فصل: قال ابن الجوزي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {طسم} قد سبق تفسيره [الشعراء].
قوله تعالى: {إِنَّ فرعون علا في الأرض} أي: طغى وتجبَّر في أرض مصر {وجَعَلَ أهلَها شِيَعًا} أي: فِرَقًا وأصنافًا في خدمته {يَسْتضعف طائفةً منهم} وهم بنو إِسرائيل، واستضعافه إِيّاهم: استعبادُهم {إِنَّه كان مِنَ المُفْسِدِينَ} بالقتل والعمل بالمعاصي.
{يُذَبِّحُ أبناءَهم} وقرأ أبو رزين، والزهري، وابن محيصن، وابن أبي عبلة: {يَذْبَحُ} بفتح الياء وسكون الذال خفيفة.
قوله تعالى: {ونُريدُ أن نَمُنَّ} أي: نُنْعِم {على الذين استُضْعِفوا} وهم بنو إِسرائيل {ونَجْعَلَهم أئمَّةً} يُقتدى بهم في الخير؛ وقال قتادة: وُلاةً وملوكًا {ونجعلَهم الوارِثين} لمُلك فرعون بعد غَرَقه.
قوله تعالى: {ونُرِيَ فرعونَ وهامانَ وجنودَهما} وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف {ويَرِى} بياء مفتوحة وإِمالة الألف التي بعد الراء {فرعونُ وهامانُ وجنودُهما} بالرفع.
ومعنى الآية: أنهم أُخبِروا أن هلاكهم على يَدَي رجل من بني إِسرائيل، فكانوا على وَجَل منهم، فأراهم اللّهُ ما كانوا يَحْذَرون.
قوله تعالى: {وأَوحينا إِلى أُمِّ موسى} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنَّه إِلهام، قاله ابن عباس.
والثاني: أنَّ جبريل أتاها بذلك، قاله مقاتل.
والثالث: أنَّه كان رؤيا منام، حكاه الماوردي.
قال مقاتل: واسم أم موسى يوخابذ.
قوله تعالى: {أنْ أَرْضِعِيه} قال المفسرون: كانت امرأةٌ من القوابل مصافية لأم موسى، فلمَّا وضعتْه تولَّت أمرها ثم خرجت فرآها بعض العيون فجاءوا ليدخلوا على أم موسى، فقالت أخته: يا أُمَّاه هذا الحرس بالباب، فلفَّت موسى في خرقة ووضعته في التَّنُّور وهو مُسْجَر، فدخلوا ثم خرجوا، فقالت لأخته: أين الصبيُّ، قالت: لا أدري، فسمعت بكاءه من التَّنُّور فاطَّلعت وقد جعل الله عليه النَّارَ بَرْدًا وسلامًا، فأرضعته بعد ولادته ثلاثة أشهر، وقيل: أربعة أشهر، فلمَّا خافت عليه صنعت له التابوت.
وفي قوله: {فإذا خِفْتِ عليه} قولان:
أحدهما: إِذا خِفْتِ عليه القتل، قاله مقاتل.
والثاني: إِذا خِفْتِ [عليه] أن يصيح أو يبكي فيُسمع صوتُه، قاله ابن السائب.
وفي قوله: {ولا تَخافي} قولان:
أحدهما: أن يغرق، قاله ابن السائب.
والثاني: أن يضيع، قاله مقاتل.
وقال الأصمعي: قلت لأعرابية: ما أفصحكِ! فقالت: أوَ بعد هذه الآية فصاحة وهي قوله: {وأَوحينا إِلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إِنَّا رادُّوه إِليك وجاعلوه من المرسلين} جمع فيها بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين؟!
قوله تعالى: {فالتقَطَه آلُ فرعون} الالتقاط: إِصابة الشيء من غير طلب، والمراد بآل فرعون: الذين تولَّوا أخذ التابوت من البحر.
وفي الذين التقطوه ثلاثة أقوال:
أحدها: جواري امرأة فرعون، قاله السدي.
والثاني: ابنة فرعون، قاله محمد بن قيس.
والثالث: أعوان فرعون، قاله ابن إِسحاق.
قوله تعالى: {لِيَكونَ لهم عدوًّا} أي: ليصير بهم الأمر إِلى ذلك، لا أنهم أخذوه لهذا، وهذه اللام تسمى لام العاقبة، وقد شرحناه في [يونس: 88].
وللمفسرين في معنى الكلام قولان:
أحدهما: ليكون لهم عَدُوًّا في دينهم وحَزَنًا لِمَا يصنعه بهم.
والثاني: عدوًّا لرجالهم وحَزَنًَا على نسائهم، فقتل الرجال بالغرق، واستعبد النساء.
{وقالت امرأة فرعون} وهي آسية بنت مزاحم، وكانت من بني إِسرائيل تزوجها فرعون: {قُرَّةُ عَيْنٍ} قال الزجاج: رفع {قُرَّةُ عَيْنٍ} على إِضمار هو.
قال المفسرون: كان فرعون لا يولد له إِلا البنات، فقالت: {عسى أن ينفعنا} فنُصيب منه خيرًا {أو نَتَّخِذَه ولدًا} {وهم لا يشعرون} فيه أربعة أقوال:
أحدها: لا يشعرون أنَّه عدوٌّ لهم، قاله مجاهد.
والثاني: أنَّ هلاكهم على يديه، قاله قتادة.
والثالث: لا يشعر بنو إِسرائيل أنَّا التقطناه، قاله محمد ابن قيس.
والرابع: لا يشعرون أنِّي أفعل ما أريد لا ما يريدون، قاله محمد ابن إِسحاق. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ}.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وأوحينا إلى أم موسى} يقول: ألهمناها الذي صنعت بموسى.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وأوحينا إلى أم موسى} قال: قذف في نفسها.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} قال: وحي جاءها عن الله قذف في قلبها، وليس بوحي نبوة {فإذا خفت عليه فألقيه في اليم} قال: فجعلته في تابوت فقذفته في البحر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال: إن الله أوحى إلى أم موسى حين وضعت {أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم} فلما خافت عليه جعلته في التابوت، وجعلت المفتاح مع التابوت وطرحته في البحر، وخرجت امرأة فرعون إلى البحر وابنة لفرعون برصاء، فرأوا سوادًا في البحر، فأخرج التابوت إليهم، فبدرت ابنة فرعون وهي برصاء إلى التابوت، فوجدت موسى في التابوت وهو مولود، فأخذته فبرأت من برصها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش رضي الله عنه قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: في قوله: {فإذا خفت عليه} قال: أن يسمع جيرانك صوته.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} قال: فجعلته في بستان فكانت تأتيه في كل يوم مره فترضعه، وتأتيه في كل ليله فترضعه فيكفيه ذلك {فإذا خفت عليه} قال: إذا بلغ أربعة أشهر وصاح وابتغى من الرضاع أكثر من ذلك. فذلك قوله: {فإذا خفت عليه فألقيه في اليم}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {ولا تخافي} قال: لا تخافي عليه البحر {ولا تحزني} يقول: ولا تحزني لفراقه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًا} قال: في دينهم {وحزنًا} قال: لما يأتيهم به.
{وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)}.
أخرج ابن جرير عن محمد بن قيس قال: قالت امرأة فرعون {قرة عين لي ولك لا تقتلوه} قال فرعون: قرة عين لك، أما لي فلا قال محمد بن قيس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو قال فرعون قرة عين لي ولك لكان لهما جميعًا».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك} تعني بذلك: موسى عليه السلام {عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا} قال: ألقيت عليه رحمتها حين ابصرته {وهم لا يشعرون} إن هلاكهم على يديه وفي زمانه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وهم لا يشعرون} قال: آل فرعون أنه عدوّ لهم.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وهم لا يشعرون} قال: ما يصيبهم من عاقبة أمره.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: لا يشعرون أن هلاكهم على يديه والله تعالى أعلم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {أَنْ أَرْضِعِيهِ} يجوزُ أَنْ تكونَ المفسِّرة والمصدريةَ. وقرأ عمر بن عبد العزيز وعمر بن عبد الواحد بكسرِ النونِ على التقاءِ الساكنين كأنه حَذَف همزةَ القطعِ على غيرِ قياسٍ، فالتقى ساكنان، فكُسِرَ أَوَّلُهما.
{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)}.
قوله: {لِيَكُونَ} في اللامِ الوجهان المشهوران: العِلِّيَّةُ المجازيةُ بمعنى: أنَّ ذلك لَمَّا كان نتيجةَ فِعْلِهم وثمرتَه، شُبِّه بالداعي الذي يفعلُ الفاعلُ الفعلَ لأجله، أو الصيرورةُ. وقرأ العامَّةُ بفتحِ الحاءِ والزاي وهي لغةُ قريشٍ والأخوان بضمٍ وسكونٍ. وهما لغتان بمعنىً واحدٍ كالعُدْمِ والعَدَم.
قوله: {خَاطِئِينَ} العامَّةُ على الهمزِ. مأخوذٌ من الخَطأ ضدَّ الصواب. وقُرِىءَ بياءٍ دونَ همزةٍ، فاحْتُمِلَ أن يكونَ كالأولِ ولكن خُفِّفَ، وأَنْ يكونَ مِنْ خطا يَخْطُو، أي: تجاوزَ الصوابَ.
{وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)}.
قوله: {قُرَّةُ عَيْنٍ} فيه وجهان، أظهرهما: أنَّه خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: هو قُرَّةُ عينٍ. والثاني: وهو بعيدٌ جدًا أَنْ يكونَ مبتدأ، والخبرُ {لا تَقْتُلوه} وكأنَّ هذا القائلَ حقُّه أَنْ يُذَكَّر فيقول: لا تقتلوها إلاَّ أنه لمَّا كان المرادُ مذكرًا ساغَ ذلك.
والعامَّة من القرَّاء والمفسرين وأهلِ العلم يقفون على {ولَكَ} ونقل ابن الأنباري بسنده إلى ابن عباس عنه أنه وَقَف على {لا} أي: هو قُرَّةُ عينٍ لي فقط، ولك لا، أي ليس هو لك قرةَ عين، ثم يَبْتَدِىء بقوله: {تَقْتُلوه} وهذا لا ينبغي أن يَصِحَّ عنه، وكيف يَبْقَى {تَقْتُلوه} من غيرِ نونِ رفعٍ ولا مُقْتَضٍ لحَذْفِها؟ ولذلك قال الفراء: هو لحنٌ.
قوله: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} جملةٌ حاليةٌ. وهل هي من كلامِ الباري تعالى وهو الظاهرُ، أو من كلامِ امرأةِ فرعون؟ كأنَّها لَمَّا رأَتْ مَلأَه أشاروا بقتلِه قالَتْ له كذا أي: افعلَ أنتَ ما أقولُ لك، وقومُك لا يَشْعُرون. وجَعَل الزمخشريُّ الجملةَ مِنْ قولِه: {وَقَالَتِ امرأة فِرْعَوْنَ} معطوفةً على {فالتقطه} والجملةَ مِنْ قولِه: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} إلى {خاطئين} معترضًا بين المتعاطفين، وجَعَلَ متعلَّقَ الشعور مِنْ جنسِ الجملةِ المعترضةِ أي: لا يَشْعُرون أنهم على خطأ في التقاطِه. قال الشيخ: ومتى أمكن حَمْلُ الكلامِ على ظاهرِه مِنْ غيرِ فصلٍ كان أحسنَ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ}.
أي ألقينا في قلبها، وأوحينا إليها وحيَ إلهامٍ، فاتخذت خاطرها في ذلك، وجرى منها ذلك وهي مختارة باختيارٍ أُدْخِلَ عليها.
لمَّا وضعت أم موسى كانت تخاف قتله، فإن فرعون قَتَلَ في ذلك اليوم كثيرًا من الولدان المولودة لبني اسرائيل، رجاءَ أن يقتلَ مَنْ رأى في النوم ما عُبِّر له أن ذهابَ مُلْكِه على يدي إسرائيلي، فألقى الله في قلبها أن تفعل ذلك.
ثم إنه ربَّاه في حِجْرِه ذلك اليومَ- ليُعْلَمَ أنَّ الأقدارَ لا تُغَالَبُ.
جعلت أم موسى موسى في تابوتٍ، وألقته في نيل مصر، فجاء الماءُ به إلى بِرْكةٍ كان فرعونُ جالسًا على حافتها، فأخذوه وحملوه إليه، وفتحوا رأسَ التابوت، فلمَّا رآه فرعون أخَذَتْ رؤيتُه بمجامع قلبه، وكذلك تمكَّن حُبَّه من قلب امرأةِ فرعون، قال تعالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي} [طه: 39] حيث خَلَقَ الله ملامحةً في عيني موسى؛ فكان من يقع عليه بَصَرُه لا يتمالك من حُبِّه.
{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)}.
أخبر الله تعالى أنه كان عدوًا لهم، وقالت امرأةُ فرعون: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)}.
فلم يكن لهما ولد، وهم لا يشعرون إلى ماذا يئول أمره. اهـ.