فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي مدة الاستواء لهم قولان:
أحدهما: أنه أربعون سنة، قاله مجاهد، وقتادة، وابن زيد.
والثاني: ستون سنة، ذكره ابن جرير.
قال المفسرون: مكث عند أمِّه حتى فطمته، ثم ردَّته إِليهم، فنشأ في حِجْر فرعون وامرأته واتخذاه ولدًا.
قوله تعالى: {ودخل المدينة} فيها قولان:
أحدهما: أنها مصر.
والثاني: مدينة بالقرب من مصر.
قال السدي: ركب فرعون يومًا وليس عنده موسى، فلما جاء موسى ركب في إِثره فأدركه المَقِيل في تلك المدينة.
وقال غيره: لمَّا توهَّم فرعون في موسى أنَّه عدوُّه أمر باخراجه من مدينته، فلم يدخل إِلا بعد أن كَبِر، فدخلها يومًا {على حين غفلة من أهلها}.
وفي ذلك الوقت أربعة أقوال:
أحدها: أنَّه كان يوم عيد لهم، وكانوا قد اشتغلوا فيه بلهوهم، قاله عليٌّ عليه السلام.
والثاني: أنه دخل نصف النهار، رواه جماعة عن ابن عباس، وبه قال سعيد ابن جبير.
والثالث: بين المغرب والعشاء، قاله وهب بن منبِّه.
والرابع: أنَّهم لمَّا أخرجوه لم يدخل عليهم حتى كَبِر، فدخل على حين غفلة عن ذِكْره، لأنَّه قد نُسي أمرُه، قاله ابن زيد.
قوله تعالى: {هذا مِنْ شِيعته} أي: من أصحابه من بني إِسرائيل {وهذا مِنْ عدوِّه} أي: من أعدائه من القِبط، والعدوّ يُذْكَر للواحد وللجمع.
قال الزجاج: وإِنما قيل في الغائب: {هذا} و{هذا} على جهة الحكاية للحضرة؛ والمعنى: أنه إِذا نظر إِليهما الناظر قال: هذا مِنْ شِيعته، وهذا مِنْ عدوِّه.
قال المفسرون: وإِنَّ القِبطي كان قد سَخَّر الإِسرائيليَّ أن يحمل حطبًا إِلى مطبخ فرعون {فاستغاثه} أي: فاستنصره، {فوكزه} قال الزجاج: الوَكْز: أن يضربه بجميع كفِّه.
قال ابن قتيبة: {فوكزه} أي: لَكَزَهُ، يقال: وَكَزْتُه ولَكَزْتُه ولَهَزْتُه: إِذا دفَعْته، {فقضى عليه} أي: قتله؛ وكلُّ شيء فرغت منه فقد قضيته وقضيت عليه.
وللمفسرين فيما وكزه به قولان:
أحدهما: كفّه، قاله مجاهد.
والثاني: عصاه، قاله قتادة.
فلمَّا مات القِبطي ندم موسى لأنه لم يُرِد قتله، و{قال هذا مِنْ عمل الشيطان} أي: هو الذي هيَّج غضبي، حتى ضربتُ هذا، {إِنَّه عَدُوٌّ} لابن آدم {مُضِلٌّ} له {مُبِينٌ} عداوته.
ثم استغفر ف {قال ربِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نفسي} أي: بقتل هذا، ولا ينبغي لنبيّ أن يقتُل حتى يُؤْمَر. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ واستوى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}.
قد مضى الكلام في الأشد في الأنعام.
وقول ربيعة ومالك أنه الحُلُم أولى ما قيل فيه؛ لقوله تعالى: {حتى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ} [النساء: 6] فإن ذلك أوّل الأشد، وأقصاه أربع وثلاثون سنة؛ وهو قول سفيان الثوري.
و{اسْتَوَى} قال ابن عباس: بلغ أربعين سنة.
والحكم: الحكمة قبل النبوّة.
وقيل: الفقه في الدين.
وقد مضى بيانها في البقرة وغيرها.
والعلم الفهم في قول السدي.
وقيل: النبوّة.
وقال مجاهد: الفقه.
محمد ابن إسحاق: أي العلم بما في دينه ودين آبائه؛ وكان له تسعة من بني إسرائيل يسمعون منه، ويقتدون به، ويجتمعون إليه، وكان هذا قبل النبّوة.
{وَكَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين} أي كما جزينا أم موسى لما استسلمت لأمر الله، وألقت ولدها في البحر، وصدّقت بوعد الله؛ فرددنا ولدها إليها بالتحف والطرف وهي آمنة، ثم وهبنا له العقل والحكمة والنبوّة؛ وكذلك نجزي كل محسن.
قوله تعالى: {وَدَخَلَ المدينة على حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا}.
قيل: لما عرف موسى عليه السلام ما هو عليه من الحق في دينه، عاب ما عليه قوم فرعون؛ وفشا ذلك منه فأخافوه فخافهم، فكان لا يدخل مدينة فرعون إلا خائفًا مستخفيًا.
وقال السدي: كان موسى في وقت هذه القصة على رسم التعلق بفرعون، وكان يركب مراكبه، حتى كان يدعى موسى ابن فرعون؛ فركب فرعون يومًا وسار إلى مدينة من مدائن مصر يقال لها منف قال مقاتل على رأس فرسخين من مصر ثم علم موسى بركوب فرعون، فركب بعده ولحق بتلك القرية في وقت القائلة، وهو وقت الغفلة؛ قاله ابن عباس.
وقال أيضًا: هو بين العشاء والعَتَمة.
قال ابن إسحاق: بل المدينة مصر نفسها، وكان موسى في هذا الوقت قد أظهر خلاف فرعون، وعاب عليهم عبادة فرعون والأصنام، فدخل مدينة فرعون يومًا على حين غفلة من أهلها.
قال سعيد بن جبير وقتادة: وقت الظهيرة والناس نيام.
قال ابن زيد: كان فرعون قد نابذ موسى وأخرجه من المدينة، وغاب عنها سنين، وجاء والناس على غفلة بنسيانهم لأمره، وبُعْد عهدهم به، وكان ذلك يوم عيد.
وقال الضحاك: طلب أن يدخل المدينة وقت غفلة أهلها، فدخلها حين علم ذلك منهم، فكان منه من قتل الرجل من قبل أن يؤمر بقتله، فاستغفر ربه فغفر له.
ويقال في الكلام: دخلت المدينة حين غفل أهلها، ولا يقال: على حين غفل أهلها؛ فدخلت {على} في هذه الآية لأن الغفلة هي المقصودة؛ فصار هذا كما تقول: جئت على غفلة، وإن شئت قلت: جئت على حين غفلة، وكذا الآية.
{فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هذا مِن شِيعَتِهِ} والمعنى؛ إذا نظر إليهما الناظر قال هذا من شيعته؛ أي من بني إسرائيل {وهذا مِنْ عَدُوِّهِ} أي من قوم فرعون.
{فاستغاثه الذي مِن شِيعَتِهِ} أي طلب نصره وغوثه، وكذا قال في الآية بعدها: {فَإِذَا الذي استنصره بالأمس يَسْتَصْرِخُهُ} أي يستغيث به على قبطيّ آخر.
وإنما أغاثه لأن نصر المظلوم دين في الملل كلها على الأمم، وفرض في جميع الشرائع.
قال قتادة: أراد القبطيّ أن يُسخِّر الإسرائيلي ليحمل حطبًا لمطبخ فرعون فأبى عليه، فاستغاث بموسى.
قال سعيد بن جبير: وكان خبازًا لفرعون.
{فَوَكَزَهُ موسى} قال قتادة: بعصاه.
وقال مجاهد: بكفه؛ أي دفعه.
والوكز واللَّكْز واللَّهْز واللَّهْد بمعنى واحد، وهو الضرب بجُمْع الكفّ مجموعًا كعقد ثلاثة وسبعين.
وقرأ ابن مسعود: {فَلَكَزَهُ}.
وقيل: اللّكْز في اللحى والوكز على القلب.
وحكى الثعلبي أن في مصحف عبد الله بن مسعود: {فَنَكَزَهُ} بالنون والمعنى واحد.
وقال الجوهري عن أبي عبيدة: اللكز الضرب بالجُمْع على الصدر.
وقال أبو زيد: في جميع الجسد، واللهز: الضرب بجُمْع اليد في الصدر مثل اللّكْز؛ عن أبي عبيدة أيضًا.
وقال أبو زيد: هو بالجُمْع في اللَّهازِم والرقبة؛ والرجل مِلْهَز بكسر الميم.
وقال الأصمعي: نَكَزه؛ أي ضربه ودفعه.
الكسائي: نَهزَه مثل نَكَزه ووكَزَه، أي ضربه ودفعه.
ولَهَده لَهْدًا أي دفعه لذلّه فهو ملهود؛ وكذلك لَهَّده؛ قال طَرَفة يذمّ رجلًا:
بطيء عن الدّاعي سريع إلى الخنا ** ذَلُول بأَجماعِ الرجالِ مُلَهَّدِ

أي مُدفَّع وإنما شدّد للكثرة.
وقالت عائشة رضي الله عنها: فلهَدَني تعني النبي صلى الله عليه وسلم لَهْدة أوجعني؛ خرجه مسلم.
ففعل موسى عليه السلام ذلك وهو لا يريد قتله، إنما قصد دفعه فكانت فيه نفسه، وهو معنى: {فَقَضَى عَلَيْهِ}.
وكل شيء أتيت عليه وفرغت منه قضيت عليه.
قال:
قَدْ عَضَّهُ فَقَضَى عليه الأَشْجعُ

{قَالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشيطان} أي من إغوائه.
قال الحسن: لم يكن يحلّ قتل الكافر يومئذٍ في تلك الحال؛ لأنها كانت حال كفّ عن القتال.
{إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ} خبر بعد خبر.
{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغفر لِي فَغَفَرَ لَهُ} ندم موسى عليه السلام على ذلك الوكز الذي كان فيه ذهاب النفس، فحمله ندمه على الخضوع لربه والاستغفار من ذنبه.
قال قتادة: عرف والله المخرج فاستغفر؛ ثم لم يزل صلى الله عليه وسلم يعدد ذلك على نفسه، مع علمه بأنه قد غفر له، حتى أنه في القيامة يقول: إني قتلت نفسًا لم أومر بقتلها.
وإنما عدده على نفسه ذنبًا.
وقال: {ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لي} من أجل أنه لا ينبغي لنبيّ أن يقتل حتى يؤمر، وأيضًا فإن الأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم.
قال النقاش: لم يقتله عن عمد مريدًا للقتل، وإنما وكزه وكزة يريد بها دفع ظلمه.
قال وقد قيل: إن هذا كان قبل النبوّة.
وقال كعب: كان إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة، وكان قتله مع ذلك خطأ؛ فإن الوكزة واللكزة في الغالب لا تقتل.
وروى مسلم عن سالم بن عبد الله أنه قال: يا أهل العراق! ما أسألَكم عن الصغيرة، وأركَبكم للكبيرة! سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الفتنة تجيء من هاهنا وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان وأنتم بعضكم يضرب رقاب بعض وإنما قتل موسى الذي قتل مِن آل فرعون خطأ فقال الله عز وجل: {وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الغم وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: 40]». اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ}.
{المدينة} قال ابن عباس: هي منف.
ركب فرعون يومًا وسار إليها، فعلم موسى عليه السلام بركوبه، فلحق بتلك المدينة في وقت القائلة، وعنه بين العشاء والعتمة.
قال ابن إسحاق: المدينة مصر بنفسها، وكان موسى قد بدت منه مجاهرة لفرعون وقومه بما يكرهون، فاختفى وخاف، فدخلها متنكرًا حذرًا متغفلًا للناس.
قال ابن زيد: كان فرعون قد أخرجه من المدينة، فغاب عنها سنين، فنُسي، فجاء والناس في غفلة بنسيانهم له وبعد عهدهم به.
وقيل: كان يوم عيد، وهم مشغولون بلهوهم.
وقيل: خرج من قصر فرعون ودخل مصر.
وقيل: المدينة عين شمس.
وقيل: قرية على فرسخين من مصر يقال لها حابين.