فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {بِمَآ أَنْعَمْتَ} يجوزُ في الباءِ أن تكونَ قَسَمًا، والجوابُ: لأَتُوْبَنَّ مقدرًا. ويُفَسِّره {فَلَنْ أكونَ} وأَنْ تكونَ متعلقةً بمحذوفٍ، ومعناها السببيَّةُ. أي: اعْصِمْني بسببِ ما أَنْعَمْتَ به عليَّ، ويترتَّبُ عليه قولُه: {فلن أكونَ ظَهيرًا} وما مصدريةٌ، أو بمعنى الذي. والعائدُ محذوفٌ. وقوله: {فلن} نفيٌ على حقيقتِه. وزعمَ بعضُهم أنه دعاءٌ، وأنَّ لن واقعةٌ موقعَ لا. وأجاز قومٌ ذلك مُسْتَدِلِّينَ بهذه الآية، وبقولِ الشاعر:
لَنْ تَزالُوا كذلِكُمْ ثُمَّ لا زِلْ ** تَ لهمْ خالِدًا خُلُوْدَ الجبالِ

وليس فيهما دلالةٌ لظهورِ النفيِ فيهما مِنْ غيرِ تقديرِ دعاءٍ، وإنْ كان في البيت أقوى.
{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18)}.
قوله: {خَآئِفًا} الظاهرُ أنه خبرُ أَصْبح و{في المدينة} متعلِّقٌ به. ويجوزُ أَنْ يكونَ حالًا، والخبرُ {في المدينة} ويَضْعُفُ تمامُ أصبحَ أي: دَخَل في الصباح.
قوله: {يَتَرَقَّبُ} يجوزُ أَنْ يكونَ خبرًا ثانيًا، وأَنْ يكونَ حالًا ثانيةً، وأن يكونَ بدلًا من الحالِ الأولى، أو الخبر الأول، أو حالًا من الضميرِ في {خائفًا} فتكونُ متداخلةً. ومفعولُ {يترقَّبُ} محذوفٌ، أي: يترقَّبُ المكروهَ، أو الفرَجَ، أو الخبر: هل وصل لفرعونَ أم لا؟
قوله: {فَإِذَا الذي} إذا فجائيةٌ. و{الذي} مبتدأ. وخبره: إمَّا إذا، ف {يَسْتَصْرِخُه} حالٌ، وإمَّا {يَسْتَصْرِخُه} فإذا فَضْلةٌ على بابها. و{بالأمس} معربٌ؛ لأنه متى دَخَلَتْ عليه أل أو أُضيفَ أُعْرِبَ، ومتى عَرِيَ منهما فحالُه معروفٌ: الحجازُ تَبْنيه، والتميميُّون يَمْنعونه الصرفَ كقولِه:
لقد رَأَيْتُ عَجَبًا مُذْ أَمْسا ** على أنَّه قد يبنى مع أل نُدورًا

كقوله:
وإنِّي حُبِسْتُ اليومَ والأمسِ قبلَه ** إلى الشمسِ حتى كادَتِ الشمسُ تَغْرُبُ

يروى بكسر السين.
قوله: {قَالَ لَهُ موسى} الضميرُ: قيل: للإِسرائيليِّ؛ لأنه كان سببًا في الفتنةِ الأولى. وقيل: للقبطيِّ.
قوله: {فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ} الظاهرُ أنَّ الضميرَيْن لموسى. وقيل: للإِسرائيليِّ والعدوُّ هو القِبْطي. والضميرُ في {قال يا موسى} للإِسرائيليِّ، كأنه تَوَهَّم مِنْ موسى مُخاشَنَةً، فمِنْ ثَمَّ قال كذلك، وبهذا فشا خبرُه، وكان مَشْكوكًا في قاتِله.
و{أنْ} تَطَّرِدُ زيادتُها في موضعين، أحدُهما: بعد لَمَّا كهذِه. والثاني قبل لو مسبوقةً بقَسَمٍ كقولِه:
أَمَا واللهِ أنْ وكنتُ حُرًّا

وقولِه:
فَأُقْسِمُ أَنْ لو التَقَيْنَا وأنتُمُ ** لكان لنا يومٌ مِنْ الشَّرِّ مُظْلِمُ

والعامَّةُ على {يَبْطِشُ} بالكسرِ. وضَمَّها أبو جعفر. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)}.
قال موسى ربِّ بما أنعمت عليَّ من توفيقك لي بالتوبة فلن أعودَ بعد ذلك إلى مثل ما سَلَفَ مني.
{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18)}.
أصبح في المدينة خائفًا على نَفْسه من فرعون لأنه كان يَدَّعي أنه يحكم بالعدل، وخاف موسى أن ينسبه في قَتْلِ القبطيِّ إلى العَمْدِ والقصد. فهو {يَتَرَقَّبُ} علم فرعون وأن يُخْبَر بذلك في وقته.
وقيل {خَآئِفًا} من الله مما جرى منه. ويقال: {خَآئِفًا} على قومه حلولَ العذابِ بهم. وقيل {يَتَرَقَّبُ} نصرة الله إياه. ويقال: {يَتَرَقَّبُ} مُؤْنِسًا يَأْنَسُ به.
فإذا الذي استنصره بالأمس يخاصِمُ إنسانًا آخَرَ، ويستعين به لِيُعِينَه، فَهَمَّ موسى. فأن يعين صاحبَه، فقال الذي يخاصمه. {يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْسَا بِالأَمْسِ}؟: قيل لم يعلم ذلك الرجل أن موسى هو الذي قَتَلَ الرجلَ بالأمس، ولكن لمَّا قَصَدَ مَنْعَه عن صاحبه استدلَ على أن موسى هو الذي قتل الرجل بالأمس، فلما ذكر ذلك شاع في أفواه الناس أنَّ موسى هو الذي قتل القبطيَّ بالأمس، فأمسك موسى عن هذا الرجل. اهـ.

.قال ابن عجيبة:

الإشارة: في الآية دليل على أن الخوف عند الدواهي الكبار لا ينافي الخصوصية؛ لأنه أمر جِبِلِّي، لكنه يخف ويهون أمره، وفيها دليل على جواز الفرار من مواطن الهلاك، يفرّ من الله إلى الله، ولا ينافي التوكل، وقد اختفى صلى الله عليه وسلم من الكفار بغار ثور، واختفى الحسن البصري من الحَجَّاج، عند تلميذه حبيب العجمي.
وفيها أيضًا دليل على أن المعصية قد تكون سببًا في نيل الخصوصية، كأكل آدم من الشجرة، كان سببًا في نيل الخلافة، وعُمْرَةِ الأرض، وما نشأ من صُلبه من الأنبياء والأولياء وجهابذة العلماء، وكقتل موسى عليه السلام نفسًا لم يُؤمر بقتلها، كان سببًا في خروجه للتربية عند شعيب عليه السلام، وتهيئته للنبوة والرسالة والاصطفائية، فكل ما يُوجب التواضع والانكسار يورث التقريب عند الملك الغفار، والحاصل: أن من سبقت له العناية، ونال من الأزل مقام المحبوبية؛ صارت مساوئه محاسن، ومن سبق له العكس صارت محاسنه مساوئ. اللهم اجعل سيئاتنا سيئات من أحببت، ولا تجعل حسناتنا حسنات من أبغضت. وفي الحديث: «إذا أحب الله عبدًا لم يضره ذنب».
قال في القوت: واعلم أن مسامحة، الله عز وجل لأوليائه- يعني: في هفواتهم- في ثلاث مقامات: أن يقيمه مَقَامَ حَبيبٍ صَديقٍ، لِمَا سبق من قدم صدق، فلا تنقصه الذنوب؛ لأنه حبيب. المقام الثاني: أن يقيمه مقام الحياء منه، بإجلال وتعظيم، فيسمح له، وتصغر ذنوبه؛ للإجلال والمنزلة، ولا يمكن كشف هذا المقام، إلا أنَّا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه ذكر طائفة فقال: «يدفع عنهم مساوئ أعمالهم بمحاسن أعمالهم» المقام الثالث: أن يقيمه مقام الحزن والانكسار، والاعتراف بالذنب والإكثار، فإذا نظر حزنه وهمه، ورأى اعترافه وغمه، غفر له؛ حياء منه ورحمة. اهـ. وبالله التوفيق. اهـ.

.تفسير الآيات (20- 24):

قوله تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان تقدير الكلام الذي أرشد إليه السياق: فلما سمع الفرعوني قول الإسرائيلي تركه.
ثم رقي الكلام إلى أن ببغ فرعون فوقع الكلام في الأمر بقتل موسى عليه الصلاة والسلام، عطف عليه قوله: {وجاء رجل} أي ممن يحب موسى عليه الصلاة والسلام.
ولما كان الأمر مهمًا، يحتاج إلى مزيد عزم وعظم قوة، قدم فاعل المجيء على متعلقه بخلاف ما في سورة يس.
ولما كان في بيان الاقتدار على الأمور الهائلة من الأخذ بالخناق حتى يقول القائل: لا خلاص، ثم الإسعاف بالفرج حتى يقول: لا هلاك، قال واصفًا للرجل: {من أقصا المدينة} أي أبعدها مكانًا، وبين أنه كان ماشيًا بقوله: {يسعى} ولكنه اختصر طريقًا وأسرع في مشيه بحيث كان يعدو فسبقهم بإعظامه للسعي وتجديد العزم في كل وقت من أوقات سعيه فكأنه قيل: ما فعل؟ فقيل: {قال} مناديًا له باسمه تعطفًا وإزالة للبس: {يا موسى} وأكد إشارة إلى أن الأمر قد دهم فلا يسع الوقت الاستفصال فقال: {إن الملأ} أي أشراف القبط الذين في أيديهم الحل والعقد، لأن لهم القدرة على الأمر والنهي {يأتمرون بك} أي يتشاورون بسببك، حتى وصل حالهم في تشاورهم إلى أن كلًا منهم يأمر الآخر ويأتمر بأمره، فكأنه قيل: لم يفعلون ذلك؟ فقيل: {ليقتلوك} لأنهم سمعوا أنك قتلت صاحبهم {فاخرج} أي من هذه المدينة؛ ثم علل ذلك بقوله على سبيل التأكيد ليزيل ما يطرق من احتمال عدم القتل لكونه عزيزًا عند الملك: {إني لك} أي خاصة {من الناصحين} أي العريقين في نصحك {فخرج} أي موسى عليه الصلاة والسلام مبادرًا {منها} أي المدينة لما علم من صدق قوله مما حفّه من القرائن، حال كونه {خائفًا} على نفسه من آل فرعون {يترقب} أي يكثر الالتفات بإدراة رقبته في الجهات ينظر هل يتبعه أحد؛ ثم وصل به على طريق الاستئناف قوله: {قال} أي موسى عليه الصلاة والسلام: {رب} أي أيها المحسن إليّ بالإيجاد والتربية وغير ذلك من وجوه البر {نجني} أي خلصني، مشتق من النجوة، وهو المكان العالي الذي لا يصل إليه كل أحد {من القوم الظالمين} أي الذين يضعون الأمور في غير مواضعها فيقتلون من لا يستحق القتل مع قوتهم، فاستجاب الله له فوفقه لسلوك الطريق الأعظم نحو مدين، فكان ذلك سبب نجاته، وذلك أن الذين انتدبوا إليه قطعوا بأنه لا يسلك الطريق الأكبر، جريًا على عادة الخائفين الهاربين في المشي عسافًا، أو سلوك ثنيات الطريق فانثنوا فيما ظنوه يمينًا وشمالًا ففاتهم.
ولما دعا بهذا الدعاء، أعلم الله تعالى باستجابته منه مخبرًا بجهة قصده زيادة في الإفادة فقال: {ولما} أي فاستجاب الله دعاءه فنجاه منهم ووجهه إلى مدين ولما {توجه} أي أقبل بوجهه قاصدًا {تلقاء} أي الطريق الذي يلاقي سالكه أرض {مدين} مدينة نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام متوجهًا بقلبه إلى ربه {قال} أي لكونه لا يعرف الطريق: {عسى} أي خليق وجدير وحقيق.
ولما كانت عنايته بالله أتم لما له من عظيم المراقبة، قال مقدمًا له: {ربي} أي المحسن إليّ بعظيم التربية في الأمور المهلكة {أن يهديني سواء} أي عدل ووسط {السبيل} وهو الطريق الذي يطلعه عليها من غير اعوجاج.