فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فرجع فلفَّ دُرَّاعته على يده، فقال له الملك: أرأيت إن أراد الله أن يصيبك بما تحاذر أينفعك لَفُّك يدك؟ قال: لا ولكني ضعيف خلقت من ضعف.
وكشف يده فأدخلها في فم الحية فعادت عصا.
{إِنَّكَ مِنَ الآمنين} أي مما تحاذر.
قوله تعالى: {اسلك يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} الآية؛ تقدّم القول فيه.
{واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرهب} {من} متعلقة ب {وَلَّى} أي ولّى مدبرًا من الرهب.
وقرأ حفص والسُّلَميّ وعيسى بن عمر وابن أبي إسحاق: {مِنَ الرَّهْبِ} بفتح الراء وإسكان الهاء.
وقرأ ابن عامر والكوفيون إلا حفص بضم الراء وجزم الهاء.
الباقون بفتح الراء والهاء.
واختاره أبو عبيد وأبو حاتم؛ لقوله تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: 90] وكلها لغات وهو بمعنى الخوف.
والمعنى إذا هَالَك أمرُ يَدِك وشعاعها فأدخلها في جيبك وارددها إليه تعد كما كانت.
وقيل: أمره الله أن يضم يده إلى صدره فيذهب عنه خوف الحية.
عن مجاهد وغيره ورواه الضحاك عن ابن عباس؛ قال: فقال ابن عباس: ليس من أحد يدخله رعب بعد موسى عليه السلام، ثم يدخل يده فيضعها على صدره إلا ذهب عنه الرعب.
ويحكى عن عمر ابن عبد العزيز رحمه الله: أن كاتبًا كان يكتب بين يديه، فانفلتت منه فلتة ريح فخجل وانكسر، فقام وضرب بقلمه الأرض.
فقال له عمر: خذ قلمك واضمم إليك جناحك، وليفرخ روعك فإني ما سمعتها من أحد أكثر مما سمعتها من نفسي.
وقيل: المعنى اضمم يدك إلى صدرك ليذهب الله ما في صدرك من الخوف.
وكان موسى يرتعد خوفًا إما من آل فرعون وإما من الثعبان.
وضم الجناح هو السكون؛ كقوله تعالى: {واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحمة} [الإسراء: 24] يريد الرفق.
وكذلك قوله: {واخفض جَنَاحَكَ لِمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} [الشعراء: 215] أي ارفق بهم.
وقال الفراء: أراد بالجناح عصاه.
وقال بعض أهل المعاني: الرهب الكُمّ بلغة حمير وبني حنيفة.
قال مقاتل: سألتني أعرابية شيئًا وأنا آكل فملأت الكف وأومأت إليها فقالت: هاهنا في رهبي.
تريد في كُمّي.
وقال الأصمعي: سمعت أعرابيًا يقول لآخر أعطني رهبك.
فسألته عن الرهب فقال: الكُمّ؛ فعلى هذا يكون معناه اضمم إليك يدك وأخرجها من الكُم؛ لأنه تناول العصا ويده في كمه وقوله: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} يدلّ على أنها اليد اليمنى؛ لأن الجيب على اليسار.
ذكره القشيري.
قلت: وما فسروه من ضم اليد إلى الصدر يدلّ على أن الجيب موضعه الصدر.
وقد مضى في سورة النور بيانه.
الزمخشري: ومن بدع التفاسير أن الرهب الكُم بلغة حمير وأنهم يقولون أعطني مما في رهبك، وليت شعري كيف صحته في اللغةا وهل سمع من الأثبات الثقات الذين ترتضى عربيتهم، ثم ليت شعري كيف موقعه في الآية، وكيف تطبيقه المفصل كسائر كلمات التنزيل؛ على أن موسى صلوات الله عليه ما كان عليه ليلة المناجاة إلا زُرْمَانِقَة من صوف لا كمين لها.
قال القشيري: وقوله: {واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} يريد اليدين إن قلنا أراد الأمن من فزع الثعبان.
وقيل: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} أي شمر واستعد لتحمل أعباء الرسالة.
قلت: فعلى هذا قيل: {إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ} أي من المرسلين؛ لقوله تعالى: {إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ المرسلون} [النمل: 10].
قال ابن بحر: فصار على هذا التأويل رسولًا بهذا القول.
وقيل: إنما صار رسولًا بقوله: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} والبرهانان اليد والعصا.
وقرأ ابن كثير: بتشديد النون وخففها الباقون.
وروى أبو عمارة عن أبي الفضل عن أبي بكر عن ابن كثير، {فَذَانِّيكَ} بالتشديد والياء.
وعن أبي عمرو أيضًا قال لغة هذيل: {فَذَانِيكَ} بالتخفيف والياء.
ولغة قريش {فَذَانِكَ} كما قرأ أبو عمرو وابن كثير.
وفي تعليله خمسة أقوال: قيل شدّد النون عوضًا من الألف الساقطة في ذانك الذي هو تثنية ذا المرفوع، وهو رفع بالابتداء، وألف ذا محذوفة لدخول ألف التثنية عليها، ولم يلتفت إلى التقاء الساكنين؛ لأن أصله فذانك فحذف الألف الأولى عوضًا من النون الشديدة.
وقيل: التشديد للتأكيد كما أدخلوا اللام في ذلك.
مكي: وقيل إن من شدّد إنما بناه على لغة من قال في الواحد ذلك، فلما بنى أثبت اللام بعد نون التثنية، ثم أدغم اللام في النون على حكم إدغام الثاني في الأوّل، والأصل أن يدغم الأوّل أبدًا في الثاني، إلا أن يمنع من ذلك علّة فيدغم الثاني في الأوّل، والعلّة التي منعت في هذا أن يدغم الأوّل في الثاني أنه لو فعل ذلك لصار في موضع النون التي تدلّ على التثنية لام مشدّدة فيتغير لفظ التثنية فأدغم الثاني في الأوّل لذلك؛ فصار نونًا مشدّدة.
وقد قيل: إنه لما تنافى ذلك أثبت اللام قبل النون ثم أدغم الأوّل في الثاني على أصول الإدغام فصار نونًا مشدّدة.
وقيل: شدّدت فرقًا بينها وبين الظاهر التي تسقط الإضافة نونه؛ لأن ذان لا يضاف.
وقيل: للفرق بين الاسم المتمكن وبينها.
وكذلك العلّة في تشديد النون في {اللذان} و{هذان}.
قال أبو عمرو: إنما اختص أبو عمرو هذا الحرف بالتشديد دون كل تثنية من جنسه لقلة حروفه فقرأه بالتثقيل.
ومن قرأ: {فَذَانِيكَ} بياء مع تخفيف النون فالأصل عنده {فَذَانِّكَ} بالتشديد فأبدل من النون الثانية ياء كراهية التضعيف، كما قالوا: لا أملاه في لا أَمَلُّه فأبدلوا اللام الثانية ألفًا.
ومن قرأ بياء بعد النون الشديدة فوجهه أنه أشبع كسرة النون فتولدت عنها الياء. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فلما قضى موسى الأجل} جاء على النبي صلى الله عليه وسلم أنه وفي أطول الأجلين، وهو العشر.
وعن مجاهد: وفي عشر أو عشرًا بعدها، وهذا ضعيف.
{وسار بأهله} أي نحو مصر بلده وبلد قومه.
والخلاف فيمن تزوّج، الكبرى أم الصغرى، وكذلك في اسمها.
وتقدّم كيفية مسيره، وإيناسه النار في سورة طه وغيرها.
وقرأ الجمهور: جذوة، بكسر الجيم؛ والأعمش، وطلحة، وأبو حيوة، وحمزة: بضها؛ وعاصم، غير الجعفي: بفتحها.
{لعلكم تصطلون} أي تتسخنون بها، إذ كانت ليلة باردة، وقد أضلوا الطريق.
{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)}.
من، في: من شاطىء، لابتداء الغاية، ومن الشجرة كذلك، إذ هي بدل من الأولى، أي من قبل الشجرة.
والأيمن: يحتمل أن يكون صفة للشاطىء وللوادي، على معنى اليمن والبركة، أو الأيمن: يريد المعادل للعضو الأيسر، فيكون ذلك بالنسبة إلى موسى، لا للشاطىء، ولا للوادي، أي أيمن موسى في استقباله حتى يهبط الوادي، أو بعكس ذلك؛ وكل هذه الأقوال في الأيمن مقول.
وقرأ الأشهب العقيلي، ومسلمة: في البقعة، بفتح الباء.
قال أبو زيد: سمعت من العرب: هذه بقعة طيبة، بفتح الباء، ووصفت البقعة بالبركة، لما خصت به من آيات الله وأنواره وتكليمه لموسى عليه السلام، أو لما حوت من الأرزاق والثمار الطيبة.
ويتعلق في البقعة بنودي، أو تكون في موضع الحال من شاطىء.
والشجرة عناب، أو عليق، أو سمرة، أو عوسج، أقوال.
وأن: يحتمل أن تكون حرف تفسير، وأن تكون مخففة من الثقيلة.
وقرأت فرقة: {إني أنا} بفتح الهمزة، وفي إعرابه إشكال، لأن إن، إن كانت تفسيرية، فينبغي كسر إني، وإن كانت مصدرية، تتقدر بالمفرد، والمفرد لا يكون خبرًا لضمير الشأن، فتخريج هذه القراءة على أن تكون إن تفسيرية، وإني معمول لمضمر تقديره: إني يا موسى أعلم إني أنا الله.
وجاء في طه: {نودي يا موسى إني أنا ربك} وفي النمل: {نودي أن بورك من في النار} وهنا: {نودي من شاطىء} ولا منافاة، إذ حكى في كل سورة بعض ما اشتمل عليه ذلك النداء.
والجمهور: على أنه تعالى كلمه في هذا المقام من غير واسطة.
وقال الحسن: ناداه نداء الوحي، لا نداء الكلام.
وتقدم الكلام على نظير قوله: {وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرًا ولم يعقب} ثم أمره فقال: {اسلك يدك في جيبك} وهو فتح الجبة من حيث تخرج الرأس، وكان كم الجبة في غاية الضيق.
وتقدّم الكلام على: {تخرج بيضاء من غير سوء} وفسر الجناح هنا باليد وبالعضد وبالعطاف، وبما أسفل من العضد إلى الرسغ، وبجيب مدرعته.
والرهب: الخوف، وتأتي القراءات فيه.
وقيل: بفتح الراء والهاء: الكم، بلغة بني حنيفة وحمير، وسمع الأصمعي قائلًا يقول: اعطني ما في رهبك، أي في كمك، والظاهر حمل: {واضمم إليك جناحك من الرهب} على الحقيقة.
قال الثوري: خاف موسى أن يكون حدث به سوء، فأمره تعالى أن يعيد يده إلى جيبه لتعود على حالتها الأولى، فيعلم موسى أنه لم يكن سوءًا بل آية من الله.
وقال مجاهد، وابن زيد: أمره بضم عضده وذراعه، وهو الجناح، إلى جنبه، ليخف بذلك فزعه.
ومن شأن الإنسان إذا فعل ذلك في وقت فزعه أن يقوي قلبه.
وقيل: لما انقلبت العصا حية، فزع موسى واضطرب، فاتقاها بيده، كما يفعل الخائف من الشيء، فقيل له: أدخل يدك تحت عضدك مكان اتقائك بها، ثم أخرجها بيضاء لتظهر معجزة أخرى، وهذا القول بسطه الزمخشري، لأنه كالتكرار لقوله: {اسلك يدك في جيبك}.
وقد قال هو والجناح هنا اليد، قال: لأن يدي الإنسان بمنزلة جناحي الطائر، وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضده اليسرى، فقد ضم جناحه إليه.
وقيل: المعنى إذا هالك أمر لما يغلب من شعاعها، فاضممها إليك تسكن.
وقالت فرقة: هو مجاز أمره بالعزم على ما أمره به، كما تقول العرب: أشدد حيازيمك واربط جأشك، أي شمر في أمرك ودع الرهب، وذلك لما كثر تخوفه وفزعه في غير موطن، قاله أبو علي، وكأنه طيره الفزع، وآلة الطيران الجناح.
فقيل له: اسكن ولا تخف، وضم منشور جناحك من الخوف إليك، وذكر هذا القول الزمخشري، فقال والثاني أن يراد بضم جناحه إليه: تجلده وضبطه نفسه وتشدده عند انقلاب العصا حية، حتى لا يضطرب ولا يرهب، استعارة من فعل الطائر، لأنه إذا خاف نشر جناحيه وأرخاهما، وإلا فجناحاه مضمومان إليه مشمران.