فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واسمها مريم بنت عمران؛ وافق اسمها اسم مريم أم عيسى عليه السلام؛ ذكره السّهيلي والثّعلبي.
وذكر الماورديّ عن الضحاك: أن اسمها كلثمة.
وقال السهيلي: كلثوم؛ جاء ذلك في حديث رواه الزبير بن بكّار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة: «أشعرت أن الله زوّجني معك في الجنة مريم بنت عمران وكلثوم أخت موسى وآسية امرأة فرعون» فقالت: الله أخبرك بهذا؟ فقال: «نعم» فقالت: بالرفاء والبنين {فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ} أي بعد؛ قاله مجاهد.
ومنه الأجنبي.
قال الشاعر:
فَلاَ تَحْرِمَنِّي نَائِلًا عن جَنَابةٍ ** فإِنَّي امرؤٌ وسْطَ القِبابِ غَرِيبُ

وأصله عن مكان جنب.
قال ابن عباس: {عَنْ جُنُبٍ} أي عن جانب.
وقرأ النعمان بن سالم: {عن جانِبٍ} أي عن ناحية.
وقيل: عن شوق؛ وحكى أبو عمرو بن العلاء أنها لغة لجذام؛ يقولون: جنبت إليك أي اشتقت.
وقيل: {عَنْ جُنُبٍ} أي عن مجانبة لها منه فلم يعرفوا أنها أمه بسبيل.
وقال قتادة: جعلت تنظر إليه بناحية كأنها لا تريده، وكان يقرأ: {عَنْ جَنْبٍ} بفتح الجيم وإسكان النون.
{وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أنها أخته لأنها كانت تمشي على ساحل البحر حتى رأتهم قد أخذوه.
قوله تعالى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المراضع مِن قَبْلُ} أي منعناه من الارتضاع من قبل؛ أي من قبل مجيء أمه وأخته.
و{الْمَراضِعَ} جمع مُرْضِع.
ومن قال مراضيع.
فهو جمع مِرضاع، ومفعال يكون للتكثير، ولا تدخل الهاء فيه فرقًا بين المؤنث والمذكر لأنه ليس بجارٍ على الفعل، ولكن من قال مِرضاعة جاء بالهاء للمبالغة؛ كما يقال مِطرابة.
قال ابن عباس: لا يؤتى بمرضع فيقبلها.
وهذا تحريم منع لا تحريم شرع؛ قال امرؤ القيس:
جَالَتْ لِتصرعَني فقلت لها اقْصِرِي ** إنّي امرؤٌ صَرْعِي عليكِ حَرَامُ

أي ممتنع.
فلما رأت أخته ذلك قالت: {هَلْ أَدُلُّكُمْ على أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} الآية.
فقالوا لها عند قولها: {وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} وما يدريك؟ لعلكِ تعرفين أهله؟ فقالت: لا؛ ولكنهم يحرصون على مَسرّة الملك، ويرغبون في ظِئْره.
وقال السّدي وابن جُرَيج: قيل لها لما قالت: {وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} قد عرفتِ أهل هذا الصبي فدلّينا عليهم؛ فقالت: أردت وهم للملك ناصحون.
فدلتهم على أم موسى، فانطلقت إليها بأمرهم فجاءت بها، والصبيّ على يد فرعون يعلّله شفقة عليه، وهو يبكي يطلب الرضاع، فدفعه إليها؛ فلما وجد الصبيّ ريح أمه قبل ثديها.
قال ابن زيد: استرابوها حين قالت ذلك فقالت: وهم للملك ناصحون.
وقيل: إنها لما قالت: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْل بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} وكانوا يبالغون في طلب مرضعة يقبل ثديها فقالوا: من هي؟ فقالت أمي؛ فقيل: لها لبن؟ قالت: نعم! لبن هارون وكان ولد في سنة لا يقتل فيها الصبيان فقالوا صدقت والله.
{وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} أي فيهم شفقة ونصح؛ فروي أنه قيل لأم موسى حين ارتضع منها: كيف ارتضع منك ولم يرتضع من غيرك؟ فقالت: إني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن، لا أكاد أوتى بصبيّ إلا ارتضع مني.
قال أبو عِمران الجوني: وكان فرعون يعطي أمّ موسى كل يوم دينارًا.
قال الزمخشري: فإن قلت كيف حلّ لها أن تأخذ الأجر على إرضاع ولدها؟ قلت: ما كانت تأخذه على أنه أجر على الرضاع، ولكنه مال حربيّ تأخذه على وجه الاستباحة.
قوله تعالى: {فَرَدَدْنَاهُ إلى أُمِّهِ} أي رددناه وقد عطَف الله قلب العدوّ عليه، ووفينا لها بالوعد.
{كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا} أي بولدها.
{وَلاَ تَحْزَنَ} أي بفراق ولدها.
{وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} أي لتعلم وقوعه فإنها كانت عالمة بأن رده إليها سيكون.
{ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} يعني أكثر آل فرعون لا يعلمون؛ أي كانوا في غفلة عن التقدير وسِر القضاء وقيل: أي أكثر الناس لا يعلمون أن وعد الله في كل ما وعد حق. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وأصبح} أي صار فارغًا من العقل، وذلك حين بلغها أنه وقع في يد فرعون، فدهمها أمر مثله لا يثبت معه العقل، لاسيما عقل امرأة خافت على ولدها حتى طرحته في اليم، رجاء نجاته من الذبح؛ هذا مع الوحي إليها أن الله يرده إليها ويجعله رسولًا، ومع ذلك فطاش لبها وغلب عليها ما يغلب على البشر عند مفاجأة الخطب العظيم، ثم استكانت بعد ذلك لموعود الله.
وقرأ أحمد بن موسى، عن أبي عمر وفؤاد: بالواو.
قال ابن عباس: فارغًا من كل شيء إلا من ذكر موسى.
وقال مالك: هو ذهاب العقل.
وقالت فرقة: فارغًا من الصبر.
قال ابن زيد: فارغًا من وعد الله ووحيه إليها، تناسته من الهم.
وقال أبو عبيدة: فارغًا من الحزن، إذ لم يغرق، وهذا فيه بعد، وتبعده القراءات الشواذ التي في اللفظة.
وقرأ فضالة بن عبيد، والحسن، ويزيد بن قطيب، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير: فزعًا، بالزاي والعين المهملة، من الفزع، وهو الخوف والقلق؛ وابن عباس: قرعًا، بالقاف وكسر الراء وإسكانها، من قرع رأسه، إذا انحسر شعره، كأنه خلا من كل شيء إلا من ذكر موسى.
وقيل: قرعًا، بالسكون، مصدر، أي يقرع قرعًا من القارعة، وهي الهم العظيم.
وقرأ بعض الصحابة: فزغًا، بالفاء مكسورة وسكون الزاي والغين المنقوطة، ومعناه: ذاهبًا هدرًا تالفًا من الهم والحزن.
ومنه قول طليحة الأسدي في أخيه حبال:
فإن يك قتلي قد أصيْبت نفوسهم ** فلن تذهبوا فزغًا بقتل حبال

أي: بقتل حبال فزغًا، أي هدرًا لا يطلب له بثأر ولا يؤخذ.
وقرأ الخليل بن أحمد: فرغًا، بضم الفاء والراء.
{إن كادت لتبدي به} هي إن المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة.
وقيل: إن نافية، واللام بمعنى إلاّ، وهذا قول كوفي، والإبداء: إظهار الشيء.
والظاهر أن الضمير في به عائد على موسى عليه السلام، فقيل: الباء زائدة، أي: لتظهره.
وقيل: مفعول تبدي محذوف، أي لتبدي القول به، أي بسببه وأنه ولدها.
وقيل: الضمير في به للوحي، أي لتبدي بالوحي.
قال ابن عباس: كادت تصيح عند إلقائه في البحر وا ابناه.
وقيل: عند رؤيتها تلاطم الأمواج به {لولا أن ربطنا على قلبها}.
قال قتادة: بالإيمان.
وقال السدي: بالعصمة.
وقال الصادق: باليقين.
قال ابن عطاء: بالوحي، و{لتكون من المؤمنين}.
فعلنا ذلك، أي المصدقين بوعد الله، وأنه كائن لا محالة.
والربط على القلب كناية عن قراره وإطمئنانه، شبه بما يربط مخافة الانفلات.
وقال الزمخشري: ويجوز: وأصبح فؤادها فارغًا من الهم حين سمعت أن فرعون عطف عليه وتبناه.
{إن كادت لتبدي} بأنه ولدها، لأنها لم تملك نفسها فرحًا وسرورًا بما سمعت، لولا أنا ظلمنا قلبها وسكّنّا قلقه الذي حدث به من شدة الفرح والابتهاج.
{لتكون من المؤمنين} الواثقين بوعد الله، لا بتبني فرعون وتعطفه. انتهى.
وما ذهب إليه الزمخشري من تجويز كونه فارغًا من الهم. إلى آخره، خلاف ما فهمه المفسرون من الآية، وجواب لولا محذوف تقديره: لكادت تبدي به، ودل عليه قوله: {إن كادت لتبدي به} وهذا تشبيه بقوله: {وهم بها لولا أن رأى برهان ربه} {وقالت لأخته} طمعًا منها في التعرف بحاله.
{قصيه} أي اتبعي أثره وتتبعي خبره.
فروي أنها خرجت في سكك المدينة مختفية، فرأته عند قوم من حاشية امرأة فرعون يتطلبون له امرأة ترضعه، حين لم يقبل المراضع، واسم أخته مريم، وقيل: كلثمة، وقيل: كلثوم، وفي الكلام حذف، أي فقصت أثره.
{فبصرت به} أي أبصرته؛ {عن جنب} أي عن بعد؛ {وهم لا يشعرون} بتطلبها له ولا بإبصارها.
وقيل: معنى {عن جنب} عن شوق إليه، حكاه أبو عمرو بن العلاء وقال: هي لغة جذام، يقولون: جنبت إليك: اشتقت.
وقال الكرماني: جنب صفة لموصوف محذوف، أي عن مكان جنب، يريد بعيد.
وقيل: عن جانب، لأنها كانت تمشي على الشط، وهم لا يشعرون أنها تقص.
وقيل: لا يشعرون أنها أخته.
وقيل: لا يشعرون أنه عدو لهم، قاله مجاهد.
وقرأ الجمهور: عن جنب، بضمتين.
وقرأ قتادة: فبصرت، بفتح الصاد؛ وعيسى: بكسرها.
وقرأ قتادة، والحسن، والأعرج، وزيد بن علي: جنب، بفتح الجيم وسكون النون.
وعن قتادة: بفتحهما أيضًا.
وعن الحسن: بضم الجيم وإسكان النون.
وقرأ النعمان بن سالم: عن جانب، والجنب والجانب والجنابة والجناب بمعنى واحد.
وقال قتادة: معنى عن جنب: أنها تنظر إليه كأنها لا تريده.
والتحريم هنا بمعنى المنع، أي منعناه أن يرضع ثدي امرأة؛ والمراضع جمع مرضع، وهي المرأة التي ترضع؛ أو جمع مرضع، وهو موضع الرضاع، وهو الثدي، أو الإرضاع.
{من قبل} أي من أول أمره.
وقيل: من قبل قصها أثره وإتيانه على من هو عنده.
{فقالت هل أدلكم} أي أرشدكم إلى {أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون} لكونهم فيهم شفقة ورحمة لمن يكفلونه وحسن تربية.
ودل قوله: {وحرمنا عليه المراضع} أنه عرض عليه جملة من المرضعات، والظاهر أن الضمير في له عائد على موسى.
قيل: ويحتمل أن يعود على الملك الذي كان الطفل في ظاهر أمْره من جملته.
قال ابن جريج: تأول القوم أن الضمير للطفل فقالوا لها: إنك قد عرفتيه، فأخبرينا من هو؟ فقالت: ما أردت، إلا أنهم ناصحون للملك، فتخلصت منهم بهذا التأويل.
وفي الكلام حذف تقديره: فمرت بهم إلى أمه، فكلموها في إرضاعه؛ أو فجاءت بأمه إليهم، فكلموها في شأنه، فأرضعته، فالتقم ثديها.
ويروى أن فرعون قال لها: ما سبب قبول هذا الطفل ثديك، وقد أبى كل ثدي؟ فقالت: إني امرأة طيبة الريح، طيبة اللبن، لا أوتي بصبي إلا قبلني، فدفعه إليها، وذهبت به إلى بيتها، وأجرى لها كل يوم دينارًا.
وجاز لها أخذه لأنه مال حربي، فهو مباح، وليس ذلك أجرة رضاع.
{فرددناه إلى أمّه} كما قال تعالى: {إنّا رادّوه إليك} ودمع الفرح بارد، وعين المهموم حرى سخنة، وقال أبو تمام:
فأما عيون العاشقين فأسخنت ** وأما عيون الشامتين فقرت

لما أنجز تعالى وعده في الردّ، ثبت عندها أنه سيكون نبيًا رسولًا.
{ولتعلم أن وعد الله حق} فعلنا ذلك.
ولا يعلمون، أي أن وعد الله حق، فهم مرتابون فيه؛ أو لا يعلمون أن الرد إنما كان لعلمها بصدق وعد الله.
ولكن أكثر الناس لا يعلمون بأن الرد كان لذلك، وفي قوله: {ولتعلم أن وعد الله حق} دلالة على ضعف من ذهب إلى أن الإيحاء إليها كان إلهامًا أو منامًا، لأن ذلك يبعد أن يقال فيه وعد.
وقوله: ولتعلم وقوع ذلك فهو علم مشاهدة، إذ كانت عالمة أن ذلك سيكون، وأكثرهم هم القبط، ولا يعلمون سرّ القضاء.
وقال الضحاك: لا يعلمون مصالحهم وصلاح عواقبهم.
وقال الضحاك أيضًا، ومقاتل: لا يعلمون أن الله وعدها رده إليها. اهـ.