فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ}.
قال أكثر أهل التفسير: هذا الرجل هو حزقيل بن صبورا مؤمن آل فرعون، وكان ابن عم فرعون؛ ذكره الثعلبيّ.
وقيل: طالوت؛ ذكره السهيليّ.
وقال المهدويّ عن قتادة: شمعون مؤمن آل فرعون.
وقيل: شمعان؛ قال الدَّارَقُطْنِيّ: لا يعرف شمعان بالشين المعجمة إلا مؤمن آل فرعون.
وروي أن فرعون أمر بقتل موسى فسبق ذلك الرجل بالخبر؛ ف {قَالَ يا موسى إِنَّ الملأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ} أي يتشاورون في قتلك بالقبطيّ الذي قتلته بالأمس.
وقيل: يأمر بعضهم بعضًا.
قال الأزهريّ: ائتمر القوم وتآمروا أي أمر بعضهم بعضًا؛ نظيره قوله: {وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 6].
وقال النمر بن تولب:
أرى الناسَ قد أحدثوا شِيمةً ** وفي كل حادثةٍ يُوْتَمَرْ

{فاخرج إِنِّي لَكَ مِنَ الناصحين فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفًا يَتَرَقَّبُ} أي ينتظر الطلب.
{قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ القوم الظالمين}.
وقيل: الجبار الذي يفعل ما يريده من الضرب والقتل بظلم، لا ينظر في العواقب، ولا يدفع بالتي هي أحسن.
وقيل: المتعظم الذي لا يتواضع لأمر الله تعالى.
قوله تعالى: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عسى ربي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السبيل} لما خرج موسى عليه السلام فارًّا بنفسه منفردًا خائفًا، لا شيء معه من زاد ولا راحة ولا حذاء نحو مدين، للنّسب الذي بينه وبينهم؛ لأن مدين من ولد إبراهيم، وموسى من ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم؛ ورأى حاله وعدم معرفته بالطريق، وخلوه من زاد وغيره، أسند أمره إلى الله تعالى بقوله: {عسى ربي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السبيل} وهذه حالة المضطر.
قلت: روي أنه كان يتقوّت ورق الشجر، وما وصل حتى سقط خُفّ قدميه.
قال أبو مالك: وكان فرعون وجّه في طلبه وقال لهم: اطلبوه في ثنيات الطريق، فإن موسى لا يعرف الطريق.
فجاءه ملك راكبًا فرسًا ومعه عنزة، فقال لموسى: اتبعني فاتبعه فهداه إلى الطريق، فيقال: إنه أعطاه العَنَزة فكانت عصاه.
ويروى أن عصاه إنما أخذها لرعي الغنم من مدين.
وهو أكثر وأصح.
قال مقاتل والسّدي: إن الله بعث إليه جبريل؛ فالله أعلم.
وبين مدين ومصر ثمانية أيام؛ قاله ابن جبير والناس.
وكان مُلْك مدين لغير فرعون.
فيه أربع وعشرون مسألة:
الأولى: قوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} مشى موسى عليه السلام حتى ورد ماء مدين أي بلغها.
ووروده الماء معناه بلغه لا أنه دخل فيه.
ولفظة الورود قد تكون بمعنى الدخول في المورود، وقد تكون بمعنى الاطلاع عليه والبلوغ إليه وإن لم يدخل.
فورود موسى هذا الماء كان بالوصول إليه؛ ومنه قول زهير:
فَلمَّا وَرَدْنَ الماءَ زُرْقًا جِمَامُهُ ** وَضَعْن عِصِيَّ الحاضِرِ المُتَخَيمِ

وقد تقدّمت هذه المعاني في قوله: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} [مريم: 71].
ومدين لا تنصِرف إذ هي بلدة معروفة.
قال الشاعر:
رُهبانُ مدينَ لو رأوكِ تَنَزَّلُوا ** والعُصْمُ من شَعَفِ الجبالِ الفَادِرِ

وقيل: قبيلة من ولد مدين بن إبراهيم؛ وقد مضى القول فيه في الأعراف.
والأمة: الجمع الكثير.
و{يَسْقُونَ} معناه ماشيتهم.
و{مِن دُونِهِمُ} معناه ناحية إلى الجهة التي جاء منها، فوصل إلى المرأتين قبل وصوله إلى الأمّة، ووجدهما تذودان ومعناه تمنعان وتحبسان، ومنه قوله عليه السلام: «فلَيُذَادَنَّ رجالٌ عن حوضي» وفي بعض المصاحف: {امرأتين حابستين تذودان} يقال: ذاد يذود إذا حبس.
وذُدت الشيء حبسته؛ قال الشاعر:
أَبِيت على باب القَوَافِي كأنَّمَا ** أذُودُ بها سِرْبًا من الوحشِ نُزَّعَا

أي أحبس وأمنع.
وقيل: {تَذُودَانِ} تطردان؛ قال:
لقد سَلبتْ عصاك بنو تميم ** فما تَدْرِي بأيِّ عصًا تَذُودُ

أي تطرد وتكفّ وتمنع.
ابن سلام: تمنعان غنمهما لئلا تختلط بغنم الناس؛ فحذف المفعول: إما إيهامًا على المخاطب، وإما استغناء بعلمه.
قال ابن عباس: تذودان غنمهما عن الماء خوفًا من السقاة الأقوياء.
قتادة: تذودان الناس عن غنمهما؛ قال النحاس: والأوّل أولى؛ لأن بعده {قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} ولو كانتا تذودان عن غنمهما الناس لم تخبرا عن سبب تأخير سقيهما حتى يصدر الرعاء.
فلما رأى موسى عليه السلام ذلك منهما {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا} أي شأنكما؛ قال رؤبة:
يا عَجبًا ما خَطْبُه وخَطبِي

ابن عطية: وكان استعمال السؤال بالخَطْب إنما هو في مصاب، أو مضطهد، أو من يشفق عليه، أو يأتي بمنكر من الأمر، فكأنه بالجملة في شر؛ فأخبرتاه بخبرهما، وأن أباهما شيخ كبير؛ فالمعنى: لا يستطيع لضعفه أن يباشر أمر غنمه، وأنهما لضعفهما وقلة طاقتهما لا تقدران على مزاحمة الأقوياء، وأن عادتهما التأنّي حتى يُصدِر الناسُ عن الماء ويخلى؛ وحينئذٍ تَرِدان.
وقرأ ابن عامر وأبو عمرو: {يَصْدُرَ} من صَدَرَ، وهو ضد وَرَدَ أي يرجع الرِّعاء.
والباقون {يُصْدِرَ} بضم الياء من أصدر؛ أي حتى يصدروا مواشيهم من وِرْدهم.
والرِّعاء جمع راع؛ مثل تاجر وتِجار، وصاحب وِصحاب.
قالت فرقة: كانت الآبار مكشوفة، وكان زحْم الناس يمنعهما، فلما أراد موسى أن يسقي لهما زَحَم الناس وغلبهم على الماء حتى سقى، فعن هذا الغَلَب الذي كان منه وصفته إحداهما بالقوّة.
وقالت فرقة: إنهما كانتا تتبعان فُضَالتهم في الصّهاريج، فإن وجدتا في الحوض بقية كان ذلك سقيهما، وإن لم يكن فيه بقية عطشت غنمهما، فرَقَّ لهما موسى، فعمد إلى بئر كانت مغطّاة والناس يسقون من غيرها، وكان حَجَرها لا يرفعه إلا سبعة، قاله ابن زيد.
ابن جريج: عشرة.
ابن عباس: ثلاثون.
الزجاج: أربعون؛ فرفعه.
وسقى للمرأتين؛ فعن رفع الصخرة وصفته بالقوّة.
وقيل: إن بئرهم كانت واحدة، وأنه رفع عنها الحجر بعد انفصال السقاة، إذا كانت عادة المرأتين شرب الفضلات.
روى عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب أنه قال: لما استقى الرعاة غطوا على البئر صخرة لا يقلعها إلا عشرة رجال، فجاء موسى فاقتلعها واستقى ذَنُوبًا واحدًا لم تحتج إلى غيره فسقى لهما.
الثانية: إن قيل كيف ساغ لنبي الله الذي هو شعيب صلى الله عليه وسلم أن يرضى لابنيته بسقي الماشية؟ قيل له: ليس ذلك بمحظور والدين لا يأباه؛ وأما المروءة فالناس مختلفون في ذلك، والعادة متباينة فيه، وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم، ومذهب أهل البدو غير مذهب الحضر، خصوصًا إذا كانت الحالة حالة ضرورة.
الثالثة: قوله تعالى: {ثُمَّ تولى إِلَى الظل} إلى ظل سَمُرَة؛ قاله ابن مسعود.
وتعرض لسؤال ما يطعمه بقوله: {إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} وكان لم يذق طعامًا سبعة أيام، وقد لصق بطنه بظهره؛ فعرض بالدعاء ولم يصرح بسؤال؛ هكذا روى جميع المفسرين أنه طلب في هذا الكلام ما يأكله؛ فالخير يكون بمعنى الطعام كما في هذه الآية، ويكون بمعنى المال كما قال: {إِن تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180] وقوله: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخير لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8] ويكون بمعنى القوّة كما قال: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} [الدخان: 37] ويكون بمعنى العبادة كقوله: {وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخيرات} [الأنبياء: 73] قال ابن عباس: وكان قد بلغ به الجوع، واخضرّ لونه من أكل البقل في بطنه، وإنه لأكرم الخلق على الله.
ويروى أنه لم يصل إلى مدين حتى سقط باطن قدميه.
وفي هذا معتبر وإشعار بهوان الدنيا على الله.
وقال أبو بكر بن طاهر في قوله: {إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} أي إني لما أنزلت من فضلك وغناك فقير إلى أن تغنيني بك عمن سواك.
قلت: ما ذكره أهل التفسير أولى؛ فإن الله تعالى إنما أغناه بواسطة شعيب. اهـ.