فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} أي وصل إليه وكان بئرًا {يَسْقُونَ} أي يسقون مواشيهم {امرأتين} روى أن اسمهما ليا وصفوريا، وقيل: صفيرا وصفرا {تَذُودَانِ} أي تمنعان الناس عن غنمهما، وقيل: تذودان غنمهما عن الماء حتى يسقي الناس، وهذا أظهر لقولهما: {لاَ نَسْقِي حتى يُصْدِرَ الرعاء} أي كانت عادتهما ألا يسقيا غنمهما إلا بعد الناس لقوة الناس ولضعفهما، أو لكراهتهما التزاحم مع الناس {يُصْدِرَ} بضم الياء وكسر الدار فعل متعدّ، والمفعول محذوف تقديره حتى يصدر الرعاء مواشيهم، وقرأ أبو عمرو وابن عامر: يُصْدِرَ بفتح الياء وضم الدال أي ينصرفون عن الماء {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} أي لا يستطيع أن يباشر سقي غنمه، وهذا الشيخ هو شعيب عليه السلام في قول الجمهور، وقيل: ابن أخيه، وقيل: رجل صالح ليس من شعيب بنسب {فسقى لَهُمَا} أي أدركته شفقته عليهما فسقى غنمهما وروي أنه كان على فم البئر صخرة لا يرفعها إلا ثلاثون رجلًا فرفعها وحده {تولى إِلَى الظل} أي جلس في الظل، وروي أنه كان ظل سَمُرَة {إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} طلب من الله ما يأكله وكان قد اشتدّ عليه الجوع.
{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا} قبل هذا كلام محذوف تقديره: فذهبتا إلى أبيهما سريعتين، وكانت عادتهما الإبطاء في السقي، أخبرتاه بما كان من أمر سقي الرجل لهما، فأمر إحداهما أن تدعوه له فجاءته، واختلف هل التي جاءته الصغرى أو الكبرى {عَلَى استحياء} رُويَ أنها سترت وجهها بكُم دِرْعِها والمجرور يتعلق بما قبله وقيل: بما بعده وهو ضعيف {وَقَصَّ عَلَيْهِ القصص} أي ذكر له قصته {لاَ تَخَفْ} أي قد نجوت من فرعون وقومه.
{استأجره} أي اجعله أجيرًا لك {إِنَّ خَيْرَ مَنِ استأجرت القوي الأمين} هذا الكلام حكمة جامعة بليغة، روي أن أباها قال لها من أين عرفت قوته وأمانته، قالت أما قوته ففي رفعه الحجر عن فم البئر: وأما أمانته فإنه لم ينظر إليّ.
{قَالَ إني أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابنتي} زوجته التي دعته، واختلف هل زوّجه الكبرى أو الصغرى، واسم التي زوجه صفور، وقيل: صفوريا، ومن لفظ شعيب حَسُنَ أن يقال في عقود الأنكحة، أنكحه إياها أكثر من أن يقال أنكحها إياه {على أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} أيّ أزوجك بِنتي على أن تخدمني ثمانية أعوام، قال مكي: في هذه الآية خصائص في النكاح، منها أنه لم يعين الزوجة، ولا حدّ أول الأمد، وجعل المهر إجارة، قلت: فأما التعيين فيحتمل أن يكون عند عقد النكاح بعد هذه المراودة، وقد قال الزمخشري: إن كلامه معه لم يمكن عقد نكاح، وإنما كان مواعدة وأما ذكر أول الأمد، فالظاهر أنه من حيث العقد، وأما النكاح بالإجازة فظاهر من الآية، وقد قرر شرعنا حسبما ورد في الحديث الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم للرجل: «قد زوجكتها على ما معك من القرآن»؛ أي على أن تعلمها ما عندك من القرآن، وقد أجاز النكاح بالإجازة الشافعي وابن حنبل وأبو حنيفة للآية والحديث، ومنعه مالك {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ} جعل الأعوام الثمانية شرطًا، ووكل العامين إلى مروءة موسى، فوفى له العشر، وقيل: وفي العشرة وعشرًا بعدها، وهذا ضعيف لقوله. {فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل}. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {طسم تلك}.
إشارة إلى آيات السورة {آيات الكتاب المبين} قيل هو اللوح المحفوظ وقيل هو الكتاب الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم ووصفه بأنه مبين لأنه بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام.
{نتلو عليك من نبأ} أي خبر {موسى وفرعون بالحق} أي بصدق {لقوم يؤمنون} أي يصدقون بالقرآن {إن فرعون علا} أي تجبر وتكبر {في الأرض} أي أرض مصر {وجعل أهلها شيعًا} أي فرقًا في أنواع الخدمة والتسخير {يستضعف طائفة منهم} يعني بني إسرائيل {يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم} سمى هذا استضعافًا لأنهم عجزوا وضعفوا عن دفعه عن أنفسهم {إنه كان من المفسدين} أي بالقتل والتجبر في الأرض {ونريد أن نمن} أي ننعم {على الذين استضعفوا في الأرض} يعني بني إسرائيل {وجعلهم أئمة} أي قادة في الخير يقتدى بهم وقيل ولادة ملوكًا {وجعلهم الوارثين} يعين أملاك فرعون، وقومه بأن نجعلهم في مساكنهم {ونمكن لهم في الأرض} أي نوطن لهم أرض مصر والشام، ونجعلها لهم سكنًا {ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} أي يخافون وذلك أنهم أخبروا أن هلاكهم على يد رجل من بني إسرائيل وكانوا على حذر منه فأراهم الله ما كانوا يحذرون.
قوله تعالى: {وأوحينا إلى أم موسى} هو وحي إلهام، وذلك بأن قذف في قلبها واسمها يوحانذ من نسل لاوي بن يعقوب {أن أرضعيه} قيل أرضعته ثمانية أشهر وقيل أربعة وقيل ثلاثة كانت ترضعه، وهو لا يبكي ولا يتحرك في حجرها {فإذا خفت عليه} أي الذبح {فألقيه في اليم} أي في البحر وأراد نيل مصر {ولا تخافي} أي عليه من الغرق وقيل الضيعة {ولا تحزني} أي على فراقه {إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين} قال ابن عباس إن بني إسرئيل لما كثروا بمصر استطالوا على الناس، وعملوا بالمعاصي ولم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا عن المنكر فسلط القبط فاستضعفوهم إلى أن اجازهم الله على يد نبيه موسى.
ذكر القصة في ذلك:
قال ابن عباس: إن أم موسى لما تقاربت ولادتها، كانت قابلة من القوابل التي وكلهن فرعون بحبالى بني إسرائيل مصافية لأم موسى فلما ضربها الطلق أرسلت إليها، وقالت لها: قد نزل بي ما نزل فلينفعني حبك إياي اليوم، فعالجت قبالها فلما وقع موسى بالأرض هالها نور عيني موسى فارتعشت كل مفصل فيها، ودخل حب موسى قلبها ثم قالت لها يا هذه ما جئت إليك حين دعوتني إلا مرادي قتل ولدك، ولكن وجدت لولدك حبًا ما وجدت حب شيء مثل حبه فاحفظي ابنك فإني أراه عدونا فلما خرجت القابلة من عندها أبصرها بعض العيون فجاءوا إلى بابها ليدخلوا إلى أم موسى، فقالت أخته: يا أماه هذا الحرس بالباب فلفته بخرقة وألقته في التنور وهو مسجور، وطاش عقلها فلم تعقل ما تصنع قال فدخلوا فإذا التنور مسجور ورأوا أم موسى ولم يتغير لها لون، ولم يظهر لها لبن فقالوا ما أدخل القابلة قالت هي مصافية لي فدخلت علي زائرة، فخرجوا من عندها فرجع إليها عقلها فقالت لأخته فأين الصبي؟ فقالت: لا أدري فسمعت بكاء الصبي في التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله النار عليه بردًا وسلامًا فاحتملته، قال: ثم إن أم موسى لما رأت إلحاح فرعون في طلب الولدان خافت على ابنها، فقذف الله في قلبها أن تتخذ تابوتًا له ثم تقذف التابوت في النيل فانطلقت إلى رجل نجار من قوم فرعون، فاشترت منه تابوتًا صغيرًا فقال النجار ما تصنعين بهذا التابوت؟ فقالت: ابن لي أخبئه في التابوت، وكرهت الكذب قال ولم تقل أخشى عليه كيد فرعون، فلما اشترت التابوت وحملته، وانطلقت به انطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمر أم موسى فلما هم بالكلام أمسك الله لسانه، فلم يطلق الكلام وجعل يشير بيديه فلم تدر الأمناء ما يقول، فلما أعياهم أمره قال كبيرهم: اضربوه فضربوه وأخرجوه فلما انتهى النجار إلى موضعه رد الله عليه لسانه فتكلم فانطلق أيضًا يريد الأمناء فأتاهم ليخبرهم فأخذ الله لسانه وبصره فلم يطق الكلام، ولم يبصر شيئًا فضربوه وأخرجوه، وبقي حيران فجعل لله عليه إن رد عليه لسانه وبصره أن لا يدل عليه وأن يكون معه فيحفظه، حيثما كان فعرف الله صدقه فرد عليه لسانه وبصره فخر لله ساجدًا فقال يا رب: دلني على هذا العبد الصالح فدله عليه فآمن به وصدقه.
وقال وهب لما حملت أم موسى بموسى، كتمت أمرها عن جميع الناس فلم يطلع على حملها أحد من خلق الله تعالى وذلك شيء ستره الله تعالى لما أراد أن يمن به على بني إسرائيل فلما كانت السنة التي ولد فيها، بعث فرعون القوابل وتقدم الأمين ففتش النساء تفتيشًا لم يفتش قبل ذلك مثله، وحملت بموسى ولم يتغير لونها ولم ينب بطنها فكانت القوابل لا تتعرض لها فلما كانت الليلة التي ولد فيها ولدته ولا رقيب عليها ولا قابلة ولم يطلع عليها أحد إلا أخته مريم وأوحى الله إليها {أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم} فكتمته ثلاثة أشهر فلما خافت عليه عملت تابوتًا، مطبقًا، ثم ألقته في اليم وهو البحر ليلًا.
قال ابن عباس وغيره: كان لفرعون يومئذ بنت ولم يكن له ولد غيرها وكانت من أكرم الناس عليه وكان لها كل يوم ثلاث حاجات ترفعها إليه وكان لها برص شديد كان فرعون قد جمع الأطباء والسحرة فنظروا في أمرها فقالوا: أيها الملك لا تبرأ إلا من قبل البحر يوجد فيه شبه الإنسان فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ من ذلك وذلك في يوم كذا في ساعة كذا حين تشرق الشمس فلما كان ذلك اليوم غدًا فرعون إلى مجلس كان له على شفير النيل ومعه امرأته آسية بنت مزاحم وأقبلت بنت فرعون في جواريها حتى جلست على شاطىء البحر مع جاوريها تلاعبهن وتنضح المساء على وجوههن إذ أقبل النيل بالتابوت تضربه الأمواج فقال فرعون: إن هذا الشيء في البحر قد تعلق بالشجر أئتوني به فابتدروه بالسفن من كل ناحية حتى وضعوه بين يديه فعالجوا فتح الباب فلم يقدروا عليه وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه.
فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورًا لم يره غيرها فعالجته ففتحت الباب فإذا هي بصبي صغير في التابوت وإذا نور بين عينيه وقد جعل الله رزقه في إبهامه يمص منه لبنًا فألقى الله محبته في قلب آسية وأحبه فرعون وعطف عليه.
وأقبلت بنت فرعون فلما أخرجوا الصبي من التابوت عمدت إلى ما يسيل من أشداقه من ريقه فلطخت به برصها فبرأت ثم قبلته وضمته إلى صدرها فقالت: الغواة من قوم فرعون أيها الملك إنا نظن أن ذلك المولود الذي تحذر منه من بني إسرائيل هو هذا رمي به في البحر فزعًا منك فهم فرعون بقتله فقالت آسية: قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أي فنصيب منه خيرًا أو نتخذه ولدًا وكانت لا تلد فاستوهبت موسى من فرعون فوهبه لها.
وقال فرعون: أما أنا فلا حاجة لي فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو قال يومئذٍ قرة عين لي كما هو لك لهداه الله كما هداها الله» فقيل لآسية سميه فقالت سميته موسى لأنا وجدناه في الماء والشجر لأن موسى هو الماء وهو الشجر.
قوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون} الالتقاط هو وجود الشيء من غير طلب {ليكون لهم عدوًا وحزنًا} أي عاقبة أمرهم إلى ذلك لأنهم لم يلتقطوه ليكون لهم عدوًا وحزنًا {إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين} أي آثمين وقيل: هو من الخطأ ومعناه أنهم لم يشعروا أنه الذي يذهب بملكهم {وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا ولا يشعرون} قال وهب لما نظر إليه فرعون قال عبراني من الأعداء فغاظه ذلك وقال كيف أخطأ هذا الغلام الذبح وكانت آسية امرأة فرعون من خيار النساء ومن بنات الأنبياء.
وكانت امًا للمساكين ترحمهم وتتصدق عليهم فقالت لفرعون وهي قاعدة إلى جنبه هذا الوليد أكبر من ابن سنة وأنت أمرت أن تذبح ولدان هذه السنة فدعه يكون عندي.
وقيل: إنها قالت إنه أتانا من أرض أخرى وليس هو من بني إسرائيل فاستحياه فرعون وألقى الله محبته عليه قال ابن عباس لو أن عدو الله قال في موسى كما قالت آسية عسى أن ينفعنا لنفعه الله ولكنه أبى للشقاء الذي كتبه الله عليه قوله تعالى: {وأصبح فؤاد أم موسى فارغًا} أي خاليًا من كل شيء إلا من ذكر موسى وهمه وقيل معناه ناسيًا للوحي الذي أوحى الله إليه حين أمرها أن تلقيه في اليم ولا تخاف ولا تحزن والعهد الذي عهد إليها أن يرده إليها ويجعله من المرسلين، فجاءها الشيطان وقال كرهت أن يقتل فرعون ولدك فيكون لك أجره وثوابه وتوليت أنت قتله وألقيته في البحر وأغرقته.
ولما أتاها الخبر بأن فرعون أصابه في النيل قالت إنه قد وقع في يد عدوه الذي فررت منه فأنساه عظم البلاء ما كان من عهد الله إليها {إن كادت لتبدي به} أي لتصرح بأنه ابنها من شدة وجلها.
قال ابن عباس كادت تقول وا ابناه وقيل لما رأت التابوت ترفعه موجة وتحطه أخرى خشيت عليه الغرق فكادت تصيح من شدة شفقتها عليه.
وقيل كادت تظهر أنه ابنها حين سمعت الناس يقولون موسى ابن فرعون فشق عليها ذلك وكادت تقول هو ابني وقيل كادت تبدي بالوحي الذي أوحى إليها {لولا أن ربطنا على قلبها} أي بالعصمة والصبر والتثبت {لتكون من المؤمنين} أي من المصدقين بوعد الله إياها {وقالت لأخته} أي لمريم أخت موسى {قصيه} أي اتبعي أثره حتى تعطي خبره {فبصرت به عن جنب} أي عن بعد قيل كانت تمشي جانبًا وتنظره اختلاسًا ترى أنها لا تنظره {وهم لا يشعرون} أنها أخته وأنها ترقبه {وحرمنا عليه المراضع} المراد به المنع قيل مكث موسى ثمان ليال لا يقبل ثديًا قال ابن عباس إن امرأة فرعون كان همها من الدنيا أن تجد من ترضعه كلما أتوا بمرضعة لم يأخذ ثديها وهم في طلب من يرضعه لهم {من قبل} أي قبل مجيء أم موسى وذلك لما رأته أخت موسى التي أرسلتها أمه في طلب ذلك {فقالت} يعني أخت موسى {هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم} أي يضمونه ويرضعونه وهي امرأة قتل ولدها فأحب ما تدعى إليه أن تجد صغيرًا ترضعه {وهم له ناصحون} أي لا يمنعونه ما ينفعه من تربيته وغذائه والنصح إخلاص العمل من شوائب الفساد.