فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال في رواية الكلبي: كان هذا الرجل اسمه نيرون ابن أخي شعيب، وشعيب كان توفي قبل ذلك.
وقال عامة المفسرين: إن هذا كان شعيبًا.
قوله عز وجل: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا ياأبت ياأبت استجره} أي: قالت إحدى الابنتين التي جاءت به.
وقال في رواية مقاتل: هي الكبرى.
وقال في رواية الكلبي: هي الصغرى {يا أبت} استأْجر موسى ليرعى لك الغنم {يا أبت استجره إِنَّ خَيْرَ مَنِ استجرت القوى الامين} يعني: خير الأجراء من يكون قويًا في العمل، أمينًا على المال والعورة.
ثم قال: إيش تعلمين أنه قوي أمين بماذا؟ فأخبرته بالقصة.
قال أبو الليث: حدّثنا محمد بن الفضل، قال حدّثنا محمد بن جعفر، قال: حدّثنا إبرهيم بن يوسف، قال حدّثنا أبو معاوية عن الحجاج.
عن الحكم قال: كان سريع لا يفسر شيئًا من القرآن إلا ثلاث آيات {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ الذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النكاح وَأَن تعفوا أَقْرَبُ للتقوى وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 237] قال الزوج {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وءاتيناه الحكمة} [ص: 20] قال: الحكمة الفقه والعلم، وفصل الخطاب البينة والإيمان، وقوله: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ استجرت القوى الامين} قال: كانت قوته أن يحمل صخرة لا يقوى على حملها إلا عشرة رجال، وكانت أمانته أن ابنة شعيب مشت أمامه، فوصفتها الريح فقال لها: تأخري وصفي لي الطريق {قَالَ} شعيب لموسى عليهما السلام: {إِنّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابنتى هَاتَيْنِ على أَن تَأْجُرَنِى ثَمَانِىَ حِجَجٍ} يعني: أزوجك إحدى ابنتي على أن ترعى غنمي ثمان سنين، وهذا الحكم في هذه الأمة جائز أيضًا، لو تزوج الرجل المرأة على أن يرعى غنمها كذا وكذا سنة، أو يرعى غنم أبيها، يجوز النكاح، ويكون ذلك مهرًا لها {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا} يعني: عشر سنين {فَمِنْ عِندِكَ} يعني: فإن أتممت عشر سنين فبفضلك، وليس ذلك بواجب عليك {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} في السنتين يعني: أنت بالخيار في ذلك.
ويقال: بأن أشرط عليك العشر {سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصالحين} أي من الوافين بالعهد.
وقال مقاتل: يعني: من المرافقين بك كقوله: {وواعدنا موسى ثلاثين لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ ميقات رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ موسى لًاخِيهِ هارون اخلفنى في قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين} [الأعراف: 142] يعني: ارفق بهم {قَالَ} موسى: {ذَلِكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الاجلين قَضَيْتُ} يعني: ذلك الشرط بيني وبينك أيما الأجلين أتممت لك، إما الثماني وإما العشر {فَلاَ عُدْوَانَ عَلَىَّ} أي: لا سبيل لك علي.
ويقال: لا ظلم علي بأن أطالب أكثر منه، فإن قيل: كيف تجوز الإجارة بهذا الشرط على أحد الأجلين بغير وقت معلوم؟ قيل له: العقد قد وقع على الثماني، وهو قوله: {أَن تَأْجُرَنِى ثَمَانِىَ حِجَجٍ} خير في الزيادة والإجازة بهذا الشرط في الشريعة جائزة أيضًا، ثم قال: {والله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} يعني: شهيد فيما بيننا.
ويقال: شاهد على ما نقول، وعلى عقدنا.
وذكر مقاتل أن رجلًا من الأزد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما الأجلين قضى موسى؟ قال: الله أَعْلَمُ حتى سأل جبريل، فأتاه جبريل، فسأله فقال: الله أعلم، حتى سأل إسرافيل عليه السلام فقال: الله أعلم، حتى اسأل رب العزة، فأوحى الله تعالى إلى إسرافيل عليه السلام أن قد قضى موسى أبرهما وأوفاهما.
وروي عن ابن عباس أنه قال: قضى موسى أتمَّ الأجلين، وقد كان شرطه له أن ما ولدت في ذلك العام ولدًا أبلق، فهو له، فولدت في ذلك العام كلها بلقًا، فأخذ البلق مثل هذا الشرط في شريعتنا غير واجب، إلا أن الوعد من الأنبياء عليهم السلام واجب، فوفاه بوعده، فلما أراد أن يخرج قال لشعيب عليه السلام: يا شيخ أعطني عصا أسوق بها غنمي.
فقال لابنته: التمسي له عصا، فجاءت بعصا شعيب.
فقال شعيب عليه السلام: ردي هذه، وكانت تلك العصا أودعها إياه ملك في صورة إنسان، وكانت من عود آس الجنة، فردتها والتمست غيرها، فلم يقع في يدها غيرها، فأعطته، فخرج مع أهله فضل الطريق، وكانت ليلة باردة مظلمة، فذلك قوله تعالى: {فَلَمَّا قضى الأجل وَسَارَ بِأَهْلِهِ}. اهـ.

.قال الثعلبي:

{طسم تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ موسى وَفِرْعَوْنَ بالحق لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ}.
قال ابن عباس: استكبر، السدّي قال: تجبر، وقال قتادة: بغى، وقال مقاتل: تعظّم، {فِي الأرض} يعني أرض مصر، {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} فرقًا وأصنافًا في الخدمة والسحر، {يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ} يعني بني إسرائيل، {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ المفسدين وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا فِي الأرض} يعني بني إسرائيل.
{وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} قال ابن عباس: قادة في الخير يقتدى بهم، وقال قتادة: ولاة وملوكًا، دليله قوله سبحانه: {وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكًا} [المائدة: 20]، مجاهد دعاة إلى الخير، {وَنَجْعَلَهُمُ الوارثين} بعد هلاك فرعون وقومه يرثونهم ديارهم وأموالهم، {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض} يعني ويوطِّي لهم في أرض مصر والشام ويُنزلهم إياها، {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا} قرأ حمزة ويحيى بن وثاب والأعشى والكسائي وخلف بالتاء، وما بعده رفع على أنّ الفعل {لَهُمْ} وقرأ غيرهم {وَنُرِيَ} بنون مضمومة وياء مفتوحة، وما بعده نصب بوقوع الفعل عليهم، {مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ} وذلك أنّهم أُخبروا أنّ هلاكهم على يدي رجل من بني إسرائيل، فكانوا على وجل منهم، فأراهم الله سبحانه ما كانوا يحذرون.
{وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى} قال قتادة: قذفنا في قلبها وليس نبوة، واسم أُم موسى يوخابد بنت لاوي بن يعقوب {أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم وَلاَ تَخَافِي} عليه، {وَلاَ تحزني إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين}.
أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد قال: حدّثنا مخلد بن جعفر الباقرجي قال: حدّثنا الحسين بن علوية قال: حدّثنا إسماعيل بن عيسى قال: حدّثنا إسحاق بن بشر قال: أخبرني ابن سمعان، عن عطاء عن ابن عباس قال إسحاق: وأخبرني جويبر ومقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: إنّ بني إسرائيل لما كثروا بمصر استطالوا على الناس، وعملوا بالمعاصي، ورق خيارهم أشرارهم، ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر، فسلّط الله عليهم القبط، فاستضعفوهم إلى أن نجّاهم الله تعالى على يدي نبيّه موسى عليه السلام.
قال وهب: بلغني أنّه ذبح في طلب موسى تسعين ألف وليد، قال ابن عباس: إنّ أُم موسى لمّا تقارب ولادها، وكانت قابلة من القوابل التي وكّلهن فرعون بحبالى بني إسرائيل مصافية لأُم موسى، فلما ضربها الطلق أرسلت إليها، فقالت: قد نزل بي ما نزل، ولينفعني حبّك إياي اليوم، قال: فعالجت قبالها، فلمّا أن وقع موسى عليه السلام على الأرض هالها نورٌ بين عيني موسى عليه السلام، فارتعش كلّ مفصل منها ودخل حبّ موسى عليه السلام قلبها، ثم قالت لها: يا هذه ما جئت إليك حين دعوتني إلاّ ومن رأيي قتل مولودك وأخبر فرعون، ولكن وجدت لابنك هذا حبًّا ما وجدت حبّ شيء مثل حبّه، فاحفضي ابنك، فإنّي أراه هو عدونا.
فلمّا خرجت القابلة من عندها أبصرها بعض العيون فجاء إلى بابها ليدخلوا على أم موسى، فقالت أُخته: يا أُماه هذا الحرس بالباب، فلفّت موسى في خرقة، فوضعته في التنور وهو مسجور، فطاش عقلها، فلم تعقل ما تصنع، قال: فدخلوا فإذا التنور مسجور ورأوا أم موسى لم يتغير لها لون، ولم يظهر لها لبن، فقالوا: ما أدخل عليك القابلة؟ قالت: هي مصافية لي، فدخلت عليّ زائرة، فخرجوا من عندها، فرجع إليها عقلها، فقالت لأُخت موسى: فأين الصبي؟ قالت: لا أدري، فسمعت بكاء الصبي من التنور، فانطلقت إليه، وقد جعل الله سبحانه النار عليه بردًا وسلامًا فاحتملته.
قال: ثم إنّ أُمّ موسى عليه السلام لما رأت إلحاح فرعون في طلب الولدان خافت على ابنها، فقذف الله سبحانه في نفسها أن تتخذ له تابوتًا، ثم تقذف بالتابوت في اليمّ وهو النيل، فانطلقت إلى رجل نجار من أهل مصر من قوم فرعون، فاشترت منه تابوتًا صغيرًا، فقال لها النجار: ما تصنعين بهذا التابوت؟
قالت: ابن لي أُخبِّئه في التابوت، وكرهت الكذب، قال: ولم؟ قالت: أخشى عليه كيد فرعون، فلمّا اشترت التابوت وحملته وانطلقت، انطلق النجار إلى أُولئك الذبّاحين يخبرهم بأمر أُمّ موسى، فلمّا همّ بالكلام أمسك الله سبحانه لسانه فلم ينطق الكلام، وجعل يشير بيده، فلمّا يَدرِ الأُمناء ما يقول، فلمّا أعياهم أمره قال كبيرهم: اضربوه، فضربوه وأخرجوه.
فلمّا انتهى النجار إلى موضعه ردّ الله سبحانه عليه لسانه، فتكلم، فانطلق أيضًا يريد الأُمناء، فأتاهم ليخبرهم وأخذ الله سبحانه لسانه وبصره، فلم ينطق الكلام، ولم يبصر شيئًا، فضربوه وأخرجوه، فوقع في واد تهوى فيه حيران، فجعل لله عليه إن ردّ لسانه وبصره أن لا يدلّ عليه، وأن يكون معه لحفظه حيث ما كان، فعرف الله عزّ وجل منه الصدق، فردّ عليه بصره ولسانه فخرّ لله ساجدًا، فقال: يا رب دُلّني على هذا العبد الصالح، فدلّه الله عليه، فخرج من الوادي، فآمن به وصدّقه وعلم أنّ ذلك من الله.
فانطلقت أم موسى، فألقته في البحر، وكان لفرعون يومئذ بنت لم يكن له ولد غيرها، وكانت من أكرم الناس عليه، وكان لها كل يوم ثلاث حاجات ترفعها إلى فرعون، وكان بها برص شديد مسلخة برصًا، فكان فرعون قد جمع لها أطباء مصر والسحرة، فنظروا في أمرها، فقالوا له: أيها الملك لا تبرأ إلاّ من قبل البحر يوجد منه شبه الإنسان، فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ من ذلك، وذلك في يوم كذا وساعة كذا حين تشرق الشمس.
فلمّا كان يوم الاثنين غدا فرعون إلى مجلس كان له على شفير النيل ومعه آسية بنت مزاحم، وأقبلت بنت فرعون في جواريها حتى جلست على شاطئ النيل مع جواريها تلاعبهنّ وتنضح بالماء على وجوههن، إذ أقبل النيل بالتابوت تضربه الأمواج، فقال فرعون: إنّ هذا الشيء في البحر قد تعلق بالشجرة، ائتوني به، فابتدروه بالسفن من كلّ جانب حتى وضعوه بين يديه، فعالجوا فتح الباب فلم يقدروا عليه، وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه.
قال: فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورًا لم يره غيرها للذي أراد الله سبحانه أن يكرمها، فعالجته ففتحت الباب، فإذا هي بصبي صغير في مهده، وإذا نور بين عينيه، وقد جعل الله تعالى رزقه في إبهامه يمصّه لبنًا، فألقى الله سبحانه لموسى عليه السلام المحبة في قلب آسية، وأحبّه فرعون وعطف عليه، وأقبلت بنت فرعون، فلمّا أخرجوا الصبي من التابوت عمدت بنت فرعون إلى ما كان يسيل من ريقه، فلطخت به برصها، فبرأت فقبّلته وضمّته إلى صدرها.
فقال الغواة من قوم فرعون: أيها الملك إنّا نظن إنّ ذلك المولود الذي نحذر منه من بني إسرائيل هو هذا، رمي به في البحر فَرَقًا منك فاقتله، فهمّ فرعون بقتله، قالت آسية: قرة عين لي ولك، لا تقتله عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا، وكانت لا تلد، فاستوهبت موسى من فرعون، فوهبه لها، وقال فرعون: أما أنا فلا حاجة لي فيه، فقال رسول الله عليه السلام: «لو قال فرعون يومئذ هو قرة عين لي كما هو لك مثل قالت امرأته لهداه الله سبحانه كما هداها، ولكن أحب الله عز وجل أن يحرمه للذي سبق في علم الله».
فقيل لآسية: سمّيه، قالت: سميته موشا لأنّا وجدناه في الماء والشجر، فمو هو الماء، وشا: هو الشجر.
فذلك قوله سبحانه: {فالتقطه} أي فأخذه، والعرب تقول لما وردت عليه فجأة من غير طلب له ولا إرادة: أصبته التقاطًا، ولقيت فلانًا التقاطًا، ومنه قول الراجز:
ومنهل وردته التقاطًا ** لم ألق إذ وردته فراطًا

ومنه اللقطة وهو ما وجد ضالًا فأخذ، {آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ} هذه اللام تسمى لام العاقبة، ولام الصيرورة، لأنّهم إنما أخذوه ليكون لهم قرّة عين، فكان عاقبة ذلك أنّه كان لهم، {عَدُوًّا وَحَزَنًا} قال الشاعر:
فللموت تغذو الوالدات سخالها ** كما لخراب الدور تُبنى المساكن

{عَدُوًّا وَحَزَنًا} قرأ أهل الكوفة بضم الحاء وجزم الزاي، وقرأ الآخرون بفتح الحاء والزاي، واختاره أبو عبيد، قال: للتفخيم، واختلف فيه غير عاصم، وهما لغتان مثل العدْم والعَدَم، والسُقْم والسَقَم {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ} عاصين آثمين.