فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{وَأَوْحَيْنَا إلى أُمّ موسى} بإلهامٍ أو رُؤيا {أَنْ أَرْضِعِيهِ} ما أمكنك إخفاؤُه {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} بأنْ يحسَّ به الجيرانُ عند بكائِه وينمُّوا عليه {فَأَلْقِيهِ في اليم} في البحرِ وهو النِّيلُ {وَلاَ تَخَافِى} عليهِ ضيعةً بالغرقِ ولا شدَّةً {وَلاَ تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} عن قريبٍ بحيثُ تأمنينَ عليهِ {وجاعلوه مِنَ المرسلين} والجملةُ تعليلٌ للنَّهي عن الخوف والحزنِ. وإيثارُ الجملةِ الاسميةِ وتصديرُها بحرفِ التَّحقيقِ للاعتناء بتحقيق مضمونِها أي إنَّا فاعلونَ لردِّه وجعلِه من المُرسلينَ لا محالةَ. رُوي أنَّ بعضَ القَوَابلِ المُوكلاتِ من قبلِ فرعونَ بحَبالَى بني إسرائيلَ كانتْ مصافيةً لأمِّ موسى عليه السَّلامُ فقالتْ لها: لينفعني حبُّكِ اليومَ فعالجتْهَا فلمَّا وقعَ إلى الأرضِ هالها نورٌ بين عينيهِ وارتعشَ كلُّ مفصلٍ منها ودخل حبُّه في قلبِها ثم قالتْ: ما جئتكِ إلا لأقبلَ مولودكِ وأُخبر فرعونَ ولكنِّي وجدتُ لابنكِ في قلبي محبَّةً ما وجدتُ مثلَها لأحدٍ فاحفظيهِ فلمَّا خرجتْ جاء عيونُ فرعونَ فلفَّته في خرقةٍ فألقتْهُ في تنُّورٍ مسجورٍ لم تعلمْ ما تصنعُ لما طاشَ من عقلِها فطلبُوا فلم يلْقَوا شيئًا فخرجُوا وهي لا تدري مكانَه فسمعتْ بكاءه من التنُّور فانطلقتْ إليه وقد جعل الله تعالى النَّار عليه بَردًا وسلامًا فلما ألحَّ فرعونُ في طلب الولدانِ أَوْحى الله تعالى إليها ما أَوْحى. وقد رُوي أنَّها أرضعتْهُ ثلاثةَ أشهرٍ في تابوتٍ من بَرْديَ مطليَ بالقارِ من داخلِه. والفاءُ في قولِه تعالى: {فالتقطه ءالُ فِرْعَوْنَ} فصيحةٌ مفصحةٌ عن عطفِه على جملةٍ مترتبةٍ على ما قبلها من الأمرِ بالإلقاءِ قد حُذفتْ تعويلًا على دلالة الحالِ وإيذانًا بكمال سرعةِ الامتثالِ أي فألقتْهُ في اليمِّ بعد ما جعلتْهُ في التَّابوتِ حسبما أُمرت به فالتقطه آلُ فرعونَ أي أخذوه أخذَ اعتناءٍ به وصيانةٍ له عن الضَّياعِ. قال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما وغيره: كانَ لفرعونَ يومئذٍ بنتٌ لم يكُن له ولدٌ غيرُها وكانتْ من أكرمِ النَّاسِ إليه وكان بها بَرَصٌ شديدٌ عجزتِ الأطِّباءُ عن علاجِه فقالُوا: لا تبرأُ إلا من قبل البحرِ يُؤخذ منه شِبهُ الإنسِ يومَ كذا وساعةَ كذا من شهرِ كذا حين تُشرق الشَّمسُ فيؤخذُ من ريقِه فيلطخ به برصُها فتبرأْ فلمَّا كان ذلك اليومُ غدا فرعونُ في مجلسٍ له على شفيرِ النِّيلِ ومعه امرأتُه آسيةُ بنتُ مزاحمِ بنِ عُبيدِ بنِ الرَّيَّانِ بنِ الوليدِ الذي كان فرعونَ مصرَ في زمنِ يوسفَ الصِّدِّيقِ عليه السَّلامُ. وقيل: كانتْ من بني إسرائيلَ من سبطِ مُوسى عليه الصَّلاة والسَّلام وقيل: كانتْ عمَّته حكاه السُّهيليُّ. وأقبلتْ بنتُ فرعونَ في جَواريها حتَّى جلستْ على شاطىءِ النِّيلِ فإذا بتابوتٍ في النِّيلِ تضربُه الأمواجُ فتعلَّق بشجرةٍ فقالَ فرعونُ: ائتونِي به فابتدرُوا بالسُّفنِ فأحضرُوه بين يديهِ فعالجُوا فتحَهُ فلم يقدرُوا عليهِ وقصدُوا كسرَه فأعياهم فنظرتْ آسيةٌ فرأتْ نُورًا في جوفِ التَّابوتِ لم يرَهُ غيرُها فعالجتْهُ ففتحتْهُ فإذا هيَ بصبيَ صغيرٍ في مهدِه وإذا نورٌ بين عينيهِ وهو يمصُّ إبهامَه لبنًا فألقى الله تعالى محبَّتَه في قلوبِ القومِ وعمدتْ ابنةُ فرعونَ إلى ريقِه فلطَّختْ به برصَها فبرأتْ من ساعتِه وقيل: لما نظرتْ إلى وجهِه برأتْ فقالتِ الغُواة من قومِ فرعونَ: إنَّا نظنُّ أنَّ هذا هو الذي نحذرُ منه رُميَ في البحرِ فَرَقًا منك فاقتلْه فهمَّ فرعونُ بقتلِه فاستوهبتْهُ آسيةُ فتركَه كما سيأتِي. واللامُ في قولِه تعالى: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} لامُ العاقبةِ أُبرز مدخولُها في معرضِ العلَّةِ لالتقاطِهم تشبيهًا له في الترتيبِ عليه بالغرضِ الحاملِ عليه. وقُرىء حُزْنًا، وهما لغتانِ كالسَّقَمِ والسُّقْمِ. جُعل عليه الصَّلاة والسَّلام نفسَ الحزنِ إيذانًا بقوَّةِ سببيتِه لحزنِهم. {إِنَّ فِرْعَوْنَ وهامان وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خاطئين} أي في كلِّ ما يأتُون وما يذرون فلا غَرو في أنْ قتلُوا لأجلِه أُلوفًا ثم أخذُوه يربُّونَه ليكبرَ ويفعلَ بهم ما كانُوا يحذرون. رُوي أنَّه ذُبح في طلبِه عليه الصَّلاة والسَّلام تسعون ألفَ وليدٍ أو كانُوا مذنبينَ فعاقبهم الله تعالى بأنْ ربَّى عدوَّهم على أيديهم فالجُملة اعتراضيةٌ لتأكيد خُطَّتِهم أو لبيان المُوجب لما ابتلُوا به. وقُرىء خَاطين على أنَّه تخفيفُ خاطئينَ أو على أنَّه بمعنى مُتعدِّين الصَّوابَ إلى الخطأ.
{وَقَالَتِ امرأت فِرْعَوْنَ} أي لفرعونَ حينَ أخرجتْهُ من التَّابوتِ {قُرَّةُ عَيْنٍ لّى وَلَكَ} أي هو قرَّةُ عينٍ لنا لِما أنَّهما لمّا رأياهُ أحبَّاهُ أو لما ذُكر من بُرءِ ابنتِه من البَرَصِ بريقِه. وفي الحديثِ أنَّه قالَ: «لكِ لا لي» ولو قال: لي كما هُو لكِ لهداهُ الله تعالى كما هداها {لاَ تَقْتُلُوهُ} خاطبتْهُ بلفظِ الجمعِ تعظيمًا ليساعدَها فيما تريدُه {عسى أَن يَنفَعَنَا} فإنَّ فيه مخايلَ اليُمنِ ودلائلَ النَّجابةِ وذلك لِمَا رأتْ فيهِ من العلاماتِ المذكورةِ {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} أي نتبنَّاهُ فإنَّه خليقٌ بذلكَ {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} حالٌ من آلِ فرعونَ والتَّقديرُ فالتقطَه آلُ فرعونَ ليكونَ لهم عدُوًا وحَزنًا، وقالتِ امرأتُه له كيتَ وكيتَ وهُم لا يشعرون بأنَّهم على خطأ عظيمٍ فيما صنعُوا من الالتقاط ورجاءِ النَّفعِ منه والتَّبني له. وقولُه تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ} الآيةَ، اعتراضٌ وقعَ بين المعطوفينِ لتأكيدِ خطئِهم، وقيل: حالٌ من أحدِ ضميريّ نتخذُه على أنَّ الضَّميرَ للنَّاسِ أيْ وهُم لا يعلمونَ أنَّه لغيرِنا وقد تبنيناهُ. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَأَوْحَيْنَا إلى أُمّ موسى}.
قيل هي محيانة بنت يصهر بن لاوي، وقيل يوخابذ وقيل يارخا وقيل يارخت، وقيل غير ذلك.
والظاهر أن الإيحاء إليها كان بإرسال ملك، ولا ينافي حكاية أبي حيان الإجماع على عدم نبوتها، لما أن الملائكة عليهم السلام قد ترسل إلى غير الأنبياء وتكلمهم، وإلى هذا ذهب قطرب وجماعة.
وقال مقاتل منهم: إن الملك المرسل إليها هو جبريل عليه السلام.
وعن ابن عباس وقتادة أنه كان إلهامًا، ولا يأباه قوله تعالى: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وجاعلوه مِنَ المرسلين} نعم هو أوفق بالأول.
وقال قوم: إنه كان رؤيا منام صادقة قص فيها أمره عليه السلام، وأوقع الله تعالى في قلبها اليقين.
وحكى عن الجبائي أنها رأيت في ذلك رؤيا، فقصتها على من تثق به من علماء بني إسرائيل فعبرها لها.
وقيل كان بأخبار نبي في عصرها إياها.
والظاهر أن هذا الإيجاء كان بعد الولادة، وفي الأخبار ما يشهد له، فيكون في الكلام جملة محذوفة، وكأن التقدير والله تعالى أعلم: ووضعت موسى أمه في زمن الذبح فلم تدر ما تصنع في أمره وأوحينا إليها {أَنْ أَرْضِعِيهِ} وقيل: كان قبل الولادة، وأن تفسيرية أو مصدرية، والمراد أن أرضعيه ما أمكنك إخفاؤه.
وقرأ عمر بن عبد الواحد وعمر بن عبد العزيز أن أرضعيه بكسر النون بعد حذف الهمزة على غير قياس لأن القياس فيه نقل حركتها وهي الفتحة إلى النون كما في قراءة ورش.
{فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} من جواسيس فرعون ونقبائه الذين يقتلون الأبناء، أو من الجيران ونحوهم أن ينمو عليه {فَأَلْقِيهِ في اليم} أي في البحر، والمراد به النيل، ويسمى مثله بحرًا، وإن غلب في غير العذب {وَلاَ تَخَافِى} عليه ضيعة أو شدة من عدم رضاعه في سن الرضاع {وَلاَ تَحْزَنِى} من مفارقتك إياه {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} عن قريب بحيث تأمنين عليه ويومىء إلى القرب السياق.
وقيل التعبير باسم الفاعل لأنه حقيقة في الحال ويعتبر لذلك في قوله سبحانه: {وجاعلوه مِنَ المرسلون} ولا يضر تفاوت القربين، والجملة تعليل للنهي عن الخوف والحزن، وإيثار الجملة الاسمية وتصديرها بحرف التحقيق للاعتناء بتحقيق مضمونها أي إنا فاعلون ردّه، وجعله من المرسلين لا محالة.
واستفصح الأصمعي امرأة من العرب أنشدت شعرًا فقالت: أبعد قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إلى أُمّ موسى} الآية فصاحة وقد جمع بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين.
والفاء في قوله تعالى: {فالتقطه ءالُ فِرْعَوْنَ} فصيحة والتقدير ففعلت ما أمرت به من إرضاعه والقائه في اليم لما خافت عليه، وحذف ما حذف تعويلًا على دلالة الحال وإيذانًا بكمال سرعة الامتثال.
وروى أنها لما ضربها الطلق دعت قابلة من الموكلات بحبالى بني إسرائيل فعالجتها، وفلما وقع موسى عليه السلام على الأرض هالها نور بين عينيه وارتعش كل مفصل منها ودخل حبه قلبها بحيث منعها من السعابة فقالت لأمه: احفظيه، فلما خرجت جاء عيون فرعون فلفته في خرقة وألقته في تنور مسجور لم تعلم ما تصنع لما طاش من عقلها، فطلبوا فلم يجدوا شيئًا فخرجوا وهي لا تدري مكانه فسمعت بكاءه من التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله تعالى النار عليه بردًا وسلامًا فأخذته، فلما ألح فرعون في طلب الولدان واجتهد العيون في تفحصها أوحى الله تعالى إليها ما أوحى، وأرضعته ثلاثة أشهر، أو أربعة، أو ثمانية على اختلاف الروايات، فلما خافت عليه عمدت إلى بردى فصنعت منه تابوتًا أي صندوقًا فطلته القار من داخله.
وعن السدي أنها دعت نجارًا، فصنع لها تابوتًا، وجعلت مفتاحه من داخل، ووضعت موسى عليه السلام فيه وألقته في النيل بين أحجار عند بيت فرعون، فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن فوجدنه فأدخلنه إليها وظنن أن فيه مالًا، فلما فتحنه رأته آسية ووقعت عليه رحمتها فأحبته، وأراد فرعون قتله فلم تزل تكلمه حتى تركه لها.
وروى عن ابن عباس وغيره أنه كان لفرعون يومئذ بنت لم يكن له ولد غيرها وكانت من أكرم الناس إليه، وكان بها برص شديد أعيا الأطباء، وكان قد ذكر له أنها لا تبرأ إلا من قبل البحر يؤخذ منه شبه الإنس يوم كذا من شهر كذا حين تشرق الشمس فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ فلما كان ذلك اليوم غدا فرعون في مجلس له على شفير النيل ومعه امرأته آسية وأقبلت بنته في جواريها حتى جلست على شاطىء النيل فإذا بتابوت تضربه الأمواج فتعلق بشجرة فقال فرعون ائتوني به فابتدروا بالسفن فأحضروه بين يديه فعالجوا فتحه فلم يقدروا عليه وقصدوا كسره فأعياهم فنظرت آسية فكشف لها عن نور في جوفه لم يره غيرها فعالجته ففتحته فإذا صبي صغير فيه وله نور بين عينيه وهو يمص إبهامه لبنا فألقى الله تعالى محبته عليه السلام في قلبها وقلوب القوم وعمدت بنت فرعون إلى ريقه فلطخت به برصها فبرأت من ساعتها.
وقيل: لما نظرت إلى وجهه برأت فقالت الغواة من قوم فرعون أنا نظن أن هذا هو الذي نحذر منه رمى في البحر خوفا منك فاقتله فهم أن يقتله فاستوهبته آسية فتركه كما سيأتي إن شاء الله تعالى والأخبار في هذه القصة كثيرة، وقد قدمنا منها ما قدمنا، وآل فرعون أتباعه وقولهم: إن الآل لا يستعمل إلا فيما فيه شرف مبني على الغالب أو الشرف فيه أعم من الشرف الحقيقي والصوري ومعنى التقاطهم إياه عليه السلام أخذهم أياه عليه السلام أخذ اللقطة أي أخذ اعتناء به وصيانة له عن الضياع {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} فيه استعارة تهكمية ضرورة أنه لم يدعهم للالتقاط أن يكون لهم عدوًا وحزنًا وإنما دعاهم شيء آخر كالتبني ونفعه إياهم إذا كبر.