فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ عاصم بفتحها.
وقرأ حمزة، وخلف، والوليد عن ابن عامر بضمها، وكلُّها لغات.
قال ابن عباس: الجذوة: قطعة حطب فيها نار، وقال أبو عبيدة: قطعة غليظة من الحطب ليس فيها لَهب، وهي مثل الجِذْمَة من أصل الشجرة، قال ابن مقبل:
باتَتْ حَوَاطِبُ لَيْلَى يَلْتَمِسْنَ لَهَا ** جَزْلَ الجِذَا غيرَ خَوَّارٍ وَلا دَعِرِ

والدَّعِر: الذي قد نَخِر، ومنه رجل داعر، أي: فاسد.
قوله تعالى: {نُودِيَ مِنْ شاطىء الواد} وهو: جانبه {الأيمنِ} وهو الذي عن يمين موسى {في البُقْعة} وهي القطعة من الأرض {المباركةِ} بتكليم الله موسى فيها {مِنَ الشجرة} أي: من ناحيتها.
وفي تلك الشجرة قولان:
أحدهما: [أنها] شجرة العنَّاب، قاله ابن عباس.
والثاني: عوسجة، قاله قتادة، وابن السائب، ومقاتل.
وما بعد هذا قد سبق بيانه [النمل: 10] إِلى قوله: {إِنك من الآمنين} أي: من أن ينالك مكروه.
قوله تعالى: {أُسْلُك يدك} أي: أَدْخِلها، {واضمُمْ إِليكَ جناحك} قد فسرنا الجناح في [طه: 22] إِلا ان بعض المفسرين خالف بين تفسير اللفظين، فشرحناه.
قال ابن زيد: جناحه: الذِّراع والعضُد والكفُّ.
وقال الزجاج: الجناح هاهنا: العضُد، ويقال لليد كلِّها: جناح.
وحكى ابن الأنباري عن الفراء أنه قال: الجناح هاهنا: العصا.
قال ابن الأنباري: الجناح للانسان مشبَّه بالجناح للطائر، ففي حال تُشبَِّه العربُ رِجْلي الإِنسان بجناحَي الطائر، فيقولون: قد مضى فلان طائرًا في جناحيه، يعنون ساعيًا على قدميه، وفي حال يجعلون العضد منه بمنزلة جناحي الطائر، كقوله: {واضمُمْ يدك إِلى جناحك} وفي حال يجعلون العصا بمنزلة الجناح، لأن الإِنسان يدفع بها عن نفسه كدفع الطائر عن نفسه بجناحه، كقوله: {واضمُمْ إِليك جناحك مِنْ الرَّهْب} وإِنما يوقع الجناح على هذه الأشياء تشبيهًا واستعارة، كما يقال: قد قُصَّ جناح الإِنسان، وقد قُطعت يده ورجله: إِذا وقعت به جائحة أبطلت تصرُّفه؛ ويقول الرجل للرجل: أنت يدي ورِجْلي، أي: أنت مَنْ به أُصِلُ إِلى محابِّي، قال جرير:
سَأَشْكُرُ أَنْ رَدَدْتَ إِليَّ رِيشي ** وأَنْبَتَّ القَوادمَ في جَناحِي

وقالت امرأة من العرب ترثي زوجها الأغرّ:
يا عِصمتي في النَّائبات ويا ** رُكْني الأغرّ ويا يَدي اليمنى

لا صُنْتُ وجهًا كنتُ صَائنه ** أبدًا ووجهك في الثرى يَبْلى

فأمَّا الرَّهَب، فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {مِنَ الرَّهَب} بفتح الراء والهاء.
وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {من الرُّهْب} بضم الراء وسكون الهاء.
وقرأ حفص [وأبان] عن عاصم: {من الرَّهْب} بفتح الراء وسكون الهاء وهي قراءة ابن مسعود، وابن السميفع.
وقرأ أُبيّ بن كعب، والحسن، وقتادة، بضم الراء والهاء.
قال الزجاج: الرُّهْب، والرَّهَب بمعنى واحد، مثل الرُّشْد، والرَّشَد.
وقال أبو عبيدة: الرُّهْب والرَّهْبة بمعنى الخوف والفَرَق.
قال ابن الأنباري: الرَّهْبُ، والرُّهُب، والرَّهَب، مثل الشَّغْل، والشُّغْل، والشَّغَل، والبَخْل، والبُخُل، والبَخَل، وتلك لغات ترجع إلى معنى الخوف والفَرَق.
وللمفسرين في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال:
أحدها: أنَّه لمَّا هرب من الحيَّة أمره الله أن يَضُم إِليه جناحه ليذهب عنه الفزع.
قال ابن عباس: المعنى: اضمم يدك إِلى صدرك من الخوف ولا خوف عليك.
وقال مجاهد: كلٌّ مَنْ فَزِع فضَمَّ جناحه إِليه ذهب عنه الفَزَع.
والثاني: أنَّه لمَّا هاله بياض يده وشعاعها، أُمِر أن يُدْخِلها في جيبه، فعادت إلى حالتها الأولى.
والثالث: أن معنى الكلام: سَكِّن رَوْعَك، وثَبِّت جأْشَك.
قال أبو علي: ليس يراد به الضَّمُّ بين الشيئين، إِنما أُمِر بالعزم على ما أُمِر به والجدِّ فيه، ومثله: اشدد حيازيمك للموت.
قوله تعالى: {فذانك} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {فذانِّك} بالتشديد.
وقرأ الباقون: {فذانك} بالتخفيف.
قال الزجاج: التشديد تثنية ذلك، والتخفيف تثنية ذاك، فجعل اللام في ذلك بدلًا من تشديد النون في ذانِّك، {بُرْهانان} أي: بيانان اثنان.
قال المفسرون: {فذانك} يعني العصا واليد، حُجَّتان من الله لموسى على صِدْقه، {إِلى فرعون} أي: أرسلنا بهاتين الآيتين إِلى فرعون. اهـ.

.قال القرطبي:

{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل} قال سعيد بن جبير: سألني رجل من النصارى أي الأجلين قضى موسى.
فقلت: لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله يعني ابن عباس فقدمت عليه فسألته؛ فقال: قضى أكملهما وأوفاهما.
فأعلمت النصراني فقال: صدق والله هذا العالم.
وروي عن ابن عباس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سأل في ذلك جبريل فأخبره أنه قضى عشر سنين.
وحكى الطبريّ عن مجاهد أنه قضى عشرًا وعشرًا بعدها؛ قال ابن عطية: وهذا ضعيف.
الثانية: قوله تعالى: {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} قيل: فيه دليل على أن الرجل يذهب بأهله حيث شاء؛ لما لَهُ عليها من فضل القوّامية وزيادة الدرجة إلا أن يلتزم لها أمرًا فالمؤمنون عند شروطهم، وأحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج.
الثالثة: قوله تعالى: {آنَسَ مِن جَانِبِ الطور نَارًا} الآية.
تقدّم القول في ذلك في طه.
والجِذوة بكسر الجيم قراءة العامة، وضمها حمزة ويحيى، وفتحها عاصم والسُّلَمي وزرّ بن حُبيش.
قال الجوهري: الجِذْوة والْجُذْوَة والْجَذْوَةُ الجمرة الملتهبة والجمع جِذًا وجُذًا وجَذًا.
قال مجاهد في قوله تعالى: {أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النار} أي قطعة من الجمر؛ قال: وهي بلغة جميع العرب.
وقال أبو عبيدة: والجِذْوة مثل الجِذمة وهي القطعة الغليظة من الخشب كان في طرفها نار أو لم يكن.
قال ابن مقبل:
بَاتَتْ حَوَاطِبُ لَيْلَى يَلْتَمِسْنَ لَهَا ** جَزْلَ الْجِذَا غَيْرَ خَوّارٍ وَلا دَعِرِ

وقال:
وَأَلْقَى على قَيْسٍ منَ النَّار جِذْوَةً ** شديدًا عليها حَمْيُها ولهيبُها

قوله تعالى: {فَلَمَّآ أَتَاهَا} يعني الشجرة قدم ضميرها عليها.
{نُودِيَ مِن شَاطِىءِ الوادي} {مِن} الأولى والثانية لابتداء الغاية، أي أتاه النداء من شاطىء الوادي من قبل الشجرة.
و{مِنَ الشَّجَرَةِ} بدل من قوله: {مِنْ شَاطِىءِ الْوَادِ} بدل الاشتمال؛ لأن الشجرة كانت نابتة على الشاطىء، وشاطىء الوادي وشطه جانبه، والجمع شُطَّان وشواطىء، ذكره القشيري.
وقال الجوهري: ويقال شاطىء الأودية ولا يجمع.
وشاطأت الرجل إذا مشيت على شاطىء ومشى هو على شاطىء آخر.
{الأيمن} أي عن يمين موسى.
وقيل: عن يمين الجبل.
{فِي البقعة المباركة} وقرأ الأشهب العقيلي: {فِي الْبَقْعَةِ} بفتح الباء.
وقولهم بِقعا يدلّ على بَقْعة؛ كما يقال جَفْنة وجِفَان.
ومن قال بُقْعة قال بُقَع مثل غُرْفة وغُرَف.
{مِنَ الشجرة} أي من ناحية الشجرة.
قيل: كانت شجرة العلَّيق.
وقيل: سَمُرة وقيل: عَوْسج.
ومنها كانت عصاه؛ ذكره الزمخشري.
وقيل: عُنَّاب، والعَوْسج إذا عظم يقال له الغَرْقَد.
وفي الحديث: إنه من شجر اليهود فإذا نزل عيسى وقتل اليهود الذين مع الدّجال فلا يختفي أحد منهم خلف شجرة إلا نطقت وقالت يا مسلم هذا يهودي ورائي تعال فاقتله إلا الغَرْقَد فإنه من شجر اليهود فلا ينطق.
خرجه مسلم.
قال المهدوي: وكلم الله تعالى موسى عليه السلام من فوق عرشه وأسمعه كلامه من الشجرة على ما شاء.
ولا يجوز أن يوصف الله تعالى بالانتقال والزوال وشِبه ذلك من صفات المخلوقين.
قال أبو المعالي: وأهل المعاني وأهل الحق يقولون مَن كلمه الله تعالى وخصّه بالرتبة العليا والغاية القصوى، فيدرك كلامه القديم المتقدس عن مشابهة الحروف والأصوات والعبارات والنغمات وضروب اللغات، كما أن مَن خصه الله بمنازل الكرامات وأكمل عليه نعمته، ورزقه رؤيته يرى الله سبحانه منزّهًا عن مماثلة الأجسام وأحكام الحوادث، ولا مثل له سبحانه في ذاته وصفاته، وأجمعت الأمة على أن الرب تعالى خصص موسى عليه السلام وغيره من المصطفين من الملائكة بكلامه.
قال الأستاذ أبو إسحاق: اتفق أهل الحق على أن الله تعالى خلق في موسى عليه السلام معنى من المعاني أدرك به كلامه كان اختصاصه في سماعه، وأنه قادر على مثله في جميع خلقه.
واختلفوا في نبينا عليه السلام هل سمع ليلة الإسراء كلام الله، وهل سمع جبريل كلامه على قولين؛ وطريق أحدهما النقل المقطوع به وذلك مفقود، واتفقوا على أن سماع الخلق له عند قراءة القرآن على معنى أنهم سمعوا العبارة التي عرفوا بها معناه دون سماعه له في عينه.
وقال عبد الله بن سعد بن كلاب: إن موسى عليه السلام فهم كلام الله القديم من أصوات مخلوقة أثبتها الله تعالى في بعض الأجسام.
قال أبو المعالي: وهذا مردود؛ بل يجب اختصاص موسى عليه السلام بإدراك كلام الله تعالى خرقًا للعادة، ولو لم يُقَلَ ذلك لم يكن لموسى عليه السلام اختصاص بتكليم الله إياه.
والرب تعالى أسمعه كلامه العزيز، وخلق له علمًا ضروريًا، حتى علم أن ما سمعه كلام الله، وأن الذي كلّمه وناداه هو الله رب العالمين.
وقد ورد في الأقاصيص أن موسى عليه السلام قال: سمعت كلام ربي بجميع جوارحي، ولم أسمعه من جهة واحدة من جهاتي.
وقد مضى هذا المعنى في البقرة مستوفى.
{أَن يا موسى} {أَنْ} في موضع نصب بحذف حرف الجر أي ب {أَنْ يَا مُوسَى}.
{إني أَنَا الله رَبُّ العالمين} نفى لربوبية غيره سبحانه.
وصار بهذا الكلام من أصفياء الله عز وجل لا من رسله؛ لأنه لا يصير رسولًا إلا بعد أمره بالرسالة، والأمر بها إنما كان بعد هذا الكلام.
قوله تعالى: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} عطف على {أَنْ يَا مُوسَى} وتقدم الكلام في هذا في النمل وطه.
و{مُدْبِرًا} نصب على الحال وكذلك موضع قوله: {وَلَمْ يُعَقِّبْ} نصب على الحال أيضًا.
{يا موسى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ} قال وهب: قيل له ارجع إلى حيث كنت.