيل أيارخت فيما ذكر السهيلي.
وقال الثعلبي: واسم أم موسى لوحا بنت هاند بن لاوي بن يعقوب.
{أَنْ أَرْضِعِيهِ} وقرأ عمر بن عبد العزيز: {أَنِ ارْضِعِيهِ} بكسر النون وألف وصل؛ حذف همزة أرضع تخفيفًا ثم كسر النون لالتقاء الساكنين.
قال مجاهد: وكان الوحي بالرضاع قبل الولادة.
وقال غيره بعدها.
قال السدي: لما ولدت أمّ موسى موسى أمرت أن ترضعه عقيب الولادة وتصنع به بما في الآية؛ لأن الخوف كان عقيب الولادة.