فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا}.
ذكروا في قوله: {فُؤَادُ أُمّ موسى فَارِغًا} وجوهًا: أحدها: قال الحسن فارغًا من كل هم إلا من هم موسى عليه السلام وثانيها: قال أبو مسلم فراغ الفؤاد هو الخوف والإشفاق كقوله: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} [إبراهيم: 43]، وثالثها: قال صاحب الكشاف فارغًا صفرًا من العقل، والمعنى أنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها من فرط الجزع والخوف ورابعها: قال الحسن ومحمد بن إسحق فارغًا من الوحي الذي أوحينا إليها أن ألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك فجاءها الشيطان فقال لها كرهت أن يقتل فرعون ولدك فيكون لك أجر فتوليت إهلاكه، ولما أتاها خبر موسى عليه السلام أنه وقع في يد فرعون فأنساها عظم البلاء ما كان من عهد الله إليها، وخامسها: قال أبو عبيدة: فارغًا من الحزن لعلمها بأنه لا يقتل اعتمادًا على تكفل الله بمصلحته قال ابن قتيبة: وهذا من العجائب كيف يكون فؤادها فارغًا من الحزن والله تعالى يقول: {لَوْلا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا} وهل يربط إلا على قلب الجازع المحزون، ويمكن أن يجاب عنه بأنه لا يمتنع أنها لشدة ثقتها بوعد الله لم تخف عند إظهار اسمه، وأيقنت أنها وإن أظهرت فإنه يسلم لأجل ذلك الوعد إلا أنه كان في المعلوم أن الإظهار يضر فربط الله على قلبها، ويحتمل قوله: {إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا} بالوحي فأمنت وزال عن قلبها الحزن، فعلى هذا الوجه يصح أن يتأول على أن قلبها سلم من الحزن على موسى أصلًا، وفيه وجه ثالث: وهو أنها سمعت أن امرأة فرعون عطفت عليه وتبنته إن كادت لتبدي به بأنه ولدها لأنها لم تملك نفسها فرحًا بما سمعت، لولا أن سكنا ما بها من شدة الفرح والابتهاج {لِتَكُونَ مِنَ المؤمنين} الواثقين بوعد الله تعالى لا يتبنى امرأة فرعون اللعين وبعطفها، وقرىء {قرعًا} أي خاليًا من قولهم أعوذ بالله من صفر الإناء وقرع الفناء.
وفرغًا من قولهم: دماؤهم بينهم فرغ أي هدر يعني بطل قلبها من شدة ما ورد عليها.
أما قوله: {إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ} فاعلم أن على قول من فسر الفراغ بالفراغ من الحزن، قد ذكرنا تفسير قوله: {إِن كَادَتْ لَتُبْدِى} وأما على قول من فسر الفراغ بحصول الخوف فذكروا وجوهًا: أحدها: قال ابن عباس كادت تخبر بأن الذي وجدتموه ابني، وقال في رواية عكرمة كادت تقول واإبناه من شدة وجدها به وذلك حين رأت الموج يرفع ويضع، وقال الكلبي ذلك حين سمعت الناس يقولون إنه ابن فرعون وقال السدي لما أخذ ابنها كادت تقول هو ابني فعصمها الله تعالى، ثم قال: {لَوْلا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا} بإلهام الصبر كما يربط على الشيء المتفلت ليستقر ويطمئن {لِتَكُونَ مِنَ المؤمنين} من المصدقين بوعد الله وهو قوله: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} [القصص: 7].
أما قوله: {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصّيهِ} أي اتبعي أثره وانظري إلى أين وقع وإلى من صار وكانت أخته لأبيه وأمه واسمها مريم {فَبَصُرَتْ بِهِ} قال ابن عباس رضي الله عنهما أبصرته، قال المبرد: أبصرته وبصرت به بمعنى واحد وقوله: {عَن جُنُبٍ} أي عن بعد وقرىء عن جانب وعن جنب والجنب الجانب أي نظرت نظرة مزورة متجانبة {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بحالها وغرضها.
{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)}.
اعلم أن قوله: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المراضع مِن قَبْلُ} يقتضي تحريمها من قبله فإذا لم يصح بالتعبد والنهي لتعذر التمييز فلابد من فعل سواه وذلك الفعل يحتمل أنه تعالى مع حاجته إلى اللبن أحدث فيه نفار الطبع عن لبن سائر النساء، فلذلك لم يرضع أو أحدث في لبنهن من الطعم ما ينفر عنه طبعه أو وضع في لبن أمه لذة فلما تعودها لا جرم كان يكره لبن غيرها، وعن الضحاك كانت أمه قد أرضعته ثلاثة أشهر حتى عرف ريحها والمراضع جمع مرضع، وهي المرأة التي ترضع أو جمع مرضع وهو موضع الرضاع أي الثدي أو الرضاع وقوله: {مِن قَبْلُ} أي من قبل أن رددناه إلى أمه ومن قبل مجيء أخت موسى عليه السلام، ومن قبل ولادته في حكمنا وقضائنا فعند ذلك قالت أخته {هَلْ أَدُلُّكُمْ على أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} أي يضمنون رضاعه والقيام بمصالحه وهم له ناصحون لا يمنعونه ما ينفعه في تربيته وإغذائه، ولا يخونونكم فيه والنصح إخلاص العمل من شائبة الفساد، وقال السدي إنها لما قالت: {وَهُمْ لَهُ ناصحون} دل ظاهر ذلك على أن أهل البيت يعرفونه فقال لها هامان قد عرفت هذا الغلام فدلينا على أهله فقالت ما أعرفه، ولكني إنما قلت هم للملك ناصحون ليزول شغل قلبه، وكل ما روي في هذا الباب يدل على أن فرعون كان بمنزلة آسية في شدة محبته لموسى عليه السلام، لا على ما قال من زعم أنها كانت مختصة بذلك فقط ثم قال تعالى: {فرددناه إلى أُمّهِ} بهذا الضرب من اللطف {كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} أي فيما كان وعدها من أنه يرده إليها، ولقد كانت عالمة بذلك، ولكن ليس الخبر كالعيان فتحققت بوجود الموعود {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} فيه وجوه أربعة: أحدها: ولكن أكثر الناس في ذلك العهد وبعد لا يعلمون لإعراضهم عن النظر في آيات الله وثانيها: قال الضحاك ومقاتل يعني أهل مصر لا يعلمون أن الله وعدها برده إليها وثالثها: هذا كالتعريض بما فرط منها حين سمعت بخبر موسى عليه السلام فجزعت وأصبح فؤادها فارغًا ورابعها: أن يكون المعنى إنا إنما رددناه إليها {لَتَعْلَمُ أَنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} والمقصود الأصلي من ذلك الرد هذا الغرض الديني، ولكن الأكثر لا يعلمون أن هذا هو الغرض الأصلي، وأن ما سواه من قرة العين وذهاب الحزن تبع، قال الضحاك لما قبل ثديها قال هامان إنك لأمه، قالت لا قال فما بالك قبل ثديك من بين النسوة قالت أيها الملك إني امرأة طيبة الريح حلوة اللبن ما شم ريحي صبي إلا أقبل على ثديي، قالوا صدقت فلم يبق أحد من آل فرعون إلا أهدى إليها وأتحفها بالذهب والجواهر. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ}.
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: {فَارِغًا} فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: فَارِغًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
الثَّانِي: فَارِغًا مِنْ وَحْيِنَا يَعْنِي بِسَبَبِهِ.
الثَّالِثُ: فَارِغًا مِنْ الْعَقْلِ؛ قَالَهُ مَالِكٌ؛ يُرِيدُ امْتَلَأَ وَلَهًا، يُرْوَى أَنَّهَا لَمَّا رَمَتْهُ فِي الْبَحْرِ جَاءَهَا الشَّيْطَانُ فَقَالَ لَهَا: لَوْ حَبَسْتِهِ فَذُبِحَ فَتَوَلَّيْت دَفْنَهُ، وَعَرَفْت مَوْضِعَهُ، وَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ قَتَلْتِهِ أَنْتِ.
وَسَمِعَتْ ذَلِكَ، فَفَرَغَ فُؤَادُهَا مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ الْوَحْيِ، إلَّا أَنَّ اللَّهَ رَبَطَ عَلَى قَلْبِهَا بِالصَّبْرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ أَعْظَمِ آيِ الْقُرْآنِ فَصَاحَةً؛ إذْ فِيهَا أَمْرَانِ وَنَهْيَانِ وَخَبَرَانِ وَبِشَارَتَانِ. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مَوسَى فَارِغًا} فيه ستة أوجه:
أحدها: فارغًا من كل شيء إلا من ذكر موسى، قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني: فارغًا من وحينا بنسيانه، قاله الحسن وابن زيد.
الثالث: فارغًا من الحزن لعلمها أنه لم يغرق، قاله الأخفش.
الرابع: معنى فارغًا أي نافرًا، قاله العلاء بن زيد.
الخامس: ناسيًا، قاله اليزيدي.
السادس: معناه والهًا، رواه ابن جبير.
وقرأ فضالة بن عبيد الأنصاري وهو صحابي: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَزِعًا} من الفزع وفي قوله: {وَأَصْبَحَ} وجهان:
أحدهما: أنها ألقته ليلًا فأصبح فؤادها فارغًا في النهار.
الثاني: أنها ألقته نهارًا ومعنى أصبح أي صار، قال الشاعر:
مضى الخلفاء بالأمر الرشيد ** وأصبحت المدينة للوليد

{إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن تصيح عند إلقائه وا إبناه، قاله ابن عباس.
الثاني: أن تقول لما حملت لإرضاعه وحضانته هو ابني، قاله السدي لأنه ضاق صدرها لما قيل هو ابن فرعون.
الثالث: أن تبدي بالوحي، حكاه ابن عيسى.
{لَوْلاَ أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} فيه قولان:
أحدهما: بالإيمان، قاله قتادة.
الثاني: بالعصمة، قاله السدي.
{لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قال السدي: قد كانت من المؤمنين ولكن لتكون من المصدقين بأنا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين.
قوله تعالى: {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ} أي استعلمي خبره وتتبّعي أثره.
قال الضحاك، واسم أخته كلثمة.
{فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ} وفيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: عن جانب، قاله ابن عباس.
الثاني: عن بعد، قاله مجاهد ومنه الأجنبي قال علقمة بن عبدة:
فلا تحرمنّي نائلًا عن جنابةٍ ** فإني امرؤ وسط القباب غريب

الثاني: عن شوق، حكاه أبوعمرو بن العلاء وذكر أنها لغة جذام يقولون جنبت إليك [أي اشتقت].
{وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أنها أخته لأنها كانت تمشي على ساحل البحر حتى رأتهم قد أخذوه.
قوله: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ} قال ابن عباس: لا يؤتى بمرضعة فيقبلها وهذا تحريم منع لا تحريم شرع كما قال امرؤ القيس:
جالت لتصرعني فقلت لها اقصِري ** إني امرؤ صرعي عليك حرام

أي ممتنع: {مِن قَبْلُ} أي من قبل مجيء أخته وفي قوله: {مِن قَبْلُ} وجهان:
أحدهما: ما ذكرناه.
الثاني: من قبل ردّه إلى أمه.
{فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} الآية. وهذا قول أخته لهم حين رأته لا يقبل المراضع فقالوا لها عند قولها لهم: {وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} وما يُدْريك؟ لعلك تعرفين أهله، فقالت: لا ولكنهم يحرصون على مسرة الملك ويرغبون في ظئره.
قوله تعالى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمَّهِ} قال ابن عباس انطلقت أخته إلى أمه فأخبرتها فجاءت فلما وضعته في حجرها نزا إلى ثديها فمصَّه حتى امتلأ جنباه ريًا وانطلق بالبشرى إلى امرأة فرعون قد وجدنا لابنك ظئرًا، قال أبو عمران الجوني: وكان فرعون يعطي أم موسى في كل يوم دينارًا.
وروي أنه قال لأم موسى حين ارتضع منها: كيف ارتضع منك ولم يرتضع من غيرك؟ فقالت: لأني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أكاد أوتى بصبي إلا ارتضع مني. فكان من لطف الله بموسى أن جعل إلقاء موسى في البحر وهو الهلاك سببًا لنجاته وسخر فرعون لتربيته وهو يقتل الخلق من بني إسرائيل لأجله وهو في بيته وتحت كنفه.
{وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} في قوله: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكَ} الآية.
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ} يعني من قوم فرعون.
{لاَ يَعْلَمُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: لا يعلمون ما يراد بهم، قاله الضحاك.
الثاني: لا يعملون مثل علمها. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله: {وأصبح} عبارة عن دوام الحال واستقرارها وهي كظل، ومنه قل أبي سفيان للعباس يوم الفتح: لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيمًا يريد استقرت حاله عظيمًا. وقرأ جمهور الناس {فارغًا} من الفراغ واختلف في معنى ذلك فقال ابن عباس: {فارغًا} من كل شيء إلا من ذكر موسى، وقال مالك: هو ذهاب العقل.
قال الفقيه الإمام القاضي: نحو قوله: {وأفئدتهم هواء} [إبراهيم: 43] وقالت فرقة {فارغًا} من الصبر، وقال ابن زيد {فارغًا} من وعد الله تعالى ووحيه إليها أي تناسته بالهم وفتر أثره في نفسها وقال لها إبليس فررت به من قتل لك فيه أجر وقتلته بيدك، وقال أبو عبيدة {فارغًا} من الحزن إذ لم يغرق، وقرأ فضالة بن عبد الله ويقال ابن عبيد والحسن {فزعًا} من الفزع بالفاء والزاي، وقرأ ابن عباس {قرعًا} بالقاف والراء من القارعة وهي الهم العظيم، وقرأ بعض الصحابه رضي الله عنهم {فِزْغًا} بالفاء المكسورة والراء الساكنة والغين المنقوطة ومعناها ذاهبًا هدرًا تالفًا من الهم والحزن، ومنه قول طليحة الأسدي في حبال أخيه: الطويل:
فإن تك قتلى قد أصيبت نفوسهم ** فلن يذهبوا فرغًا بقتل حبال

أي هدرًا تالفًا لا يتبع، وقرأ الخليل بن أحمد {فُرُغًا} بضم الفاء والراء. وقوله تعالى: {إن كادت لتبدي به} أي أمر ابنها، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كادت أم موسى أن تقول واإبناه وتخرج صائحة على وجهها» والربط على القلب تأنيسه وتقويته، ومنه قولهم للشجاع والصابر في المضايق: رابط الجأش، قال قتادة: وربط على قلبها بالإيمان، وقوله: {لتكون من المؤمنين} أي من المصدقين بوعد الله وما أوحى إليها به، ثم قالت لأخت موسى طمعًا منها وطلبًا، {قصيه} والقص طلب الأثر، فيروى أن أخته خرجت في سكك المدينة تبحث مختفية بذلك فرأته عند قوم من حاشية امرأة فرعون يطلبون به امرأة ترضعه حين لم يقبل المراضع، و{عن جنب} أي عن ناحية من غير قصد ولا قرب يشعر لها به، يقال فيه جنب وجناب وجنابة ومن جناب قول الشاعر: الطويل:
لقد ذكرتني عن جناب حمامة ** بعسفان أهلي فالفؤاد حزين

ومن جنابة قول الأعشى: الطويل:
أتيت حريثًا زائرًا عن جنابة ** فكان حريث عن عطائيَ جامدا

قال الفقيه الإمام القاضي: وكأن معنى هذه الألفاظ عن مكان جنب أي عن بعد ومعنى الآية عن بعد لم تدن منه فيشعر لها، وأنشد أبو عبيدة لعلقمة بن عبدة: الطويل:
فلا تحرمنّي نائلًا عن جنابة ** فإني امرؤ وسط القباب غريب

وقرأ قتادة {عن جَنْب} بفتح الجيم وسكون النون وهي قراءة الحسن والإعرج، وقرأ: {عن جانب} النعمان بن سالم، وقرأ الجمهور {عن جُنُب} بضم الجيم والنون، وقوله: {وهم لا يشعرون} معناه أنها أخته وأنها من جملة لطائف الله تعالى له ولأمه حسب الوعد الذي أوحي إليها، ويقال: بصرت الشيء وأبصرته بمعنى واحد متقارب، قال المهدوي: وقيل {عن جنب} معناه عن شوق وهي لغة لجذام يقولون جنبت إلى لقائك أي اشتقت إليه، وقال قتادة: معنى {عن جنب} أنها تنظر إليه كأنها لا تريده.
قوله تعالى: {وحرمنا} يقتضي أن الله تعالى خصه من الامتناع من ثدي النساء بما يشد به عن عرف الأطفال وهو تحريم تنقيص، و{المراضع} جمع مرضع واستعمل دون هاء التأنيث لأنه لا يلتبس بالرجال.
وقوله تعالى: {من قبل} معناه من أول أمره، و{قبل} مبني، والضمير في {قالت} لأخت موسى قال النقاش اسمها مريم، و{يكفلونه} معناه يحسنون تربيته وإرضاعه، وعلم القوم أن مكلمتهم من بني إسرائيل وكان ذلك عرف بني إسرائيل أن يكونوا مراضع وخدمة، وقوله: {وهم له ناصحون} يحتمل أن الضمير يعود على الطفل ويحتمل أن يعود على الملك الذي كان الطفل في ظاهر أمره من جملته، وقال ابن جريج: إن القوم تأولوا أنها أعادت الضمير على الطفل فقالوا لها إنك قد عرفته فأخبرينا من هو فقالت: ما أردت إلا أنهم ناصحون للملك: فتخلصت منهم بهذا التأويل.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويحتمل أن يعود الضمير على الطفل ولكن يكون النصح له بسبب الملك وحرصًا على التزلف إليه والتقرب منه، وفي الكلام هنا حذف يقتضيه الظاهر وهو أنها حملتهم إلى أم موسى وكلموها في ذلك فدرت عليه وقبلها وحظيت بذلك وأحسن إليها وإلى أهل بيتها، و{قرت عينها} أي سرت بذلك، وروي أن فرعون قال لها: ما سبب قبول هذا الطفل؟ فقالت إني طيبة الرائحة طيبة اللبن ودمع الفرح بارد ودموع الهم حرّى سخنة فمن هذا المعنى قيل قرت العين وسخنت، وقرأ يعقوب {نُقِر} بنون مضمومة وكسر القاف، و{وعد الله} المشار إليه وهو الذي أوحاه إليها أولًا إما بملك وإنما بمنامة وإما بإلهام حسب اختلاف المفسرين في ذلك، والقول بالإلهام يضعف أن يقال فيه {وعد} وقوله تعالى: {أكثرهم} يريد القبط. اهـ.